كتب – حسام عيد

تجاهل تنزانيا لأفضل الممارسات العالمية في مكافحة جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19” قد يؤثر سلبًا على علاقاتها الدولية، ويسبب القلق في الداخل.

في كل يوم أحد، يزور رئيس البلاد جون بومبيه ماغوفولي، الكنيسة المحلية في مسقط رأسه ببلدة تشاتو في منطقة جايتا شمال غرب تنزانيا، وبعد حضور القداس يمر بجانب سوق السمك على ضفاف بحيرة فيكتوريا، ويستمر في العمل كالمعتاد في خضم أزمة صحية عالمية.

وبينما تحركت الدول المجاورة بسرعة لتنفيذ إجراءات وقائية ضد “كوفيد-19″، قلل رئيس تنزانيا مرارًا وتكرارًا من خطورة هذا الوباء؛ لم يتم تنفيذ أي إغلاق، وما تزال الحانات والمطاعم والمباني الدينية مفتوحة، في حين يدعي ماغوفولي أن الصلاة ستحمي من الفيروس القاتل.

تصاعد مخاوف التفشي

وأثار عدم وجود رد فعل من الحكومة، المخاوف من إصابة أعداد كبيرة من السكان بالفعل، وحذرت السفارة الأمريكية من أنه “على الرغم من التقارير الرسمية المحدودة، تشير جميع الأدلة إلى النمو المتسارع للوباء في العاصمة دار السلام وأماكن أخرى في تنزانيا”.

لكن ذهب النائب المعارض زيتو كابوي، إلى أبعد من ذلك؛ فرئيس حزب التحالف من أجل التغيير والشفافية، يزعم أن عدد الإصابات أعلى بما يصل إلى سبع مرات من الرقم الرسمي البالغ حوالي 509 إصابات مؤكدة و21 وفاة جراء فيروس كورونا حتى يوم 2 يونيو 2020، الأمر الذي سيضع تنزانيا بين أكثر البلدان جنوب الصحراء الكبرى تأثرًا.

إن احتمال حدوث أزمة صحية غير منضبطة هو مصدر قلق متزايد لجيران تنزانيا، وحث الرئيس الرواندي بول كاجامي، والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، ورئيس الوزراء الكيني السابق رايلا أودينجا، ماغوفولي، على تغيير أسلوبه خشية أن يهدد انتشار الفيروس بلا هوادة في نهاية المطاف قدرتهم على إعادة فتح الحدود. وفي المقابل، تجاهل رئيس تنزانيا مكالماتهم ودعواتهم، كما قاطع اجتماع مجموعة شرق أفريقيا (EAC) لمناقشة تداعيات وباء كورونا وسبل مكافحته والسيطرة عليه في 12 مايو الماضي.

لقد أغلقت زامبيا وكينيا بالفعل حدودهما مع تنزانيا، خوفًا من التداخل وانتقال عدوى الإصابة بكورونا، ويمكن لجيرانها الآخرين أن يحذوا حذوها.

جدل وخلاف حول معدل الإصابة

في أوائل شهر مايو الماضي، قوض الرئيس ماغوفولي، المجتمع العلمي التنزاني بادعاء غريب، وبموجب تعليماته قدمت قوات الأمن عينات من الماعز ونبات البابايا إلى المختبر الوطني الذي ثبتت صحته لاحقًا لـ”كوفيد-19″، وأكد أن هذا أظهر أن عدد الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس كان أعلى مما ينبغي.

وحتى منتصف مايو الماضي، أجرت السلطات والدوائر الصحية في تنزانيا حوالي 650 اختبارًا منذ الإعلان عن حالة الإصابة الأولى بفيروس كورونا في 16 مارس الماضي -73% منها كانت إيجابية- ما يعني أن تنزانيا واحدة من أعلى معدلات الإصابة بالوباء في أفريقيا.

واتهم سياسيون ونشطاء من المعارضة، الحكومة؛ بإخفاء العدد الحقيقي للوفيات المرتبطة بـ”كوفيد-19″ بدفن المرضى المتوفين ليلًا في دار السلام وأروشا. وكان آخر تحديث من الحكومة في 29 أبريل الماضي، مما عزز المخاوف من إخفاء الحجم الحقيقي للعدوى.

النائب المعارض كابوي، قال: “معدلات الوفيات مرتفعة للغاية، ومعدلات الإصابة مرتفعة للغاية والحكومة لا تبلغ عما يحدث”.

بينما رد حسن عباس -كبير المتحدثين باسم الحكومة على تصريحات زيتو كابوي- قائلًا: “إن مزاعم الدفن في الليل لا معنى لها”، لينفي بذلك وجود حالات لم يتم الإبلاغ عنها.

ومع ذلك، فإن الوفيات المشبوهة أكثر انتشارًا من مجرد الدفن السري.

وقاطعت أحزاب المعارضة البرلمان بعد وفاة ثلاثة من المشرعين الذين أبلغوا عن أعراض فيروس كورونا المستجد، ورغم ذلك ترفض الحكومة فتح تحقيق وتصر على أن الوفيات لم تكن مريبة.

وقد قوبلت مزاعم وسائل الإعلام بأن الوفيات التي كانت مرتبطة بـ”كوفيد-19″ أو أن الحكومة فشلت في واجباتها في حماية مواطنيها برد فعل عنيف، وقال رولاند إيبول -الباحث التنزاني في منظمة العفو الدولية- إن خمسة منافذ إعلامية دفعت غرامات وتم تعليق اثنتين أخريين لتشكيكهما في نهج الحكومة.

وأضاف: “إذا أبلغ الصحفيون عن أي شيء يتعلق بـ”كوفيد-19″، سواء كانت تدابير حكومية أو عدد الحالات، فعليهم الحصول على هذه المعلومات من مصادر حكومية.. أما أولئك الذين تسببوا في إزعاج للسلطات فمنهم من تم توقيفه عن العمل وتعليق نشاطه، ومنهم من تم تغريمه”.

تهديد قطاعات الاقتصاد

إلى جانب تجاهل تنزانيا لأفضل الممارسات العالمية في مواجهة “كوفيد-19″، لم تفعل الحكومة الكثير لدعم الاقتصاد الذي يعاني من انهيار صناعة السياحة.

وعلى الرغم من عدم فرض إغلاق أو قيود في تنزانيا حاليًا، فقد توقف التدفق الداخلي للسياح وأغلقت العديد من فنادق البلاد. وعادة ما يمثل القطاع حوالي ربع إيرادات العملة الصعبة، وزار حوالي 1.5 مليون سائح البلاد في عام 2018.

ويخشى المنتقدون من أن الأدلة المتزايدة على الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها ستثني السياح عن العودة إلى تنزانيا، ما يعني توجيه ضربة اقتصادية دائمة بعد فترة طويلة من عودة العالم إلى طبيعته.

بينما يمكن لكينيا، المنافس الإقليمي الرئيسي لتنزانيا في مجال السياحة، جذب المزيد من السياح في شرق أفريقيا إذا أثبتت معالجتها الأكثر صرامة للوباء نجاحها.

على عكس جيرانها، ما يزال على تنزانيا الاعتماد على تسهيلات الائتمان السريع (RCF) الخاصة بصندوق النقد الدولي، والتي تقدم تمويلًا ميسرًا بدون شروط للبلدان منخفضة الدخل.

وقال ممثل صندوق النقد الدولي في تنزانيا، جينس رينكي: إن “الحكومة لا تعتبر الأزمة مشكلة كبيرة”.

وأوضح رينكي أن الصندوق يقوم بصرف الأموال في غضون ثلاثة أسابيع من الانتهاء من تقديم الطلب.

ويمكن لتنزانيا الوصول إلى ما يصل إلى 397.8 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة (SDRs)، وهي وحدة حساب يستخدمها صندوق النقد الدولي والتي تتوافق مع عدد الأسهم المملوكة للمقرض العالمي من قبل كل دولة. ويمكن للبنوك المركزية استخدام حقوق السحب الخاصة كاحتياطي إضافي للعملات الأجنبية لتأمين الدولار خلال وقت الأزمة، ووصلت كينيا إلى 739 مليون دولار، أي ما يعادل 100% من حقوق السحب الخاصة البالغة 542.8 مليون دولار.

ويقول النائب المعارض زيتو كابوي: “توصلت دول أخرى إلى حزم تحفيز اقتصادي، ولم تفعل تنزانيا ذلك؛ هذا يعني أن كينيا وأوغندا ورواندا ستتعافى أسرع من تنزانيا”.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد تنزانيا بنسبة 2% هذا العام، بانخفاض من 6.3% في 2019. وقد طلب قادة الأعمال خطة إنقاذ من الحكومة وسط انخفاض حاد في الإيرادات.

وقالت مؤسسة تنزانيا للقطاع الخاص إنها كانت تنظم إجازات قرض مع بنك تنزانيا لتجنب التخلف عن السداد الشامل “تمديد فترة سماح السداد”، وتعد صندوقًا خاصًّا لدعم الشركات.

في غضون ذلك، تقول الحكومة إنها اختتمت تقييمًا اقتصاديًّا وتعمل على استجابات سياسية محتملة.

وقد خفض البنك المركزي متطلبات الحد الأدنى القانوني للاحتياطيات للبنوك التجارية إلى 6% من 7%، وخفض معدل الخصم للبنوك في محاولة لتعزيز السيولة.

تداعيات محتملة على انتخابات أكتوبر

ويبقى أن نرى ما إذا كانت استجابة ماغوفولي -الغريبة لمكافحة فيروس كورونا المستجد- ستساعده أم ستعوق حملته لإعادة انتخابه رئيسًا للبلاد، حينما يتجه الشعب نحو التصويت الوطني في أكتوبر 2020.

من ناحية، فإن سياسته الشعبوية لإبقاء أماكن العبادة مفتوحة ستجذب العديد من المواطنين في مجتمع متدين للغاية.

عند وصوله إلى السلطة على خلفية برنامج مكافحة الفساد والقومية، فإن قاعدة دعمه تقع بشكل رئيسي بين فقراء الريف.

ولكن على الرغم من كل جهوده للسيطرة على السرد الإعلامي، فإن تقارير المدافن الليلية المنشورة على المواقع الإخبارية الدولية بدأت تؤثر على النفس الوطنية.

زعيم حزب التحالف من أجل التغيير والشفافية المعارض، زيتو كابوي، يقول:  “ستحدد الأزمة إرثه. أنا متأكد تمامًا من أن التنزانيين لن يغفروا له أبدًا بسبب الافتقار إلى القيادة خلال هذه الأزمة.. والآن، عشية الانتخابات، بدأ الناس يرون أشياء لم يروها من قبل مثل الدفن الليلي”.

ومع ذلك، تفتقر المعارضة إلى شخصية بارزة للطعن في محاولة إعادة انتخابه. وبرز كابوي كناقد رئيسي خلال الأزمة، لكن حزب التحالف من أجل التغيير والشفافية  ACT-Wazalendo يشغل مقعدًا واحدًا فقط في برلمان تنزانيا.

حزب المعارضة الآخر، شاديما، لديه 62 مقعدًا مقابل 287 من الحزب الحاكم. والرئيس الحالي لحزب شاديما، فريمان مبوي، لديه أنصار بين التنزانيين الحضريين لكنه يفتقر إلى دعم أوسع.

أما الرمز والشخصية المركزية لحزب شاديما –حزب المعارضة الرئيسي والأكبر في تنزانيا- “توندو ليسو” في المنفى الطوعي في بلجيكا منذ عام 2017 بعد إطلاق النار عليه عدة مرات في دودوما أثناء انتظاره في سيارة متوقفة خارج البرلمان، وكانت شخصيات المعارضة تأمل في عودة ليسو لخوض الانتخابات كواحد من السياسيين الوحيدين الذين يتمتعون بجاذبية بعيدة المدى، وهذا ما دفع المحامي السابق توندو ليسو، بالتأكيد على أنه يخطط للعودة بمجرد ضمان سلامته، حيث قال: “هذا يعني، إذا لم يتم ضمان أمني، فلن يكون من السهل بالنسبة لي أن أعود إلى بلدي لخوض الانتخابات، أريد أن أحارب ماغوفولي من خلال الوسائل الديمقراطية، لا يمكنني فعل ذلك إلا إذا كنت على قيد الحياة “.