كتب – محمد الدابولي
وضعت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني أوزارها صباح الجمعة الماضية 21 مايو 2021، بعد نجاح الوساطة المصرية في فرض هدنة بين الحكومة الإسرائيلية وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ليتنفس الفلسطينيون الصعداء ويزيلوا ركام الحرب والدمار الذي أحل بمدنهم طيلة الأسبوعين تقريبًا.
وعلى مدار أسبوعي الحرب تواصلت الإدانات الدولية للانتهاكات الإسرائيلية الممارسة ضد الشعب الفلسطيني، حيث قصف الأبراج السكنية والمنشآت المدنية؛ كالبنوك والجمعيات والخيرية، مطالبة الجانب الإسرائيلي بوقف الاعتداء الغاشم على المدنيين.
الجدير بالذكر أن الأحداث تصاعدت يوم 6 مايو بعد قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بإخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح بالجانب الشرقي من البلدة القديمة في القدس، وذلك لصالح مستوطنين إسرائيليين، مما أدى إلى اندلاع تظاهرات منددة بالقرارات الأخيرة سرعان ما تطورت إلى مواجهات عنيفة، ومن ثم نشبت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وفصائل المقاومة.
أجمعت الشعوب الأفريقية على إدانة تلك الانتهاكات بعيدًا عن مصر والسودان ودول شمال أفريقيا، ففي السنغال طالب الرئيس ماكي سال بإظهار السلام في فلسطين وبدء مناقشات هادئة بين الجانبين مبنية على أسس القانون الدولي، أما في كينيا فتواصلت الاحتجاجات في العاصمة نيروبي شجبًا للاعتداءات الإسرائيلية مما أدى لتدخل شرطة مكافحة الشغب للسيطرة على احتجاجات مسلمي كينيا، أما في جنوب أفريقيا فكانت الأبرز، إذ قاد «مانديلا مانديلا» -عضو الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني الأفريقي” ونجل الزعيم الراحل نيلسون مانديلا ورئيس مقاطعة “مفيزو” مسقط رأس مانديلا الأب- التجمعات الحاشدة المنددة بالاعتداءات الإسرائيلية مرددا مقوله والده: “حريتنا غير مكتملة من دون حرية الشعب الفلسطيني”.
حقيقة خلفية للصراع
أحداث الحرب الأخيرة دفعتنا للتقليب في المواقف والأحداث الأفريقية السابقة المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي خاصة الجانب العملياتي منها، فبعيدا عن المواقف السياسية والدبلوماسية -التي تأرجحت طوال الخمسة العقود السابقة ما بين مقاطعة إسرائيل وتأييد الحق العربي والفلسطيني وبين الاعتراف بإسرائيل سياسيًّا ودبلوماسيًّا- شكلت القارة الأفريقية حديقة خلفية للصراع العسكري بين الطرفين وعلى أرضها دارت العديد من العمليات الحربية والاستخباراتية، ومن أبرز تلك العمليات عمليات الحفار وعنتيبي.
بيافرا والمواجهة الغير مباشرة
شكلت الحرب الأهلية النيجيرية (1967- 1970 ) أولى المواجهات العملياتية بين العرب وإسرائيل في أفريقيا لكن بصورة غير مباشرة، ففي عام 1967 أعلنت قومية الإيبو في شرق نيجيريا إعلان استقلالها وانفصالها عن الدولة نيجيريا، وذلك بعد مرور سبعة أعوام فقط من الاستقلال.
تلقت حكومة بيافرا الانفصالية دعمًا غير مسبوق من إسرائيل والقوى الغربية التي سعت إلى تأجيج صراع بيافرا نظرًا لكون الإقليم غني بالنفط والموارد الطبيعية في محاولة لاستنساخ تجربة الصراع على الموراد في إقليم كاتنجا في الكونغو مرة أخرى.
وإزاء الدعم الغربي والإسرائيلي للحركات الانفصالية في بيافرا، طلب الرئيس النيجيري يعقوب جون من نظيره المصري جمال عبدالناصر المساعدة في حرب بيافرا عن طريق إمداد القوات الجوية النيجيرية بالطياريين المدربين على قيادة طائرا الميج 17 التي تسلمتها نيجيريا وقتها من الاتحاد السوفيتي، ولكن لم يمتلك طياروها الخبرات القتالية والساعات التدريبية المناسبة لقيادة مثل تلك الطائرات.
رغم ظروف حربي النكسة والاستنزاف لم تتوان القاهرة في تقديم الدعم المناسب لنيجيريا في قتالها ضد المتمردين، إذ حرصت الحكومة المصرية وقتها على تسهيل تعاقد الحكومة النيجيرية مع الطيارين المصريين المتقاعدين القادرين على قيادة طائرات الميج 17 والتي كان لها عامل الحسم في إنهاء تمرد بيافرا في يناير 1970.
الحفار.. المواجهة المباشرة الأولى
بعد شهرين تقريبا من انتهاء حرب بيافرا، اندلعت أولى المواجهات المباشرة بين العرب وإسرائيل في مارس 1970 وتحديدا في غرب أفريقيا، ففي ذلك الوقت تصاعدت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وعليها أقدمت تل أبيب على استفزاز الجانب المصري بالتنقيب عن البترول في منطقة خليج السويس مما يعتبر نهبًا للمواد والثروات المصرية ولأجل تحقيق ذلك الغرض أقدمت على استقدام حفار أوروبي “كنتينج” للتنقيب علن البترول في صحراء سيناء.
اتخذت القيادة المصرية وقتها قراراها بمنع وصول الحفار إلى سيناء، وعليه أقدمت المخابرات المصرية على وضع الخطط المناسبة لاستهداف الحفار وهو في طريقه إلى سيناء، إذ تم ترصد مسار الحفار على طول السواحل الأفريقية سواء الغربية على المحيط الأطلنطي أو السواحل الشرقية في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وعليه تم وضع العديد من الخطط لاستهداف الحفار في حال رسوه في أحد الموانئ الأفريقية.
فأولا تم وضع خطه لاستهداف الحفار في العاصمة السنغالية داكار إلا أن الأمر لم يكتب له النجاح، لذا تم ترصده في المحطة التالية وهي مدينة أبيدجان الإيفوارية، إذ نجحت قوات الضفادع المصرية في استغلال الغابات في أبيدجان في التخفي والتحرك لاستهداف وتلغيم الحفار وبالفعل نجحت العملية يوم 8 مارس 1970 في تدمير الحفار الإسرائيلي.
معركة 90 دقيقة في عنتيبي
خلال عقد السبعينيات بلغت المواجهة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ذروتها، إذ نجحت تلك الفصائل في إيصال ضرباتها إلى جميع الأهداف الإسرائيلية سواء في إسرائيل أو خارجها، وخلال ذلك العقد انتشرت ظاهرة اختطاف الطائرات الإسرائيلية واحتجاز الرهائن كما حدث بميونيخ في سبتمبر 1972.
وبرز في هذا الاتجاه “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” جناح جورج حبش الذي أسس ذراعًا عسكريًّا للجبهة بقيادة وديع حداد الذي اعتبر خلال عقد السبعينيات أخطر أعداء إسرائيل إطلاقًا نظرًا لعمليات العسكرية الغير مألوفة مثل عملية اختطاف وزراء الأوبك المجتمعين في فينيا عام 1975.
في 27 يونيو 1976 نجحت الجبهة في اختطاف طائرة تابعة لشركة إير فرانس خلال رحلتها من تل أبيب إلى باريس إذ قام عنصريين ألمانيين منتمين للجبهة يحملان قنبلة يدوية في السيطرة على الطائرة وإجبارها على تغيير مسارها إلى بني غازي الليبية للتزود بالوقود ومن ثم الانطلاق إلى مطار عنتيبي في أوغندا الذي جرى تجهيزه ليكون مقرًّا لاحتجاز الطائرة الفرنسية، وذلك عن طريق ترتيب مباشر بين وديع حداد والرئيس الأوغندي عيدي أمين، إذ كان الأخير يبدى تعاطفه مع القضية الفلسطينية، وفور وصول الطائرة إلى عنتيبي تم اطلاق سراح الركاب الغير إسرائيليين وبقي 100 راكب إسرائيل رهن الاحتجاز.
وطلبت الجبهة اطلاق سراح 54 فلسطينيا معتقلين في إسرائيل ودفع فرنسا فدية قدرها 5 مليون دولار، ووقتها تواصلت تل أبيب مع الرئيس عيدي أمين الذي رفض تقديم تسهيلات لإسرائيل في عملية تحرير الرهائن.
وعليه تشكلت غرفة عمليات إسرائيلية في كينيا لتحرير الرهائن وتم الاستقرار على الدفع بوحدات من القوات الخاصة لتحرير الرهائن، مستغلين أخطاءً أمنية في مطار عنتيبي، إذ قامت الخطة الإسرائيلية على هبوط ثلاث طائرات في أرضية المطار ينطلق منها ثلاث عربات تشبه سيارات الموكب الرئاسي الأوغندي الأمر الذي شتت جنود الحراسة في مطار عنتيبي، وحملت السيارات عناصر الوحدات الخاصة التي ما لبثت أن اشتبكت مع أعضاء الجبهة والجنود الأوغنديين واستمرت المعركة 90 دقيقة تمكنت فيها القوة الإسرائيلية من استهداف عناصر الجبهة وقتل 20 جنديا أوغنديا إلا أن 4 من الرهائن لقوا حتفهم، ومن الجانب الإسرائيلي قتل قائد العملية يوناتان نتنياهو شقيق رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
الغارات على السودان
امتلك السودان خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير علاقات قوية بالجانب الإيراني وبعض الفصائل الفلسطينية، وخلال الفترة من عامي 2006 وإلى 2012 جرى توجيه اتهامات عدة للسودان بدعم بعض الفصائل الفلسطينية من خلال السماح بتهريب السلاح الإيراني لها وعليها قامت إسرائيل بشن بعض الغارات الجوية على بعض القوافل في السودان والتي يعتقد أنها تحمل أسلحة وعتادًا حربيًّا إلى الجانب الفلسطيني في قطاع غزة.
أزمة الفلاشا
خلال الحرب على قطاع غزة في يوليو أغسطس 2014 والتي تسميها إسرائيل عملية الجرف الصامد وتسميها فصائل المقاومة “العصف المأكول” نجحت المقاومة الفلسطينية في أسر أربعة جنود إسرائيليين منهم جندي من أصول إثيوبية يدعى أفيرا منغيستون وتستغل الفصائل الفلسطينية أزمة الجندي منغيستون في إبراز التناقضات في المجتمع الإسرائيلي المعادي لكل إسرائيلي من أصول أفريقية إثيوبية.
وأخيرًا.. لفت نظري مسألة هامة، وهي حالة التعايش التي بين حزب الله وإيران من جانب وإسرائيل من جانب آخر في أفريقيا، فالطرفان يمتلكان علاقات وطيدة وأذرعا قوية في أفريقيا خاصة دول غرب أفريقيا ورغم ذلك لم يحدث أي تعارض أو اصطدام بين الجانبين.