كتب – د. محمد عبدالكريم أحمد
باحث في الشئون الأفريقية
لفت رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الأنظار -في كلمته الافتتاحية لقمة الاتحاد الأفريقي (5 فبراير الجاري)- بتبنيه دعوة التعاون بين الدول الأفريقية في المطالبة بمقعدين دائمين “على الأقل”، وخمسة مقاعد غير دائمة لأفريقيا في مجلس الأمن الدولي لأن القارة “بعد أكثر من سبعة عقود من تكوين الأمم المتحدة لا تزال شريكًا صغيرًا دون مساهمة أو دور ذي مغزى داخل نظام الحوكمة الدولية”([1]).
ويمكن فهم هذه الدعوة، بينما تواجه بلاده تداعيات واحدةٍ من أعقد أزمات الحروب الأهلية في القارة في السنوات الأخيرة، في سياق جهود أديس أبابا الحثيثة لاسترداد زمام المبادرة في السياسات الإقليمية بالغة التقلب والتسارع في إقليم القرن الأفريقي (سواء التقليدي أم الكبير)، وضمان خروج نظام آبي أحمد من مآزقه الداخلية المستحكمة، والضغوط الدولية المبذولة لضمان التزامه بحوار وطني شامل من بوابة التدخل في كافة الملفات الإقليمية بنفس سياسات الهيمنة التقليدية، والاتساق مع الترتيبات الخارجية (الإقليمية والدولية) التي تواصل النظر لدول الإقليم كمجال نفوذ والتغاضي عن مشكلاته الحقيقية؛ مثلما يتجسد في حالتي إقليم “أرض الصومال” بجمهورية الصومال الفيدرالية، والأعباء الإنسانية الخطيرة لأزمة التيجراي في إثيوبيا.
إرهاصات استعادة إثيوبيا “دورها الإقليمي التقليدي”
بينما يحاول نظام آبي أحمد تكريس رواية انتصاره الحاسم في أزمة إقليم التيجراي بدا في خريف العام 2021 أن نظام العقوبات والمقاربة الدبلوماسية الدولية تجاه الأزمة الإثيوبية قد حققت معًا نتائج ملموسة في دفع الحكومة الإثيوبية نحو مقاربة أكثر عملية لهذه الأزمة، وسمحت في نوفمبر 2021 بعود عمل منظمات مساعدات إنسانية مثل أطباء بلا حدود (مع استمرار تعليق ترخيص عمل منظمات أخرى مثل مجلس اللاجئين النرويجي). كما أعلن آبي أحمد، في 21 ديسمبر، وقف تقدم قوات الدفاع الإثيوبية عند حدود إقليم التيجراي، وإن استمرت الضربات الجوية المتفرقة في يناير 2022 بإحداثها خسائر بشرية كبيرة، وكذلك إطلاق آبي أحمد “الحوار الوطني الشامل”، وإن أكد -في موقف تفاوضي ودعائي معهود لآبي أحمد- استبعاد عناصر أصيلة في الأزمة من الحوار؛ وفي نهاية يناير بدأ ذيوع تقارير عن احتمالات بدء الحكومة الإثيوبية التفاوض مع جبهة تحرير التيجراي، رغم تأكيدات محللين أن أديس أبابا لن تقبل بأقل من تأكيد تسوية سياسية تُظهرها منتصرة على الجبهة، ما سيشكل إعاقة حقيقية لأي اتفاق([2]).
وتزامن مع هذه الانفراجة “المشروطة” (حتى الآن) في الأزمة الداخلية إعادة تنشيط أديس أبابا دورها الإقليمي، كما اتضح في انخراطها مجددًا في العديد من الملفات الإقليمية في دول الجوار، عوضًا عن تعميق سياسة الاستفادة من الاضطرابات والتناقضات الإقليمية الجارية في النظام الإقليمي الأوسع (بتقاطعاته في البحر الأحمر وخليج عدن وحوض النيل).
وفي المحصلة، تبدو حظوظ نجاح أي مفاوضات داخلية مقبلة بحاجة إلى التحرك بعيدًا عن إطار عمل حكومة آبي احمد العقابي، المتمركز حول فكرة مواجهة الإرهاب، ودمج العدالة الانتقالية بشمول قادة جبهة تحرير التيجراي والمقاتلين في الإقليم. وفيما تطالب حكومة آبي أحمد ومؤيديها من الأمهرا بنزع سلاح قوات التيجراي فإن الإقدام على تلك الخطوة دون آلية مدعومة دوليًّا ودون ضمان لناجعة جهود إعادة دمج الأقاليم الإثيوبية سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، فإن هذا المسار غير قابل للتطبيق في إقليم التيجراي([3]).
وفي المقابل بادر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس مطلع فبراير 2022 في مؤتمر صحفي، وفي مؤشر إلى “حالة التهدئة” في الأزمة الإثيوبية الداخلية، بالإعلان عن السماح بوصول الإغاثة الإنسانية الفعالة لجميع السكان المتضررين في أرجاء إثيوبيا، وأن هذه “الخطوات ستفسح الطريق أمام حوار وطني شامل ملح ينخرط فيه جميع الإثيوبيين” رغم استمرار معاناة الشعب الإثيوبي البالغة جراء الصراع الدائر، وسط تقديرات لمواجهة أكثر من 6.8 مليون إثيوبي الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية بحلول منتصف مارس المقبل (يتركزون في أقاليم العفر وأوروميا والشعوب الجنوبية والصومالي)([4]).
الملف السوداني: مسار محاولة “استعادة الهيمنة”
دلّت استقالة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك مطلع العام الجاري (2022) على عمق الأزمة السياسية في السودان وارتباطاتها الإقليمية المعقدة، غير أن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو لأديس أبابا في 22 يناير الفائت، ومقابلته شخصيات بارزة في الحكومة الإثيوبية مثل رئيس الوزراء (حسب مصادر موقع “أفريكا إنتيليجنس” الشهير بصلاته بمصادر موثوق بها) ووزير الدفاع ومسئولين من الاستخبارات الإثيوبية دلت على عودة قوية لانخراط أديس أبابا في شئون السودان وإن من بوابة استكشاف الفرص لدى الرجل الثاني في السلطة بالسودان، وما أكده محللون من أن الزيارة كشفت عن الحاجة المتبادلة للدعم بين نظامي أديس أبابا والخرطوم “اللذين واجها اتهامات دولية في مراحل مختلفة بارتكاب تطهيرًا عرقيًّا”([5]).
ورغم أن الزيارة كانت سريعة وسرية تمامًا تقريبًا، فإن محللين رأوا أنها بالغة الخطورة، وستكون لها تداعياتها السلبية في اختراق إثيوبيا مجددًا مسار المرحلة الانتقالية في السودان وقطاعات مدنية لا يستهان بها، كما أن للزيارة دلالة عسكرية حيث يمثل السودان أهمية فائقة في الأزمة الدائرة في إثيوبيا، وبشكل محدد في مسألة غربي إقليم التيجراي الخاضع الآن لسيطرة القوات الأمهرية وقوات الحكومة الفيدرالية، بينما تمثل المنطقة لقوات جبهة تحرير التيجراي أهمية استراتيجية تتعاظم في الفترة المقبلة وتسعى -حسب مراقبين كثر- لاستعادة السيطرة عليها ليس لكونها جزء من إقليم التيجراي فحسب، ولكن لأنها تفتح ممرًّا للإقليم على العالم الخارجي عبر الحدود مع السودان، الأمر الذي تراه الحكومة تهديدًا جسيمًا “لإمكانية استخدام الممر لاستقدام المعدات العسكرية”([6]).
الصومال: “تنسيق” اضطراب إعادة بناء الدولة
لعبت إثيوبيا دورًا رئيسًا في دعم نظام الرئيس الصومالي المنتهية ولايته واستمراره حتى ربيع العام الجاري 2022 رغم توافق قطاعات لا بأس بها من الفاعلين السياسيين الصوماليين على نهايته رسميًا قبل نحو عام كامل (فبراير 2021). لكن المتغير الحالي في مقاربة إثيوبيا “للملف الصومالي” يتمثل في رفع الرئيسة الإثيوبية (26 يناير 2022) مستوى تمثيل بلادها في “إقليم أرض الصومال” (الساعي للانفصال عن جمهورية الصومال الفيدرالية) من قنصل إلى سفير، بعد نحو أسبوع واحد من زيارة رئيس حكومة الإقليم موسى بيهي لأديس أبابا (19 يناير)([7])؛ ما يؤشر إلى عودة الانخراط الإثيوبي القوي في شئون الصومال الداخلية بالتزامن مع تشابك العوامل الجيوسياسية مع التحالفات الحالية في إقليم القرن الأفريقي، مع الأخذ في الاعتبار رفض “أرض الصومال” عروضًا صينية بالتبادل التجاري لصالح إقامة علاقات مع تايوان، وتخوف بكين من تداعيات تنشيط ميناء بربره الذي سينافس ميناء جيبوتي (حيث تستثمر فيه الصين اقتصاديًا وعسكريًا بقوة متصاعدة) إذ يجعل طريق “الممر” الإماراتي الممتد من الميناء إلى مطار جديد بتمويل إماراتي على الحدود الإثيوبية الصومالية (مع إقليم أرض الصومال) من ميناء بربرة أكثر جاذبية، إضافة إلى مؤشرات توجه حكومة آبي أحمد في الفترة المقبلة نحو مشروع مشابه في ميناء زيلع يحظى في المقابل بدعم صيني في ضوء قربه من جيبوتي نفسها([8]).
وبملاحظة توقيت “ترقية العلاقات مع أرض الصومال” التي استبقت زيارة آبي أحمد الملفتة لأبو ظبي (29 يناير)، والتقارير الخطيرة التي ظهرت نهاية يناير باعتقال الاستخبارات الإثيوبية مسئولًا أمنيًا صوماليًا بارزًا (وهو أحمد ديرير A. Dirir قائد فرقة Haramacad الشرطية التي تتلقى تدريبًا تركيًّا أثناء وجوده في إثيوبيا في حادث هو الأول من نوعه لأحد العناصر التي تتلقى تدريبًا تركيًّا)([9])، وزيارة مماثلة قام بها رئيس الوزراء الصومالي حسين روبلي لأبوظبي (1 فبراير الجاري)، فإن الملف الصومالي سيشهد في الفترة المقبلة مزيدًا من التدخلات الإثيوبية ربما غير المسبوقة قبل حرب التيجراي (نوفمبر 2020) بالتنسيق مع أطراف إقليمية ودولية بما يقود في المحصلة إلى مزيد من عرقلة جهود “بناء الدولة الصومالية” الموحدة.
كينيا: الاقتصاد وضرورات “ضبط العلاقات”
شهدت العلاقات الكينية- الإثيوبية نوعًا من الفتور عقب تعليقات آبي أحمد الرافضة لأي وساطة كينية في الأزمة الدائرة في بلاده (نوفمبر 2021)، وما تلاها من تراجع جهود الوساطة الكينية (التي حظيت منذ بدئها بدعم أمريكي واضح)، غير أن كينيا تبقي مقاربة واقعية تجاه الأزمة الإثيوبية من منطلق المصالح الاقتصادية الضخمة القائمة بين البلدين، مثل مشروع “لابسيت” Lapsset الممتد من جنوب السودان مرورًا بإثيوبيا إلى ميناء لامو الكيني، وضرورة تحقيق الاستقرار في إثيوبيا للمضي قدمًا في مشروعات البنية الأساسية في الإقليم، وتبنت نيروبي مواصلة الدفع نحو وقف إطلاق النار والحوار ووصول المساعدات الإنسانية “دون ضمانات لتحقيق ذلك على وجه السرعة”، الأمر الذي أعاد التأكيد عليه الرئيس الكيني كينياتا أوهورو نهاية يناير السابق([10]). وكرره مجددًا في قمته مع نظيره الرواندي بول كاجامي في نيروبي (2-3 فبراير) بإعلان التزام بلاده بالعمل نحو حلول دائمة للصراع في إثيوبيا (والسودان وجنوب السودان والصومال) ولعب دورًا رئيسًا في تعزيز الحوار والسلام بين الأطراف المتناحرة([11]). وركز كينياتا على حث الفرقاء الإثيوبيين على إجراء مصالحة “حقيقية” وإنهاء الحرب لتجنيب المدنيين ويلات الحرب([12]).
وتحكم العلاقة الإثيوبية الكينية محددات الجوار والمصالح المشتركة وضرورات التعاون الاقتصادي الإقليمي؛ ويتوقع أن تزداد وثاقة هذه الصلات بغض النظر عن الفتور السياسي الراهن، إذ يعاني الاقتصاد الإثيوبي من وطأة عدة تداعيات -إضافة إلى جائحة كوفيد-19 والحرب الأهلية- مثل استبعاد إثيوبيا من “قانون الفرص والنمو الأمريكي” وعدم قدرة الحكومة على تنفيذ أي خطط تنموية في عدد من أقاليم البلاد في ضوء الاضطرابات السياسية والأمنية الخطيرة (كما في أقاليم أوروميا والعفر والصومالي). وبدأت إثيوبيا بالفعل في فقد مصدر مهم للعمل الأجنبية بسبب خطوة إدارة بايدن، يتوقع أن تؤثر على الإمداد وأسعار السلع الاستهلاكية المستوردة، كما أن استبعاد إثيوبيا من “أجوا” لن يحدد فحسب جنوح المستثمرون للضغط على الحكومة لتغيير سلوكها لكنه سيقيد نمو القطاع الخاص وخروج الكثير من الشركات الأجنبية التي جاءت لإثيوبيا للاستفادة من المعاملة التمييزية وفق “أجوا” في السابق([13]).
كما تشهد إثيوبيا منذ سبتمبر 2021 وحتى فبراير 2022 أعلى معدلات تضخم منذ 13 عامًا حيث تجاوز نسبة 30% مع تجاهل حكومة أديس أبابا “دون تفسير” الإعلان عن الإحصاءات ذات الصلة في يناير 2022، واقترحت حكومة أديس أبابا في ديسمبر 2021 استكمال موازنتها بضخ 2.5 بليون دولار (122 بليون بير إثيوبي) للتمويل وإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب وتقديم مساعدات إنسانية للمتضررين([14]).
وفي المقابل تعمق كينيا حضورها في الإقليم كقوة استقرار رئيسة (ووحيدة تقريبًا في رؤية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية)، ويعزز هذا الاستقرار السياسي ورسوخ تقاليد انتقال السلطة ديمقراطيًّا مساعي كينيا لتحقيق طفرة اقتصادية بتوطيد صلاتها مع الاتحاد الأوروبي وأطراف دولية أخرى، إضافة إلى التأكيد على ضرورة تحقيق الاستقرار في إثيوبيا لتهيئة إقليم القرن الأفريقي الكبير لمرحلة إطلاق “تكامل اقتصادي”. كما خطت كينيا -على سبيل المثال هنا- خطوة للأمام في مسار “الشراكة مع أوروبا” بإطلاق الحوار الاستراتيجي، وهو مسار ثنائي يشبه إلى حد كبير -حسب جوزيب بوريل مسئول العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي- مسار الشراكة الاستراتيجية الذي أعلنه الاتحاد الأوروبي في قمته المشتركة مع أفريقيا ووضع أولوية “للدول ذات الفكر المتشابه” مع أوروبا (وأقربها كينيا بطبيعة الحال هنا)([15]).
ويعزز هذا التباين حاجة إثيوبيا لصلة وثيقة مع كينيا لضمان خروجها الآمن من عزلتها الإقليمية بترتيب تحالف (اقتصادي على الأقل) مع قوة الاستقرار الرئيسة حاليًا في الإقليم: كينيا.
سيناريوهات دور إثيوبيا الإقليمي
تبدو سيناريوهات دور إثيوبيا الإقليمي واضحة إلى حد كبير، مع ملاحظة استمرار علاقات إثيوبيا الوطيدة مع إريتريا وجيبوتي بحكم الارتباطات السياسية والجيواستراتيجية والاقتصادية العضوية معهما؛ وعلى سبيل المثال، قدم ديبرتسيون جبرامايكل، زعيم حكومة التيجراي وجبهة تحرير التيجراي، في مقال موسع رصدًا متعمقًا لدور إريتريا في الأزمة الإثيوبية خلاصته أن “الحملة العسكرية الإريترية في إقليم التيجراي حظيت بمباركة آبي أحمد والنخب الأمهرية توسعية النزعة، وأنه رغم عداء أسياس أفورقي التاريخي تجاه الأمهرا، فإنه عقد تحالفًا تكتيكيًّا مع نخب جماعتهم وسهلت المصالح المشتركة التوصل لزواج هذه المصالح([16])، وهي رؤية صحيحة إلى حد كبير، وبرهنت عليها وثائق وشهادات دولية طوال الأزمة، وما تؤشر له هنا صعوبة فك ارتباطات نظام آبي أحمد بنظام أسياس أفورقي لصالح تسوية الأزمة الداخلية في إثيوبيا، وما يعنيه ذلك من ارتهان بقاء نظام آبي أحمد بقدرته على مواصلة سياسات تدخل إقليمي.
كما لا يمكن إغفال “الصلة الصينية” لنظام آبي أحمد وتداعياتها الإقليمية، حيث تتطابق توجهات إثيوبيا في القرن الأفريقي بشكل كامل مع التوجهات الصينية؛ فقد أوضح وو بينج Wu Peng، رئيس قسم الشئون الأفريقية بوزارة خارجية الصين، أن المقاربة الصينية تقوم على اعتبارين رئيسيين، أولهما احترام ودعم دول القرن الأفريقي في المبادرة بتولي أمورها والقضاء على تدخل القوى الخارجية وقصور حل مشكلات السلام والأمن في الإقليم على دوله، وأن السلام والاستقرار شرط مسبق للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. أما الاعتبار الثاني فهو رغبة الصين في تقوية تعاونها العملي مع دول القرن وتعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية “ووضع أساس قوي للسلم والاستقرار الإقليميين”([17])، وهي صياغة ملتبسة بشكل كبير ولا تعبر عن القوة الخشنة التي تملكها بكين في القرن الأفريقي، لكنها ذات دلالة بالغة في التشابه الكبير مع خطاب آبي أحمد إلى حد التطابق.
ويمكن بلورة سيناريوهات دور إثيوبيا الإقليمي على النحو التالي:
- تبني نظام آبي أحمد نظام صدمات إقليمية متلاحقة بالتدخل في شئون دول الجوار (لاسيما الصومال والسودان)، وصولًا إلى تهديد وحدة واستقلال الصومال، واضطراب المرحلة الانتقالية في السودان ومحاولات استعادة أديس أبابا قدرتها على دعم “المكون المدني” في مواجهة القيادة العسكرية لمجلس السيادة الانتقالي التي تنفرد تقريبًا بإدارة البلاد منذ أكتوبر 2021. ويعزز هذا السيناريو نجاح أديس أبابا في الاستجابة لمصالح العديد من الأطراف الإقليمية والدولية كما تبلور في إعادة إطلاق مشروع ممر بربرة الذي ينتهك سيادة جمهورية الصومال الفيدرالية وربما يؤسس لكسب إقليم أرض الصومال مقدرات اقتصادية وجيواستراتيجية هامة تعزز فرص القبول الدولي “لاستقلاله”. كما أن إرهاصات الدور المصري (اللوجستي على الأقل) في ترتيبات إعادة هيكلة قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أميصوم” (التي هيمنت عليها إثيوبيا وكينيا في الأعوام السابقة بالمخالفة المؤسسية للقواعد المفترضة في نشر قوات أفريقية من دول غير دول الجوار) تمثل دافعًا واضحًا لسياسات إثيوبية عدائية تجاه رئيس وزراء الصومال الحالي محمد حسين روبلي.
- يتمثل السيناريو الثاني في انشغال نظام آبي أحمد بالأزمة الداخلية ونجاح قوى المعارضة في خوض الحوار الوطني الشامل بكفاءة تؤدي إلى تحجيم نفوذ “نظام آبي أحمد” لصالح إطلاق عملية ديمقراطية انتقالية؛ مما سيؤدي حتمًا إلى تراجع حدة السياسات الإثيوبية الإقليمية لصالح مقاربة تشاركية وتفادي فرض الخيارات الإثيوبية على دول الجوار. وهو سيناريو غير متوقع إلى حد كبير لاسيما في ضوء النزعة السلطوية لنظام آبي أحمد وارتهان بقاؤه فعليًا –وكما أثبتت التجارب المتكررة- بسياسات “تصدير الأزمات” والقفز فوقها بدلًا من محاولات حلها جديًا.
- أما السيناريو الثالث فيقوم على نجاح دول الإقليم المتقاطعة مع سياسات إثيوبيا (الصومال والسودان تحديدًا) في تحجيم التدخل الإثيوبي وتسوية خلافاتها الداخلية لصالح المشروع الوطني في كلا منهما (بناء الدولة في الصومال وإدارة المرحلة الانتقالية في السودان)؛ الأمر الذي سيقلص مجالات نفوذ إثيوبيا الإقليمية بشكل كبير، وهو سيناريو قائم لكنه يظل رهنًا بمشروطيات معقدة للغاية آخذًا في الاعتبار مصالح الأطراف الدولية والإقليمية وتشابكاتها مع مصالح أديس أبابا بدرجات متفاوتة.
[1] The Associated Press, Insecurity a top issue as African leaders meet in Ethiopia, ABC News, February 5, 2022 https://abcnews.go.com/International/wireStory/insecurity-top-issue-african-leaders-meet-ethiopia-82689196
[2] Vanda Felbab-Brown, Still far from peace in Ethiopia, Brookings, February 1, 2022 https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2022/02/01/still-far-from-peace-in-ethiopia/
[3] Ibid.
[4] Guterres asks for immediate cessation of hostilities in Ethiopia, UN News, February 1, 2022 https://news.un.org/en/story/2022/02/1111022
[5] Mihailo S. Zekic, What’s Going On in Sudan? More instability in North Africa, Watch Jerusalem, February 3, 2022 https://watchjerusalem.co.il/1410-whats-going-on-in-sudan
[6] James Jeffrey, Can Ethiopia finally cut its Gordian knot? New African, February 3, 2022 https://newafricanmagazine.com/27720/
[7] Ethiopia upgrades its consular in Somaliland to ambassador, Hiiraan, January 27, 2022 https://www.hiiraan.com/news4/2022/Jan/185177/ethiopia_upgrades_its_consular_in_somaliland_to_ambassador.aspx
[8] Michael Rubin, Is Ethiopia preparing for war on Somaliland? American Enterprise Institute, January 5, 2022 https://www.aei.org/op-eds/is-ethiopia-preparing-for-war-on-somaliland/
[9] Senior Somali Police officer allegedly arrested in Ethiopia, Garowe Online, January 31, 2022 https://www.garoweonline.com/en/news/somalia/senior-somali-police-officer-allegedly-arrested-in-ethiopia
[10] Aggrey Mutambo, Ethiopia’s peace vital for common infrastructure development: Kenya, January 25, 2022 https://www.theeastafrican.co.ke/tea/rest-of-africa/uhuru-ethiopia-s-peace-vital-common-infrastructure-development-3693126
[11] Kenya, Rwanda leaders affirm commitment to work together to find lasting solutions to conflicts in Ethiopia, Sudan, South Sudan and Somalia, Addis Standard, February 3, 2022 https://addisstandard.com/news-kenya-rwanda-leaders-affirm-commitment-to-work-together-to-find-lasting-solutions-to-conflicts-in-ethiopia-sudan-south-sudan-and-somalia/
[12] Kenyatta calls on Ethiopia to end war, embrace dialogue, The East African, February 3, 2022 https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/kenyatta-calls-on-ethiopia-to-dialogue-3704400
[13] Biniam Bedasso and Tilahun Emiru, Economic Sanctions Won’t Bring Peace to Ethiopia, The Project Syndicate, January 26, 2022 https://www.project-syndicate.org/commentary/biden-economic-sanctions-will-not-bring-peace-to-ethiopia-by-biniam-bedasso-and-tilahun-emiru-1-2022-01
[14] Ethiopia delays inflation data for over two weeks, Reuters, January 21, 2022 https://www.reuters.com/world/africa/ethiopia-delays-inflation-data-over-two-weeks-2022-01-21/
[15] Benjamin Fox , Borrell – EU will be ‘trading partner not donor’ in new deal with Kenya, EURACTIV, January 31, 2022 https://www.euractiv.com/section/africa/news/borrell-eu-will-be-trading-partner-not-donor-in-new-deal-with-kenya/
[16] Debretsion Gebremichael, Ethiopia: To achieve peace, take Eritrea out of the game, The Africa Report, January 20, 2022 https://www.theafricareport.com/168873/ethiopia-to-achieve-peace-take-eritrea-out-of-the-game/
[17] China-proposed outlook for Horn of Africa ignites hope for stability, development, Xinhua, February 5, 2022 http://www.xinhuanet.com/english/africa/20220205/029fc381d7d143d88a35a4365e1fb097/c.html