حسام عيد – محلل اقتصادي
“حان الوقت” لأن يرأس أفريقي منظمة التجارة العالمية للمرة الأولى، وفق ما يقول السويسري المصري حميد ممدوح، الراغب في الترشح لمنصب مدير عام هذه المنظمة الذي يخلو قريبًا.
ويوم الإثنين الموافق 8 يونيو الجاري، بدأت منظمة التجارة العالمية عملية اختيار مدير عام جديد ليحل محل البرازيلي، روبرتو أزيفيدو، الذي سيتنحى عن منصبه في نهاية أغسطس، أي قبل عام من انتهاء ولايته الثانية، وذلك لأسباب وصفها “أزيفيدو” نفسه بـ”الشخصية والعائلية”.
لكن العديد من المراقبين يراهنون بالفعل على مرشح من أفريقيا، وليس من داخل المنظمة.
وحسب صحيفة “نيويورك تايمز” سيحتاج خليفة أزيفيدو إلى توجيه الإصلاحات والمفاوضات في مواجهة تزايد الحمائية، والركود العميق الناجم عن جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19” والتوترات التجارية المتزايدة، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، والتي يبدو أنها آخذة في التصاعد بوتيرة متسارعة بعد تبادل الاتهامات بين القوتين الأكبر اقتصاديًا في العالم على خلفية تفشي فيروس كورونا المستجد.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه عادة ما تستغرق المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرًّا لها 9 أشهر لاختيار رئيس جديد، لكنها تريد الآن القيام بذلك في 3 أشهر فقط، لافتة إلى أنها تفضل اختيار رئيس بتوافق الآراء، على أن يتم الانتقال إلى التصويت فقط كملاذ أخير.
ويبدو أن هناك “إجماعًا” واضحًا على أن المرشح لتولّي زمام الأمور في منظمة التجارة العالمية يجب ألا يأتي من “قوة اقتصادية كبرى”؛ وبالتأكيد ليس من الصين أو الولايات المتحدة، في ضوء الحرب التجارية بينهما، وليس هناك أفضل من أفريقيا، القارة التي صنعت بلدانها؛ معجزات اقتصادية أبهرت العالم أجمع، وتستحق لقب “قارة القرن الحادي والعشرين”، كما يصفها خبراء الاقتصاد من مختلف أنحاء العالم.
مغادرة مبكرة وسط ركود عميق
وتأتي المغادرة المبكرة للبرازيلي روبرتو أزيفيدو، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من ركود هو الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي؛ إذ تضررت التجارة الدولية بشدة من جائحة فيروس كورونا المستجد الذي تسبب في انهيار الإنتاج والمبادلات التجارية.
وفي الوقت نفسه، تعاني المنظمة التي تضم 164 عضوًا من أزمة بالفعل مع احتدام النزاعات التجارية؛ إذ اضطرت -على سبيل المثال- إلى تجميد محكمة الاستئناف لهيئة تسوية النزاعات منذ 11 ديسمبر 2019، بسبب الولايات المتحدة التي تعرقل تعيين القضاة منذ عام 2017، الأمر الذي يمنع تحقيق النِّصاب الذي يتطلب حضور ثلاثة قضاة.
وفي عهد أزيفيدو، أبرم أعضاء منظمة التجارة العالمية أول اتفاق متعدد الأطراف على الإطلاق عندما توصلوا إلى اتفاق في بالي في أواخر عام 2013 بشأن إصلاح الإجراءات الجمركية العالمية، لكن الدول فشلت منذ ذلك الوقت في التوصل إلى أي اتفاقيات أخرى متعددة الأطراف، بما في ذلك بشأن دعم قطاع صيد الأسماك، ومنذ عام 2017 تكافح منظمة التجارة العالمية للتعامل مع إدارة أمريكية معادية علنًا لنهجها التعددي.
ومنذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والمنظمة الدولية ورئيسها تشهد -عاجزة عن فعل أي شيء- على الحرب التجارية بين الولايات المتحدة، وكل من الصين والاتحاد الأوروبي.
تبقى معرفة من سيحل مكان أزيفيدو، لكن العديد من المراقبين لديهم آمال بأن أفريقيا -المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم في السنوات الأخيرة- قادرة على تصدير نموذج رائد في قيادة المنظمة وإعادة الحياة للتجارة العالمية.
أفريقيا تتطلع لقيادة المنظمة الدولية
ورغم عدم اعتماد مبدأ التناوب الجغرافي في منظمة التجارة العالمية، تصر الدول الأفريقية منذ زمن طويل على أنه حان دور القارة لترؤس المنظمة.
وسيشهد منصب مدير عام منظمة التجارة العالمية الذي يخلو قريبًا، منافسة هي الأولى بين 4 أفارقة، حيث تدفع أكثر من دولة بالقارة السمراء بمرشح للفوز بالمنصب.
وقد بدأت رسميًّا عملية تعيين المدير العام المقبل في الثامن من شهر يونيو الجاري مع بدء قبول الترشيحات اعتبارًا من ذلك التاريخ وحتى 8 يوليو.
من مصر، ترشح الديلوماسي السابق عبدالحميد “حميد” ممدوح، والذي يقيم حاليًا في سويسرا، وقد عمل في أروقة منظمة التجارة العالمية لسنوات، ويعتبر أبرز المرشحين الأقرب لشغل منصب المدير العام مرتكزًا على خبرته الطويلة، والتي تعود إلى 1985 عندما وصل جنيف بصفته مفاوضًا تجاريًّا ضمن البعثة الدبلوماسية المصرية، ثم انضم في 1990 إلى هيئات “جات GATT” (الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة) التي قامت منظمة التجارة العالمية على أنقاضها، بدايةً كمستشار قانوني ثم مساعدًا لنائب مديرها عام 1991.
بعد ذلك، أمضى أكثر من 20 عامًا في منظمة التجارة العالمية، حيث رأس مجلس تجارة الخدمات حتى عام 2001، وبعد ذلك قسم الخدمات والاستثمار حتى 2017.
وفي 2018، التحق بمكتب المحاماة الأمريكي “كينغ & سبالدينغ” في جنيف حيث مقر المنظمة الدولية، وهو أيضًا أستاذ زائر في معهد دراسات القانون التجاري في جامعة “كوين ماري” في لندن.
من جهته، أشاد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بما يمتلكه المرشح المصري من خبرات كبيرة اكتسبها خلال السنوات الـ27 التي قضاها بالعمل في منظمة التجارة العالمية، مُؤكدًا أن تلك الخبرات تمنح الترشيح المصري قوة ومصداقية.
وأكد مدبولي أن الحكومة لن تدخر جهدًا في دعم المرشح المصري خلال الفترة المقبلة، من خلال خطة تحرك دبلوماسي عالية المستوى.
بينما قرر رئيس نيجيريا محمد بخاري، استبدال المرشح يونوف فريدريك أغا، في اللحظات الأخيرة قبل بدء عملية تقديم ملفات الترشيح، بـ”نغوزي أوكوندا إيويالا” لهذا المنصب، وسبق أن شغلت منصب وزيرة الخارجية والاقتصاد في بلادها، وتشغل حاليًا رئاسة مجلس إدارة التحالف العالمي للقاحات والتحصين.
وأشارت تقارير إلى ترشيح دولة بنين، سفيرها لدى الأمم المتحدة في جنيف إيليو لاورو، والذي يمتلك خبرة تصل لـ30 عامًا من العمل الدبلوماسي في المحافل الدولية، ويعرف بكونه مدافعًا عن حقوق الدول الفقيرة والأقل نموًّا، كما يحمل دكتوراه في القانون الدولي والعلاقات الدولية، ويشارك في رئاسة مجموعة عمل من البلدان الناطقة بالفرنسية حول التجارة والتنمية.
وترغب الكينية أمينة محمد؛ وهي سفيرة كينية سابقة لدى المنظمة، وكانت أول امرأة تترأس المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية في عام 2005، وترشحت لمنصب المدير العام في عام 2013، في دخول السباق كما يبدو، وتشغل حاليًا منصب وزير الرياضة والتراث في كينيا.
ويأمل الاتحاد الأفريقي التوافق على مرشح واحد بحلول يوليو، وبالتالي بات السؤال يتمحور حول ما إذا كانت الدول الأفريقية ستتمكن من التوصل إلى مرشح واحد بحلول تلك الفترة.
مواجهة الغرب
ويأتي الترشح الأفريقي ضمن منافسة غربية؛ فمن قارة أوروبا وزيرة الخارجية الإسبانية أرينزا جونزاليس، التي عملت في المنظمة أثناء فترة تولي باسكال لامي بين عامي 2005 و2013. ويقول مسؤولون تجاريون إنها قد تكون غير مقبولة للإدارة الأمريكية بسبب العلاقات المتوترة مع واشنطن أثناء تولي فترة لامي للمنظمة.
ومن جمهورية أيرلندا، فيل هوجان مفوض التجارة الأوروبية، وهو سياسي من الحزب الحاكم، وأحد أكبر أحزاب أيرلندا فاين جايل، وهو حزب سياسي محافظ ليبرالي وديمقراطي مسيحي، كما عمل وزيرًا في حكومتين، ويدعو إلى الإصلاح في منظمة التجارة العالمية، واتفق مع الولايات المتحدة واليابان على الحاجة إلى تحديث القواعد العالمية بشأن الإعانات الصناعية، لكن علاقاته مع واشنطن كانت أقل ودية وسط استمرار التوتر التجاري عبر الأطلسي.
أما من قارة أمريكا الشمالية، قدمت المكسيك، خيسوس سيادي، كبير مفاوضيها في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. ويشغل “سيادي” حاليًا منصب نائب وزير الخارجية المكسيكي لشئون أمريكا الشمالية، كما ساهم في إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا، ولديه معرفة جيدة بالصين بعد عمله في عدة جامعات بهونج كونج.
وختامًا، يعترف دبلوماسيون بأن أفريقيا قد تكون المرشحة البارزة لقيادة دفة منظمة التجارة العالمية في الولاية المقبلة.
لكن في خضم ركود اقتصادي عالمي تسبب به تفشي وباء كوفيد-19، فإن عدة مشاريع ضخمة تنتظر مدير عام المنظمة المقبل، لعل أبرزها التحضير للمؤتمر الوزاري في 2021، دفع مفاوضات تراوح مكانها، تحريك وإنعاش تجارة العالم الراكدة، معالجة النزاعات بين المنظمة والولايات المتحدة.
أمر بمثابة تحدٍّ جديد للقارة السمراء، وربما يتحول إلى إنجاز جديد. ولم لا؛ فالدول الأفريقية قررت في يوليو 2019 أنّ المدير العام المقبل لمنظمة التجارة العالمية يجب أن يكون أفريقيًّا.