كتب – محمد الدابولي
أزمات سياسية مشتعلة، حضور قوي للتنظيمات الإرهابية كحركة الشباب في الصومال وكينيا، وتنظيم داعش في شمال الصومال، غارات أمريكية على مواقع حركة الشباب وداعش، انقسامات سياسية تطال معظم بلدان شرق أفريقيا، فشل الدولة المركزية في بسط سيطرتها على معظم أقاليم الدولة، تناحر إثني وقبلي مع انتشار واسع للفساد وانعدام الشفافية، كل هذه مظاهر تكشف الحال السياسي لدول شرق أفريقيا خاصة كينيا والصومال وإثيوبيا.
الواقع المضطرب لدول شرق أفريقيا من المرجح أن يتصاعد بوتيرة أعلي خلال الفترة المقبلة مع الطفرة النفطية التي بدأت تتكشف ملامحها في دول تلك المنطقة والتي توحى بامتلاك تلك الدولة وفرة نفطية قادرة على قيادة قاطرة تنمية ونمو في شرق أفريقيا.
بيد أن الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها دول المنطقة فضلا عن التدخلات الدولية والإقليمية ستنعكس وتيرتها علي عملية استكشاف واستخراج النفط في المنطقة، فخلال العام الأخير جرت العديد من التطورات التي تنبأ بأن التكالب على الاستكشافات النفطية سيكون محط الصراع بين دول المنطقة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن أغلب الاكتشافات النفطية تقع قبالة سواحل كينيا والصومال.
أولا: احتياطات النفط والغاز في شرق أفريقيا
تاريخيا لم تحظى كينيا والصومال بانتاج وافر من النفط والغاز الطبيعي بل كانا من أقل الدول عالميا في انتاج النفط والغاز ويرجع ذلك لأسباب عديدة أهمها افتقار الدولتان للبنية التحتية اللازمة لإجراء عمليات مسوح جيلوجية استكشافية وانعدام الأمن في المنطقة خاصة الصومال التي تشهد حربا أهلية دائرة منذ عام 1990، إلا أنه ومع بداية عام 2012 أمعنت كينيا في إجراء مسوح جيولوجية أملا في استكشاف احتياطات للغاز الطبيعي أو النفط سواء في البر أو المياه الضحلة و العميقة، وكذلك مع الصومال.
في تقرير منشور على موقع بتروليوم إيكونوميست في ديسمبر 2019 أكد وجود احتياطي نفطي في المياه الضحلة والعميقة الصومالية يقدر بنحو 30 مليار برميل يسهل استخراجهم تقنيا إلا أن الأزمات السياسية والأمنية في الصومال تحول دون تحقيق ذلك([i]).
أما بالنسبة للموقف الكيني فتمتلك نيروبي أربعة أحواض يتم من خلالهم استخراط النفط وهم أنزا ولامو ومانديرا والوادي المتصدع إلا أن حوض لامو يمتد إلي المياه الضحلة والعميقة قبالة السواحل الكينية، وكانت كينيا قبل 2012 متواضعة في انتاج النفط والغاز الطبيعي فخلال الفترة من عام 1960 وحتي 2012 لم تنجح شركات البترول العاملة في كينيا مثل أكسون وشيفرون وتوتال في استكشاف سوى 33 بئر بترولي، 16 بئر منهم مبشر بوجود خزانات هيدروكربونية، وتم حفر أربعة آبار منهم منهم بئر في المياه العميقة ([ii]).
في حين تقدر شركة Tullow Oil الإنجليزية ارتفاع احتياطي حقول توكانا 560 مليون برميل من النفط ومن المحتمل أن يصل انتاج النفط لنحو 100 ألف برميل يوميا بدءًا من عام 2020، ويأتي بيان الشركة الإنجليزية عقب نجاح كينيا في تصدير أول شحنة بترولية لها في أغسطس 2019([iii]).
ثانيا: الحدود البحرية والصراع على الأحواض الهيدروكربونية
تثير عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدول أزمات عديدة خاصة إن كانت عملية الترسيم تتم في أحواض بحرية تزخر باحتياطات غير مكتشفة من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعى أو حتي المصايد السمكية، فكل دولة تسعى للاستحواذ علي نصيب أوفر من تلك الثروات، وعلى المستوى العالمي يوجد العديد من النزاعات حول ترسيم الحدود البحرية مثل أزمة شرق المتوسط بين اليونان وقبرص وتركيا وكذلك أزمة جزر الفوكلاند بين الأرجنتين وبريطانيا.
عادة ما تنشأ النزاعات البحرية بين دول ذات شواطئ متقابلة وأن المسافة المائية الفاصلة بينهم ليست كافية (أقل من 400 ميل بحري) لتحقيق ترسيم حدودي فعال، فكما هو المعروف وفقا لاتفاقية قانون البحار عام 1982 بأن عرض المنطقة الاقتصادية الخالصة لأي دولة لا تتجاوز 200 ميل بحري مقاسة من خط الأساس البحري([iv]).
وتحدد اتفاقية قانون البحار عام 1983 سبل تسوية النزاعات بين الدول حول الحدود البحرية حيث أقرت المادتين 74 و 83 من الاتفاقية إلا أنه يتم تسوية المنطقة الاقتصادية والجرف القاري لأي دولة وفقا للاتفاق المنصف بين البلدين ووفقا لقواعد وقوانين القانون الدولي التي تمت الاشارة إليها في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية([v]).
ساهمت عمليات التنقيب الواسعة على النفط في عام 2012 قبالة سواحل شرق أفريقيا والممزوجة بالمزيد من التفاؤل حول احتمالية وجود احتياطات غير مكتشفة من النفط والغاز الطبيعي في تلك المناطق في تصعيد الخلافات السياسية بين دول الإقليم وهو ما سيتم التطرق إليه في النقطتين التاليتين:
- النزاع الصومالي الكيني: نادرا ما ينشب نزاع بحري بين دول تتلاصق شواطئها كحالة الصومال وكينيا فأغلب النزاعات تكون بين الشواطئ المتقابلة، ففي حالة الشواطئ المتلاصقة تكون الحدود البحرية هي امتداد لخط الحدود البري بين الدولتين.
ينشب النزاع بين الدولتين ذات السواحل المتلاصقة في حالة وجود خلافات حدودية برية في الأساس بين البلدين، حيث يكون النزاع البحري مترتب في الأساس على خلاف حول خط الحدود البحري بين البلدين كما هو الحال في الخلافات الحدودية بين لبنان وإسرائيل حول خط هوف.
بالعودة إلي النزاع الصومالي الكيني نجده أن النزاع أخذ أشكالا متعددة بدأ من مرحلة الستينيات وانتهاءا إلى اليوم فخلال الفترة الممتدة من حقبة الستينيات وإلي عام 2009 لجأت كينيا إلي فرض هيمنة على المنطقة البحرية المتنازع عليها الآن وهو ما أقره الرئيس الكيني «دانيال أراب موى» في عام 1979([vi]).
تصاعد الخلاف بين الجانبين في عام 2009 حينما أبرمت حكومتي الصومال وكينيا مذكرة ترسيم حدود بحرية بينهما، إلا أن البرلمان الصومالي في جلسة أكتوبر 2011 رفض الاتفاقية وتصاعدت الخلافات بصورة أعمق في عام 2012 حينما أرست نيروبي عقود تنقيب قبالة السواحل الكينية الصومالية لشركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية([vii]).
تتمسك الصومال بأحقية أن يكون حظ الحدود البحري امتدادا لخط الحدود البري بين الدولتين وهو ما ترفضه كينيا التي تستحوذ منطقة مساحتها 142000كم، مما دفع الحكومة الصومالية في عام 2014 إلي التوجه إلي محكمة العدل الدولية صاحبة الاختصاص في النظر في النزاعات التي تنشب حول الحدود البحرية بين الدولية والمتعلقة بتفسير اتفاقية قانون البحار لعام 1982، وهو ما رفضته كينيا وطالبت رد المحكمة عن النظر في القضية، إلا أن حكم المحكمة في عام 2016 أكد أحقية المحكمة في نظر القضية([viii]).
تجددت الأزمة مرة أخرى في فبراير 2019 علي خلفية قيام نيروبي بطرد السفير الصومالي واستدعاء سفيرها في مقديشيو احتجاجا على احتمالية قيام الرئيس محمد عبد الله فرماجو طرح 50 حقل نفطي متواجدين في المنطقة المتنازع عليها للبيع في مزاد علني في لندن، واتهمت حينها الحكومة الكينية نظيرتها الصومالية بانتهاك القانون الدولي حيث أن القضية بين البلدين مازالت منظورة أمام محكمة العدل لم يتم البت فيها حيث بدأت جلسات الاستماع في 25 يونيو 2019.
- أرخبيل سُقطري نقطة نزاع صومالي حوثي: باتت عملية ترسيم الحدود البحرية بين دول شرق أفريقيا ومضيق باب المندب أمرا حيويا وضرووي لوأد النزاعات بين تلك الدول، فمؤخرا وتحديدا في 9 مارس 2020 اتهمت «جماعة الحوثي» المسيطرة على العاصمة صنعاء الحكومة الصومالية بالتعدي على الجرف القاري اليمني بما يشكل اعتداء على السيادة اليمنية([ix]).
أشار «زكريا الشامي» وزير النقل في الحكومة الانقلابية اليمنية ورئيس اللجنة المشكلة لدراسة الجرف القاري اليمني إلي أن الجانب الصومالي قام بإنزال خرائط ترويجية للتنقيب على النفط في المياه الصومالية إلا أن تلك الخرائط قامت باستحداث قطاعات بحرية بترولية في أرخبيل سقطري وهو ما يعد تعديا علي السيادة اليمنية([x]).
يتضح من السلوك الحوثي أن سمة اهتمام متصاعد من قبل الحركة واحتمالية تعرض المنشآت النفطية في مضيق باب المندب لعمليات استهداف إذ تم استكشاف المزيد من الاحتياطات النفطية خاصة في أرخبيل سقطري.
ثالثا: تدخلات دولية في أزمات شرق أفريقيا النفطية
في عام 2012 ساهمت الشركات النفطية مثل توتال وإيني في فتح أفاق جديدة لكينيا والصومال وتنزانيا إلي أنها في ذات الوقت عقدت من الأزمات السياسية والأمنية المتبادلة بين تلك الدول، فمعظم الاكتشافات البترولية كانت في المياه الضحلة والعميقة الواقعة على الحدود الصومالية الكينية والتي تشهد نزاعات قضائيا الآن أمام محكمة العدل الدولية.
من الواضح أن الاكتشافات البترولية في السواحل الكينية الصومالية، كانت مفتاحا للتكالب الدولي والإقليمية على تلك الثروات الغير مكتشفة، حيث حرصت كل من قطر وتركيا على السيطرة على تلك الثروات النفطية.
استحواذ قطري
اتجهت قطر في يوليو 2019 أي بعد تفاقم الأزمة الحدودية الصومالية الكينية إلي الاستحواذ على 25% من قيمة أسهم شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية واللتان تنقبان علي النفط والغاز في ثلاثة حقول وهم L11B.L11A , L12 وذلك قرب السواحل الكينية وتحديدا في المنطقة البحرية المتنازع عليها من قبل الصومال وكينيا.([xi])
ويأتي تفاصيل التقاعد بأن شركة قطر للبترول اشترت 13.75% من أسهم شركة إيني العاملة في كينيا، كما اشترت نسبة 11.25% من أسهم شركة توتال العاملة في كينيا([xii])، ويحمل تحرك الشركة القطرية للاستحواذ على أسهم شركات البترول العاملة في كينيا العديد من الدلالات السياسية والاقتصادية أبرزها:
- دعم الموقف الكيني: انسجم الموقف القطري مع الإدعاءات الكينية حول أحقيتها في أكثر من 100 ألف كم متر مربع من المياه الإقليمية الصومالية، فالتعاون القطري الكيني يعد محاولة لإضفاء الشرعية السياسية علي السلوك الكيني إزاء المياه الإقليمية الصومالية.
- انكشاف الموقف القطري تجاه الصومال: من المؤكد أن الموقف القطري الداعم لكينيا مفاجأة بالنسبة للبعض، فالدوحة وعبر وسائل إعلامها وتحركاتها السياسية تبدى اهتماما متصاعدا بالأوضاع السياسية والأمنية في الصومال وتروج لصورة قطر الداعمة للشعب الصومالي في محنته السياسية والأمنية، إلا أن موقف شركة قطر للبترول يشى بعكس ذلك تماما.
- ضعف ثقة الدوحة في وكلائها في الصومال: بات من المؤكد أن قطر تفتقر إلي الثقة في وكلائها في الصومال، فهم غير جديرون على الحفاظ على الاستثمارات النفطية القطرية في الصومال، لذا لجأت إلي ضخ استثماراتها النفطية في كينيا.
استحواذ تركي
علي خطى الدوحة في التنقيب على النفط في شرق أفريقيا لجأت أنقرة هي الأخري للتنقيب على النفط في سواحل الصومال، حيث أقرت لجنة الشئون الخارجية في مجلس الأمة التركي في فبراير 2020مذكرة تفاهم في مجالي الطاقة والتعدين بين تركيا والصومال سبق أن تم التوقيع عليهم في عام 2016، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سبق أن أعلن في يناير 2020 أن الصومال دعا تركيا للتنقيب في مياهه الإقليمية([xiii]).
وتشمل مذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها التعاون بين البلدين في مجالات استكشاف الخزانات الهيروكربونية ونقل وتخزين ومعالجة الغاز الطبيعي وكذلك عملية تسويقه وتطوير البنية التحتية الخاصة باستخراج النفط[xiv].
مما سبق يتضح لنا أن ثمة متغير جديد للصراع والتوتر في شرق أفريقيا بدأ يتشكل بصورة واضحة في بداية عام 2019 وتسمر إرهاصاته إلي الآن، ويتوقف مستقبل هذا المتغير على مدي ثبات واستقرار أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية، فمع هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية سيدفع إلي تهميش متغير الاكتشافات البترولية في شرق أفريقيا، لكن في حال عودة أسواق النفط إلي سابق عهدها فإنه من المحتمل أن يزداد التصارع بين دول شرق أفريقيا والدول الإقلمية حول الاستحواذ على نفط وغاز منطقة معروف عنها بتفشي الاضطرابات السياسية والأمنية.
[i] ALASTAIR O’DELL, Somalia’s oil may secure the peace, Petroleum Economist, 10 December 2019, AT:
[ii] . deloitte, The Deloitte Guide to Oil and Gas in East Africa Where potential lies, AT: https://www2.deloitte.com/content/dam/Deloitte/global/Documents/Energy-and-Resources/dttl-er-deloitte-guide-oil-gas-east-africa%20-08082013.pdf
[iii] . Joseph Akwiri, Kenya’s first crude oil export sparks demands over revenue sharing, reuters, 26 August, 2019, AT: https://www.reuters.com/article/us-kenya-oil/kenyas-first-crude-oil-export-sparks-demands-over-revenue-sharing-idUSKCN1VG1FQ
[iv] . الأمم المتحدة، اتفاقية قانون البحار 1982 المادة (57)، متاحة على الموقع التالي:
https://www.un.org/depts/los/convention_agreements/texts/unclos/unclos_a.pdf
[v] . المرجع السابق المواد 47، 83
[vi] .د.أحمد أمل، النزاع الصومالي الكيني.. بين السياسة والقضاء الدولي “1-2″، العين الإخبارية، 8/7/2019، متاحة علي الرابط التالي: https://al-ain.com/article/somaliakenya
[vii] . المرجع السابق
[viii] . المرجع السابق
[ix] . مركز مقديشيو للبحوث والدراسات، الحوثيون يتهمون الصومال بالاعتداء على المياه البحرية الاقليمية، 9 مارس 2020، متاح على الرابط التالي: http://mogadishucenter.com/2020/03/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84/
[x] . المرجع السابق
[xi] . الصومال الجديد، قطر تشتري 25% من أسهم شركتين تنقبان البترول في السواحل الكينية القريبة من الصومال، 24 يوليو 2019، متاح على الرابط التالي :
[xii] . المرجع السابق
[xiii] .الصومال الجديد، نورديك مونيتور يكشف عن مذكرة تفاهم بين الصومال وتركيا في مجال الطاقة والتعدين، 23 فبراير 2020، متاح على الرابط التالي:
[xiv] . المرجع السابق