كتبت – أسماء حمدي

في مايو من العام الماضي، عاش سكان مدينة جوما الواقعة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، هلع كبير بسبب تدفق الحمم البركانية من جبل نيراجونجو، والذي غمرت شظاياه منازل عدد كبير من القرى الصغيرة على أطراف المدينة، وفرّ آلاف السكان نحو حدود راوندا المجاورة.

وتسبب البركان في نزوح أكثر من 400 ألف شخص من منازلهم في جوما وما حولها، ومات ما لا يقل عن 32 شخصًا وفقد 20 ألف شخص منازلهم ومزارعهم، وفُصل آلاف الأطفال عن آبائهم، مما دفع الحكومة إلى إقامة 5 مخيمات في المدارس القريبة للنازحين، أحدها في كايمبي، على بعد حوالي ميلين من جوما، إذ يعيش هناك أكثر من 4000 شخص.

تحت الرماد

بعد عام من ثوران البركان، لا تزال العديد من العائلات النازحة في المنطقة تعيش في ظروف يرثى لها في المخيمات المؤقتة، بالإضافة إلى توقف المساعدات إذ يتعين على الناس أن يعولوا أنفسهم.

داخل مخيم كايمبي -الواقع على بعد أميال من جوما- لا تزال هناك 500 أسرة على الأقل كانوا قد وجدوا الملاذ في فناء مدرسة ابتدائية، يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر وتعرضوا للإهمال والنسيان، وحتى الآن لم يتم إعادة تسكينهم، بالإضافة إلى توقف المنظمات غير الحكومية عن مساعدتهم والتي كانت تقدم الطعام والضروريات الأساسية، مطالبين السلطات في كينشاسا بالتدخل قبل حدوث الأسوأ.

تقول تشانس بارامبيشا، 42 عامًا: “جئت إلى هنا في اليوم التالي للانفجار، في البداية قدّمت لنا الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة العديد من المساعدات كتوفير الطعام والماء والأقمشة المشمعة وغيرها من الضروريات، لكن الدعم توقف الآن، والحكومة لا تفعل شيئًا يذكر والعائلات تكافح للحصول على الغذاء”، وأشارت إلى أن 4 أشخاص، طفلان ومسنان، دفنوا هنا، بعد أن ماتوا جوعًا.

وخصصت الحكومة جزءًا من المكان لبناء مدرسة جديدة، وطاُلبت الناس بالمغادرة، تقول بارامبيشا: “معظمنا لا يعرف إلى أين يذهب والمخيمات التي خصصوها لننتقل إليها صغيرة جدًّا بالنسبة لجميع الأشخاص”.

تشير دوكاس، ابنة بارامبيشا، إلى أنه بالإضافة إلى عملية الانتقال نعاني هنا من نقص المياه، حيث ما زالت تمثل هذه القضية مشكلة كبيرة، قائلة: “منذ أن توقفت المنظمات غير الحكومية عن توصيلها، فإن المياه التي توفرها الحكومة ليست مجانية وتكلف 100 فرنك كونغولي مقابل 20 لترًا”.

تفاقم الأزمة

في الارتباك الذي أعقب الثوران، اضطرت كونسولاتا كابوجو 30 عامًا، إلى مغادرة منزلها في قرية كابايا، الذي كانت تعيش فيه مع زوجها وطفلها، البالغ من العمر الآن 4 أعوام، لكن في خضم هذه الأحداث افترقت عن زوجها، الذي اكتشفت مؤخرًا أنه يعيش في حي آخر لكنها لا تعرف متى ستراه مرة أخرى.

تجلس كابوجو بجوار خيمتها المفككة استعداد للانتقال إلى مخيم آخر، قائلة: “هنا في المخيم لا توجد مياه صالحة للشرب، وعلينا أن نمشي كيلومترات لنجد بعضًا منها للشرب والطبخ، وقيل لنا الآن أننا بحاجة إلى الخروج من مكاننا وعلينا العيش في مخيم مشترك مع آخرين، وليس لديّ أي خيار، إما النوم في العراء، أو في خيمة مشتركة مع آخرين حتى لو لم يكن ذلك الوضع صحيًّا”.

وتطالب كابوجو حكومة الكونغو بمساعدتها لبدء بناء حياة جديدة، قائلة: “أطلب من الحكومة مساعدتنا، أنا فقط بحاجة إلى بعض الأغطية البلاستيكية أو قماش القنب لصنع منزل في قرية أو على أرض حيث يمكنني الزراعة”، لافتة إلى أنه حتى الآن لم تسمح الحكومة بذلك.

أما كاناكوز سوريدوري (60 عامًا)، فتقول: “إن الحياة صعبة، وأفتقر إلى الحصول على الطعام والماء النظيف الذي يبعد عن المخيم أكثر من كيلومتر واحد، حيث أحتاج إلى الانتظار في قائمة طويلة لأكثر من ساعتين للحصول على 20 لترًا من المياه”.

وفي حديثها، لصحيفة «الجارديان» البريطانية، لفتت سوريدوري إلى أن السكان لم يتلقوا أيّ مساعدة من منظمات الإغاثة منذ يوليو الماضي، قائلة: “لا نحصل على شيء منهم ولا شيء من الحكومة، ما أحتاجه من الحكومة هو السماح لي بالعودة إلى قطعة أرضي ودعمنا ببعض المواد الأساسية لإعادة بناء منزلي”.

سئمتُ حياة البؤس والحرمان

مع وجود القليل من المرافق في المخيمات، بدأ الناس في العودة إلى ديارهم لإعادة بناء منازلهم وحياتهم، ومن بينهم فاراتشون نيلسون (50 عامًا)، الذي كان يستأجر منزلًا في ضواحي جوما بعد أن تدمّر منزله بسبب البركان.

وحتى الآن، لم تمنح الحكومة الإذن للناس بالعودة إلى أراضيهم، تولى نيلسون وهو أب لـ5 أطفال، زمام الأمور، وعاد إلى قرية كاسيني ليعيد بناء منزله على أرض لا تزال مغطاة بالحمم البركانية، قائلًا: “وصلت إلى النقطة التي لم أعد أستطيع فيها دفع الإيجار في جوما لذلك قررت أنه من الأفضل لي أن أعود إلى قطعة أرضي، وأبدأ في بناء مكان تنام فيه أسرتي ليلًا، هذا هو سبب عودة الكثير منا إلى أرضه”.

وأشار نيلسون إلى أن بعض الأشخاص الذين عادوا إلى أرضهم تم اعتقالهم، ولكن تم إطلاق سراحهم بعد شهر، في حين أن هناك كهرباء، يقول إن المشكلة الكبرى هي نقص المياه الصالحة للشرب، مطالبًا السلطات بأن تفعل كل ما في وسعها للسماح للأشخاص الذين يعيشون في المخيمات بالعودة إلى أرضهم حتى تستمر حياتهم.

يقول جان ماري كاهانجيرو: “نحن نعيش حياة بؤس، الناس هنا يعانون وليس لدينا ماء، ولا نجد ما نأكله، ولا تقدم إلينا أي مساعدة، والحكومة تنظر إلينا فقط دون أي مساعدة، نحن نعيش هنا ولكن الأطفال يمرضون أحيانًا، وقد سجلنا بالفعل حالات الإصابة بالجدري، لقد سئمنا من حياة البؤس والحرمان”.

الحكومة تتعهد بحل الأزمة

وأعربت الحكومة الكونغولية عن قلقها بشأن هذه الأوضاع وتعهدت بحل هذه المشكلات في أسرع وقت، بحسب جي لواندو مبويو، وزير الدولة المسؤول عن إدارة الأراضي.

يقول مبويو: “إن الحكومة مسؤولة بما فيه الكفاية، وستتم معالجة هذه المسألة بشكل عاجل وستتخذ الاستجابات المناسبة من حيث الإدارة الإنسانية والصحية”.

ويقع جبل نيراجونجو في جوما، عاصمة منطقة شمال كيفو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي موطن لحوالي مليوني شخص، وهو بركان نشط مع الحمم البركانية الأسرع تدفقًا في العالم، ويقع على بعد 15 كيلومترًا إلى الشمال.

في 22 مايو 2021، أطلق جبل نيراجونجو الحمم البركانية على طول جوانبه، وأُجبر أكثر من 400 ألف شخص على الفرار من منازلهم، وتوفي ما لا يقل عن 32 شخصًا ، وفُصل آلاف الأطفال عن آبائهم.