كتبت – أسماء حمدي
خلال العقود الثلاثة الأخيرة،تراجعت أعداد الزرافات في القارة السمراء، بسبب تغير المناخ والتوسع في الأراضي الزراعية، والصيد غير القانوني خاصة في مناطق الصراع مثل جنوب السودان، لكن بحث جديد أظهر تزايد أعدادها في جميع أنحاء القارة، وهي بقعة نادرة للأخبار السارة في عالم الحفاظ على الطبيعة.
الزرافات تنتعش من جديد
أظهر تحليل حديث لبيانات المسح من جميع أنحاء القارة الأفريقية، نشرته «ناشيونال جيوجرافيك»، أن إجمالي عدد الزرافات بلغ الآن نحو 117000، وهو ما يزيد بنسبة 20 ٪ عما كان في عام 2015، عندما تم نشر آخر مسح رئيسي.
يقول المدير التنفيذي لمؤسسة «الحفاظ على الزرافة» ومقرها ناميبيا، جوليان فينيسي: «إن هذا الارتفاع جاء نتيجة للنمو الحقيقي في بعض المناطق، ولكنه ينبع أيضًا من بيانات تعداد أكثر دقة، مضيفا: «إنه لأمر رائع أن نرى هذه الأعداد تتزايد».
«الانقراض الصامت»
كانت الزرافات تعتبر ذات يوم نوعًا واحدًا، لكن الأدلة الجينية الحديثة تُظهر أنه من المحتمل أن يكون هناك أربعة أنواع من الزرافة، ثلاثة منها قد زاد عددهم بشكل كبير، وهي الزرافات الشمالية، والشبكية، وزرافات الماساي، بينما ظلت الزرافات الجنوبية الرابعة مستقرة نسبيًا.
خلال السنوات القليلة الماضية، تم جمع البيانات في 21 دولة، من قبل الحكومات والباحثين والمنظمات وحتى العلماء المحليين، ثم حلل فينيسي وستة من الباحثين المشاركين هذه المجموعة الهائلة من المعلومات ومع ذلك، لا يزال عددها صغيرًا نسبيًا، مع الأخذ في الاعتبار أنه كان هناك مليون من هذه الحيوانات قبل بضع مئات من السنين، وتناقصت أعدادها لعقود فيما يسميه بعض العلماء «الانقراض الصامت».
يشير «فينيسي»، إلى أن الحيوانات مهددة بسبب تدهور الموائل وتجزئتها، وتغير المناخ، والصيد الجائر، لذلك تظل محنتهم ملحة، مضيفا: «لكن هناك أخبارًا إيجابية أيضًا».
حل اللغز
تطلب العثور على جميع البيانات وفهمها جهدًا هائلاً، وتضمن قدرًا كبيرًا من التعاون والتواصل، يقول عالم البيئة في مؤسسة «الحفاظ على الزرافة» والباحث المشارك مايكل براون: «يمكننا الآن أن نكون أكثر ثقة في كيفية تجميع هذا اللغز المعقد والديناميكي، حيث أصبح البحث الميداني أكثر دقة».
في كثير من الأحيان، كان الباحثون يقومون بإجراء مسح للزرافات البرية من الطائرات، ولكن هذه الطريقة يمكن أن تقلل من المجموع الكلي في مناطق معينة، حيث يمكن أن تظل الحيوانات العاشبة ذات الأرجل الطويلة مختبئة تحت الأشجار والنباتات.
وفي حديثه لـ«ناشيونال جيوجرافيك»، يشير «براون»، إلى أن هناك نهج جديد أكثر قوة ينطوي على إجراء دراسات استقصائية مكثفة للصور الفوتوغرافية، حيث تقوم البرامج الحاسوبية بمسح الصور والتعرف على الحيوانات استنادًا إلى أنماطهم الفريدة.
تقول عالمة الأحياء جينا ستايسي دوز، إن الزرافات الشمالية، وهي أكثر الأنواع المهددة بالانقراض، تعيش في مجموعات معزولة عبر وسط وغرب إفريقيا، بالإضافة إلى أوغندا وأجزاء من كينيا، إذ تقدر الورقة الجديدة أن هناك أكثر من 5900 من هذه الأنواع، وهي زيادة كبيرة عن عام 2015، عندما كان هناك 4780.
وأوضح فينيسي إن الجهود العديدة لنقل هذه الحيوانات إلى مناطق جديدة دون وجود مجموعات زرافة موجودة على سبيل المثال، إلى محميات داخل النيجر وتشاد وأوغندا، قد عززت أعداد الأنواع، إذ نقلت 15 زرافة إلى حديقة بحيرة مبورو الوطنية في أوغندا في عام 2015، وقد نما عدد الزرافات بالفعل إلى ما مجموعه 37.
النوع الثاني وهو الأقل اكتظاظًا هو الزرافة الشبكية، التي يقع معقلها في شمال كينيا، إذ يقدر الباحثون أن هناك ما يقرب من 16000 من هذه الحيوانات، أي ما يقرب من ضعف العدد المقدر في عام 2015، ولكن من المحتمل أن يتم تفسير هذه الزيادة إلى حد كبير من خلال بيانات أفضل، وليس بسبب النمو الهائل، بحسب«براون».
أما زرافات الماساي، التي توجد معظمها في تنزانيا وجنوب كينيا، يبلغ عددها 45000 نسمة، بزيادة قدرها 44 في المائة عن سبع سنوات مضت.
وتعد الزرافة الجنوبية، والتي تتجول في جميع أنحاء ناميبيا وبوتسوانا وجنوب إفريقيا وما وراءها، هي أكثر الأنواع اكتظاظًا، إذ يُعتقد أن هناك 48000، تقريبًا نفس الرقم في عام 2015.
فيما لا تزال هناك بعض المناطق التي تفتقر إلى بيانات جيدة، مثل جنوب السودان، رغم أنه بسبب الاضطرابات المدنية في المنطقة، يخشى الكثير من زيادة الصيد الجائر، كما أن تقديرات الأعداد في إثيوبيا والصومال غير واضحة، هناك أيضًا أماكن تتناقص فيها الأرقام، مثل الزرافات الشمالية في جمهورية إفريقيا الوسطى أو الزرافات الجنوبية في زيمبابوي.
شعاع أمل
لم ينته الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة(IUCN)، الذي يحدد حالات حفظ الأنواع، من تقييم البيانات الجينية الجديدة على الزرافات، ولا يزال يعتبرها نوعًا واحدًا، مصنفة على أنها معرضة للانقراض، مع تسعة أنواع فرعية.
يعتبر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة نوعين فرعيين من الزرافات الشمالية معرضين للخطر بشكل كبير، واثنان آخران وهما ماساي وزرافات شبكية معرضان لخطر أقل.
لا يزال الصيد غير القانوني للحيوانات وجلدها وعظامها وذيولها يمثل مشكلة كبيرة في مناطق معينة، لكن الباحث في معهد سميثسونيان لبيولوجيا الحفظ، جاريد ستاباخ، يقول إن “اهتمامه الرئيسي هو التنمية غير المستدامة، بما في ذلك التنقيب عن البترول وإنشاء الطرق، وأحد الأمثلة على ذلك هو التوسع في التنقيب عن النفط والغاز حول منتزه مورشيسون فولز الوطني في أوغندا، والذي يهدد بتفتيت وإتلاف الموائل لعدد كبير من الزرافات الشمالية المهددة بالانقراض في المنطقة”.
ومع ذلك، فإنه في الأماكن التي اجتمعت فيها الحكومات والمواطنون والباحثون ودعاة الحفاظ على البيئة لحماية أطول حيوان في العالم، هناك أمل في أن ارتفاع أعداد الزرافات، يقول «براون»: «عندما تكون الظروف مناسبة للزرافات، يمكن أن تنتعش بطرق لا تصدق، جُل ما يحتاجونه هو فرصة».