كتب – محمد الدابولي
يشهد حقل العلاقات الدولية جانبا إنسانيا متمثل في تبادل المنح والمساعدات الإنسانية، وتأتي تلك المساعدات في إطار تحقيق التواصل والتعاون بين الشعوب، وغالبا ما تأتي المساعدات بين الدول وبعضها تداركا لأوضاع إنسانية مأسوية ناجمة عن أحداث طارئة مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والجفاف والتصحر أو بسبب تأزم الأوضاع الانسانية بسبب الحروب والصراعات.
من المفترض أن المساعدات الدولية خاصة في جانبها الإغاثي تأتي لتعزيز القيم الإنسانية التي حثت عليها الأديان السماوية والمواثيق والأعراف الدولية المتوارثة مثل نجدة الملهوف ومساعدة الشعوب على تخطي أزماتها واحلال الأمن والسلام، إلا أنه في الحقيقة تتعرض تلك المساعدات الإغاثية للتسيس، وغالبا ماتخفي بعض الدول أطماعها السياسية خلف مساعدتها الإغاثية، حيث تصبح تلك المساعدات بمثابة القناع الذي يستر قبح بعض السياسات العالمية.
الانتقائية في تقديم المساعدات
باتت العديد من المنظمات الإغاثية الدولية أحد أدوات السياسة الخارجية للعديد من الدول، إذ تحرص بعض الدول على إنشاء منظمات إغاثية تابعة لها، وتسعى تلك المنظمات إلي تقديم مساعدات إنسانية للدول التي ترى فيها أن تحقق مصالح الدولة التي تنتمي إليها.
وتعد قطر من أبرز الدول التي تسعى إلي توظيف منظماتها الإغاثية مثل صندوق قطر للتنمية ومؤسسة قطر الخيرية وهيئة الإغاثة الإسلامية عبر العالم، والمنظمة الأخيرة تعد أبرز أدوات السياسة الخارجية القطرية في العديد من المناطق حول العالم ومن أبرزها القارة الأفريقية، وفيما يلي القاء الضوء على أنشطة منظمة الإغاثة الإسلامية في أفريقيا والتي تتماشي مع السياسات القطرية:
أولا. الاتصال بالإخوان
تحتفظ مؤسسة الأغاثة الإسلامية العالمية بعلاقات وطيدة مع جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابيا في مصر والعديد من الدول العربية، وخلال الفترة الماضية توالت العديد من التقارير الاستخباراتية الدولية تكشف تورط المنظمة الإغاثية القطرية في دعم وتمويل أنشطة جماعة الإخوان، فتقاير ألمانية كشفت عن علاقات بين تلك المنظمة ونظيرتها القطرية «مؤسسة قطر الخيرية» المتهمة بتمويل العمليات الإرهابية ودعم جماعة الإخوان مما دفع وزارة الخارجية الألمانية في إبريل 2020 إلي تجفيف أحد مصادر تمويل مؤسسة الأغاثة وهي تجميع المساعدات التي كانت تتلقاها من الحكومة الألمانية، كما أكدت العديد من التقارير الإعلامية والاستخباراتية على تلقي هيئة الإغاثة الإسلامية الدولية تمويلا دائما من مؤسسة قطر الخيرية وهو ما يشير بوضوح إلي هيمنة قطرية على إدارة هيئة الإغاثة.
تأسست منظمة الأغاثة الإسلامية في عام 1984 على يد العديد من المنتمين لجماعة الإخوان سواء في مصر أو خارجها مثل هاني البنا وإحسان شبيب في مدينة برمنجهام البريطانية وسرعان ما انتشرت فروع المنظمة في أكثر من 28 دولة علي مستوى العالم وترأسها في بادئ الأمر «أحمد كاظم الرواي» وهو من إخوان العراق.
حرصت جماعة الإخوان على توظيف أعضائها ككوادر إدارية في المنظمة منذ نشأتها وإلي اليوم فعلى سبيل المثل فرع المنظمة في غزة تديره حركة حماس، كما تولي مسئوليتها حتي عام 2013 القيادي الإخواني عصام الحداد والذي شغل منصب مساعد رئيس الجمهورية لشئون العلاقات الخارجية في عهد الرئيس الأسبق المعزول محمد مرسي.
ثانيا. تمويل الإرهاب
انخرطت المنظمة منذ نشأتها في تمويل العديد من التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة، ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر تواترت معلومات عن قبلولها تبرعات من تنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن ذاته، وتتالت الاتهامات الموجهة لمنظمة الاغاثة بدعم الجماعات الإرهابية مما حدا ببنك إتش إس بي سي البريطاني إلي انهاء جميع تعاملاته معها خشية التورط في دعم الجماعات الإرهابية.
رابعا. دور المنظمة في أفريقيا
وفق لموقع المنظمة على شبكة المعلومات الدولية تنتشر المنظمة في 10 دول أفريقية مقسمة كالتالي خمس دول في منطقة القرن الأفريقي ودولتان في إقليم الجنوب وثلاث دول في منطقة الساحل والصحراء، لعل ما لفت نظري هو المعيار الذي تم على أساسه اختيار تلك الدول لتكون ميدانا لنشاط المنظمة، ففي البداية تم التركيز على دول القرن الأفريقي التي تتقاطع وتتشابك مصالحها مع العديد من الدول العربيةخاصة مصر، كما تم التركيز بصورة كبيرة أيضا على دول الساحل الثلاث النيجر وتشاد ومالي، وهم الدول التي تشكل الميدان الرئيسي لنشاطات الجماعات الإرهابية سواء في منطقة الساحل أو غرب أفريقيا، وأخيرا يتبقي نشاط المنظمة في كل من مالاوي وجنوب أفريقيا والأخيرة تعد من الدول ذات الثقل السياسي الكبير في القارة الأفريقية والاتحاد الأفريقي.
تتماشي سياسات منظمة الإغاثة الإسلامية في أفريقيا مع توجهات السياسة القطرية إزاء الدول الأفريقية والعربية فمثلا نجد أن جزء كبير من نشاط تلك المنظمة منصب في دول القرن الأفريقي خاصة إثيوبيا والتي تشهد سياستها تقاطعات واضطرابات مستمرة مع الجانب المصري، وتثير المساعدات المقدمة من منظمة الإغاثة الإسلامية للجانب الإثيوبي وباقي دول حوض النيل العديد من الملاحظات حول الأهداف الحقيقية من تلك المساعدات وهو ما سيتم توضيحة في النقاط التالية:
- توقيت المساعدات القطرية : عادة ما تثير المساعدات القطرية للجانب الإثيوبي علامات استفهام حول توقيتها فعلى سبيل المثال في شهري مايو/ يونيو 2020 انهمرت المساعدات القطرية من مؤسساتها المختلفة على إثيوبيا تحت دعوى دعم الجهود الإثيوبية في مواجهة وباء كورونا، إلا أن توقيت تلك المساعدات أثار الجدي حول الجدوى منها إذ تزامنت مع تصاعد الخلافات بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب أخر حول سد النهضة واتجاه أديس أبابا للملئ الأحادي لسد النهضة، إذ اعتبرت دوائر إثيوبية وغير إثيوبية أن تلك المساعدات تأتي مباركة قطرية للتعنت الإثيوبي.
- الانتقائية في تقديم المساعدات في الداخل إثيوبيا: أثارت المساعدات الأخيرة التي قدمتها قطر ومؤسسة الإغاثة الإسلامية إلي الجانب الإثيوبي وتحديدا في نوفمبر 2020 الريبة والشك حول الهدف الحقيقي وراء تلك المساعدات، إذ تم تقديم مساعدات عاجلة للاجئي التيجراي في السودان الذين فروا من جحيم الحرب الدائرة في إقليمهم، ويبدو للوهلة الأولي أن مساعدات هيئة الأغاثة تأتي تحت مظلة إنسانية، لكني يتبادر إلي ذهني سؤوال هام أين كانت المظلة الإنسانية لهيئة الأغاثة من الأضرار التي تعرضت لها قومية الأورومو في منتصف عام 2020 حينما أقدمت الجيش الإثيوبي على محاصرة العديد من القرى والبلدان الأورومية الأمر الذي خلف كوارث انسانية في الإقليم مشابهة لما حدث في إقليم التيجراي وكذلك الحال أيضا للاضطربات المستمرة في إقليم الأوجادين، ومن هنا نقول أن مساعدات هيئة الإغاثة إلي إثيوبيا شابها عوار الانتقائية.
- تخفيف آثار حرب التيجراي: إهمالتقديم المساعدات للجماعات الإثيوبيا وقصرها على قومية التيجراي هدفها تخفيف آثار الحرب في إقليم التيجراي بما يخدم مصالح النظام الإثيوبي الذي كان يحرص منذ بدء العمليات في نوفمبر 2020 على إسكات وإبطال أي صوت للاجئي التيجراي حتي لا تثار حفيظة المجتمع الدولي على الحرب الدائرة في إقليم التيجراي، ففي البداية حالت قواته دون فرار الآلاف من سكان التيجراي إلي السودان ومن فر منهم تلقتهم المساعدات القطرية التي عملت على تسكين أوضاعهم حتي لا يكونوا مثار اهتمام من المجمتع الدولي.
- التركيز على قضايا الأمن المائي: تعد تلك النقطة هي الكاشفة لنوايا منظمة الأغاثة وحقيقة عملها في منطقة القرن الأفريقيا خاصة إثيوبيا وكينيا على وجه الخصوص، فمن مطالعة موقع الهيئة وأماكن عملها وأهدافها، نجدها تركز بشكل أساسي على قضايا الجفاف ونقص المياه في إثيوبيا وكينيا والصومال، وكأن المنظمة تخاطب العقل السياسي والجمعي في تلك الدول بإبراز مسألة التحكم في الموارد المائية لخدمة التنمية في إثيوبيا وكينيا وهو ما يتماشي حاليا مع السياسات الإثيوبية في بناء السدود الحاجبة لمياه الأنهار سواء عن الصومال أو مصر والسودان، وهو الأمر الذي يعرض مصالح مصر والسودان لخطر شديد.