كتب – د. محمد فؤاد رشوان

باحث في الشؤون الأفريقية

يعاني السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 من وضع إنساني بالغ التعقيد؛ حيث شهد تشريدًا جماعيًا لملايين السكان، وقتل أكثر من 12000 شخص ونزوح حوالي 7 ملايين شخص داخل البلاد، مما يجعلها أكبر أزمة نزوح في العالم، ومع اتساع دائرة الحرب إلى ولاية الجزيرة – سلة الغذاء السودانية – ونزوح أكثر من نصف مليون شخص منها، تفاقمت أزمة الغذاء عقب نهب قوات الدعم للشركات والأسواق ومستودعات المساعدات الإنسانية، وأعلنت المنظمات الإغاثية عن فشلها في إيصال المساعدات الإنسانية خاصة في منطقة جنوب الخرطوم.

ومع فشل كافة الجهود الدبلوماسية التي قادتها مصر من خلال قمة دول الجوار، وجهود  المملكة العربية السعودية عبر “منبر جدة” وفشل مبادرة “إيجاد” الأولى بعد رفض السودان لفكرة التدخل العسكري، وجعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح، وأخيرًا وعقب إعلان الحكومة السودانية تجميد عضويتها في الهيئة الحكومية للتنمية ” إيجاد” ورفضها لأي مقترحات للتسوية من طرفها مشككة في حيادها وحياد بعض قادة دول المنظمة وانحيازهم لصالح قوات الدعم السريع تضاءلت فرصة إنهاء الحرب الدائرة في السودان، وسط مخاوف متزايدة من تحولها إلى حرب أهلية بعد تزايد الدعوات من أجل التعبئة الشعبية للقتال إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.

ومن أجل كسر الصمت المحيط بالحرب في السودان ودفع المجتمع الدولي للتحرك من أجل الوضع الإنساني في السودان عقدت باريس مؤتمرًا دوليًا في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب في السودان من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية من خلال تعبئة الموارد المالية لجمع ملياري يورو من الدول المانحة، خاصة فرنسا وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، إلا أن الخارجية السودانية استنكرت انعقاد مؤتمر بشأن السودان دون التشاور أو التنسيق مع حكومتها ودون مشاركتها، واصفة المؤتمر بأنه استخفاف بمبدأ سيادة الدول.

وتسعى هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء حول الأهداف التي تسعى فرنسا لتحقيقها من عقد هذا المؤتمر سواء المعلنة منها أو الخفية وإلى أي مدى نجحت الدولة المؤتمِرة في وضع حلول جذرية لتسوية الوضع في السودان، أم الهدف منها إطالة أمد الحرب عبر دفع المزيد من الأموال التي قد تصل إلى الأطراف المتحاربة دون المستفيدين الحقيقيين من الضحايا؟

أولًا: مبادرات متتالية وفشل مستمر في تسوية الأزمة

منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة في السودان، ووسط المخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية وانزلاق البلاد في الفوضى وتداعياتها الخطيرة على دول الجوار طرحت بعض القوى الدولية والإقليمية العديد من المبادرات بهدف وقف القتال، ومنع تمدد رقعة الصراع المشتعل في السودان ليشمل باقي دول المنطقة، منها: المبادرة الأمريكية السعودية أو ما يُطلق عليها “منبر جدة”، والتي سعت إلى خفض مستوى التوتر وتهيئة الأرضية اللازمة للحوار وتمديد الهدنة وصولًا إلى وقف دائم لإطلاق النار، كما تضمنت  توفير الضمانات اللازمة لحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وإنشاء لجنة لمراقبة وتنسيق وقف إطلاق النار، تتكون من ممثلين من الوسطاء وطرفي الصراع. [1]

وعلى الرغم من عدم تنفيذ أي بند مما تم الاتفاق عليه في الجولات الثلاث للمفاوضات مما كان يفترض تنفيذها، ما يعني أن منبر جدة فشل في الوصول إلى آليات  مناسبة للتنفيذ وليس في الوصول إلى اتفاقيات، وذلك بالرغم من اعتماد الحكومة السودانية لمنبر جدة كمنصة وحيدة للتفاوض مع قوات الدعم السريع، إلا أن هذه التصريحات لم تدخل في حيز التنفيذ الفعلي حتى الآن. [2]

وفي ذات السياق فشلت الجهود الدبلوماسية التي قادتها مصر من خلال قمة دول الجوار السبع للسودان من أجل وقف استنزاف الموارد والثروات السودانية الطبيعية والبشرية والعمل على تهدئة حدة الصراع والاقتتال المستمر الدائر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

وأخيرًا فشلت وساطة الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” من أجل تسوية الصراع في السودان، والتي وُلدت مشوهة، حيث تواجه المنظمة اتهامات كثيرة حول حيادها، وذلك بسبب انحياز قادة بعض دولها لطرف من طرفي الحرب، وهي قوات الدعم السريع ، وقد أرجعت الحكومة السودانية أسباب رفضها لتلك المبادرة وتجميد عضويتها في منظمة “إيجاد” إلى عدة أسباب، منها: عدم تنفيذ مخرجات القمة السابقة التي انعقدت في جيبوتي في ديسمبر 2023 وقررت ترتيب لقاء يجمع بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وكذلك إقحام إيجاد مناقشة تطورات الوضع في السودان في اجتماع كمبالا دون تشاور مع الحكومة السودانية بالمخالفة لمبادئ المنظمة، وأخيرًا توجيه الدعوة “لدقلو” لحضور قمة كمبالا في سابقة خطيرة في تاريخ المنظمة ومخالفة جسيمة لمواثيقها بدعوة قائد قوات التمرد بحضور قمة رؤساء دول وحكومات المنظمة، وهو ما يعني تجميد وساطة الهيئة الإقليمية وإلغاء أي ترتيبات للقاء البرهان وحميدتي في الوقت الراهن.[3]

ثانيًا: قمة باريس والأهداف المعلنة

انعقدت في 15 أبريل الماضي القمة الفرنسية من أجل السودان والتي نظمتها كل من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي من أجل السودان والبلدان المجاورة، وذلك بعد مرور عام على اندلاع الحرب في السودان، وتسعى القمة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية؛ أولها تمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية الضرورية للسودان ودول الجوار المعنية بالأزمة السودانية، والهدف الثاني إحراز تقدم في ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن دون عوائق إلى جميع أنحاء السودان، أما الهدف الثالث، وهو ألا يطغى عدم الاستقرار في النظام الدولي على الأزمات التي تؤثر في الأفارقة وخاصة في السودان التي شهدت أكبر عملية نزوح جماعي في العالم وصل لأكثر من 8 ملايين شخص وهو ما يؤثر في استقرار دول الجوار. [4]

وبناء على ما سبق، فقد سعت القمة الفرنسية إلى كسر الصمت حول الحرب السودانية في ظل انشغال العالم بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا عبر حشد دولي كبير من المنظمات الإقليمية والدولية وغيرها من المسؤولين في العديد من الدول، لذا فقد شهدت القمة حضور وزراء وممثلين عن 58 دولة تشمل دول الجوار وبلدان المنطقة والعديد من المنظمات والجهات المانحة وممثلين عن الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان وقادة عدة برامج ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة.[5]

وقد استضافت القمة ثلاث فعاليات أساسية بشأن السودان، وهي: الاجتماع الوزاري السياسي والمؤتمر الإنساني، والحوار السوداني، تبرز أهمية الفعالية الأولى باجتماع وزراء الشؤون الخارجية وممثلي الدول والمنظمات الدولية والإقليمية تحت عنوان “دعم مبادرات السلام من أجل السودان” والتي خلصت إلى إصدار إعلان مبادئ كنتيجة لاجتماع الوزراء السياسي جاء بمثابة إدارة للأمة لا محاولة جاهدة من أجل إنهاء الصراع ووقف إطلاق النار فلم يخرج إعلان المبادئ عن  عدة نداءات للأطراف المتصارعة، وحث لها من أجل وقف الأعمال القتالية وتيسيير وصول المساعدات الإنسانية بلا عراقيل للسكان امتثالًا للالتزامات الدولية، وكذلك حث الجهات الفاعلة على الكف عن توفير الدعم بالسلاح والمعدات إلى طرفي النزاع، وأخيرًا دعم المؤتمر لجهود الوساطة السابقة والتنسيق قيما بينها من أجل الوصول لمبادرة للسلام من أجل السودان استنادًا إلى منبر جدة والمبادرة التي اضطلع بها الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيجاد” وآلية دول الجوار.[6]

ثالثًا: قمة باريس والأهداف غير المعلنة

يمكن تحليل موقف فرنسا من حاجاتها إلى عقد تلك القمة، وذلك من أجل تجميل وجهها الإنساني أمام العالم من ناحية وتجميل صورتها الاستعمارية التي فقدتها في القارة الأفريقية ويتضح ذلك الأمر من خلال دعوتها لعدم تحول الحرب في السودان إلى أزمة منسية، وما تريد فرنسا أن تلقي بـ”العبء الأخلاقي” للأزمة عن نفسها، وذلك عند مقارنة ما تقوم به الدول الأوروبية في إيصال المساعدات الإنسانية في أوكرانيا، وما يقابلها من جهود في الأزمات الأفريقية، ومن ناحية أخرى رغبة فرنسا لتحقيق العديد من الأهداف التي تسعى من خلالها للولوج إلى القارة الأفريقية مرة أخرى بعد أن فقدت نفوذها الذي استمر لأكثر من  400 سنة داخل القارة الأفريقية منذ عام 1625م، ومن أبرز تلك الأهداف:

1 . تغيير صورتها كمحتل لدى الدول الأفريقية

برزت حاجة فرنسا لإظهار وجه إنساني جديد في سياستها الخارجية لتدرك ما تبقى من سمعتها في مستعمراتها الأفريقية التي أعلنت التمرد على إرثها الاستعماري، وهو ما ذهب إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه أمام جلسة المؤتمر الإنساني بأن الاهتمام بأمر الحرب وتبعاته الإنسانية في السودان يأتي لدفع الاتهام للغرب بازدواجية المعايير وللتأكيد على أن مسألة السودان ليست منسية ولا غائبة، وأنها تحظى بالاهتمام مثل أوكرانيا أو غزة. [7]

2 . تحقيق مكاسب سياسية بالتواجد في السودان

تسعى فرنسا لاستغلال العلاقات الجيدة التي أقامتها فرنسا مع الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء، والتي أعربت خلالها فرنسا عن دعمها للثورة السودانية ولتطلعات الشعب السوداني في تحقيق الديمقراطية التي يصبو إليها، وكذلك تقديم دعم قدرة 60 مليون يورو لحكومة حمدوك الانتقالية، وكذلك دعوة الحكومة الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب .[8]

وتسعى فرنسا إلى استغلال تلك العلاقات من أجل خلق موطئ قدم لها داخل منطقة شرق أفريقيا عقب خروجها بشكل تام من منطقة نفوذها التاريخي في غرب أفريقيا، وخاصة بعد خروجها من النيجر وقبلها من مالي وبوركينا فاسو، والتي كانت مناطق النفوذ الاستراتيجي الفرنسي، وذلك وفقًا لرؤية ماكرون الجديدة والشراكة الفرنسية مع أفريقيا، وذلك عبر تقليص الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا وتحويل القواعد العسكرية الفرنسية إلى أكاديميات تشارك فرنسا في إدارتها مع الدول الأفريقية من أجل تهدئة الرأي العام الأفريقي، كذلك تقديم الدعم للجيوش الأفريقية من خلال المعلومات الاستخباراتية أو الخدمات اللوجستية أو صادرات الأسلحة مع زيادة الاعتماد على القوى الناعمة غير العسكرية وتوسيع نطاق الشراكة مع الدول الأفريقية . [9]

3 . الحصول على مكاسب اقتصادية  

 منذ ستينيات القرن الماضي ومع تعاظم موجه التحرر الأفريقي من الاستعمار انسحبت فرنسا من القارة السمراء بشكل رسمي إلا أنها فرضت نوعًا من الأبوية السياسية والاقتصادية بشكل غير رسمي فلم تنسحب من مستعمراتها إلا وقد فرضت عليها تبعية في اللغة الرسمية والتعليم في المجال الثقافي، وكذلك فرضت فرنسا على هذه الدول التعامل بما يعرف بالفرنك الأفريقي الذي تتم طباعته وتحديد قوته الشرائية من جانب باريس بالإضافة إلى الاستحواذ على الأصول الاقتصادية والتحكم في المرافق الأساسية؛ من إمدادات المياه، والكهرباء، والهواتف فضلًا عن النقل والموانئ والمؤسسات المصرفية حتى بات تداول الفرنك الأفريقي في 14 دولة أفريقية، والذي انقسم بدوره إلى فرنك وسط أفريقيا وفرنك غرب أفريقيا مع عدم جواز استخدام أي منهما في مناطق الآخر.

 وألزمت الاتفاقيات التي وقعتها فرنسا مع هذه الدول بالاحتفاظ بنسبة تتجاوز 50 % من احتياطاتها النقدية من العملات الأجنبية في حساب تجاري بالبنك المركزي الفرنسي حيث لا تمتلك تلك الدول حق التصرف أو استغلال تلك الأموال، وهو ما يحقق لفرنسا مكاسب تقدر بحوالي 500 مليار دولار سنويًا من الأرباح والعوائد القادمة من أفريقيا، وعقب انتهاء الوجود الفرنسي الفعلي في غرب أفريقيا فقدت فرنسا جزءًا كبيرًا من مواردها تسعى لتعويضه من مناطق أخرى مثل السودان .[10]

فالسودان تحتل المرتبة الثالثة عشر عالميًا والثالث أفريقيا في إنتاج الذهب حيث ينتج نحو 80 طنًا سنويًا، بينما تقدر الاحتياطيات غير المستغلة 1550 طنًا في السودان وقد بلغت صادرات الذهب في السودان نصف عائدات التصدير في النصف الأول من العام الماضي بنحو 1.3 مليار دولار علمًا بأن نسبة الذهب المُهرب تصل لحوالي 80 % من الإنتاج .[11]

وتسعى فرنسا لتعويض ما فاتها من خسائر نتيجة لترك منطقة غرب أفريقيا، وخاصة مناجم الذهب الموجودة بكل من مالي وبوركينا فاسو، والتي جعلت من فرنسا رابع أكبر احتياطي للذهب في العالم إذ تحتفظ بـ2436 طنًا من الذهب الخالص رغم أنها لا تمتلك أي منجم للذهب بالذهب الموجود في السودان والسيطرة على مناجم إنتاج الذهب بها.

كذلك تسعى فرنسا لتوفير البديل اللازم من اليورانيوم لإدارة مفاعلاتها النووية، والتي كانت توفر نحو 20 % من احتياجاتها من دولة النيجر، وقد استوردت باريس عام  2022 قرابة 7131 طنًا من يورانيوم النيجر بينما استورد الاتحاد الأوروبي 25 % من احتياجاته منها حيث سجلت واردات النيجر من اليورانيوم 2975 طنًا،[12]  ونظرًا لكون السودان واحدة من أكبر ثلاث دول امتلاكًا لاحتياطي اليورانيوم في العالم والتي تمتلك  أكثر من 1.5 مليون طن متري منه، وهو ما يجعلها محطًا لأنظار القوى الكبرى والإقليمية من أجل السيطرة على تلك الموارد الهائلة .[13]

رابعًا : مؤتمر ولد مشوهًا

فور إعلان باريس عن قمتها المرتقبة لحل الأزمة السودانية دون دعوة الحكومة السودانية أعربت وزارة الخارجية السودانية عن دهشتها واستنكارها لانعقاد مؤتمر حول السودان دون التشاور والتنسيق مع حكومتها، ودون مشاركتها معتبرة أنه مسلك يمثل استخفافًا بالغاً بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ سيادة الدول معتبرة المؤتمر بمثابة نظام للوصاية الدولية، والتي تمت تصفيتها منذ عقود من الزمان، وأنه لم يكن أصلًا ينطبق على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثل السودان.

كما أكدت الحكومة السودانية رفضها لمساواة الجيش السوداني بميليشات متمردة ( قوات الدعم السريع) والتي رأت أن ذلك من شأنه أن يقوِّض أسس الأمن الإقليمي والدولي خاصة وأن قوات الدعم السريع تستهدف مؤسسات الدولة نفسها وتمارس أعمال إبادة جماعية بحق المواطنين السودانيين، والقيام بجرائم لانتهاك حقوق الإنسان، وهو ما قد يشجع حركات التمرد في أفريقيا لتصعيد أنشطتها الإجرامية تجاه الحكومات الشرعية.

وفي ذات السياق استنكرت الحكومة السودانية دعوة ميليشات الدعم السريع لحضور المؤتمر من خلال مشاركة حلفائه السياسيين والمتعاطفين معهم الذين تمت دعوتهم للمشاركة فيه مثل تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية، والتي يقودها رئيس الوراء السابق عبدالله حمدوك  وغيرها من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، بل من خلال دعوة بعض الدول الإقليمية المساندة للميلشيات المتمردة سواء علنًا أو سرًا، وهي نفس الأسباب التي أعلنتها الحكومة السودانية فيما يتعلق بقمة إيجاد ورفضت كافة مخرجاتها في وضع كانت الحكومة السودانية تفتقد الكثير من قوتها الحقيقية على الأرض وسيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من البلاد.[14]

ونتيجة لتغير الأوضاع على الأرض وعودة الجيش للسيطرة على مناطق واسعة من الأراضي السودانية نتيجة للحملة التي أطلقها لتجنيد الشباب للقتال بجانب الجيش، كما قام بإعادة تدريب العديد منهم للقتال على حرب العصابات، وفتح معسكرات لتدريب النساء والفتيات، فضلًا عن تزويد إيران للجيش السوداني بطائرات مسيرة بدون طيار تقدم قدرات جديدة للاستطلاع وشن الهجمات الدقيقة عقب إعادة البرهان للعلاقات معها، الأمر الذي أعاد للجيش السوداني كثيرًا من توازنه واستعاد السيطرة على العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها ميليشا الدعم السريع في أم درمان والعديد من المواقع العسكرية في جنوب وغرب الخرطوم، وهو ما دعا الحكومة السودانية لوصف مؤتمر باريس باعتباره تجمع لدعم لمليشات الدعم السريع ودعمها من خلال المساعدات الإنسانية والمالية من قبل الدول المساندة لها . [15]

وختامًا سعت فرنسا من خلال مؤتمرها من أجل السودان إلى جمع التبرعات الإنسانية، والتي وصلت بالفعل إلى قرابة 830 مليون يورو، وهو مبلغ أقل من نصف ما كانت تصبو لجمعه من خلال الدول والهيئات المانحة، وكذلك فشلها في الخروج بتوصيات ملزمة للأطراف المتحاربة في السودان، وذلك نتيجة لتغير الأوضاع الجيوستراتيجية على أرض الواقع عقب عودة الجيش السوداني للسيطرة على العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة ميليشيات الدعم السريع، والضغط على محاصرة قواتها ومنعها من الحصول على المساعدات الإنسانية، وبالتالي فشل الهدف الثاني لقمة باريس في التحقق دون موافقة الجيش السوداني الذي أعلن صراحة عن رفضه للقمة التي لم تراع مبادئ القانون الدولي أو ما جرى العرف عليه في الدراسات الأمنية والسياسية من أجل تسوية الصراع الدائر في السودان، ونتيجة لما سبق، وبعد أشهر من تعليق مفاوضات السلام من المقرر أن تعود الأطراف المتحاربة – الجيش والدعم السريع – إلى منبر جدة خلال مايو القادم في ظل تضاعف المأساة وارتفاع عدد النازحين داخليًا وخارجيًا إلى قرابة 9 ملايين شخص بينهم مليون شخص تخطوا الحدود.

ومن المتوقع أن تضم الجولة المترقبة دخول كل من مصر والإمارات كأعضاء جدد في منبر جدة، وهو ما قد يعد مؤشرًا إيجابيًا في ظل موافقة كلا الطرفين على اعتبار منبر جدة هي الآلية الأنجح لتسوية الصراع في السودان من قبل القوى المتصارعة وتزايد الضغوط الدولية على كافة الأطراف الفاعلة من أجل وقف إمداد القوى المتحاربة بالدعم سواء العسكري أو المادي.


[1] ايمان كمال الدين، تعرف على أبرز مبادرات وقف الصراع المشتعل في السودان، على موقع الجزيرة، 12/6/2023 على الرابط:

https://2u.pw/u7oFDFrE

[2] لماذا أعلنت الحكومة السودانية تمسكها بمنبر جدة ورفض كل المسارت الأخرى ، على الرابط:

https://2u.pw/IWw27NQ

[3] عثمان ميرغني، آفة السودان، 22 يناير 2024 على الرابط:

https://2u.pw/GodIBeV

[4] مؤتمر باريس حول السودان في غياب طرف النزاع في جريدة الشرق الأوسط 11 أبريل 2024 على الرابط :

https://2u.pw/9f2zSpa2

[5] https://www.diplomatie.gouv.fr/ar/dossier-pays/afrique/soudan/evenements-et-visites/article/conference-humanitaire-internationale-pour-le-soudan-et-les-pays-voisins-paris

[6]  اجتماع وزاري بغية دعم مباردات السلام من أجل السودان باريس 15 أبريل 2024 على الرابط :

https://www.diplomatie.gouv.fr/ar/dossier-pays/afrique/soudan/evenements-et-visites/article/reunion-ministerielle-en-soutien-aux-initiatives-de-paix-pour-le-soudan-paris

[7] فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب أم لإدارة الأزمة ؟ على الرابط :

https://sudantribune.net/article284746

[8] مباحثات فرنسية سودانية وماركون يؤكد دعم باريس لحكومة حمدوك، سكاي نيوز على الرابط :

https://2u.pw/3nQ6Ar3e

[9] بدر حسن الشافعي، النفوذ الفرنسي في أفريقيا تراجع استراتيجي أو انسحاب تكتيكي؟

https://2u.pw/YYR6J8mp

[10] بعد أن انسحبت من مالي هل بدأ النفوذ الفرنسي بأفريقيا في الأفول؟

https://2u.pw/NzmCOghH

[11] هل للذهب دور في الأزمة السودانية؟

https://2u.pw/N36HPnou

[12] هل تخرج منطقة غرب أفريقيا من النفوذ الفرنسي على الرابط :

https://2u.pw/AUBkaXA2

[13] https://www.emaratalyoum.com/politics/reports-and-translation/2021-05-24-1.1493123  

[14] السودان يستنكر انعقاد مؤتمر باريس دون التنسيق مع حكومته، جريدة الشرق الأوسط على الرابط :

https://2u.pw/LMRB82IA

[15] الجيش السوداني يسعى لاستعادة الأرض والدعم الشعبي في مواجهة قوات الدعم السريع

https://2u.pw/VgakUiEr