كتب – حسام عيد
مضى عام 2021 تاركًا السودان في أزمات متشعبة، معيشية، اجتماعية، واقتصادية؛ بعد أن كان استهل العام ذاته بانفراجة وآمال كبيرة مشرقة نحو غد ومستقبل أفضل بعد حذف البلاد من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وكذلك إلغاء وهيكلة كثير من الديون المتراكمة.. فهل يأتي الإعلان الأولي لموازنة 2022 كبوابة إنقاذ للسودان في المرحلة المقبلة؟.
موازنة 2022.. بلا أرقام!
في يوم الأربعاء الموافق 12 يناير 2022، أعلن مجلس الوزراء السوداني أنه صادق بالقراءة الأولى على موازنة العام المالي 2022.
وأفاد المجلس، في بيان، بأنه اجتمع برئاسة الأمين العام المكلف بتصريف مهام مجلس الوزراء، عثمان حسين عثمان، للمصادقة على مشروع موازنة العام المالي 2022 في صورتها الأولى.
وتبدأ السنة المالية في السودان مطلع يناير وتختتم بنهاية ديسمبر من كل عام.
وقال مجلس الوزراء: إن موازنة 2022 “تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة، للوصول إلى معدل نمو مستدام وخفض معدلات التضخم واستقرار ومرونة سعر الصرف، وتحسين معاش الناس ومرتبات العاملين بالدولة”. ولم يذكر مجلس الوزراء في بيانه أي أرقام للموازنة الجديدة، وهذا ما يثير الحيرة والتساؤلات.
ويُنتظر أن تجاز الموازنة بصورتها النهائية عبر اجتماع مشترك يضم مجلس السيادة الانتقالي ووكلاء الوزارات بدلًا عن الوزراء، لعدم وجود حكومة حاليًا بعد استقالة عبدالله حمدوك في 2 يناير الجاري.
واستهدفت الحكومة، في موازنة 2021، معدل تضخم حول 95% وعجز يقدر بنحو 1.4% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
معضلة الاقتصاد المستدام
ولم تورد اللجان الفنية أي تفاصيل عن حجم الإيرادات والمصروفات في الموازنة، عدا توضيح بسيط عن اعتمادها على الموارد الذاتية للدولة التي تعاني من أزمة اقتصادية تمددت بعد التغيرات السياسية الكبيرة في تركيبة السلطة.
وذكر المنشور الصادر عن مجلس الوزراء أن موازنة 2022 تستهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة للوصول إلى “معدل نمو اقتصادي مستدام، وخفض معدلات التضخم، واستقرار ومرونة سعر الصرف، وتحسين معاش الناس ومرتبات العاملين بالدولة والمعاشات، وتوجيه جزء مقدر لزيادة حجم الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الضرورية الأخرى”.
وتتضمن الموازنة “تمكين وزارة المالية من تحقيق ولايتها على المال العام، ومعالجة تشوهات الأسعار، وضبط الأسواق، وتهيئة المناخ الجاذب للاستثمار المحلي والأجنبي، وتوفير مدخلات الإنتاج الكافية، وترشيد الإنفاق العام، وترتيب الأولويات بالتركيز على القطاعات الإنتاجية”.
ومن أبرز الموجهات التي تضمنتها الموازنة “قيام مشروعات قومية وولائية متوسطة وقصيرة المدى لأجل إزالة الفوارق التنموية وإزالة الخوانق في القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومراجعة هياكل ومستويات الأجور وتحسينها على ضوء مؤشر الأرقام القياسية للمحافظة على مستوى الدخل الحقيقي وإزالة المفارقات في الأجور”. وأمنت اللجان الفنية على “ضرورة إحداث تحولات جذرية في السياسات الاقتصادية عبر الموازنة وتسخير إمكانات الدولة كافة لزيادة الإنتاج والصادرات”.
وبحسب المنشور الوزاري؛ فإن مشروع الموازنة للعام الحالي “مرجعياته الوثيقة الدستورية الانتقالية، والبرنامج الثلاثي للاستقرار والتنمية الاقتصادية، ومخرجات (اتفاق سلام جوبا)، والبرامج المتفق عليها مع مؤسسات التمويل الدولية، وأهداف التنمية المُستدامة، ومخرجات المؤتمر الاقتصادي، والورقة الاستراتيجية لمكافحة الفقر، والخطة التنفيذية لأولويات الفترة الانتقالية”.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أوقفت مساعدات بقيمة 700 مليون دولار، وأعلنت دول الاتحاد الأوروبي تعليق أي مساعدات مالية، ورهنت عودة الدعم بإعادة مسار العملية الانتقالية.
بدوره؛ علق البنك الدولي صرف أموال كل عملياته في السودان، كما توقف عن البت في أي عملية جديدة. وتقدر الأموال المرصودة بنحو ملياري دولار، بالإضافة إلى دعم الموازنة والمشروعات الاقتصادية الكبيرة التي تساهم في تحقيق نمو مقدر خلال السنوات المقبلة.
ومنح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السودان دعمًا ماليًا لتخفيف ديونه الخارجية إلى النصف بموجب “مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)”، وخفضت الديون إلى 28 مليار دولار.
تراجع الجنيه.. تضخم غير مسبوق
من جانبه، أعلن جهاز الإحصاء السوداني أن معدل التضخم بلغ 359.09% في عام 2021، ارتفاعًا من 163.26% في عام 2020.
وكان سعر الجنيه السوداني قد شهد تراجعًا في السوق الموازية، بالتزامن مع حالة الغموض السياسي التي تشهدها البلاد، بعد نحو 13 يومًا من استقالة رئيس الحكومة.
ووفق “رويترز”، فقد تراجعت قيمة العملة السودانية بأكثر من 3% إلى 465 جنيهًا للدولار في السوق السوداء خلال تداولات يوم الأحد، مع تصاعد الطلب على الدولار بسبب استمرار حالة عدم اليقين السياسي بعد أحداث أكتوبر الماضي.
واستقر الجنيه السوداني إلى حد كبير في الأشهر الماضية، بعد أن انخفضت قيمته بشكل حاد في فبراير الماضي في إطار إصلاحات اقتصادية نفذتها حكومة انتقالية وراقبها صندوق النقد الدولي.
وكان الدولار يُباع بحوالي 450 جنيهاً الأسبوع الماضي، كما كانت الفجوة بين السوق الموازية وأسعار الصرف الرسمية ضئيلة في الغالب في الأشهر القليلة الماضية.
وختامًا.. لا جديد في الأفق السوداني سوى عدم توافق بين الأطراف واضطرابات وغضب مجتمعي، ما يعني أن بقاء الأوضاع الراهنة سيساهم في تكريس الأزمة الاقتصادية وانفلات التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة عجز الميزان التجاري.