بقلم د. نرمين توفيق

باحثة في الشئون الأفريقية

المنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

تداولت وسائل الإعلام في أثناء الفترة الماضية اسم ميلشيا فانو خلال تناقل الأخبار الخاصة بأعمال العنف التي حدثت مؤخرا في ضد مسلمي إثيوبيا، والتي نشبت بعد قرار بمنع الطلاب المسلمين من الصلاة في المدارس والجامعات في أنحاء البلاد، الأمر الذي اعتبره مسلمو إثيوبيا مخالفًا للدستور لأنه يقر بحرية العبادات للإثنيات الإثيوبية وفقا لفيدرالية الدولة.

وتعاني إثيوبيا من اضطراب وصراعات داخلية، وصلت إلى إعلان الحرب بين الحكومة المركزية في البلاد بقيادة آبي أحمد رئيس الوزراء وإقليم تيجراي نتيجة لعدم إجراء آبي أحمد الانتخابات الإثيوبية العامة في موعدها في سبتمبر 2020 وقيامه بحل الحزب الحاكم (الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا) ليؤسس بدلًا منه حزب الازدهار برئاسته، وهو الأمر الذي اعتبره التيجراي محاولة لاستثار السلطة لنفسه وتهميش باقي الإثنيات، لتدخل التيجراي في صراع مسلح مع الحكومة المركزية، لم تتخلص إثيوبيا من مخاطره حتى الآن.

لم يلبث الصراع بين التيجراي وآبي أحمد أن يهدأ قليلًا حتى حدثت الاضطرابات الأخيرة ضد مسلمي إثيوبيا، وفي شهر أبريل الماضي قامت ميلشيا فانو الطائفية بحرق 5 مساجد، وقتل ما لا يقل عن 30 شخصًا من مسلمي مدينة جوندر في إقليم أمهرة شمال إثيوبيا.

وفي ذات الوقت نقلت وكالة الأسوشيتد برس خلال يونيو الماضي مقتل ما لا يقل عن  200 شخص، معظمهم من عرقية أمهرة، قُتلوا في هجوم في منطقة أوروميا في البلاد، وتم اتهام جيش تحرير أورومو عن المسئولية الهجمات.

ومؤخرًا تم الإعلان عن 4 انفجارات في مواقع استراتيجية في بحر دار عاصمة إقليم أمهرة؛ مما يعني أن التدهور الأمني يدخل مرحلة جديدة وخطيرة.

ما ميلشيا فانو؟

تنتمي ميلشيا “فانو” إلى إثنية الأمهرة، وتعد جزءا من المجموعات المسلحة غير النظامية في إثيوبيا، ولعبت دورا رئيسيًّا بجانب الجيش الفيدرالي الإثيوبي في صد تقدم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي باتجاه الجنوب عبر منطقة أمهرة، وارتكبت هذه الميلشيا جرائم عدة ضد أبناء التيجراي، بناء على تحالف بينها وبين الحكومة الفيدرالية حينذاك.

لكن بعد إعلان آبي أحمد عن الحوار مع التيجراي انقلب على ميلشيات فانو، وبات حلفاء الأمس أعداء اليوم، وحاولت الحكومة نزع سلاحهم وتسريحهم منفذة عمليات اعتقال ضدهم، وتشير التقارير أنه خلال مايو الماضي وبعد تفجر أعمال عنف في إقليم أمهرة اعتقلت السلطات الإثيوبية المئات منهم، وتم القبض على عدد من الصحفيين من إقليم أمهرة خلال هذه الاضطرابات، ما جعل الحقوقيين في الإقليم ينتقدون هذه الأفعال ووصفوها بأنها انحدار كبير، خاصة وأن قانون الإعلام الإثيوبي يحظر بشكل واضح الاحتجاز السابق للمحاكمة لأي جريمة مزعومة ارتكبت.

كما شملت الاعتقالات بعض المناهضين لآبي أحمد، ما جعل المعارضين في إقليم أمهرة يتهمون آبي أحمد بأنه استغل أفعال فانو، كي يقوم بحملة اعتقالات واسعة لكل المعارضين وليس لجماعة فانو فقط، وأن الحكومة المركزية تسعى إلى السيطرة على إقليم أمهرة.

وعلى الجانب الآخر أشارت الحكومة الفيدرالية في بيان، إلى أنها “تتخذ مجموعة واسعة من الإجراءات في أمهرة ضد الجماعات المتورطة في تجارة الأسلحة غير المشروعة، ونهب وتدمير ممتلكات الأفراد، والقتل، وإثارة الصراع”.

يقول الباحث الإريتري عبدالقادر محمد: إن الحكومة المركزية تستهدف القضاء المليشيات الأمهرية القومية “فانو” حاليًّا لأنها قادرة على إثارة اضطرابات أمنية داخلية وإقليمية لا سيما مع السودان.

هذا يؤشر إلى خطورة الوضع خصوصًا وأن جماعة فانو لديها خبرة قتالية، وستقوم بردود أفعال تجاه ممارسات السلطات الإثيوبية تجاهها، بالإضافة إلى أن الاضطرابات الداخلية بين القوميات الإثيوبية ستكون عقبة كبيرة أمام الطريق للتفاوض بين الحكومة المركزية وبين باقي إثنيات الدولة المضطربة بالفعل؛ أضف إلى ذلك التوترات الحدودية بين إثيوبيا والسودان، بعد اتهام السودان القوات الإثيوبية بإعدام 7 جنود سودانيين في منطقة الفشقة، ما يضع أبي أحمد وحكومته في مأزق ويعرضها لمزيد من الضغوط الداخلية والخارجية.