بقلم / محمد الدابولي

رغم مرور  أكثر من أسبوع على زيارة رئيس الوزراء السوداني «عبد الله حمدوك» إلي فرنسا ولقاؤه بالرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، فضلا عن لقاء غير رسمي عقد بين «الحمدوك» و«عبد الواحد نور » زعيم حركة تحرير السودان التي تعد أبرز الحركات المتمردة في إقليم دارفور غرب السودان، إلا أن تلك الزيارة تحمل المزيد من الدلالات السياسية ليس فقط علي تطور المستجدات السياسية في السودان بل أيضا في الأوضاع الإقليمية والدولية..

حراك خارجي

منذ تعيينه رئيسا لوزراء السودان السودان في أغسطس 2019 استهل عبد الله الحمدوك مهامه بمحاولة تصحيح الصورة النمطية عن السودان في الأوساط الدولية والإقليمية، مستغلا كافة السبل الداخلية والخارجية لأجل اقرار السلام والتنمية الاقتصادية في بلاده.

بدأت تحركات الحمدوك الخارجية بزيارة  للقاهرة يوم 18 سبتمبر ومنها إلي الأمم المتحدة للمشاركة في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ملقيا كلمة بلاده في أحد أهم المحافل الدولية  بعد أن كان محظورا على أي مسئول سوداني رفيع المستوي منذ عام 2010 تمثيل بلاده في اجتماعات الأمم المتحدة بسبب ملاحقات الجنائية الدولية لرموز نظام البشير.

وبعد خطاب الأمم المتحدة  توجه الحمدوك إلي باريس في زيارة رسمية تم الاعداد لها مسبقا حين كان وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لورديان» في زيارة قصيرة للسودان في 16 سبتمبر ، وتعد تلك الزيارة هي الأولي من نوعها فلأول مرة منذ عشرات السنين تستقبل عاصمة أوروبية زعيم سوادني.

نحو إقرار السلام الداخلي

اعتبرت زيارة «الحمدوك» لفرنسا غير تقليدية نظرا لما أحاط الزيارة من لقاءات وترتيبات قد تعيد تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية السودانية فضلا عن دورها في ترتيب بعض الأوراق الإقليمية للسودان، فقبل لقاء ماكرون والحمدوك التقي الحمدوك في باريس يوم الأحد الموافق 29 سبتمبر 2019 بعبد الواحد نور زعيم حركة تحرير السودان أكبر الحركات المتمردة في دارفور (يقيم عبد الواحد نور في فرنسا)، في محاولة من الأطراف الثلاثة (نور ـ الحمدوك ـ ماكرون) للتوصل إلي حل ممكن للأزمة السياسية والانسانية التي تعصف بإقليم دارفور منذ مطلع الألفية الجديدة وإلي الآن

تفاؤل حذر

حملت زيارة الحمدوك لباريس ولقاؤه بنور تفاؤل حذر في الأوساط السوادنية لما سيؤول إليه الوضع في الإقليم الملتهب في ظل وجود إرادة ورغبة سوادنية ذاتية في إنهاء صراع في إقليم راح ضحيته الآلاف من المواطنين (تشير العديد من المصادر الخاصة بالأمم المتحدة  إلي أن ضحايا الصراع في دارفور وصل إلي 300 ألف قتيل ونزوح ما يقارب 2.5 مليون شخص نتيجة الصراع الدائر بين الحكومة السودانية والفصائل المتمردة في دارفور منذ عام 2003)، وفي هذا الصدد علق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه تم التوصل إلي مرحلة أساسية نحو إقرار السلام في السودان الذي تمزقه الأزمات، فيما أعرب الزعيم المتمرد عبد الواحد نور عن تحقيق تقدم ما في الأزمة السودانية.

رغم حالة التفاؤل التي سادت لقاء الحمدوك بنور في باريس إلا أن ثمة شئ يدعونا للحذر وهو عدم اعتراف عبد الواحد نور بالمجلس السيادي السوداني  أولا وثانيا أنه التقي الحمدوك كشخصية سياسية عامة في السودان وليس كونه رئيس وزراء البلاد  مؤكدا أن الحمدوك يبغي تحقيق السلام، أما ثالثا فقد أكد نور أن السلام لم يتحقق  في السودان فالمجازر وحملات الاقصاء مازالت مستمرة في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، وأخيرا رفضه القاطع لزيارة السودان في القريب العاجل متعللا بأن الظروف الأمنية في السودان غير مواتية مؤكدا على تواصله مع قواعده الشعبية ومبلغهم بنتائج لقاء الحمدوك.

منافع اقتصادية

شهدت زيارة رئيس الوزراء السوداني لفرنسا تحقيق عدد من المنافع الاقتصادية للسودانية، منافع من شأنها دفع عجلة الاقتصاد السوداني بعيدا عن الأزمات الجارية، فخلال تلك الزيارة وعد الرئيس ماكرون بتقديم مساعدات إلى الخرطوم تقدر قيمتها بحوالي 15 مليون يورو، فضلا عن استعداد فرنسا لتدشين مؤتمر مانحين للسودان خلال الأسابيع القليلة الماضية وهو ما يمثل انفتاحا اقتصاديا سودانيا على السوق العالمي بعد عهود الاقتصادية التي فرضت عليه بسبب سياسات نظام البشير.

الاندماج في المجتمع التنموي الدولي

وفي هذا السياق أوضح وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي أنه يمكن استخدام  الدعم الاقتصادي  الفرنسي في تثبيت دعائم الاصلاح الاقتصادي من ناحية ودمج الاقتصاد السوداني في في المجتمع التنموي الدولي، كما أشار إلي أن المساعي الفرنسية لإزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب من شأنها  مساعدة بلاده علي الاقتراض التنموي من منظمات التنمية الدولية، وكان وير الخارجية الفرنسي قد صرح بأن بلاده ستقدم حزم مساعدات للخرطوم تقدر بـ60 مليون يورو مع إعادة علاقات السودان مع مؤسسات الاقتراض الدولية لمعالجة الديون السودانية.

رفع من القوائم الإرهابية

تتعهد فرنسا  بالسعي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فخلال زيارة  وزير الخارجية الفرنسي السابقة للسودان تعهد  لورديان بسعي بلاده من إزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب في الولايات المتحدة، وأكد الرئيس ماكرون على ذلك خلال لقاؤه مع الحمدوك.

دلالات التقارب الفرنسي السوداني

يحمل التقارب الفرنسي السوداني خلال الفترة الأخيرة العديد من الدلالات السياسية التي قد لا تقف عند حد دعم السودان في مرحلته الانتقالية بل قد يكون لها دلالات أخري ستتناولها النقاط التالية:

• استغلال القيمة السياسية الفرنسية: مبدئيا تسعي السودان ممثلة في الحكومة والمجلس السيادي في استغلال الدعم السياسي والاقتصادي الفرنسي في تطوير علاقتها مع باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكسر العزلة الدولية، وإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأن السودان أصبحت جاهزة للعب دور  فيه، ففرنسا تحمل قيمة سياسية واقتصادية في المجتمع الدولي باعتبارها من أهم دول الاتحاد الأوروبي وأحد الثمانية الكبار فضلا عن عضويتها الدائمة في مجلس الأمن.

• اهتمام فرنسي ملحوظ: يُلاحظ من التطورات السودانية الأخيرة أن فرنسا أبدت اهتماما شديدا بالعملية الانتقالية السودانية مقدمة الدعم السياسي والاقتصادي، إلا أنه يجب الحذر والريبة من التحركات الفرنسية، فتحركاتها السابقة في دول شهدت انتفاضات سياسية كانت عامل سلبي على استقرار تلك الدول، ففور اندلاع التظاهرات الليبية عام 2011 المطالبة برحيل القائد الليبي السابق معمر القذافي سارعت فرنسا بتقديم الدعم للفصائل المسلحة الليبية الأمر الذي أدي في النهاية إلي انهيار البلاد سياسيا ودخولها في دوامة حرب أهلية وكذلك الحال في سوريا، فالتحركات السياسية الفرنسية خاصة في أفريقيا دائما ما ترتبط بمصالحها المباشرة، ولعل استضافة باريس لزعيم المتمردين في دارفور ليس بالأمر الإيجابي، إذ قد تستخدم فرنسا ورقة دارفور للضغط على الحكومة السودانية في الفترة المقبلة.

•  إزاحة قطر:  النقطة الأخيرة التي يجب الإشارة إليها هو أن ترتيب لقاء بين الحمدوك وعبد الواحد نور  في باريس قد يُعد تهميشا للدور القطري في السودان، فمن المعروف أن الدوحة عملت منذ عام 2004 على خط الوساطة السياسية بين الخرطوم والفصائل المتمردة في دارفور وتوصلت في يوليو 2011 إلي ما يسمي “وثيقة الدوحة للسلام في دارفور” وخلال الفترة الممتدة من 2011 وحتي 2018 لعبت الدوحة دور الوسيط بين الطرفين تحت مسمي إنفاذ اتفاق الدوحة، لذا يُعد اللقاء الأخير  بين الطرفين السودانين محاولة  مستترة لإزاحة الدوحة من خط الوساطة الدافورية واستبداله بوساطة فرنسية ومما يعزز هذا الأمر حالة الفتور والجمود الحالية في العلاقات القطرية السودانية على خلفية عزل الرئيس السوادني السابق عمر البشير الذي حظي بدعم سياسي ومالي من قطر خلال العقود الأخيرة.