كتبت – أسماء حمدي
بعد مرور عام على بدء الهجمات الوحشية التي شنها مسلحو حركة الشباب في منطقة كابو ديلجادو شمال موزمبيق، والتي خلفت آلاف القتلى والمفقودين، ما زال الآلاف يفرون من أعمال العنف الجارية، كما تسببت الهجمات بين يناير ومنتصف مارس إلى نزوح حوالي 24000 شخص داخل منطقة نانغادي.
صدمات نفسية
يعيش الآن مئات الآلاف من النازحين في مخيمات لاجئين مكتظة أو ينامون في شوارع مناطق أكثر أمانًا في البلاد، إذ التمس حوالي 5000 شخص الحماية في منطقة مويدا، وهي منطقة نائية على الحدود مع تنزانيا، بعد أن شهدوا أعمالًا وحشية، بما في ذلك القتل وقطع الرؤوس وتقطيع الجثث، والعنف الجنسي، والاختطاف، والتجنيد القسري من قبل الجماعات المسلحة، والتعذيب.
ووصل عدد كبير من النساء إلى ميناء بيمبا، بعد فرارهن من الهجمات التي شنتها جماعة الشباب المتمردة في مدينة بالما الساحلية، لكنهم أصبن بصدمات نفسية جراء تلك الفظائع التي شهدنها.
بمجرد وصولهم إلى بيمبا، تبحث العائلات والنساء عن مكان للعيش فيه، وينتهي المطاف ببعضهم في حي باكيتكيتي الفقير، بينما يستخدم البعض الآخر جهات اتصال أو روابط عائلية للعثور على سكن، تشعر فاطمة التي وصلت حديثا بأنها محظوظة: «زوجي يعمل لدى مقاول من شركة TotalEnergies، وسوف يقرضنا الفيلا الخاصة به حتى تهدأ الأمور».
نتيجة للصراع، تضاعف عدد سكان بيمبا في غضون بضعة أشهر، حيث أصبحت مكان لقاء النازحين الذين يأملون في لم شملهم مع عائلاتهم، تقول سكينة التي ترقد مع طفلها النائم في سنترو ديسبورتيفو في بيمبا، مثل مئات النساء الأخريات هناك، إنها تشعر بالقلق، مضيفة: «نحن ننتظر أن نسمع من زوجي، إذا تم لم شملنا، سترسلنا الدولة إلى المخيم، لكن إذا لم أسمع شيئًا عنه في غضون أيام قليلة، فسوف أضطر إلى الذهاب وحدي، لا أستطيع الانتظار هنا إلى الأبد».
تحكي صوفيا التي وصلت إلى مخيم ميتوبي، مع طفلها عن زوجها الذي قتله المتمردون قبل بضعة أشهر، وهي من موشيمبوا دا برايا، المدينة الساحلية حيث بدأ التمرد، قائلة: «لا أعرف ماذا أفكر، أنا وحيدة هنا، بلا شيء ولا أحد، حكومتنا تقدم لنا الحد الأدنى من المساعدة، وما زلنا خائفين، لدي كوابيس كل ليلة، وسمعت أنه تم قطع رأس زوجي، متسائلة من هم الشباب وماذا يريدون؟».
تقول نورا علي حق، التي ترعاها المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، والتي وصلت إلى معسكر نتيلي في مونتيبويز، ثاني أكبر مدينة في كابو ديلجادو، بعد الفرار من هجمات المتمردين في بالما: «كان علينا أن ندفع للمهربين والكثير من الأشخاص الآخرين كي نصل إلى هنا، لقد استغرق الأمر منا عدة أسابيع في الانتقال من قارب إلى آخر، دون أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون، لقد أكلت بصعوبة، وبقي بعض أفراد عائلتي في الخلف».
«ليس لدينا سلام»
في مخيمات النزوح، تتعرض النساء والفتيات المنفردات للاغتصاب والعنف، وليس لديهن أي فكرة عن مكان الحصول على المساعدة، فكثير منهن رملن أو تركهن أزواجهن بمفردهن بسبب القتال، إذ بلغ عدد الرجال الذين تم تجنيدهم قسريا من قبل المليشيات نحو ما يقرب من3000 رجل.
في مخيم 25 دي جونهو للنازحين الداخليين في منطقة ميتوج، تروي ليليا كيف تتعرض النساء باستمرار للمضايقات، قائلة: «ليس لدينا سلام، يأتي الرجال خلفنا بمجرد أن يعلموا أننا بلا أزواج، يحدث هذا طوال الوقت، خاصة في الليل، لا يقتصر الأمر على الرجال في المخيم، بل من المفترض أيضًا أن تحمينا الشرطة والجيش، لكنهم يهددوننا إذا لم نرد بشكل إيجابي على مضايقتهم».
تقوم أرسينيا التي تقيم في معسكر ميتوج: «أحاول الحفاظ على بعض الكرامة، زوجي مصاب بصدمة بسبب ما رآه في موسيمبوا، إنه لا ينام، لقد أصبح غريبًا، أريد أن أعتني بأولادي، والطبخ، والتنظيف، أريد أن نظل أناسًا عاديين، أنا لا أعرف حتى أين سأكون الأسبوع المقبل، لكنني لن أستسلم».
في مخيم 25 دي جونهو، تؤدي ندرة المياه في بعض الأحيان إلى معارك، إذ يحيط عشرات النساء بواحد من 16 منفذًا للمياه تستوعب 30 ألف نازح، أما بالنسبة إلى يورا، فإن المهمة البسيطة المتمثلة في جمع المياه تمثل تحديًا، تحكي قائلة: «نحن أكثر عددًا في المخيم، لذلك نحن نفعل ما في وسعنا لملء الدلاء والأحواض، لكننا نعيش بعيدًا جدًّا، وهذه مشكلة، يمكنني حمل دلوين فقط، ما لم يرافقني أحد أطفالي، ويجب أن أعود كل 48 ساعة، ويستغرق الأمر ساعات للقيام بذلك».
يوزع برنامج الغذاء العالمي الطعام في قرية ميلوكو التي هاجمها المتمردون، وتعتمد النساء 100% على المساعدات، ويأخذن حصتهن من الأرز والصلصات والزيت والذرة، لكن نفيسة لا تزال يائسة، تقول: «لدينا تذكرة تموينية واحدة فقط لكل أسرة، ولدي 5 أطفال، علينا أن نتدبر أمرنا بطرق أخرى بمساعدة جيراننا، لا أعرف كيف سيستمر هذا».
في مخيم للنازحين في أنكوابي، يساعد برنامج منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) النازحين على زراعة طعامهم بأنفسهم، ما جعل هذا المخيم نموذجًا، لدرجة أن البعض يفضل البقاء فيه على العودة إلى ديارهم.
تقول ميلبا: «تتيح لنا هذه الأرض العيش، وكل شيء ينمو هنا، أصبحت الذرة والفاصوليا روتينًا يوميًا للنازحين، تظل الأسماك واللحوم غير قابلة للوصول أو باهظة الثمن.
«أتضور جوعا»
في أبريل 2021، وصلت عشرات النساء إلى مخيم نتيلي في مونتيبويز ثاني أكبر مدينة في كابو ديلجادو، وتصف إحداهن تعرضهن للهجوم، قائلة: «أمسك بي العديد من الشباب، وكانوا أقوياء وبقامة طويلة، وفي العشرينات من العمر، ومن حسن حظي مرت مجموعة من النساء في الوقت نفسه، فتركوني وهربت نحوهم، كنت محظوظة، نحن نعلم أنهم يقتلون كبار السن وأولئك الذين يجدونهم قبيحين».
وصلت روزا مع أطفالها إلى مونتيبويز، واستغرقت رحلتها من بالما عدة أيام سيرًا على الأقدام وبالسيارة، ودفعت الكثير من الأموال للناس، مضيفة: «ما رأيته كان فظيعًا، كان هناك قتلى في كل مكان على الطريق وفي المنازل، ولا نعرف السبب، القتلة هم جيراننا، أخذت عائلتي وركضنا إلى الأدغال لتجنب الموت، انتظرنا عدة أيام وبدأنا المشي في النهاية».
وفي حديثها لصحيفة «الجارديان» البريطانية، تحكي أمينة التي وصلت إلى مخيم ناكاكا في مونتيبويز، بعد أكثر من أسبوعين سيرا على الأقدام، من بالما حاملة طفلها بين ذراعيها، تقول: «لا أعرف أين زوجي، لا أعرف ما هو هذا المكان، ولا أفهم لماذا ليس لدي أي تذاكر تموينية، أنا استحق الدعم، لكن لا أحد يعطيهم لي، اسمي موجود في القائمة، لكن شخصًا ما وقع نيابة عني، لا أعرف ماذا أفعل، أنا أتضور جوعا».
في مخيم للنازحين خارج قرية نيجومانو بالقرب من الحدود التنزانية، تصنع نورا الطوب الطيني، قائلة: «لا أحد يبني بيوتنا، علينا أن نفعل ذلك بأنفسنا، يقوم الرجال بقطع الخشب ثم تثبيت الإطار، أما نحن نصنع الجدران من الطين، إنه أفضل من الخيام التي تطير بعيدًا، بسبب أن هذه المنطقة إعصارية وهناك الكثير من الأمطار، نحن نعلم أننا سنبقى هنا لفترة طويلة، علينا حماية أنفسنا».
المناخ يفاقم الأزمة
لم تكن حركة الشباب الصومالية وحدها التي تفاقم أزمة النازحين، فللمناخ دور أيضًا، إذ تعاني المنطقة من أخطار مناخية حيث تصبح الأعاصير والعواصف الأخرى أكثر تواترًا وشدة، ما يصعب الحياة على اللاجئين الذين يعيشون في خيام وسط قلة المساعدات الإنسانية والخدمات والحماية.
قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوريس تشيشيركوف: «الفيضانات أقوى، والجفاف يشتد، وحرائق الغابات أصبحت أكثر تدميرا».
وأشار بوريس تشيشيركوف، إلى أن تغير المناخ من صنع الإنسان آخذ في التسارع، ويسبب بالفعل اضطرابًا خطيرًا وواسع النطاق للطبيعة والبشر، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة.
وأوضح أن الشعوب الأصلية هم أكثر من يتأثر بشكل غير متناسب، لافتا إلى أن أكثر من 80% من اللاجئين والنازحين داخليا يأتون من أكثر البلدان تأثرًا بالمناخ في جميع أنحاء العالم.