كتبت – أسماء حمدي
يصنف الصومال من بين أكثر الدول خطورة للصحفيين، إذ يعملون في ظروف من الخوف والحذر وهم عرضة للقتل والتهديد والاعتقال التعسفي، وخاصة النساء بسبب الانفلات الأمني وضعف المؤسسات الحكومية الفيدرالية، ما تسبب بمقتل المئات منهم.
ولوقت طويل، عوملت النساء الصحفيات في الصومال كمواطنات من الدرجة الثانية، وتجاهلت الأخبار قصصهن وأصواتهن وغالبًا ما يُحرمن من فرص التدريب والترقيات، ما دفع مجموعة منهن لإطلاق أول شبكة إعلامية نسائية في إبريل 2022، أطلقوا عليها اسم بيلان وهو يعني “تسليط الضوء” وهو ما يوفر مساحة تمكنهن من العمل واتخاذ القرارات المصيرية في بيئة خالية تمامًا من التمييز والمضايقات.
بيلان
وفي إبريل الجاري، يحتفل الفريق الإعلامي الصومالي الرائد والمكون بكامله من النساء “بيلان”، بمرور عام على بدء عمله والذي أسهم في تجاوز المحظورات الموروثة وفتح الطريق لعمل الصحفيات في بلد يصنف كواحد من أخطر البلدان لعمل الصحفيين في تغطية الأخبار.
منذ أن ولدت “بيلان”، وهي دار الإعلام الوحيدة في البلاد المخصصة للنساء فقط، فقد قامت بتغطية كل شيء من فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) إلى المواد المخدرة، والآن يطمح فريق العمل للانتقال إلى العالمية.
تقول رئيسة تحرير فريق بيلان فتحية محمد أحمد، في مقال نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن العمل كصحفي في الصومال هو عمل خطير، خاصة إذا كنت امرأة وإذا كنت تريد تغطية الموضوعات المحرمة، لكن هذا لن يمنعني أو يمنع أي من زملائي في بيلان.
تشير أحمد إلى أن أحد أصعب المواضيع التي تناولتها هو إدمان الإناث للمخدرات في الصومال، مضيفة: “قررت أن أفعل ذلك بعد العثور على مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي يبلغ من العمر 22 عامًا ميتًا بسبب جرعة زائدة من المواد الأفيونية المشتبه بها في شوارع مقديشو، لا أحد يريد أن يتحدث عن الأعداد المتزايدة من الشابات اللواتي يتعاطين المخدرات بالحقن والحبوب لأنه كان يُنظر إليه على أنه مخزٍ للمجتمع بأسره”.
تضيف: “استغرق الأمر شهورًا لإقناع أي شخص بالتحدث، وكان المدمنون مرعوبين من أن يكتشف آباؤهم ذلك، لكنني أقنعتهم بارتداء أقنعة الوجه لإخفاء هوياتهم، وطلبوا مني المال، كما هددني الصيادلة الذين يبيعون المواد الأفيونية، محاولين منعي من كتابة القصة لأنهم أرادوا الاستمرار في جني الأموال من المدمنين، وخافوا من التعرض للشرطة”.
حول العالم
وصلت تقارير فريق “بيلان” إلى الملايين حول العالم عبر قنوات الراديو والتلفاز ووسائط التواصل الاجتماعي داخل الصومال التي تديرها “مجموعة دالسان الإعلامية”، والتي تستضيف فريق بيلان في مقرها في مقديشو، كما ظهرت بانتظام في مجموعة وسائل الإعلام الدولية، كالجارديان، وشبكة بي بي سي البريطانية، ما أدى إلى رفع مستوى المعرفة بالصحفيات الصوماليات وإثبات قدرتهن على المنافسة في مهنتهن.
على الرغم من مواجهتهن للعديد من التحديات التي تتراوح بين التمييز المهني والتهديد بالعنف والاضطرار لإجراء المقابلات الصحفية الهامة في رفقة أطفالهن، وعلى الرغم من التقدم السريع الذي حققته “بيلان”، إلا أن طريق جميع صحفيات الفريق كان محفوفا بالمخاطر والصعوبات، تقول فتحية: “عندما صدر التقرير حول المخدرات، تعرضت للهجوم من قبل زملائي الصوماليين الذين اتهموني بالإضرار بسمعة بلدنا من خلال إخبار العالم بهذه المشكلة”.
تضيف: “كانت هناك لحظات شعرت فيها بالرغبة في الاستسلام، لكن هذه ليست شخصيتي، ثم جاءت بعض الأخبار الجيدة، واتصلت بي مجموعة مناصرة، تدعى Save Somali Women and Children، وعرضت المساعدة، إنهم يعملون الآن على استراتيجية للتصدي لتعاطي المخدرات من الإناث”.
وواجهت بيلان إساءة مماثلة لإبلاغها عن الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز، وهي قصة أخرى عن امرأة تحدت العداء المحلي للفيروس للترحيب بأشخاص مصابين في منزلها، وعن الفتيات اليتيمات المراهقات اللائي أجبرن على الزواج المبكر وتم التخلي عنهن لاحقًا لتربيتهن الأطفال وحدهم.
“لكن نقل هذه القصص أظهر أيضًا كيف يمكن أن يكون الناس عطوفين ومهتمين، كانت هواتفنا تعج بمكالمات من أشخاص يريدون التبرع بالمال، وقررت وزارة الصحة التدخل لدعم بعض المصابين بـ”الإيدز” الذين كتبنا عنهم، وخاصة رجل يبلغ من العمر 75 عامًا أُجبر على العيش في الشوارع”، بحسب فتحية.
ومن بين الصعوبات التي واجهتها رئيسة التحرير في بيلان، هي التظاهر أمام والديها بأنها كانت تدرس تكنولوجيا الحاسبات في حين كانت تتلقى دورات في الصحافة كما تعرضت للإساءة في الشوارع بسبب ذهابها إلى العمل أثناء الحمل.
كما تعرضت المراسلة الصحفية “كيين” للإساءة خلال تغطيتها بانتظام لقصص اللاجئين والنازحين داخليًا، ونشأت هي نفسها في مخيم للاجئين في كينيا، واضطرت “شكرية”، أصغر عضوات الفريق لمواجهة ضغوط اجتماعية كبيرة حين قررت مغادرة مدينتها بيدوة لأول مرة للعمل ضمن الفريق في مقديشو.
كسر حاجز التأنيث
لا يعتبر الكثير من الصوماليين الصحافة وظيفة مقبولة للمرأة التي يعتقدون أنها يجب أن تبقى في المنزل لتطهو وتنظف وتعمل على تربية الأطفال، تقول فتحية: “لقد تغلبنا على عقبات ضخمة لنصبح صحفيين، الأصغر في الفريق، شكرية محمد عبدي، تنحدر من مجتمع ريفي حيث لا وجود لمفهوم أن تكون صحفيًا، وقام أفراد من عشيرتها بشتمها وتهديدها بسبب عملها.
كانت هناك تهديدات من مسؤولين حكوميين وجماعات إرهابية، كما أصيب أفراد من عائلة إحدى صحفيات بيلان بجروح بالغة في هجوم مسلح استهدفها، ونحن جميعًا نخاطر بحياتنا يوميًا لأننا نعيش في بلد يتم فيه حل أصغر المشاكل بالسلاح.
ومع مقتل أكثر من 50 من العاملين في مجال الإعلام منذ عام 2010، تعد الصومال المكان الأكثر خطورة بالنسبة للصحفيين في أفريقيا، وللسنة الثامنة على التوالي، احتلت الصومال المرتبة الأولى في مؤشر الإفلات من العقاب العالمي للجنة حماية الصحفيين.
“بيلان” ليس مجرد سرد القصص الحزينة التي لم تُرو، فخلال عامنا الأول، قمنا بالإبلاغ عن العديد من الموضوعات الإيجابية مثل الموضوعات السلبية، بما في ذلك عن النساء الحضريات اللائي أنشأن مزارع خارج مقديشو، وفتاة تبلغ من العمر 10 سنوات تقوم بتدريس الحرف اليدوية للبالغين، إلى جانب النقد، نتلقى المديح أيضًا من الأشخاص الذين يقولون إن أسلوبنا في التعامل مع القصص يختلف عن نهج الصحفيين الذكور، بحسب فتحية.
تضيف: “على عكس العاملات الإعلاميات الأخريات في الصومال، نقوم بجميع أعمالنا الصحفية من البداية إلى النهاية، ونحن نقرر ما هي القصص التي نرويها وكيف نرويها، ونصور قصصنا ونعدلها ونكتبها ونقدمها فنحن خلف الكاميرا وأمامها”.
تحكي رئيسة تحرير بيلان، أن الفريق تعلم الكثير من هذه المهارات في العام الماضي، ويقول الناس إن الطريقة التي نصور بها مختلفة عن زملائنا الذكور، لأننا نركز على الأشياء التي نادرًا ما يلاحظونها، مثل الطريقة التي يطبخ بها النازحون طعامهم ويغسلون ملابسهم.
وتختتم مقالها: “لدينا خطط كبيرة لعامنا الثاني، سننقل بيلان إلى مناطق أخرى، وننشئ شبكة من المراسلين في جميع أنحاء البلاد، نود أن نرى بيلان أخرى في جميع الدول الأعضاء الفيدرالية وخارجها، كما يجب أن تتجه بيلان إلى العالمية، وإذا كان بإمكاننا إنشاء دار إعلامية خاصة بالنساء في الصومال، فيمكننا القيام بذلك في أي مكان آخر في العالم تقريبًا”.