حسام عيد – محلل اقتصادي
في مايو 2020، أعلنت نيجيريا عن صكوكها الأخيرة البالغة 150 مليار نيرة (ما يعادل 390 مليون دولار)، بغرض تمويل المشاريع المتعلقة بالطرق، إضافة لتعميق الشمول والدمج المالي في كافة أرجاء البلاد.
وقد بدأ إدارة الصكوك المعروفة بـ”شهادات الثقة الإسلامية” تحديدًا في 21 مايو، وأغلق الاكتتاب فيها في 2 يونيو، وسعت خلالها الحكومة الفيدرالية إلى توسعة القاعدة الاستثمارية عبر جذب واستقطاب شرائح إضافية من المستثمرين الأفراد في سوق أدوات الدين سواء عبر السندات الحكومية أو الصكوك، انطلاقًا من سياسة ونهج جديد تتبعه أبوجا يهدف إلى منح الأشخاص العاديين حصة في التنمية الاقتصادية لبلدهم.
تمويل تطوير البنية التحتية
وشكل مستثمرو التجزئة أقل بقليل من 5% من الاكتتاب في صكوك حجمها 100 مليار نيرة للمرة الأولى في عام 2017، لكن هذا الرقم زاد بشكل كبير بالنسبة للصكوك الثانية بحجم الإصدار ذاته “100 مليار نيرة” في ديسمبر 2018، إلى 17.33% من إجمالي المخصصات.
وتشير الدلائل المبكرة إلى أن هذا الاتجاه استمر بالنسبة لهذه الصكوك الأخيرة، حيث تلقى النيجيريون بغض النظر عن العرق والديانة الدعوة للاكتتاب.
يقول بيشنس أونيها، المدير العام لمكتب إدارة الديون ، إن الأساس المنطقي للصكوك هو “تمكين الحكومة من تنويع مصادر تمويلها وتعميق سوق الأوراق المالية المحلية وتحسين الشمول المالي. للصكوك دور تؤديه في برامج الدين العام الحكومية المستقبلية”.
بمعنى آخر، إصدار الصكوك السيادية لنيجيريا فريد من نوعه. في حين أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تتعجل لجمع الأموال من خلال إصدارات السندات والصكوك للتخفيف من الآثار الصحية والاقتصادية لوباء الفيروس التاجي، قامت أبوجا حتى الآن بحصر عائدات إصداراتها الثلاثة للصكوك المخصصة لتمويل البنية التحتية.
ويؤكد أونيها، “سيتم استخدام العائدات فقط لبناء وإعادة تأهيل الطرق الرئيسية عبر المناطق الجغرافية السياسية الست في البلاد”.
ربما تكون المفارقة هي أن وباء “كوفيد-19” الذي دمر العالم منذ ديسمبر 2019 كان بمثابة حافز رئيسي لإصدار السندات والصكوك المحلية حيث تسعى الحكومات إلى تمويل حزم التخفيف الطارئة واستمرارية الأعمال.
ولدى نيجيريا، الاقتصاد الأكبر في القارة السمراء، نهجًا متنوعًا في تمويل التيسير الكمي يشمل الاقتراض الخارجي وإصدارات الدين الدولية والمحلية من خلال السندات والصكوك.
ويوضح مكتب إدارة الديون التابع لوزارة المالية، “علي سبيل المثال، في يناير، الاقتراض الجديد لعام 2020 يتألف من 850 مليار، و744.99 مليار نيرة للاقتراض الخارجي والمحلي على التوالي. وسيتم جمع القروض المحلية الجديدة من خلال سندات الحكومة الاتحادية النيجيرية FGN والتي تعرف أيضًا بسندات الشبكة الوطنية، والصكوك، وسندات FGN للتوفير والادخار وربما السندات الخضراء”.
وعلى الرغم من كون نيجيريا منتج رئيسي للسلع الأساسية، إلا أن قاعدة الإيرادات منخفضة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما ينعكس بوضوح في خدمة الدين المرتفعة إلى نسبة الإيرادات.
وقد بلغت نسبة خدمة الدين/الإيرادات في نيجيريا 51% في بداية عام 2018، وهي أعلى بكثير من 7.5% لكل من المملكة المتحدة وكندا في نهاية سبتمبر 2019، على وجه التحديد لأن قواعد الإيرادات في هاتين الدولتين أعلى بكثير.
وتبلغ مدة أحدث شهادات صكوك سبع سنوات وتستحق في يونيو 2027، وقد تم إصدارها من خلال شركة صكوك للشبكة الوطنية للطرق FGN Roads Sukuk، وهي مركبة ذات أغراض خاصة مملوكة بالكامل لوزارة المالية، نيابة عن الحكومة الفيدرالية.
صكوك بأسعار عوائد تنافسية للغاية
وقد تم تسعير الصكوك بشكل تنافسي للغاية، حيث تقدم بمعدل 11.2% سنويًا، تدفع نصف سنويًا، على الرغم من تفشي وباء كورونا، والتقلبات والتراجعات الحادة في أسعار النفط الخام وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
وهذا يشير إلى ثقة مستدامة من المستثمرين في مخاطر الديون السيادية النيجيرية، وتقوم الدولة ببناء منحنى عائد الصكوك بشكل مستقل عن سندات الحكومة الاتحادية النيجيرية FGN العادية.
وذلك يشير إلى ارتياح مكتب إدارة الديون DMO للصكوك كجزء من بيئة زيادة الدين العام لشبكات البلاد الوطنية، خاصة من وجهة نظر دافعي القيمة مقابل الضرائب، وأن إصدار الصكوك موجود في نيجيريا ليبقى.
والتحدي الرئيسي هو ما إذا كانت إصدارات الصكوك الحكومية الناجحة هذه ستمهد الطريق الآن للشركات والمؤسسات الاجتماعية التي تستغل السوق لجمع الأموال. كانت شركة مطاحن دانجوتي Dangote Mills -إحدى أذرع مجموعة دانجوتي النيجيرية العملاقة- تعمل على إصدار صكوكها الأولى في نهاية عام 2019، ولكن تفشي فيروس كورونا عطل ذلك في الوقت الحالي.
وتضغط السوق ومجتمع المستثمرين وشركات البناء المرتبطة بمشاريع الطرق والنقل على الحكومة لمواصلة إصدار الصكوك في هذا القطاع. ويتضمن هيكل إصدار الصكوك العديد من ميزات حوكمة الشركات التي جذبت المستثمرين ومجتمع التجزئة والمقاولين إلى الأداة.
ويشمل وجود هيئة تدقيق مستقلة للإشراف على سحب الأموال مقابل العمل المنجز، واستباق أي فساد أو إساءة استخدام للأموال، وحصر الأموال للمشروع والعمل المذكور، المتعاقدون الذين يتلقون الدفع فور استحقاقهم، وحصول حاملي شهادات الصكوك على عوائدهم في الوقت المحدد في تواريخ الاستحقاق المحددة على أساس نصف سنوي.
التأثير التنموي
إن التأثير الاجتماعي والتنموي لصكوك الشبكة الوطنية التي تصدرها الحكومة الفيدرالية النيجيرية FGN، يتركز دورها في تمويل إعادة تأهيل مشاريع الطرق الشريانية الرئيسيةـ كما أوضح مكتب إدارة الديون DMO.
لقد ساهمت تلك الصكوك في توفير الراحة لمستخدمي الطرق، وتحسين مدد السفر الزمنية بين المدن التجارية الرئيسية، والاقتراض المرتبط والإنفاق الحكومي لمشاريع مهمة محددة، وساعدت على زيادة تدفق البضائع وحركة الركاب عبر المدن الرئيسية، وتحسين وتطوير البنية التحتية في عموم البلاد.
من الإضافات المهمة للمستثمرين أن شهادات الصكوك مؤهلة كأوراق مالية يمكن لأمناء الحفظ الاستثمار فيها بموجب قانون استثمار الأمناء.
ويتم تصنيف تلك الصكوك كأصول سائلة من قبل البنك المركزي النيجيري.
كما أن شهادات الصكوك قيد الإدراج في البورصة النيجيرية وبورصة FMDQ OTC للأوراق المالية “تقدم التسجيل والإدراج والاقتباس والتداول وتقييم سندات الدين مثل السندات والصناديق والأوراق التجارية وغيرها من سندات الديون قصيرة الأجل، وتخدم المستثمرين في نيجيريا”.
وختامًا، أصبحت أدوات الدين، وتحديدًا الصكوك، تلعب دورًا رئيسيًا في تمكين الحكومة النيجيرية من مواكبة تطوير شبكات البنية التحتية الوطنية، كما أنها أداة مالية مرنة وتنافسية لمساهمتها في تنويع سبل الدعم الاستثماري لمشاريع الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.