كتبت – أماني ربيع
إلى جانب الفوضى والانقسامات والتبعية السياسية، خلق الاستعمار في أفريقيا تبعية ثقافية حاولت أن تمحي معها التراث الأفريقي الأصيل والثقافة السوداء في قارة تتعدد روافد تاريخها ومظاهر ثراء هويتها وتراثها.
كثيرا ما نسمع عن مصطلح العولمة في عالم السياسة والاقتصاد والأعمال، هذا المفهوم الذي يمتد عبر تلك المجالات إلى أمور أكثر حميمية في حياتنا مثل مظهرنا وطريقة تفكيرنا وتعبيرنا، فحتى مفاهيمنا وتصوراتنا عن الأشياء يتم قولبتها في إطار معين لتلائم الفكرة العالمية عن تلك القيمة أو ذلك المفهوم.
ومع انتشار السينما ومن بعدها التلفزيون أصبح هناك تعميم لمفهوم الجمال جعل لكل حقبة نموذجا غالبا للجمال على كل فتاة أن تصبح مرآة له وإلا لفظها المجتمع وتم وصمها بالقبح، كان النموذج يُقر في هوليود ويتم نسخه في مجتمعات العالم عبر نجمات السينما وسيدات المجتمع اللاتي يتصفحن المجلات الأجنبية.
من أسلوب الحياة وطريقة ارتداء الملابس وتصفيف الشعر، وسماع الأغاني، كل شيء يبدو أفضل على الموضة الغربية، لكن شيئا فشيء ومع تزايد الوعي، وكذلك مع الإلحاح المستمر للذاكرة الأفريقية الجماعية التي أبت أن تندثر، بدأ بعض الشباب في التمسك بهويتهم الأصلية والابتعاد عن التشبه بالغرب، والعودة إلى الجذور، حتى لو كان هذا من صالونات التجميل.
تلقى إعلانات كريمات تفتيح البشرة رواجا بين المراهقات اللاتي يسعين للتخلص من لونهن الأصلي كما لو كان عارا يلاحقهن، ورصد الفيلم القصير “الحمى الصفراء”، للمخرجة الكينية “نيجاندو موكي” خلال 7 دقائق العلاقة بين المرأة ولون جسدها، وعولمة الجمال التي تفرض تصورا معينا على عقول الفتيات وأجسادهن، كان دافع المخرجة مشاهداتها خلال طفولتها وشبابها للنساء اللاتي مارسن عمليات تغير لون بشرتهن، وترى أنهم بذلك يتنازلن عن عرقهن وهويتهن كما صرحت لصحيفة هافنجتون بوست.
مساحة آمنة للجمال الأفريقي
واليوم، من السنغال إلى نيجيريا، تتحدى الموجة المتزايدة من صالونات التجميل وشركات مستحضرات التجميل الصغيرة في أفريقيا المفاهيم الاستعمارية حول كيفية العناية بالشعر وتصفيفه، بعيدا عن الإعلانات المغرية لشركات التجميل العالمية، أصبح بإمكان النساء في داكار أن يسترخين في صالونات العناية بالشعر والبشرة بالطرق الطبيعية، حيث تمتلئ الرفوف بمنتجات مصنوعة يدويا من زبدة الشيا العضوية، وجوز الهند، وزيت الخروع والزيتون ، التي يتم الحصول عليها من جميع أنحاء غرب أفريقيا.
في أماكن كهذه ترى الوجه الحقيقي للجمال الأفريقي بعيدا عن كليشيهات الجمال المعلبة، التي تروج لها موديلات سمراوات البشرة يشبهن الأفارقة، لكن روحهن ليست أفريقية، سترى النساء يصفف شعرهن بتسريحات كلاسيكية طبيعية من الثقافة السوداء، أسفل لوحة جدارية عن النساء والرجال السود.
في متجر Khadidiatou Ba’s Afro Feewi ، تجد المرأة السوداء مساحة آمنة، وتتواصل مع نساء مثلها يعطينها محاضرات عن العناية بالجمال، واستشارات مجانية حول الشعر، هذا المتجر الذي يعتبر تتويجا لرحلة بدأتها جاتونا منذ طفولتها التي عانت خلالها مع شعرها وصورتها عن نفسها كامرأة سوداء داكنة البشرة في السنغال، هو تتويج لرحلة بدأت خلال طفولتها. معاناة مؤلمة مع نسيج شعرها وصورتها الذاتية كامرأة سوداء داكنة البشرة في السنغال.
بدأت جاتونا مشوارها حول العناية بالشعر الأسود عبر مدونة، كانت تجرب في البداية المنتجات التي تلبي احتياجاتها، حتى انتهى بها الأمر بامتلاك صالون خاص، بحسب حديثها مع صحيفة “الجارديان” البريطانية.
تقول جاتونا صاحبة الـ 22 عاما: “نشأت حيث الاعتقاد بأن المرأة بحاجة للحصول على شعر مفرود لتكون جميلة، هكذا اعتدنا التفكير في بيئتنا، لكنني تعلمت أن أتقبل شعري ثم أحبه، وتعلمت أن أعتني به.”
وتضيف: “كان الوضع صعبا، لأن الناس هنا لايزالوا مندمجين مع الكثير من الأشياء المتعلقة بالاستعمار، وفي داكار، لايزال الكثي من الماس يعتقدون أن معايير الجمال هي الشعر الأملس والبشرة الفاتحة، وعلى الرغم من أن ذلك يتغير ، إلا أنه لايزال يمثل تحديًا حقيقيًا “.
مفاهيم خاطئة
في الصالون الخاص بجاتونا، تجري مناقشات مع النساء الشابات يشاركن خلالها تجاربهن مع العناية بالشعر الطبيعي، بعيدا عن الوصلات الاصطناعية، ومن خلال ذلك يحاولن استكشاف خيارات أوسع لمظهر شعر النساء السود، وتتحديا للمفاهيم الخاطئة حول أن الظهور بالشعر الطبيعي ليس أمرا جميلا، ويقدم الصالون أبضا استشارات حول العلاجات وأنظمة العناية بالشعر.
تقول: يمكن للمرأة الحصول على شعر طبيعي جذاب، مع استخدان الشعر المستعار أو الوصلات، فاستخدام الشعر المستعار لا يتنافى مع العناية بالشعر الطبيعي، الأمر مجرد اختيار، والمهم هو استخدام منتجات جيدة.
الأمر الذي تحاول جاتونا أن تنشره عبر صالونها أكبر من الجمال بمفهومه التقليدي، فالجمال هنا مرادف للذات وترجمة للهوية الأصيلة، تقول: نحاول هنا العمل على احترام الذات وحب الذات وتقبل الذات، وهو الجزء الأصعب.”
وتضيف: “لسنا مجرد بائعين، فنحن علماء نفس، وأصدقاء”.
يقدم متجر جاتونا، منشوارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول العلاجات والمنتجات لفئات مختلفة من الشعر الأسود، تشارك من خلالها كل التجارب التي تعلمتعا عن العناية بالشعر.”
في السنغال ، يتعين على النساء والرجال التعامل مع الإرث الاستعماري المهيمن على معايير الجمال وإضفاء المثالية على السمات ذات المركزية الأوروبية مثل البشرة الفاتحة، وتقنيات مثل تمليس الشعر باستخدام منتجات كميائية وهو أمر منتشر وشائع، وغالبا ما يؤدي إلى تلف فروة الرأس وتقصف الشعر.
وهناك مفاهيم منتشرة بأن الشعر الأسود غير مرغوب فيه ، ويجب تغييره أو تغطيته، كذلك تفتيح وتبييض البشرة من الأمور الجمالية المنتشرة، وكما هو الحال في معظم غرب أفريقيا، يتم تضخيم عبر خلال الإعلانات المنتشرة في كل مكان من العلامات التجارية الكبرى للبشرة، والصور الثقافية التي تصور درجات لون البشرة الفاتحة على أنها أكثر جمالًا.
تقول جتونة: “اعتادت والدتي على فرد شعري بمواد تمليس الشعر ولم ينجح ذلك أبدًا، كان لدي صديقة استخدمت نفس مستحضر التمليس مثلي، أصبح لديها شعر مفرود، مستقيم جدًا يطير في الهواء، بينما شعرت بشعري المجعد فوضوي كما كان الناس يقولون هو ما جعلني أشعر بالألم، وفي صالونات تصفيف الشعر في داكار، كان المصففون يخبرونني أنهم بحاجة لوضع المزيد من مواد فرد الشعر، لكنني فقط لم أعد استطع فعل ذلك بعد الآن.”
بعد تلف شعرها وتقرح فروة رأسها جراء عمليات التمليس، أمضت جتونا شهورًا في البحث في مدونات وفيديوهات لنساء سوداوات حول كيفية معالجة أنواع مختلفة من الشعر، وأفضل العلاجات الطبيعية التي يمكن استخدامها وكيف يمكن استخدامها، بعد ذلك بدأت بتصنيع منتجاتها الخاصة التي تتضمن مكونات موجودة في السنغال والدول المجاورة، والتي تبيعها بائعات وتجار إناث أيضا.
منتجات منزلية
في سوق Grand Yoff، تقوم ماريان – المعروفة باسم مدام ماريان، بكشط قطع قطع من كومة كبيرة من زبدة الشيا لزبائنها في كشك تملكه منذ 20 عامًا.
تقول: “أحصل عليها من بوركينا فاسو، إنهم ينتجون الكثير منها هناك، لم تكن دائما تحظى بشعبية كبيرة، الآن هناك المزيد من النساء يقبلن على شرائها وبخاصة الشابات الأصغر سنا.”
وتؤكد مدام ماريان أن زبدة الشيا منتج ممتاز للبشرة والشعر، وخاصة إذا أضيف إليها زيت الزيتون، إنها تعجب الناس، لكن دائما هناك شكوى من الرائحة، لذا أقوم بمزجها في المنزل مع سوائل مختلفة لمنحها رائحة أفضل.
كانت آدي بالوجون مهندسة معمارية ، تعمل أيضًا في التجارة الإلكترونية ، في لاجوس عندما اتخذت حياتها المهنية منعطفًا غير متوقع، قامت بقص شعرها وتضفيره، كان مجرد أمرا لإزجاء الوقت، لكنه أشعرها بالراحة
لكن سرعان ما أدركت المفاهيم الخاطئة حول ضفائر الشعر الصغيرة في نيجيريا، حيث يربط الناس هذا المظهر بتعاطي المخدرات، ويعتبرونه شكلا من أشكال التمرد.
تقول آدي، “كان أصدقائي يرون مظهر شعري مملا، لذلك بدأت في البحث عن أشياء مختلفة يمكنني القيام بها لشعري المضفر والكتابة حول هذا الموضوع، وأدركت أن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تضفير الشعر وفقا لتصمبمات مختلفة وتجعيدها وغير ذلك.”
افتتحت بعد ذلك متجرا لتضفير الشعر، وهو واحد من المتاجر القليلة المخصصة للأنماط الطبيعية لتضفير الشعر ومعالجته في Ikoyi بلاجوس، يقوم العاملون بالمتجر على مفاجأة العملاء بمجموعة من التسريحات على طريقة البانتو، وباستخدام الضفائر المعقدة التي تعطي مظهرا جذابا، كما تقوم آدي بتقدين مقاطع فيديو ومنشوارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول العناية بالشعر الطبيعي المضفر وكيفية الحفاظ على مظهره.
بدأ آدي في إنتاج منتجات التجميل العضوية المصنوعة من الزيوت الأساسية مثل إكليل الجبل والكركديه وجوز الهند، ويتم إنتاجها في الغالب في المصانع المحلية المملوكة للنساء وتباع من قبل التجار في لاجوس وباداجري.
تقول: “ليست كل الطرق الكيميائية سيئة، وكن في بعض الأحيان يكون هناك طرق لتضفير الشعر من خلال نقعه في مزيج من لقهوة ومعجون الأسنان، وهي بدائل صحية أكثر من المنتجات الأخرى الشائعة الاستخدام، مثل الشمع الذي يؤدي لتلف الشعر وتكسره.
تقول Balogun إنها تعمل بجد لكسر الصور النمطية السلبية المرتبطة بالشعر المضفر، وتقدم استشارات مجانية للنساء، وهو أحد أكثر الأشياء التي تستمتع بها في عملها، حيث تساعد النساء على معرفة كيف يتعاملون مع شعرهم بشكل خاطئ وأن عليهم تغيير ذلك، وبإمكانها عبر نظرة على شعر سيدة أن تدرك أنها لا تشرب ما يكفي من الماس وتستخدم منتجات ضارة.”
وخلال السنوات الأخيرة ، أصبحت هناك طفرة في أعمال العناية بالشعر والعناية بالبشرة التي تقودها النساء في البلدان ذات الأغلبية السوداء وفي الشتات، بنت هؤلاء النساء على خبراتهن وتجاربهن حول الأفكار الجمالية، ونجح الكثيرون ، مثل جاتونا، في زيادة متابعيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث يروّجون لشعور النساء بالقيمة الذاتية، قبل الظهور بمظهر جميل.
وفي السنغال، قادت النساء الأصغر سناً موجة من الأعمال التجارية الناجحة الصغيرة والمتوسطة في مجال التجميل، والتي تشمل Boudoir Ophelia و Mossane Beauty Concept و Nubian Cosmetics.
كان هناك أيضًا نمو سريع في منتجات العناية بالشعر والعناية بالبشرة محلية الصنع، باستخدام مكونات مثل زبدة الشيا وزيت الخروع وجوز الهند، لمتوفرة منذ فترة طويلة في أفريقيا. أصبحت المنتجات أكثر انتشارًا تجاريًا بشكل مطرد، خاصة أثناء عمليات الإغلاق بسبب جائحة كورونا، عندما يكون لدى الشابات المزيد من الوقت لصنع المنتجات في المنزل، كما أدت الابتكارات الأحدث ، مثل خلط زبدة الشيا بالروائح الطبيعية مثل اللوز، إلى زيادة شعبيتها.