كتب – محمد الدابولي
حالة من الترقب والحذر تعيشها العاصمة الغينية كوناكري، عقب أيام شهدت فيها البلاد اضطرابات ومواجهات واغتيالات قبيل الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية التي تم اجراؤها يوم الأحد الموافق 18 أكتوبر 2020، والتي تبارى فيها الرئيس المنتهية ولايته «ألفا كوندى» وزعيم المعارضة ورئيس الوزراء الأسبق «سيلو دالين ديالو ».
تتجه الأنظار حاليا إلي غينيا انتظارا لما ستؤول إليه الأزمة السياسية في البلاد، فمستقبل تلك الأزمة القريب سيشكل خريطة الأزمات السياسية في دول غرب أفريقيا، فبعد الأزمة السياسية في دولة مالي اتجهت الأنظار صوب غينيا وكوت ديفوار باعتبارهما الدولتان المرشحتان لحدوث اضطرابات سياسية فيهما على غرار الأزمة في مالي، كما أن الأحداث في كلا البلدين غينيا وكوت ديفوار متشابهتان إلي حد كبير.
فكلا البلدين أقدما على إجراء تعديلات وتغيرات دستورية تسمح بولاية ثالثة لكلا الرئيسين ألفا كوندي في غينيا والحسن واتارا في كوت ديفوار، ففي مارس 2020 تم اجراء تعديلات دستورية في غينيا تسمح للرئيس كوندي بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، وسبق أن وضعت كوت ديفوار دستورا جديدا في عام 2016 يعطي للرئيس وتارا حق الترشح مرتين بعد اقرار الدستور أما الفترة السابقة على وضع الدستور فلا يُعتد بها مما يعني من الناحية العملية أن استمرار واتارا في الحكم لفترة رئاسية ثالثة.
صب الزيت على النار
تبدو الأمور في اتجاهها للتصاعد في كوناكري، خاصة بعد استباق زعيم المعارضة «ديالو» والمنافس الأبرز لـ«كوندي» إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، وإعلانه فوزه بنتائج الانتخابات الرئاسية، وذلك في مؤتمر صحفي عقد في العاصمة كوناكري بعد يوم واحد من اغلاق باب الاقتراع.
عقب اعلان حملة «ديالو» توالت التصريحات العنترية من معظم الأطراف السياسية الغينية، فـ«ديالو» أعلن أنه «خرج منتصرا على الرغم من الانحرافات التي شابت عملية الاقتراع»، داعيا أنصاره إلي توخى الحذر والحيطة واليقظة للدفاع عن النصر الديمقراطي، ونتيجة لذلك انطلقت التظاهرات المؤيدة لـ«ديالو» مما أدي إلي احداث اشتباكات مع قوات الأمن التي استخدمت فيها قنابل الغاز المسيل للدموع.
وفي المقابل أعلن نائب رئيس «اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات» “باكاري مانساري” أن إعلان «ديالو» باطل وغير صحيح وأن النتائج الرسمية لم تُعلن بعد وليس من حق أي مرشح استباق النتائج الرسمية وإعلان نفسه فائزا في الانتخابات، وتنص قوانين الانتخابات في غينيا أنه يسلتزم المرشح الحصول على نسبة 50% من الأصوات لضمان نجاحه، فإذا لم يتم تحقيق تلك النسبة يتم الاحتكام لجولة إعادة تتم في نهاية شهر نوفمبر المقبل.
كما حذر «إبراهيم قسوري فوفانا» رئيس الوزراء الغيني ودير حملة الرئيس «ألفا كوندي» من خطورة إعلان «ديالو» واصفا تلك الحركة بأنها بمثابة صب الزيت على النار، فيما أكد وزير الأمن «ألبرت كامارا» بأن حركة «ديالو» بمثابة دعوة صريحة لإثارة العنف وأنه تم التخطيط لهذا السيناريو بعناية قبل الانتخابات.
وعلى الصعيد الحزبي تبارى الطرفان في في توجيه الاتهامات للأطراف الأخري، فالحزب الحاكم «تجمع الشعب الغيني ــ RPG» أعلن تمسكه بأقصى درجات الحزم، ووصف إعلان «ديالو» بالخطير والغير مسئول مطالبا أنصاره بالهدوء، في حين أكد حزب «اتحاد القوى الديمقراطية في غينيا ـــ UFDG» الذي ينتمى إليه ديالو بأنه نشر عدد 15 ألف مراقب للانتخابات في جميع مراكز الاقتراع، وأكد الحزب في بياناته أنه نتائج الاقتراع في اللجان الفرعية كانت علنية مما مكن مراقبي الاحزب من حصر النتائج وإعلان فوز ديالو.
وأد الديمقراطية
مما لا شك فيه أن أنصار التحول الديمقراطي في أفريقيا أصيبوا بخيبة أمل عقب إجراء التعديلات الدستورية في غينيا في مارس 2020 والتي تتيح للرئيس الطاعن في العمر “82 عام” «ألفا كوندي» بالبقاء في السلطة فترة رئاسية جديدة تنتهي مع اقترابه من عقده التاسع.
ما يزيد الحسرة هو أن «ألفا كوندي» هو أول رئيس غيني يعتلى السلطة بأسلوب سلمي منذ استقلال بلاده عن السلطة في عام 1958، فتداول السلطة في غينيا كان يتم عبر الانقلابات الدموية، فبعد وفاة الرئيس الأول «أحمد سيكتوري» في مارس 1984 تولي رئيس الوزراء حينها «لويس لانسانا بيفوجوي» إدارة البلاد لحين اجراء انتخابات، إلا أن العقيد «لانسانا كونتى» فاجأ الجميع بانقلاب سريع في 3 إبريل 1984 واستولى على السلطة وبدأ بالتخلص من أنصار «سيكوتوري» وإعدامهم واحد تلو الأخر، واستمر كونتى في السلطة حتي وفاته في 22 ديسمبر 2008.
ولم تكد تمر سويعات قليلة على وفاة «كونتي» إذ انقلب النقيب « موسى داديس كمارا» على السلطة في 23 ديسمبر 2008 معلنا استيلائه على السلطة والتي استمر بها عام كامل حتى تنحيه عن السلطة في ديسمبر 2009، لتدخل البلاد بعدها مرحلة انتقالية تسمتر عام واحد، حتي تم اجراء ول انتخابات ديمقراطية في البلاد في عام 2010 والتي نجح فيها الرئيس الحالي ألفا كوندي، وكان منافسه الأبرز زعيم المعارضة حاليا «ديالو» الذي دخل الانتخابات أمام «كوندي» ثلاث مرات في 2010 و 2015 وأخيرا 2020.
لذا يمكن اعتبار التعديلات الدستورية في مارس 2020، وما لحقها من ترشح ألفا كوندي للانتخابات لفترة رئاسية ثالثة محاولة لالتفاف على عملية التحول الديمقراطي في غينيا وترسيخ الاستبداد في البلاد المستمر منذ استقلال غينيا في عام 1958، ومن الجدير بالذكر أن عملية الالتفاف على الديمقراطية بدأت مع عملية التراخي في محاسبة مدبرى انقلاب 2008 وما تلاه من أحداث عنف راح ضحيتها 160 غيني وعدم إجراء محاكمتهم خاصة زعيم الانقلاب «موسى كمارا».
ومما يؤكد أن الأحداث في غينيا في سبيلها للقضاء على التحول الديمقراطي، هو أن مرشح المعارضة نفسه من مؤيدي الحكم الاستبدادي، فنضاله اليوم ضد الرئيس كوندي ليس بغرض احلال ثقافة الديمقراطية بل لاستبدال حكم مستبد بأخر، فـ«ديالو» سبق له أن كان رئيس للوزراء في عهد الرئيس «لانسانا كونتي» خلال الفترة من عام 2004 وإلي 2006، كما أنه خلال الانتخابات الرئاسية عام 2015 شكل تحالفا مع معسكر قائد الانقلاب السابق موسى كامارا.
تصاعد الكراهية
أحداث دامية شهدتها وتشهدها غينيا منذ يدء العملية الانتخابية وصلت ذروتها يوم الجمعة 16 أكتوبر 2020 حينما تم استهداف ثكنة عسكرية في محيط العاصمة كوناكري أسفر عن مقتل قائد وحدة التدخل الخاص العقيد «مامادي كونتي».
امتزج العنف الانتخابي في غينيا بخطابات الكراهية الإثنية في البلاد فخلال الفترة الحالية تصاعدت خطابات الكراهية المتبادلة بين الطرفين، فأنصار الرئيس الحالي «كوندي» قاموا بمهاجمة الحملات الانتخابية الأخري وتمزيق الملصقات الانتخابية للمرشحين الأخريين، والاعتداء على قوافل المرشحين الأخريين.
وتشير منظمة العفو الدولية إلي أن حصيلة العنف الإثني والانتخابي في غينيا خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2019 وإلي أكتوبر 2020 بلغت 50 قتيل وإصابة مئتين أخريين فضلا عن حالات الاعتقال، وتشير تقديرات المعارضة إلي أن حجم الضحايا ضعف ما أعلنت عنه منظمة العفو الدولية.
وإزاء التوترات الإثنية في البلاد أقدمت غينيا على غلق حدودها مع السنغال وغينيا بيساو، فيما وجه الرئيس «كوندي» اتهامات لرئيس سيراليون «محمد جولديه جالو» بدعم مرشح المعارضة «سيلو ديالو» وإيواء مجموعة من المرتزقة المحسبوين على ديالو الذين يخططون لشن هجمات داخل غينيا.
تصارع الإثنيات في غينيا
غينيا كغيرها من الدول من الدول الأفريقية منقسمة إثنيا بين العديد من الجماعات الإثنية المختلفة، إلا أنها تختلف عن بقية الدول الأفريقية في كونها لم تشهد سيطرة جماعة اثنية بعينها على الحكم والإدارة في البلاد فخلال العقود السبع الماضية تنقلت السلطة بين أكثر من جماعة إثنية في غينيا.
استقلت البلاد في عام 1958 وتولي أحمد سيكوتوري رئاسة البلد منذ عام 1958 وحتي عام 1984، وخلال فترة حكمه سيطرة جماعته «المانديك» التي تشكل نحو 36% من إجمالي حجم السكان في البلاد على السلطة، أما في عهد سلفه «لانسانا كونتى» الذي تولى الحكم منذ عام 1984 وحتى 2008 برزت عرقية «سوسو ــــــ Susu» أحد أبرز الفروع في جماعة الماندى Mandéالإثنية في غرب أفريقيا، ورغم أن جماعة السوسو تشكل أقلية في المجتمع الغيني إلا أنها نجحت في السيطرة على الحكم لما يقارب الثلاث عقود، أما النقيب موسى كمارا قائد انقلاب 2008 فينتمي عرقيا إلي مجموعة Kpelle أحد مجموعات جماعة الماندي.
ونجحت جماعة المانديك في العودة مرة أخرى للحكم من خلال الرئيس ألفا كوندي الذي يتولى الحكم منذ عام 2010 وإلي اليوم، أما منافسة سيلو ديالو فينتمي عرقيا إلي جماعة الفولاني المنتشرة في غرب أفريقيا خاصة في مالى ونيجيريا ويسعى ديالو من خلال تحالفه مع جماعة الماندى في انتزاع السلطة من حكم جماعة المانديك.
وتسعى الجماعات الإثنية في غينيا إلي السيطرة على الحكم نظرا لكون البلاد غنية من ناحية الموارد الطبيعية، مع ندرة سكانها (13 مليون نسمة فقط)، فغينيا تمتلك تقريبا ربع احتياطات العالم من البوكسيت الذي يعد المصدر الرئيسي لصناعة الألومونيوم.
وأخيرا.. تبدو الأمور في غينيا في طريقها إلي مصير مجهول خاصة بعد تلكؤ اللجنة المنيط بها إدارة العملية الانتخابية، فلا يعقل أن تتأخر نتيجة الانتخابات أكثر من يومين في بلد تعداد سكانها 13 مليون نسمة، وإجمالي الناخبين المقيدين بها 5.4 مليون ناخب وهو ما يساوى حجم دائرة أو دائرتين في بلاد أخرى في أفريقيا كمصر أو نيجيريا، ومما يزيد التوتر هو الانتخابات الغينية جاءت في ظل ظروف انتخابية أفريقية محفوفة بالمخاطر ، فخلال الشهر الجاري ستجرى انتخابات أكثر حساسية في كوت ديفوار، ولعل الخوف الأكبر هو أن تشكل الدولتان الجارتان غينيا وكوت ديفوار بقعة سواد في لعدم الاستقرار في غرب أفريقيا