أماني ربيع
لأول مرة تم تعيين أفريقي رئيسا لمركز اليونسكو للتراث العالمي، وبدأ الكاميروني لازار إلوندو أسومو، مهام وظيفته الجديدة هذا الشهر، مؤكدا أن أولى أولوياته هو معالجة عدم التوازن في قوائم التراث العالمي باليونسكو والذي تستفيد منه الدول الأجنبية فحسب، وحماية المواقع المهددة بأزمات المناح والحروب والصراعات في أفريقيا.
حارس شرس للتراث
بسبب تقاعد السيدة ميتشتيلد روسلر من منصبها كمدير لمركز التراث العالمي، في 30 سبتمبر الماضي، أطلقت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي دعوة لترشيح أسماء أخرى، لتحل محلها، واختارت لازار إلموندو أسومو، الذي يمتلك 26 عامًا من الخبرة المهنية، بما في ذلك 21 عامًا من العمل في التراث العالمي.
ويعتبر أسومو رائدا في هذا المجال، ومدافعا شرسا عن حماية التراث مع الحكومات، وتعد هذه أول مرة في تاريخ مركز التراث العالمي، أن يديره مواطنا أفريقيا.
تخرج أسومو، من مدرسة “جرينوبل” للهندسة المعمارية في فرنسا، وتخصص في التخطيط الحضري، وبدأ حياته المهنية كباحث مشارك في مركز البناء الترابي لمدرسة جرونوبل للهندسة المعمارية في عام 1996، وكان في ذلك الوقت مسؤول عن تنفيذ مشاريع الموائل في أفريقيا ، ثم التنسيق التربوي لبرنامج الحفاظ على أفريقيا 2009 الذي أنشأه مركز التراث العالمي لليونسكو و ICCROM.
انضم أسومو إلى اليونسكو في عام 2003 في وحدة أفريقيا بمركز التراث العالمي، حيث ساهم في إنشاء صندوق التراث العالمي الأفريقي وتطوير برنامج التراث العالمي للعمارة الترابية (WHEAP).
في الفترة من عام 2008 إلى عام 2013 ، كان رئيسًا لوحدة أفريقيا في مركز التراث العالمي، خلال هذه الفترة قام بتنسيق العديد من مشاريع الترميم في موزمبيق وأوغندا ومالي ، بالإضافة إلى مبادرات بناء القدرات في المنطقة.
وشارك في تأليف كتاب “التراث العالمي الأفريقي: تنوع رائع “، مع إشانلوسن أوديو، الذي نشرته اليونسكو عام 2012.
في عام 2013 ، انضم إلى مكتب اليونسكو في باماكو وأصبح رئيسًا له في عام 2014، ثم أصبح الممثل الرئيسي لليونسكو في مالي.
وبينما كانت البلاد تعاني من نزاع مسلح عنيف، كان أسومو، مسؤولاً عن حماية التراث الثقافي لمال،.وقاد بنجاح إعادة بناء ضريح تمبكتو والحفاظ على المخطوطات القديمة.
عاد إلى مقر اليونسكو في باريس في عام 2016 ، في البداية كنائب لمدير قسم التراث ومركز التراث العالمي، وفي عام 2018 ، أصبح مدير الثقافة وحالات الطوارئ ، حيث قام بتنسيق استجابات الحفظ الطارئة للتراث المتأثر بالصراعات والكوارث واستعادة الممتلكات الثقافية بموجب اتفاقية 1970.
وضع أفريقيا على خريطة التراث العالمي
تغطي أفريقيا جنوب الصحراء، 9 ملايين ميل مربع من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي ومن الصحراء في الشمال إلى كيب بوينت في الجنوب، وفي هذه المساحة الشاسعة، تقع بعض أقدم المواقع الثقافية في العالم وعجائب الطبيعة المدهشة.
وعلى الرغم من حجمها الهائل، لم يتم تمثيل أفريقيا جنوب الصحراء بشكل متناسب على قائمة اليونسكو للتراث العالمي ، حيث يتضاءل عدد مواقعها البالغ عددها 98 موقعًا، مقارنة بعدد مواقع أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.
والآن، بحسب ما قال أول أفريقي يتم تعيينه رئيسًا لمركز التراث العالمي، يحتاج هذا الواقع إلى التغيير، وبسرعة.
وسبق وقاد أسومو، إعادة بناء أضرحة تمبكتو بعد أن تعرضت لأضرار بالغة في عام 2012 من قبل مقاتلين إسلاميين متحالفين مع القاعدة، ويبدو أنه سيستمر في نفس المهمة مع مواقع أخرى، معتبرا هذا من أولويات فترة وجوده في منصبه.
يقول أسومو: ” عندما تنظر إلى القائمة، تجد أنه بعد 50 عاما من توقيع اتفاقية التراث العالمي، لا تزال هناك بعض مناطق العالم غير ممثلة بشكل عادل في القائمة مقارنة بدول ومناطق أخرى”، وفقا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
وأضاف: هذا شيء يتعين علينا ، جنبًا إلى جنب مع الدول الأعضاء في اليونسكو، معالجته.”
وعانت الدول الجزرية الصغيرة النامية أيضًا تاريخيًا من انخفاض عدد المواقع المعترف بها، ومن بين 27 دولة ليس لديها مواقع من أي نوع على قائمة اليونسكو، هناك أربعة فقط ليست في أفريقيا.
على الطرف الآخر، عززت الدول الغربية، مثل إيطاليا (58) والصين (56) وألمانيا (51) وجودها بعشرات المواقع، لتحقيق أقصى استفادة من التدفق الملموس للأموال والسياحة التي تأتي من فكرة الاعتراف بتراث بلد ما.
وبالنسبة إلى أوسومو، لا يتعلق الأمر، فقط، بمطاردة الأرقام، بل يتعلق باستخدام النفوذ الثقافي والمالي الجماعي لليونسكو لمساعدة الدول الممثلة تمثيلا ناقصا في التغلب على نقص الموارد والخبرات التي أثبتت أنها عقبة في عملية الترشيح المعقدة والمكلفة.
قال أسومو: “إن تدريب وبناء قدرات خبراء التراث هو مجال يتعين علينا فيه زيادة التركيز عليه، في المستقبل للمساعدة في معالجة هذا الاختلال في التوازن”.
وأضاف أن “اليونسكو تود أن ترى تعاونًا أكبر بين الدول الأعضاء، سواء مع دول في أوروبا أومناطق أخرى للمساعدة في تمويل برامج التدريب.”
التراث الأفريقي وتهديدات المناخ
وأكد أسومو أن “أفريقيا هي مهد الجنس البشري”، مشيرا إلى وجود عشرات المواقع الثقافية والطبيعية المهمة في أفريقيا والتي قدرها الناس كثيرا، ومن الصعب أن تجد مثيلها.
وتعتبر “الغابات المقدسة” في غرب أفريقيا، مثالا جيدا على ذلك، وهي بقع من الأرض تم الحفاظ عليها على مدى أجيال لا حصر لها بسبب أهميتها الدينية والثقافية، ووفقًا لدراسة حديثة في توجو، فإن الغابات مهمة بيئيًا بقدر ما هي ثمينة ثقافيًا، وفي قارة تتحمل العبء الأكبر من أزمة المناخ ، تعتبر حمايتها أمرًا حيويًا.
يقول أسومو: “أفريقيا اليوم على خط المواجهة أمام تأثيرات تغير المناخ، وهذا أيضًا شيء يجعلنا نعتقد أن حشد جهودنا لزيادة مواقع التراث العالمي الموجودة في أفريقيا يجب أن يكون أولوية”.
ومن الموائل الطبيعية الهامة والتي بحاجة إلى الحماية، حديقة “نيوكولو-كوبا” الوطنية في السنغال، وهناك كنوزا ثقافية أخرى مثل: قلعة سان سيباستيان في موزمبيق ، التي ضربتها الأعاصير الشديدة والأمطار الغزيرة بشكل متزايد، وأصبحت معرضة للتأثر بتغيرات المناخ.
وقال أسومو: “إذا لم نفعل شيئًا حيال تأثير تغير المناخ، والكوارث الطبيعية التي تتكاثر، وتزايد حرائق الغابات والأعاصير، ستختفي هذه المواقع، ومعها يختفي جزء من تراث الإنسانية إلى الأبد.”
وأضاف: “مسؤوليتنا هي العمل مع دول العالم، لضمان الحفاظ على هذه المواقع وتسليمها إلى الجيل القادم، بالنسبة لي، إنها مسألة ملحة.”
وتتنوع مواقع التراث العالمي في أفريقيا البالغ عددها 98 موقع، من مواقع شهيرة مثل: “منتزه سيرينجيتي” الوطني في تنزانيا، إلى مواقع أقل شهرة، مثل “كوتاماكو” في توجو.
وتشكل خمسة عشر موقعًا أفريقيًا ما يقرب من 30٪ من قائمة التراث العالمي “المعرضة للخطر” ، وذلك بسبب مجموعة متنوعة من التهديدات بما في ذلك الصيد الجائر وقطع الأشجار غير القانوني والصراعات.
أحد المواقع التي لم تُدرج بعد في القائمة المهددة بالانقراض هي منطقة Lalibela في شمال إثيوبيا، وهو مكان للحج وموطن لـ 11 كنيسة كهفية متجانسة من العصور الوسطى منحوتة في الصخر ، والتي عانت في الأشهر الأخيرة من معارك ضارية بين قوات الحكومة، ومتمردي تيجراي.
وحول ذلك، قال أسومو: “كلما انخرطت المواقع التراثية في صراع ، حثت اليونسكو أولئك الذين يسيطرون عليها على حماية المواقع من النهب والتخريب، مثلما حدث خلال عملي في تمبكتو ، حيث ساعدت اليونسكو في إعادة بناء الأضرحة التي دمرت في عام 2012 ، وتعليم المواطنين قيمة التراث الثقافي، وما يمثله من أمل بعد انتهاء الصراعات”.
وأوضح “لقد أظهر هذا العمل، أهمية الثقافة والتراث الثقافي لمساعدة الناس على التعافي من الصدمات ، والبدء في العيش اقتصاديًا بعد انتهاء الصراع ، وكذلك للمساعدة في إعادة التماسك الاجتماعي الذي فقد بسبب الصراع.”
تحديات لحماية التراث العالمي
تأسس المركز التراث العالمي باليونسكو في عام 1992 ، وهو ينسق جميع الإجراءات المتعلقة بالتراث العالمي داخل اليونسكو، وهو مسؤول عن الإدارة اليومية للاتفاقية، المعتمدة في عام 1972 ، وتتم 50 عامًا في العام المقبل، عن تنظيم الدورات السنوية للجنة التراث العالمي ومكتبها، كما تقدم المشورة للدول الأطراف بشأن إعداد ترشيحاتهم. .
يقوم المركز بتنسيق عملية الإبلاغ عن حالات المطالبة بالحفاظ على المواقع والإجراءات العاجلة المطلوبة عندما يكون الموقع تحت التهديد، كما تنظم المساعدة الدولية الممنوحة من صندوق التراث العالمي عند الطلب.
وأخيراً ، فإن مركز التراث العالمي مسؤول عن المعلومات العامة حول التراث العالمي وبهذه الصفة ، يطور مواد تعليمية لزيادة الوعي بحماية التراث بين الشباب.
ستكون الذكرى الخمسون لتدشين اتفاقية التراث العالمي، التي سيتم الاحتفال بها في نوفمبر 2022 ، فرصة لاستعراض الماضي، وكذلك للتفكير الجماعي في أفضل الطرق لجعل نهج المنظمة يزدهر على مدار الخمسين عامًا القادمة.
وهناك تحديان على المنظمة خوضهما خلال الفترة المقبلة، الأول: جعل قائمة التراث العالمي أكثر تمثيلاً للتنوع الثقافي والجغرافي في العالم، والثاني: تعزيز حماية المواقع المدرجة في القائمة في مواجهة التحديات الجديدة لعصرنا، والمرتبطة بالتنمية والصراع وتغير المناخ.