كتبت – أسماء حمدي
على وقع النغمات الموسيقية، احتفل آلاف الأشخاص في مهرجان “أماني” للسلام في غوما عاصمة إقليم شمال كيفو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي منطقة تضررت من تصاعد العنف والنزاعات في السنوات الأخيرة، لأول مرة منذ بدء الوباء.
السلام
يهدف مهرجان “أماني” للموسيقى والفنون والتي تعني “سلام” باللغة السواحلية، إلى نشر السلام والإخاء بين الناس ومحو ذكريات الحرب القاسية من العقول، والذي أُجل في العامين الماضيين بسبب كورونا.
واحتضن المهرجان عشرات الفنانين من جميع أنحاء منطقة البحيرات الكبرى، ويستهدف “أماني” الجيل الجديد، حيث يبث داخلهم رغبة الكفاح من أجل السلام مدفوعين بطاقة جديدة وقناعة قوية بقيم التعايش والتسامح.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 30 ألف شخص حضروا هذا الحدث الذي استمر ثلاثة أيام، وخلال المهرجان رفع الفنانون والنشطاء لافتات تذكّر السلطات بالوضع الأمني في غوما.
ونشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، صورا للفرق خلال تأدية فقراتها الاستعراضية، كما أظهرت إحدى الصور “كابوغو تباراني” وهو أحد المشاركين يحمل النتيجة السلبية لاختبار Covid-19، والذي كان مطلوبًا لحضور المهرجان.
“فرحة التواجد معًا”
خلال العام الماضي، تصاعدت الهجمات العنيفة التي تشنها الجماعات المسلحة في مقاطعتي كيفو الشمالية وإيتوري، وفي الأسبوع الماضي، قُتل ما لا يقل عن 60 شخصًا خلال هجوم على مخيم للنازحين بسبب العنف.
وزع “كينجي دجامبا” هو عضو في “باديليكا”، وهي مجموعة من الفنانين الذين يناضلون من أجل حقوق الإنسان، خلال المهرجان منشورات ولافتات على الحشود تحمل رسائل سلام ووئام.
وشارك في الاحتفال راقصون وفنانون تقليديون من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا وبوروندي المجاورتان، في هذا الحدث، الذي أقيم لأول مرة في عام 2013.
وفي حديثه لصحيفة “الجارديان” البريطانية، قال أرسين فيكتور، 22 عامًا، وهو عضو في “فرقة بحيرة كيفو”: إن “المهرجان كان مساحة لمشاركة فرحة التواجد معًا بعد كورونا، لقد أزعجتني عامان الجائحة كثيرًا لأنني لم أستطع رؤية أصدقائي، ولم أستطع مواصلة مشاريعي، مهرجان أماني ساعدنا على العمل معًا، والالتقاء والمشاركة مع الآخرين، من خلال قضاء لحظات جميلة معًا، كما ساعدنا أيضا في محاولة نسيان الماضي، وأتاح لنا المهرجان أن نحلم ونأمل أن يكون الغد أفضل من اليوم”.
غناء من أجل السلام
وأقيم مهرجان هذا العام، تحت شعار “المرح من أجل التغيير والغناء من أجل السلام”، تقول طالبة القانون ستيفاني مبافوموجا: إن “المهرجان مريح بالنسبة لي، حيث تعرف منطقتنا بإنعدام الأمن، لقد تعرضنا للصدمة لفترة طويلة جدًا، بسبب النزاعات، وأيضا خلال العامين الماضيين بسبب الجائحة”.
تضيف: “فقدنا العديد من الأشخاص، ولم نتمكن من السفر، وحبسنا في منازلنا لفترة طويلة، ولم نذهب إلى المدرسة، أعتقد أننا يجب أن نتعلم كيف نتعايش مع كوفيد كما كنا نعيش مع الإيبولا، لا يمكن أن يمنعنا كوفيد من غناء السلام، وأريد أن أذكر سلطاتنا بأن السلام حقنا”.
تكلف تذاكر مهرجان “أماني” ما يعادل دولار أمريكي واحد، وكل يوم تقدم مجموعة من الراقصين من منطقة البحيرات العظمى في المهرجان عروضها، حيث أدت فرقة “رقص الشوارع” إحدى أكبر فرق الرقص في المنطقة، عروضها في ميدان في المهرجان.
يقول مدير المهرجان غيوم بيسيموا: “مهرجان أماني ليس مهرجان السلام، لا يوجد سلام للاحتفال به في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مهرجان أماني هو مهرجان لإظهار أن هناك موهبة وطاقة وطموح للقيام بأشياء عظيمة هنا، ولإسكات الألسنة الرديئة التي تحكم علينا في دوامة من البؤس اللامتناهي”، مضيفا: “نحن نقف ونفتخر بأنفسنا وسنستمر في الرقص والغناء”.
إرث من المعاناة
تقع مدينة غوما شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، على الساحل الشمالي لبحيرة كيفو، بالقرب من مدينة غيزني الرواندية، في صدع ألبرتين، بالقطاع الغربي من الوادي المتصدع الأكبر، على مساحة 18 كم جنوب من فوهة بركان نيراغونغو.
ويبلغ عدد سكان غوما مليون نسمة من بينهم 165 ألف نازح، في منطقة تجتاحها نزاعات على الأراضي وخصومات إتنية منذ أكثر من عشرين عاماً.
ويرتبط التاريخ الحديث للمدينة بالبركان والتطهير العرقي الرواندي عام 1994، والذي تحول إلى حروب الكونغو الأولى والثانية، وما زال لتلك الأحداث تأثيراتها على المدينة والمناطق المحيطة بها والتي بدأت في التطور منذ عام 2010.
وخلق الإرث الدائم للصراع الدموي هناك وانعدام الأمن الغذائي، وندرة المحاصيل وتفشي جائحة فيروس كورونا وارتفاع أسعار المواد الغذائية، عاصفة مثالية للجوع الشديد هناك، حيث تعتبر بعض المناطق في حالة “طوارئ” لانعدام الأمن الغذائي، والتي تعد الخطوة الأخيرة قبل حدوث المجاعة الفتاكة.
تعد أزمة الجوع في جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الأكبر في العالم، حيث يعاني حوالي 27 مليون شخص من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في البلاد، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “إندبندنت”.
وتشير أحدث الإحصاءات إلى أنه من المحتمل أن يكون هناك 860 ألف طفل و470 ألف امرأة حامل أو مرضعة في جميع أنحاء البلاد سيعانون من سوء التغذية الحاد في عام 2022، بما في ذلك أكثر من 200 ألف طفل سوف يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة.