كتب – محمد الدابولي

أسفرت الانتخابات الجزائرية الرئاسية التي أُجريت في 12 ديسمبر 2019 عن فوز المرشح ورئيس الوزراء السابق عبدالمجيد تبون برئاسة الجزائر؛ ليكون بذلك تاسع رئيس للجزائر منذ استقلالها عام 1962 وحتى اليوم، وتأتي الانتخابات المحلية الجزائرية في سياق محلي مضطرب للغاية غُلب عليه الطابع الاحتجاجي.

حيث اندلعت الاحتجاجات الجزائرية في نهاية فبراير 2019 على خلفية توجه الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة للترشح لعهدة انتخابية خامسة، الأمر الذي رفضته العديد من الكيانات السياسة الجزائرية لأسباب متعددة أهمها بقاء بوتفليقة فترة طويلة من الزمن قاربت العقدين، واعتلال صحته الأمر الذي أعاقه من ممارسة مهماه الرئاسية بشكل عملي خلال عهدته الرابعة والأهم من ذلك أن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة كانت من أجل تمرير ترشح السعيد بوتفليقة لرئاسة البلاد خلفا لأخيه.

تميز الحراك السياسي الجزائري (فبراير 2019) بالعفوية والشعبية وعدم وجود قيادات شعبية واضحة له الأمر الذي أدخله في فخ انعدام سقف الطموحات السياسية له، إذ تخطى سقف الطموحات مسألة تنحي “بوتفليقة” وتقديم عدد من رموز حكم بوتفليقة إلى المحاكمة إلى ضرورة إزالة كافة مقومات النظام السياسي الجزائري السابق والشروع في كتابة دستور جديد قبل إجراء الانتخابات الجزائرية.

الانتخابات في سياق الاحتجاجات

يعيش الشارع السياسي الجزائري منذ فبراير 2019 على وقع احتجاجات أسبوعية رافضة للمسار السياسي الذي أعيد رسمه فور تنحي “بوتفليقة” وتولي رئيس مجلس الأمة “عبدالقادر بن صالح” رئيسا للبلاد لفترة مؤقتة باعتباره امتدادا لنظام بوتفليقة.

من المؤكد أن الانتخابات التي أجريت خلال الأسبوع الماضي تأثرت بشكل بالغ بالاحتجاجات التي تشهدها البلاد إذ لم تتخطّ المشاركة الشعبية في الانتخابات نسبة 40% من إجمال أصوات الناخبين، وهو ما يفسره البعض بمقاطعة شعبية للانتخابات الرئاسية، حيث سجلت الانتخابات السابقة (2014) نسبة 51% من إجمالي الناخبين.

كما أن مخرجات الانتخابات الرئاسية لم تلق قبولًا وسط الأوساط السياسية الرائدة في حراك التظاهرات، حيث حاول العديد من المتظاهرين اقتحام العديد من اللجان الانتخابية والاشتباك مع قوات الشرطة وإطلاق الشعارات المناهضة بالانتخابات وبالفائز “عبدالمجيد تبون” إذ صنفه المتظاهرون على أنه من رموز نظام بوتفليقة.

من الإطار الثوري إلى الإطار الدستوري

كشف الحراك السياسي الجزائري في بدياته إلى وجود معارضة داخل النظام نفسه لترشح “عبد العزيز بوتفليقة” تجلى ذلك في العديد من المواقف التاريخية أبرزها موقف رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري “أحمد قايد صالح” الذي انحاز للحراك الشعبي في مارس 2019.

منذ انطلاق الحراك الشعبي في فبراير 2019 ترقب الجميع موقف الجيش الجزائري الذي تجلى بوضوح يوم 26 مارس 2019 حين طالب “صالح” المجلس الدستوري بضرورة تفعيل المادة 102 من الدستور والتي تتحدث عن وجود عائق طبي يحول دون ممارسة الرئيس لعمله، وكان رئيس الأركان أكثر صرامة وتشددا في ضرورة رحيل بوتفليقة عن الحكم وعدم التمديد له، كما أيد “صالح” عمليات التوقيف القضائي التي طالت الدائرة المقربة من الرئيس بوتفليقة مثل شقيقه السعيد بوتفليقة ومحمد مدين وبشير طرطاق وغيرهم على ذمة قضايا متعلقة بالفساد.

موقف الجيش الجزائري جاء اتساقا مع المطالب الشعبية الجماهيرية في البداية إلا أنه سرعان عدل عن الإطار الثوري إلى الإطار الدستوري مطالبا بتفعيل آليات الدستور في مسأـلة انتقال السلطة وترجيح إجراء الانتخابات الرئاسية وفقًا للتوقيتات التي وضعها الدستور الجزائري، وهو ما تسبب في تباعد المواقف السياسي للجيش عن مطالب الحراك.

نتائج الانتخابات

طبقا للدستور الجزائري كان من المفترض اجراء الانتخابات في يوليو 2019 إلا أن المجلس الدستوري أجل الانتخابات لعدم استيفاء المرشحين الشروط القانونية اللازمة، وفي 12 ديسمبر تم إجراء الانتخابات التي ستشكل خريطة السياسة الجزائرية في فترة ما بعد بوتفليقة.

أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز المرشح المستقل ورئيس الحكومة الأسبق “عبدالمجيد تبون” بالانتخابات بنسبة بلغت 58.1% متخطيا بذلك المرشح المنتمي لـ”حركة البناء الوطني” -توجه إسلامي- “عبدالقادر بن قرينة” الذي حظي بنسبة 17.38% من الانتخابات، أما المركز الثالث فكان من نصيب رئيس الوزراء الأسبق والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني -الحزب الحاكم منذ الاستقلال- “علي بن فليس” بنسبة 10.55% من أصوات الناخبين، وفي المركز جاء مرشح الحزبين الحاكمين الحالي والسابق (التجمع الوطني الديمقراطي – جبهة التحرير الوطنية) “عز الدين ميهوبي” بنسبة تبلغ 7.26% من الأصوات، وأخيرا تذيل “عبدالعزيز بلعيد” نتائج الانتخابات بنسبة 6.6 % من الأصوات.

  • من هو عبدالمجيد تبون؟ ولد تبون عام 1945 وتخرج في عام 1965 في مجال الاقتصاد والمالية، وشغل تبون العديد من المواقع السياسية الهامة في الحكومة الجزائرية بدءًا من توليه حقيبة “الجماعات المحلية” -البلديات- (1991- 1992) ثم حقيبة السكن والعمران (2000- 2002)، وابتعد “تبون” بعد إقالته من وزارة السكن في عام 2002 عن الحياة السياسية لمدة عشر سنوات قبل أن يعود مجددا لنفس المنصب في عام 2013 في حكومة عبدالمالك سلال، ثم تولى منصب رئاسة الحكومة في أغسطس 2017 ولم يستمر في منصبه سوى ثلاثة أشهر لتعد حكومته أقصر حكومة في التاريخ الجزائري.

اعتمد تبون في حملته التاريخية على صورته في الـمِخْيَال الوطني الجزائري؛ إذ إن الوزير الذي نجح جزئيًّا في معالجة مسألة الإسكان في عهد الرئيس السابق “بوتفليقة” حيث أطلق مشروع “عدل” لتأجير وبيع المساكن في الجزائر.

وخلال حملته الانتخابية أطلق العديد من الوعود الانتخابية لأجل التقارب مع مطالبات الحراك الشعبي منها تعديل الدستور وتحديد مدة رئيس الجمهورية وتعديل قانون الانتخابات وتقديم الحوافز الضريبية لصغار المنتجين فضلا عن رقمنة القضاء الجزائري، وأخيرا وضع حل نهائي وجزري لأزمة السكن.

مآلات الانتخابات الجزائرية

رغم المقاطعة المحدودة للانتخابات إلا أنها حظيت بمآلات سياسية كشفت عن عمق الأزمات داخل النظام السياسي الجزائري أبرزها:

  • شيخوخة النظام الحالي: أسفرت الانتخابات الأخيرة عن معاناة النظام السياسي الجزائري من حالة من الشيخوخة وعدم قدرته على إنتاج كوادر سياسية تمتلك كاريزما وطنية قادرة على تحمل المسئولية السياسية في الأعوام المقبلة، ويتضح هذا الأمر في أعمار المرشحين للانتخابات فعبدالعزيز بلعيد عُدَّ أصغر مرشح في الانتخابات بـ56 سنة، أما الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون فيبلغ من العمر 74 سنة؛ أي أنه مع انقضاء فترة رئاسته سيكون على مشارف عامه الثمانين، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول القدرة الصحية لتبون في ممارسة أعماله الرئاسية خلال السنوات القليلة القادمة!  
  • انقسام الحراك الشعبي: إزاء فشل الحراك الشعبي في وقف المسيرة الدستورية وإجراء الانتخابات من المتوقع أن يشهد الحراك تململا في نشاطاته، وفعاليته من ناحية وتعرضه للانقسامات السياسية في حال نجاح الرئيس الجديد في استقطاب بعض القوى الداخلة فيه من ناحية أخرى.
  • الضغوط الخارجية: سيتعرض الرئيس الجديد للعديد من الضغوط الخارجية من أجل الانفتاح على القوى الداخلية وهو ما تجلى في دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعوة وزارة الخارجية الأمريكية؛ حيث طالبا بضرورة الانفتاح على المعارضة والحراك السياسي الدائر في الشارع.
  • تصويت عقابي: شهدتالانتخابات الجزائرية تصويتا عقابيًّالكل من عز الدين ميهوبي وعلي بن فليس؛ حيث كانت وسائل الإعلام ترجح نجاح أحدهما في الانتخابات، إلا أن اقتراب ميهوبي من دائرة بوتفليقة الضيقة أثر على شعبيته السياسية، وكذلك الحال مع بن فليس الذي تلاحقه بعض تهم الفساد.
  • ترقب إسلاميي الجزائر: لعل أبرز ما يميز تجربة الانتخابات الجزائرية هي ترقب حذر لإسلاميي الجزائر لما ستؤول إليه الأمور وعدم الاندفاع والانجرار بشكل موسع في الحياة السياسية؛ إذ في البداية أعلنت حركة مجتمع السلم المحسوبة على جماعة الإخوان عدم المشاركة في الانتخابات، إلا أنه في نفس الوقت تم الدفع “بعبدالقادر بن قرينة” (مقرب من جماعة الإخوان) في الانتخابات، وتحملُ مسألةُ ترشح بن قرينة العديد من الدلالات؛ أبرزها اختبار شعبية التيار الإسلامي في المجتمع الجزائري، وثانيا إيصال رسالة إلى أطراف بعينها في النظام السياسي الجزائري بأن “الجماعات الإسلامية” ما زالت قادرة على دخول الانتخابات.

Bottom of Form