كتبت – أسماء حمدي
شهدت منطقة لوغا، في شمال غرب السنغال شبه القاحل، ظروفًا قاسية بشكل متزايد بسبب موجات جفاف طويلة أعقبتها أمطار غزيرة مما اضطر الرعاة إلى التوجه إلى أقصى الجنوب بحثا عن الأراضي الخصبة.
يقود أبوسو قافلة عائلته المكونة من عربة صغيرة محملة بعشرات الماعز الصغيرة، يجرها حمار، متجها بخطى سريعة إلى جنوب البلاد، حيث لا تزال الأراضي خضراء بعد موسم الجفاف.
«ليس لدينا خيار»
يسافر أبوسو مع مجموعة من أقرانه من المراهقين، أو في أوائل العشرينات من العمر، وهم جيل جديد يتبنى أسلوب حياة رعوي ويواجه تحديات أزمة المناخ وتغيير المواقف تجاه الرعاة.
يقول سو، 18 عامًا، الذي يتجه إلى تامباكوندا، المدينة التي لطالما كانت على طريق رعاة الفولاني: «لا توجد مياه، لا يوجد عشب بالقرب من منازلنا، لذلك سافرنا لمدة شهر، ليس لدينا خيار، تحتاج ماعزنا وأبقارنا إلى الأكل والشرب، لذلك نتبع الطريق إلى أي مكان أكثر خضرة، لا نعرف أين سينتهي بنا».
يعتقد سو أن الحكومة يمكن أن تفعل المزيد للمساعدة في دعم الرعاة الذين يكافحون من أجل إطعام ماشيتهم، لكنه شكك فيما بعد في سياسة الحكومة التي منعت الرعاة من الانتقال إلى خارج المنطقة خلال جائحة كوفيد -19، حتى خلال موسم الجفاف.
تمثل الجهود المبذولة لحماية البيئة مثل السور الأخضر العظيم، وهو مشروع يقوده الاتحاد الأفريقي لزراعة الأشجار في منطقة الساحل، مشكلة للرعاة الذين يضطرون إلى السفر لمسافات طويلة حول المناطق المخصصة للمشروع.
لكن سو فخور بالثقافة الرعوية التي ورثها، والتي يعتقد أنها يجب أن تستمر حتى عندما تبدو في كثير من الأحيان الأمور أكثر استقرارًا ليصبح الإنسان مزارعًا.
وغادر الشباب الذين يحرسون قطيع عائلة سو بحثًا عن أرض رعي مناسبة، لكن سو ظل بجانب النساء والأطفال لتلبية كل ما يحتاجون من الطعام وإقامة المعسكر، وحراسة العربات الخشبية المحملة بمتاعهم والتي تكسرت بعض عجلاتها وهي تسير على الأرض غير المستوية.
طريق صعب
خلال رحلتهم الصعبة، ينامون في الهواء الطلق، ويستمدون المياه من الآبار ويصادفون على فترات منتظمة قطعان ماشية أخرى عند حفر السقاية أو برفقة شبان مكلفين بإطعام الماشية إلى أن تجلب الأمطار الغطاء النباتي إلى قراهم.
يقول سو: إن القافلة تسير على مسارات بالتوازي مع الطرق السلسة المعبدة حديثًا التي تربط مالي المجاورة بالموانئ في العاصمة داكار، مضيفا: «نغادر القرية ونتوقف في مكان ما ونبقى هناك لمدة أسبوع أو أسبوعين ثم ننتقل مرة أخرى إلى المكان التالي، يمكن أن نكون بعيدين لشهور».
يقول عليو ندونغ، 21 عامًا، الذي ساعد في تربية ماشية عمه منذ أن كان صغيرًا، إنه أمر صعب، أنت تمشي حتى تؤلمك ساقيك.
لا يحمل ندونغ سوى عصا ووعاء من الماء بينما يسير بلا مبالاة بين 20 بقرة من قطيعه، ويوجهها بصفارات حادة بعيدًا عن الأراضي الزراعية القريبة، حيث يراقب المزارعون أراضيهم على ظهور الخيل.
يقول ندونغ، إن الكثير تغير منذ زمن والده، أصبح لدى الرعاة الآن أراضي أقل للرعي بالقرب من منازلهم وعليهم السفر إلى الجنوب والابتعاد عن الممرات الرعوية التقليدية، مضيفًا: «الأمر أصعب على جيلنا، فنحن نكافح من أجل الحصول على طعام لأبقارنا، لم يكن على الأجيال السابقة أن تقطع شوطًا بعيدًا مثلنا، وكانوا قادرين على البقاء بالقرب من قريتهم، لقد تغيرت البيئة وهذا يجبرنا على المضي قدمًا، بالإضافة إلى قطع الأشجار لزراعة الحقول وليس هناك الكثير من العشب المفتوح لنا».
النزاعات تفاقم الأزمة
خلال العقود الأخيرة، تغير الرعي في السنغال ومنطقة الساحل بشكل كبير، بالإضافة إلى المناظر الطبيعية المتغيرة الناجمة عن أزمة المناخ، مما دفع الرعاة إلى تغيير طرقهم حيث يتم استخدام المزيد من الأراضي للزراعة.
لدى الرعاة المهاجرون علاقات طويلة الأمد مع المزارعين الذين يبيعون لهم منتجاتهم، لكن التنافس على الأرض يمكن أن يخلق توترًا، حيث يتهم المزارعون الرعاة بإتلاف المحاصيل، ويُخبر المزارعون ندونغ من حين لآخر أنه لا يستطيع المرور عبر قرية، وبالتالي يُجبر على السير في طرق أطول حول المزارع.
لم يعد الأمر يتعلق فقط بالقطعان التي تتحرك عبر مساحات كبيرة من الغطاء النباتي، لقد أصبح الأمر يتعلق الآن بالتنقل بين المناطق المستقرة والمزارع.
في أماكن أخرى، كما هو الحال في مالي المجاورة، اشتدت هذه التوترات إلى نزاعات أكبر، حيث يتعرض الرعاة للتمييز بل ويستهدفون في المذابح بسبب ارتباطاتهم المتصورة بالجماعات المسلحة التي تنتمي إلى نفس الجماعات العرقية.
وقدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أن قلة الأمطار في عام 2017 أجبرت الرعاة في منطقة الساحل على نقل قطعانهم قبل 3 أشهر من المعتاد، كما أدت أنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها على نحو متزايد إلى تصاعد النزاع المسلح في جميع أنحاء المنطقة إلى 300%، وقالت الوكالة: إن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي ارتفع في 2018.
يقول عالم البيانات أليكس أورينشتاين، الذي يركز على الرعي في غرب أفريقيا، إن الكثير يتغير بشأن الرعي، وغالبًا ما يظل أفراد الأسرة الأكبر سنًا في قراهم بينما يقع واجب حراسة القطعان في الغالب على عاتق الشباب.
يضيف أورينشتاين: «نوع الرعي المتمثل في الرحلات الطويلة عبر المناطق الفقيرة أو غير المأهولة لم يعد يحدث بالفعل، واستخدام الأراضي هو جزء من ذلك أيضًا، ولم يعد الأمر يقتصر على القطعان التي تتحرك عبر مساحات كبيرة من الغطاء النباتي، بل أصبحت الآن تدور حول التنقل بين المناطق المستقرة والمزارع»، مشيرًا إلى وجود نظام معقد من الممرات والطرق وتجنب الذهاب إلى المزارع.
بالمقارنة مع تربية الحيوانات الصناعية، وهي أسلوب حديث من الزراعة المكثفة التي تشير إلى تربية الماشية، مثل البقر، الدواجن (الموجودة في أقفاص) والمزارع السمكية بشكل كثيف بالمقارنة مع تربية الحيوان التقليدية، يُنظر إلى تربية الماشية الرعوية على أنها أكثر صداقة للبيئة وتعتبرها منظمة الأغذية والزراعة نظامًا غذائيًّا مستدامًا مهمًا.
وفقًا للوكالة، يمكن للرعي أن يحفز التربة للزراعة، ويساعد على التنوع البيولوجي ويقلل من الحاجة إلى الحبوب لتغذية الماشية التي يمكن استخدامها لإطعام البشر.
«الرعي المتنقل موجود لأنه النوع الوحيد من أنظمة الإنتاج التي تعمل في منطقة الساحل، عليك أن تحرك حيواناتك، فهذه الأماكن لا تنتج ما يكفي من النباتات للحفاظ على الحيوانات على مدار السنة، يجب أن تكون الرعي جزءًا مهمًا من المستقبل، وبالنظر إلى التوقعات المناخية، يجب أن يصبح الإنتاج الحيواني في غرب أفريقيا أكثر حركة، وليس أقل»، بحسب أورينشتاين.