بقلم:

حمادة محمد عزت حمادةباحث في الشأن الأفريقي

رباب محمد أحمد عبد العاطيباحثة في الشأن الأفريقي

يتمتع الرأي العام بقوة كبيرة على التأثير، ما شجع العديدَ من الدارسين والباحثين منذ، أواخر القرن الثامن العشر، على دراسة هذا المجال لمعرفة مدى تأثيره في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيف يتم استخدام الرأي العام كورقة ضغط من قبل الحكومات ومتخذي القرار، وكيف يمكن للرأي العام أن يكون مقياسًا لأداء الحكومات والرضا الشعبي عنها.

ولكي يتمكن الباحثون من معرفة الرأي العام ابتكروا وسائل عديدة تمكنهم من ذلك، منها الملاحظة والمقابلة والاستطلاع أو الاستبيان، وإيمانًا بالدور الكبير لمخرَجات هذه الاستطلاعات في صياغة السياسات وتقييمها، أنشأت العديدُ من الدول مراكز لاستطلاع الرأي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يوجد بها الكثير من مراكز استطلاعات الرأي وأشهرها مركز Gallup غالوب بالعاصمة واشنطن، وتسعى الدول الأفريقية إلى أن تصبح لاعبًا فاعلًا في عالم اليوم، وهو ما دعا الاتحاد الأفريقي إلى وضع أجندة 2063 للتنمية المستدامة لتستخدمها الدول الأفريقية كمرجع في الخطط التنموية لكل دولة مما يؤدي إلى مواصلة التقدم لدول القارة والوصول إلى تقدم شامل في مختلف المجالات، وهو ما يتطلب وجود قنوات مباشرة بين الحكومات والشعوب لقياس درجة الرضا على تلك الخطط التنموية ومدى قناعة الناس بتطبيقها، ومدى تأثيرها الفعلي في حياة المواطن لضمان استمرار التنمية.

واقع قياس الرأي العام في أفريقيا

لم تعرف الدول الأفريقية جنوب الصحراء قياس الرأي العام إلا مع بداية عمليات التحول الديموقراطي في تسعينيات القرن العشرين؛ حيث بدأت التعددية الحزبية وخفَّت قبضة الأحزاب الحاكمة على الإعلام ما سمح بقيام بعض الصحف بالقيام باستطلاعات رأي حول الرضا عن الأوضاع السياسية والانتخابات، كما حدث في الكاميرون على سبيل المثال، وكان هناك ضرورة لمعرفة موقف الرأي العام وانطباعاته تجاه عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي التي كان من المزمع تحقيقها في ظل عمليات التحول الديمقراطي، لكن واقع قياس الرأي العام في الدول الأفريقية  يختلف عن الدول المتقدمة، فالمجتمعات المتقدمة تتسم بأنها أكثر عمقًا ووعيًا؛ لأنها أول من عرفت الرأي العام بشكله الحديث وقامت بقياسه، وقد ساعدها على ذلك تمتعها ببعض الخصائص، منها: المركزية الثقافية، والموضوعية، والحرية الإعلامية.

ورغم التطور الكبير في منهجيات وطرق استطلاعات الرأي العام في العام الغربي إلا أن استطلاعات الرأي في أفريقيا – بالرغم من كل هذا التطور – ما زالت تُعاني الضعفَ والندرة، فضلًا عن تأخرها؛ فهي تعتبر رد فعل، فليس هناك دراسات استباقية خاصة في مجالات التنمية فأغلب الاستطلاعات هي استطلاعات وصفية تقدم وصفًا للأحداث، ما تسبب في عدم اقتناع المشاركين بأهمية هذه الاستطلاعات لاقتناعهم بأنها لن تجد الاهتمام المناسب من المسؤولين ولن تفيد في اتخاذ القرارات، فضلًا عن عدم الوعي من قبل الشعوب الأفريقية بأهمية هذه البحوث والدراسات، بل والنظر لها على أنها تتم بناء على توجيهات من الحكومة لتحقق مصالحها، ما ساعد في خلق رأي عام موجه، وأصبح هناك شك وعدم مصداقية في هذه الاستطلاعات ومدى تأثيرها في اتخاذ القرارات ما جعل من الصعب الاعتماد على هذه النتائج التي يغلب عليها الصمت، واتباع رأي الأغلبية وعدم التعبير عن الرأي بحرية، والخوف من السلطة، كل هذه العوامل كان لها دور سلبي على انتشار استطلاعات الرأي العام في أفريقيا؛ لذا فإن أغلب الاستطلاعات التي تتم داخل أفريقيا بشكل عام تتم من خلال جهات ومراكز بحثية وشركات أجنبية؛ نظرًا لما تتمتع به هذه المراكز من ثقة في الدول الأفريقية أكثر مما تتمتع به المراكز والمؤسسات الوطنية. 

صعوبات قياس الرأي العام في أفريقيا جنوب الصحراء

رغم المحاولات المنفردة لبعض الباحثين الأكاديميين أو المؤسسات الدولية أو منظمات المجتمع المدني لمعرفة آراء المواطنين حول أوضاعهم المعيشية أو حول قضايا التنمية المستدامة كالفقر والتعليم والصحة وغيرها، إلا أن هذه المحاولات كثيرًا ما كانت تصطدم بعقبات شديدة جدًّا قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إلغاء تلك المشاريع البحثية من الأساس، منها:

  1. طبيعة النظم السياسية: حيث لا تهتم غالبًا بالرأي العام وترى أن الناس ليست على دراية بصالحهم وصالح الدولة، وبالتالي أهل السياسة هم الأعلم بتلك الأمور، وبالتالي فإن أي سعي لمعرفة رأي الناس قد يكون لأهداف خفية تضر بالأمن القومي، وهذا قد يضع الباحثين في مشكلة كبيرة مع أجهزة الأمن قد تُعرض حياتهم للخطر.
  2. ضعف الثقة المتبادلة بين المواطن والنخب الحاكمة: ويرجع ذلك إلى عدم اهتمام النخب الحاكمة بمعرفة ماذا يريد المواطن وما ينقصه قبل العمل على وضع السياسات العامة للدولة، ويسعى الساسة دائمًا عند وضع هذه السياسات أما لمحاكاة سياسات خارجية يرون نجاحها في أماكن أخرى أو تنفيذًا لرؤى المؤسسات المانحة، ومع تطبيق تلك السياسات تظهر سلبياتها ويتحمل تلك السلبيات المواطن، وذلك لعدم إنصات تلك النخب وعدم إشراك المواطن في عملية صنع السياسات، وبالتالي يعزف المواطن عن الإدلاء بأي رأي تجاه هذه الموضوعات لمعرفته بعدم جدوى هذا الرأي ما يؤدي لزيادة احتمالات فشل تلك السياسات.
  3. صعوبة جمع البيانات: وهي أحد أكثر العقبات التي تواجه الباحثين في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تكثُر الصراعات في تلك المنطقة ما يسبب نزوح أعداد كبيرة من السكان باستمرار، ما يصعب معه تعقبهم، وتتعدد اللغات المحلية بشكل كبير جدًّا، ما يصعب معه معرفة الباحث لكل تلك اللغات، كما تمثل الاثنية عقبة أخرى؛ حيث قد يصعب على باحث الذهاب لبعض المناطق لأنه من قبيلة لا تستطيع دخول مكان تحت سيطرة قبيلة أخرى، ولذلك فإن الدراسات في تلك الأماكن تستلزم فرق عمل كبيرة وما يصاحب ذلك من تكاليف باهظة قد لا يمكن تحملها.

واقع تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا

بعد حصول الدول الأفريقية على استقلالها عاشت القارة أوضاعًا من عدم الاستقرار حالت دون تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والتخلص من الهيمنة والتبعية الغربية، بل إنه إلى الآن وبعد انقضاء 60 عامًا على الاستقلال ما زالت خاضعة للاستعمار؛ حيث حرصت الدول المستعمرة ألا تقطع علاقاتها بأفريقيا لذا أوجدت شكل جديد من أشكال الاستعمار يعرف بالاستعمار الجديد من خلال خلق تبعية سياسية واقتصادية وثقافية مع الدول الأفريقية، واستغلت أوضاع الدول الأفريقية التي حصلت على استقلالها حديثًا وأوقعتها في فخ الديون، والتي تبلغ 40% من إجمالي الدخل القومي الأفريقي، وجعلت الاقتصاد الأفريقي معتمدًا على المساعدات والمنح والقروض؛ لأنها حرصت على أن تظل أفريقيا مصدرًا للمواد الخام منخفضة الثمن، وأن تظل سوقًا لمنتجاتها، فقد لعبت منظمة التجارة العالمية دورًا مهمًّا في مساعدة الدول الأوروبية على فتح الأسواق الأفريقية وتحرير التجارة، ما أدى لانهيار الصناعات الوطنية، وتم إهمال الزراعة والاعتماد على الاستيراد من الخارج، هذا بالإضافة إلى الضغوط التي تعرضت لها الدول الأفريقية من البنك والصندوق الدولي جراء فرض برامج التكيف الهيكلي، فكانت الحكومات تتخذ هذه القرارات بمنأى عن الجمهور وأحيانًا ضد رغبة الرأي العام، ما أضر بكثير من الفئات الاجتماعية في أفريقيا، فانتشار الفساد وتعمُّق جذوره في المجتمع الأفريقي وغياب الإرادة السياسية وانتشار النظم الاستبدادية والديكتاتورية وكثرة الانقلابات العسكرية كل هذه العوامل ساعدت على زيادة نسبة الفقر والأمية والأمراض في أفريقيا؛ فقد حُرمت من كل أشكال التنمية.

إن أوضاع المجتمعات الأفريقية – خاصة جنوب الصحراء – تعاني عدة مشكلات في هذا المجال منها:

  1. التمويل: تعاني معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء مشكلات التمويل التي تعوق وجود مؤسسات قادرة على توفير معلومات وبيانات للمواطنين حتى يتسنى لهم تكوين رأي عام مستنير. 
  2. الرقابة: إن ظاهرة التضييق والرقابة الزائدة على المؤسسات العاملة في جمع وتحليل البيانات تُصعِّب من إمكانية جمع المعلومات والبيانات.
  3. الضعف المؤسسي: بسبب عدم وجود كوادر مؤهلة ومدربة وغياب الديمقراطية والشفافية وانتشار الفساد.
  4. ضعف البنية التحتية للاتصالات والمعلومات وضعف شبكات الإنترنت فوفقًا لتقرير التنمية المستدامة لعام 2020 فإن 26% فقط من سكان أفريقيا جنوب الصحراء هم من يستخدمون الإنترنت ورغم حصول دول أفريقيا جنوب الصحراء على 880 مليون دولار من إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية الموجهة للبيانات والإحصائيات حاصلة بذلك على تمويل أكثر من باقي الدول إلا أنها لم تحقق سوى 25% فقط من الخطط.

ونتيجة لذلك نجد أن أوضاع المجتمعات الأفريقية وخاصة جنوب الصحراء تعاني مشكلات أثرت بشدة على خطة التنمية المستدامة بها، ويرجع ذلك بشكل كبير لعدم اهتمام الكثير من الحكومات بالرأي العام، والعمل بمنأى عن مشاركة خططها مع المواطن الذي هو الأداة الأولى لتنفيذ هذه المخططات، ما يُظهر ضعف خطوات تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا جنوب الصحراء كما يظهر في مؤشرات البنك الدولي للحوكمة العالمية؛ حيث تقع أغلب الدول الأفريقية جنوب الصحراء في الجزء الأسفل من الترتيب.

استطلاعات الرأي العام في أفريقيا التي قامت بها جهات دولية:

إنّ الفرق بين الاستطلاعات التي تجريها الشركات الخاصة ذات التوجّه التجاري وبين استطلاعات الجهات الحكومية أن الأولى لا ترتبط رسميًّا أو بشكل شبه رسمي مع حكومات البلدان التي تتم فيها الاستطلاعات، ما يجعلهم مستقلين وهذه هي أفضل وسيلة لتجنب الرقابة، فضلاً عن عدم وجود ترهيب وتحيز في معظم الحالات، فلا يزال من المستحيل على منظمات الاستطلاع المنتسبة إلى الحكومة أو التي تخضع للإشراف الرسمي في هذه البلدان أن تطرح المسائل السياسية المثيرة للجدل وفي الوقت المناسب، مثل انتشار الفساد والصراعات الاثنية، لكن في المقابل يمكن لشركات الاستطلاعات التجارية أن تطرح مثل هذه الأسئلة لأنه لا توجد رقابة على أداء الاستطلاع فلا يتجنب الباحث الأسئلة الصعبة ولا يسعى لأي أهداف سياسية معينة، كما يشعر المواطنون بالراحة عند الإجابة على الاستطلاعات التجارية، وسنستعرض تاليًا بعض نتائج الاستطلاعات التي أجرتها بعض المؤسسات غير الأفريقية.

استطلاع مركز بيو (pew):

يعد مركز بيو أحد مراكز استطلاعات الرأي الأمريكية، التي تعمل على نشر الحقائق عن آراء الناس حول الموضوعات المختلفة سواء في الولايات المتحدة أو دول العالم أجمع، وقد أجرى المركز استطلاعات للرأي عام 2016 عن الوضع الاقتصادي وانتشار الفساد في ثلاث دول من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وهي: كينيا، جنوب أفريقيا، نيجيريا، ووجدت الاستطلاعات أن سبع أفراد من كل عشرة يعانون اقتصاديًّا بشكل كبير في جنوب أفريقيا ونيجيريا رغم أن اقتصاد الدولتين يعد من أكبر اقتصاديات الدول في أفريقيا جنوب الصحراء، بينما خمسة من كل عشرة يعانون نقص فرص العمل في كينيا، والتي يقع بها المركز الاقتصادي لشرق أفريقيا، كما تعتبر الأغلبية في الدول الثلاث أن الفساد الحكومي كبير جدًّا، ويعتقد معظم سكان جنوب أفريقيا والكينيون والنيجيريون أن الحكومة تُدار لصالح مجموعات قليلة فقط من الناس في المجتمع، كما تضمن تقرير نتائج الاستطلاع العديد من النتائج حول انتشار الجريمة، وتوافر الطعام والطاقة، التعليم، وقد اعتمدت هذه الدراسة على المقابلات الشخصية.

استطلاع مركز غالوب (Gallup):

يعتبر مركز غالوب أحد أشهر مراكز استطلاع الرأي الأمريكية في العالم، وقد أطلق في مارس 2021 تماشيًا مع اليوم العالمي للمرأة، نتائج أحدث استطلاع في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث طرح جالوب أسئلة على الرجال والنساء في العديد من دول المنطقة حول قيادة النساء في السياسة والعمل، والفرص المتاحة أمامهن في التعليم، والمساعدات التي تتلقاها المرأة للحد من التحرش والاعتداء الجنسي، وأظهرت النتائج أن السيدات بالفعل يشاركن في مختلف مستويات القيادة وخاصة بعد انتخاب الرئيسة الليبيرية السابقة ايلين جونسون عام 2006، كما رأى الأغلبية في معظم الدول الـ 21 التي شملها الاستطلاع في عام 2019 أنه من الممكن أن تقود امرأة بلدها في السنوات العشرة القادمة، كما تضمَّن تقرير نتائج الاستطلاع العديد من النتائج حول قضايا المرأة، وقد تم إجراء هذا الاستطلاع مع 1000 شخص بالغ من كل دولة من الدول التي شملها الاستطلاع.

البنك الدولي: 

تعتبر البيانات هامة وضرورية للبنك الدولي لمتابعة تحقيق أهدافه المتمثلة في إنهاء الفقر وتعزيز رفاهية الفئات الأقل ثراء في مختلف الدول, كما أنها ضرورية لتخطيط وتقييم السياسات والبرامج بهدف الوصول للفئات الأكثر ضعفًا، وكان يتم جمع هذه البيانات سابقًا بالشكل التقليدي حيث يتم إجراء المقابلات شخصيًّا في المنازل، ولضمان جودة مؤشرات الرفاهية كانت العينة تتضمن مجموعات كبيرة من الأسر ما يؤدي لارتفاع التكلفة وطول فترة جمع البيانات، ومع الاحتياج الشديد لهذه البيانات بسرعة لمعرفة الإجابات حول المؤشرات الرئيسية، ومع تطور وسائل الاتصال ظهرت مبادرة “الاستماع إلى أفريقيا” (Listening to Africa) التابعة للبنك الدولي والتي أعلن عنها عام 2017، وتعد هذه المبادرة (L2A) ثمرة تعاون بين البنك الدولي والمكاتب الإحصائية الوطنية والمنظمات غير الحكومية في أفريقيا جنوب الصحراء لتجربة الهواتف المحمولة لجمع المعلومات بانتظام عن الأوضاع المعيشية؛ حيث يتم إجراء مقابلة الاستطلاع عبر الهاتف المحمول، وتم تفعيل هذه المبادرة في عدد من الدول منها مدغشقر وملاوي والسنغال وتنزانيا وتوغو ومالي؛ حيث يوجد تغطية كافية للشبكة بها، وقد تمكنت هذه المبادرة من متابعة تأثير توافر الطعام والأمن على الفئات الأضعف في مدغشقر بشكل سريع ولحظي، كما تمكنت من متابعة دورية انقطاع التيار الكهربائي في مدينة لومي عاصمة توجو ونتائج أخرى في الدول المشاركة في المبادرة.

التجارب الأفريقية لاستطلاع الرأي العام في قضايا التنمية

    رغم كل تلك التجارب التي أجرتها المؤسسات والمنظمات الدولية في أفريقيا جنوب الصحراء إلا أننا لم نجد الكثير من التجارب أجرتها مراكز استطلاعات أفريقية حول موضوعات مشابهة لما تم من الجهات الأجنبية، ويُرجع بعض الباحثين ذلك أن استطلاعات الرأي في أفريقيا جنوب الصحراء عانت ندرة الإحصاءات السكانية الموثوقة، وخرائط الأحياء وغيرها من الأدوات القياسية لبحوث الاستطلاع، ورغم أن اليوم بات الوضع أكثر يسرًا ومعظم هذه المشاكل التقنية لم تعُد عائقًا بعد التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات والهواتف المحمولة، إلا أن المحرمات الاجتماعية والسياسية استمرت في الكثير من تلك المجتمعات، بما فيها مسائل المساواة بين الجنسين، وصعوبة الوصول إلى الأسر، والمخاوف بشأن الرقابة الحكومية، ناهيك عن الضوابط الحكومية الصارمة التي تجعل إجراء الاستطلاع على النمط الغربي أمرًا صعبًا، وكما أعطى التطور الكبير في تكنولوجيا الاتصالات والحاسبات في الوقت الحالي دافعًا قويًّا لاستطلاعات الرأي لتكون وسيلة فعالة من حيث جودة المنهجية، وقصر الوقت، وقلة الجهد، ومناسبة التكلفة، لقياس رأي الجماهير والسماح بالمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات والوصول للحكم الرشيد، وأصبحت الدول ترصد ميزانيات ضخمه من أجل استطلاعات الرأي، وأصبح هناك تقارير دورية سنوية تهتم بقياس الرأي العام في الخدمات العامة وأهم المشكلات التي تواجه المواطنين وأصبح ذلك جانب من جوانب المساءلة المجتمعية لصانعي القرار.

وإذا اطلعنا على دليل المراكز المتخصصة في استطلاعات الرأي العام، والذي تعده بعض الجامعات الأمريكية مثل جامعة برينستون والجامعة الأمريكية، محاولين البحث عن المراكز الأفريقية المتخصصة في منطقة جنوب الصحراء لن نجد سوى مركز واحد فقط متخصص في قياس الرأي العام هو مركز أفروباروميتر (Afro barometer)، وهو مركز مستقل بدأ عمله في عام 1999 عن طريق دمج مشروعات ثلاثة من الباحثين الأكاديميين المستقلين تحت قيادة الدكتور مايكل براتون، والدكتور روبرت ماتيس، والدكتور إي جيما بوادي المؤسسين لأفرو باروميتر لقياس الرأي حول الديموقراطية والحكم الرشيد وكيفية إدارة الدولة في 12 دولة أفريقية، وبحلول عام 2021 انهت الجولة الثامنة للاستطلاع بتغطية أكثر من 35 دولة أفريقية، وقام المركز بنشر جميع النتائج التي توصل إليها على موقعه الإلكتروني؛ حيث يمكن للباحثين الرجوع إليها، ويستخدم الأفروباروميتر أسلوب المقابلة مع المبحوث، وتمثل العينة المستخدمة من 1200 حتى 2400 مفردة لكل دولة، ولذلك احتاج المركز لأكثر من 20 عامًا لإنهاء 8 جولات من الاستطلاع، ولكنها تجربة ناجحة ووفرت بيانات مميزة جدًّا للباحثين المهتمين بهذا المجال في أفريقيا جنوب الصحراء.

المناقشة والنتائج:

وتأسيسًا على ذلك توصلت الدراسة إلى أنه رغم استعراض الحكومات المختلفة بالدول الأفريقية جنوب الصحراء رغبتها الشديدة وسعيها الدؤوب لرفعة ورفاهية شعوبها، إلا أن الواقع الفعلي، كما تعلن نتائج استطلاعات الرأي للمؤسسات الخارجية، لا يشير إلى ذلك استنادًا على آراء مواطني تلك الدول أنفسهم، ولم يصدر عن مراكز استطلاعات أفريقية متخصصة دراسات علمية تشير إلى نتائج مختلفة لندرة وجود تلك المراكز، وتنتشر فقط الاستطلاعات التي تتم بمبادرات غير متخصصة من بعض وسائل الإعلام كالصحف مثلما يحدث في الكاميرون، أو استطلاعات من باحثين أكاديميين لاستكمال متطلبات الدراسات الخاصة بهم، وظلت استطلاعات الرأي قاصرة على المؤسسات والمراكز البحثية الأجنبية التي اهتمت فقط بقياس رأي المواطنين في مدى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ونشرها، لكنها لم تهتم بأن يصل صوت المواطنين إلى متخذي القرار لكي يكون لهم دور في صنع السياسات العامة في الدول الأفريقية، ورغم أن دول أفريقيا جنوب الصحراء من أسرع الأسواق نموًّا في انتشار الهواتف المحمولة الذكية؛ حيث يقدر مستخدمي هذه الهواتف بنحو 725 مليون مستخدم عام 2020 تبعًا لتقرير النظام العالمي لاتصالات الهاتف المحمول GSMA وهى هيئة تجارية تمثل مصالح مشغلي الهاتف المحمول حول العالم، فمع هذا الانتشار الكبير يمكن نشر فكرة استطلاعات الرأي الهاتفية عبر الهواتف المحمولة في جميع الدول الأفريقية، حيث إن الهواتف المحمولة تنتشر حتى في أفقر المناطق في أفريقيا لدرجة وصولها لبعض المناطق التي لا تصلها المياه النظيفة، ومع تطور المنهجيات العلمية وطرق سحب العينات للهواتف المحمولة، إلا أنه لم يتم الالتفات لاستطلاعات الرأي بشكل يتناسب وأهميتها الشديدة كما تهتم بها الدول الغربية، ولذلك يجب أن تهتم الحكومات الأفريقية بدعم انتشار المراكز المتخصصة في استطلاعات الرأي العام المدعومة بالخبرات وتدريب الباحثين بتلك المراكز بشكل جيد ليتمكنوا من جمع بيانات ممثلة بشكل علمي، والاستفادة من ثورة تكنولوجيا الاتصالات والهواتف المحمولة، والتي تساعد على العمل بتكلفة منخفضة في وقت سريع، للحصول على الإجابات التي يحتاجها متخذو القرار لتحقيق مشاركة مجتمعية جيدة ولوضع خطط استراتيجية تمكنهم من النهوض بواقع بلادهم.

الخلاصة والتوصيات:

    تعتبر استطلاعات الرأي العام أحد أهم وسائل جمع البيانات في الوقت الحالي خاصة مع التطور الكبير في مجال الاتصالات والإنترنت ومع التوسع الكبير في استخدام الهواتف الذكية المحمولة، فإذا كانت الحكومات الأفريقية تسعى لتحقيق تنمية مستدامة تلائم رغبات شعوبها ورؤيتهم يجب أن تحرص على مشاركة الشعوب في وضع خططها، ويجب على الدول المتقدمة والتي تملك التكنولوجيا اليوم مساعدة الدول الأفريقية على مواكبة التطور في هذه المجالات، كما يجب على الحكومات الأفريقية إعطاء جانب كبير من الاهتمام بإنشاء مراكز استطلاعات رأي حكومية وتشجيع المجتمع المدني على ممارسة استطلاعات الرأي والتشجيع على المشاركة فيها وتوضيح مدى أهمية المشاركة والإدلاء بالرأي الصحيح بالنسبة لمتخذ القرار.

لذا تنقسم توصيات الدراسة إلى توصيات مقدمة إلى متخذي القرار في دول أفريقيا جنوب الصحراء وتوصيات للباحثين والأكاديميين العاملين في مجال استطلاعات الرأي العام، فضلًا عن توصيات للمواطنين الأفارقة كما يلي:

  1. يجب على متخذي القرار في أفريقيا جنوب الصحراء الاهتمام بما تقدمه نتائج استطلاعات الرأي العام والاستفادة من آراء المواطنين في وضع خطط التنمية في الدولة والإعلان عن ذلك بمنتهى الشفافية حتى يشعر المواطن بأهمية المشاركة في هذه الاستطلاعات.
  2. يجب على متخذي القرار تسهيل عمل المراكز البحثية وتخفيف حدة الرقابة والسيطرة التي تفرضها الدولة على هذه المراكز، ما قد يفتح الباب أمام الباحثين للعمل في مجال استطلاعات الرأي العام دون خوف من التضييق والرقابة. 
  3. يجب أن يلعب الباحثون والأكاديميون العاملون في مجال استطلاعات الرأي العام الأفريقية دورًا هامًا في وجود مراكز بحثية متخصصة في هذا الشأن فبدلًا من القيام بذلك لصالح جهات أجنبية يجب أن تتمتع هذه الاستطلاعات بالصفة الوطنية حتى تكون أكثر قدرة على التعبير عن مشاكل وهموم المواطن الأفريقي.
  4. اتباع الباحثين والعاملين في مجال استطلاعات الرأي العام في أفريقيا الطرق الحديثة والتكنولوجيا عند القيام باستطلاعات للرأي ما سيساعد في انتشار هذه الصناعة في أفريقيا، فضلًا عن ضرورة الالتزام بالشفافية والموضوعية والحياد واتباع الطرق العلمية في إجراء استطلاعات الرأي العام للقضاء على الشك والخوف الذي يسيطر على المواطن الأفريقي من نتائج هذه الاستطلاعات.
  5. على المواطنين الأفارقة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في رفع الوعي ونشر المعرفة والاطلاع على كل ما يخص الشأن العام سواء في بلادهم أو في الدول الأخرى حتى يكون لديهم القدرة على تكوين رأي عام بشأن القضايا التي تمس حياتهم اليومية والتعبير عن آرائهم بناءً على علم ووعي.
  6. يجب أن يدرك مواطنو دول أفريقيا جنوب الصحراء مدى أهمية استطلاعات الرأي العام في وضع السياسات وخطط التنمية وأنها ذات جدوى؛ لأن المواطن هو المقياس الأول لمدى نجاح أهداف التنمية المستدامة التي تسعى الدول إلى تحقيقها فإذا التزم الصمت أو لم يعبر عن رأيه بصراحة سوف يتأثر هو في المقام الأول.

قائمة المراجع:

المراجع العربية:

اولاً: الكتب

  1. عبد الرحمن، عواطف (1983)، أفريقيا والرأي العام العربي دراسة تحليلية لاتجاهات الصحف العربية نحو أفريقيا، بيروت: معهد الإنماء العربي.
  2. العبد، عاطف عدلي (2006)، الرأي العام وطرق قياسه، القاهرة: دار الفكر العربي.

ثانيا: مقالات

  1. أبو فرحة، السيد على (2021)، تحليل واقع التنمية في إفريقيا، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، القاهرة: جامعة القاهرة، كلية السياسة والاقتصاد، العدد 9 
  2. أدم، إبراهيم محمد (2015)، دور الحريات في تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا، جامعة أفريقيا العالمية مركز البحوث والدراسات الافريقية، دراسات افريقية، العدد 54.
  3. انجيليجيلي، موريس (2001)، الرأي العام واستطلاعات الرأي العام في الكاميرون، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، منظمة اليونيسكو.
  4. بيجاشاو، بيلاي، محمد الزواوي(مترجم) (2020)، أهم الاستراتيجيات المطلوبة في خطط التنمية المستدامة لإفريقيا، قراءات إفريقية.
  5. حامد، خالد (2015)، الرأي العام وحرية التعبير، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، الجزائر: جامعة البليدة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 12 
  6. زهران، سماح خالد عبد القوى (2021)، أفريقيا: إمكانيات وتحديات، جامعة عين شمس، كلية البنات للآداب والعلوم التربية، مجلة مصريقيا، العدد الأول.
  7. شومان، محمد علي محمود (2000)، الأساليب الحديثة في قياس الرأي العام في المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، القاهرة: جامعة القاهرة – كلية الاعلام – مركز بحوث الرأي العام، المجلد 1، العدد 3.
  8. ضياف، نجمي رجب (2017)، اثار الاستعمار الأوربي على أفريقيا، طرابلس، جامعة المرقب كلية التربية، مجلة التربوي.
  9. عبد الرحمن، عواطف (1984)، قضايا التبعية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث، الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مجلة عالم المعرفة.
  10. عبد الرحمن، عواطف (2006)، الاعلام الافريقي بين المطرقة والسندان، المركز العربي الإقليمي للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والبيئة، الدراسات الإعلامية.
  11. عثمان، ماجد (2015)، صناعة قياس الرأي العام: إشكاليات مرتبطة بمراحل التحول، مجلة الديموقراطية، مؤسسة الأهرام.
  12. الباجوري، سمر (2020)، تحديات التنمية المستدامة في إفريقيا، متابعات إفريقية، مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، العدد 6.
  13. البصام، درام (2012)، الرأي والعام في مسوحات الرأي العام: الرأي قياس لمشروع مراجعة العالم العربي، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المجلد 1، العدد1.
  14. الشمرى، عبد المنعم كاظم مطلب (2016)، استطلاعات الرأي العام وعملية اتخاذ القرار في الأنظمة المركزية والديموقراطية، مجلة كلية الآداب، بغداد: جامعة بغداد، العدد 116.
  15. المنوفي، كمال (1984)، الرأي العام في الدول النامية: بيئته ومشاكل قياسه، عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، المجلد 14، العدد4
  16. محمد، أميمة فتحي (2020)، صعوبات قياس الرأي العام في الدول النامية، مجلة كلية الفنون والإعلام، ليبيا: جامعة مصراته، كليه الفنون والأعلام، العدد 10
  17. مصطفي، علي محمد (2016)، الحكم الرشيد: دراسة في المقومات والتحديات، مجلة العلوم الإنسانية، ليبيا: جامعة المرقب – كلية الآداب بالخمس، المجلد 13.
  18. ندا، سعيد إسماعيل (2021)، دور المتجمع المدني في التنمية المستدامة في افريقيا جنوب الصحراء، مجلة الديمقراطية، القاهرة: مؤسسة الأهرام، المجلد 21، العدد 81

ثالثا: أوراق علمية

  1. القاضي، أمجد بدر منصور (2008)، الراي العام: مفاهيمه – تكوينه – أنواعه – طرق قياسه – نماذج مختلفة، الشارقة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ورقة علمية للمشاركة في ندوة إدارة وتطوير أداء مراكز قياس الرأي العام.
  2. الهماش، متعب بن شديد بن محمد (2008)، ماهية الرأي العام، الشارقة المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ندوة إدارة وتطوير أداء مركز قياس الرأي العام، نوفمبر2008

رابعاً: المصادر الالكترونية:

  1. الاتحاد الافريقي (2015)، أجندة 2063 أفريقيا التي نريدها الاتحاد الأفريقي.
  2. البتانوني، فاطمة على محمد، الاعلام الاجتماعي وتأثيره على المجتمع الافريقي “اوغندا نموذجا”، شوهد على www.qiraatafrican.com.
  3. السعو، صابرين، معوقات التنمية في أفريقيا وحلولها، شوهد على www. Mawdoo3.com.
  4. قيراط، محمد ، لماذا تزعج استطلاعات الرأي العام الأنظمة العربية ،شوهد على www.al-sharq.com  .
  5. مقاصد الهدف السادس عشر من اهداف الأمم المتحدة، https://bit.ly/3A1LKM0
  6. نبذه عن الحكم الرشيد، موقع الأمم المتحدة – حقوق الانسان https://bit.ly/3zTnOdI 

المراجع الأجنبية:

  1. Articles:

1-S. Yeager, David and others (2011), Comparing the Accuracy of Rdd Telephonr Surveys and Internet Surveys Conducted with Probability and Non-Probability Samples in The Public Opinion Quarterly, Oxford University Press on behalf of the American Association for Public Opinion Research, Vol 75, No 4.

  1. Thompson, Gray, Sean Conly (2006), Guide to public opinion poll Web sites: Polling data from around the world in News, Chicago: College & Research Libraries, Vol 67, No 9.
  2. Young, Crawford (2012), the postcolonial state in Africa: fifty years of independence 1960-2010, New York, The University of Wisconsin Press, cop.

2-Web sites:

  1. Africa’s digital rise hooked on innovation, (https://bit.ly/3anUaTO).
  2. Africa’s mobile youth drive change, (https://bit.ly/3uVEfFC).
  3. Afro barometer, (https://bit.ly/3BvM7QH).
  4. In Key African Nations, Widespread Discontent with Economy, Corruption (https://pewrsr.ch/3sUtzIB).
  5. Listening to Africa, (https://bit.ly/3AlCAKN).
  6. Political Opinion & Survey Data Sources, (https://bit.ly/2YAZsc8).
  7. Polls and Public Opinion, (https://bit.ly/3mBsjFs).
  8. Sub-Saharan Africa: Give Education Opportunities to Women (https://bit.ly/3zfvAjF).
  9. The Worldwide Governance Indicators (WGI) project reports, (https://bit.ly/3lqqpb4).