كتبت – د. سالي محمد فريد
أستاذ الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة
تعد مبادرة الحزام والطريق مشروعًا ضخمًا لا يربط آسيا فقط ولكن أفريقيا أيضًا، وسيترتب عليه تحقيق المصالح المشتركة لجميع الدول بما فيها مصر والصين والدول الأفريقية، وسوف تؤدي عوائده إلى تحقيق التنمية الأفريقية، ما يؤدى إلى سرعة نقل البضائع بين الدول الأفريقية وخفض تكلفة النقل والشحن، ويزيد من حركة التجارة والاستثمار والتكامل الصناعي بين الدول الأفريقية وبينها وبين الصين والعالم الخارجي، وسيربط هذا الطريق الدول الأفريقية بالأسواق الأوروبية عبر الموانئ المصرية.
وتسعى خطة تنمية أفريقيا 2063 إلى ربط القارة من خلال بنية تحتية ذات مستوى عالمي، ومن خلال حملة منسقة لتمويل وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية في قطاعات النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك بهدف القضاء على الفقر، وإطلاق ثورة في المهارات والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وضمان نمو الاقتصادات الأفريقية وتوجيهها نحو التصنيع من خلال إثراء الموارد الطبيعية وزيادة القيمة المضافة ومعدلات الإنتاجية.
لذا تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الآثار التنموية لكل من مبادرة الحزام والطريق وخطة تنمية أفريقيا 2063 لتفعيل استفادة أفريقيا من المبادرتين وتعظيم الفرص الممكنة، وذلك من خلال النقاط التالية:-
أولًا: نبذة عن مبادرة الحزام والطريق وحجم التجارة والاستثمارات الصينية في أفريقيا
ثانيًا: الآثار الاقتصادية لمبادرة الحزام والطريق على أفريقيا
ثالثًا: خطة 2063 ودورها التنموي في أفريقيا
رابعًا: فرص الاستثمار الأكثر جذبا في أفريقيا في ظل أجندة 2063 ومبادرة الحزام والطريق
أولًا: نبذة عن مبادرة الحزام والطريق وحجم التجارة والاستثمارات الصينية في أفريقيا
يعد “الحزام والطريق” مشروعا ضخما يربط 70 دولة عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا، حيث تقوم الصين بما تعتبره أكبر مشروع في هذا القرن ببناء شبكة من خطوط السكك الحديدية وممرات الشحن التي تربطها مع 70 بلدًا في آسيا وأفريقيا وأوروبا. وتركز مبادرة “الحزام والطريق” -المعروف أيضًا باسم “حزام واحد، طريق واحد”- على البنية التحتية، والنقل، والطاقة. ولقد انضمت للمشروع دول مثل الهند وباكستان وروسيا ونيوزيلندا وبولندا، معًا يشكلون ما لا يقل عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي في العالم. ويعد “الحزام والطريق” مشروعًا ضخمًا للتجارة والبنية التحتية، والبلدان التي لم تنضم إلى الحزام والطريق استفادت أيضًا من المشروع الضخم من خلال الشركات المتعددة الجنسيات مثل جنرال إلكتريك وCaterpillar في الولايات المتحدة، وشركة DHL في ألمانيا، حيث وقعت جميعها اتفاقيات تجارية لبناء مشاريع الحزام والطريق. فقد قامت جنرال إلكتريك بتوريد معدات بقيمة 2.3 مليار دولار، حوالي 1.6 مليار جنيه استرليني، لمشاريع الحزام والطرق في عام 2020[1].
وقد تجاوز حجم التبادل التجاري للصين من دول طريق الحرير خلال الأعوام الخمسة الماضية الـ5.5 تريليون دولار، حيث تعتبر الصين شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا لأفريقيا، حيث تجاوز التبادل التجاري مع الصين أكثر من 192 مليار دولار عام 2020[2].
شكل رقم (1) صادرات وواردات الصين إلى أفريقيا على مستوى الدول عام 2020
Source: African Development Bank: China and Africa: An Emerging Partnership for Development?, (Belvédère, TUNIS: African Development Bank Group, 2020).
يتضح من الشكل السابق أنه على مستوى الصادرات الصينية تأتي جنوب أفريقيا في المرتبة الأولى، حيث تستحوذ على 21% من صادرات الصين لأفريقيا تليها مصر 12% ثم نيجيريا 10%، وعلى مستوى الواردات تأتي أنجولا في المرتبة الأولى حيث تستحوذ على 34% من إجمالي واردات الصين من أفريقيا تليها جنوب أفريقيا 20% ثم السودان 11%.
شكل رقم (2) الواردات الأفريقية الرئيسية من الصين على مستوى الدول والمنتجات عام 2020
Source: African Development Bank: China and Africa: An Emerging Partnership for Development?, (Belvédère, TUNIS: African Development Bank Group, 2020).
شكل رقم (3) الصادرات الأفريقية الرئيسية للصين على مستوى الدول والمنتجات عام 2020
Source: African Development Bank: China and Africa: An Emerging Partnership for Development?, (Belvédère, TUNIS: African Development Bank Group, 2020).
ويتضح من الشكلين السابقين أن جنوب أفريقيا تعد أعلى دولة تستحوذ على صادرات الصين لأفريقيا، والسلعة الأعلى في الصادرات الصينية لأفريقيا هي الآلات والمعدات، وتعد أنجولا أعلى دولة تستحوذ على الواردات الصينية من أفريقيا والسلعة الأعلى هي الوقود والمعادن.
شكل رقم (4) رصيد وتدفقات الاستثمارات الصينية لأفريقيا على مستوى الدول عام 2020
الرصيد التدفقات
Source: African Development Bank: China and Africa: An Emerging Partnership for Development?, (Belvédère, TUNIS: African Development Bank Group, 2020).
يتضح من الشكل السابق أن جنوب أفريقيا تجذب حوالي 20% من تدفقات الاستثمارات الصينية لأفريقيا وكذلك نيجيريا، تليها السودان 12%، والجزائر 12%، ثم زامبيا 8% من إجمالي استثمارات الصين في أفريقيا، أما على مستوى رصيد الاستثمارات الصينية فتأتي جنوب أفريقيا في المرتبة الأولى بنسبة 16%، تليها نيجيريا 14%، ثم السودان 13%، ثم زامبيا 10%، ثم الجزائر 9% من إجمالي الرصيد التراكمي للاستثمارات الصينية في أفريقيا.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية لمبادرة الحزام والطريق على أفريقيا
تظهر نتائج الأدبيات الاقتصادية أن البنية التحتية للنقل المتعدد الوسائط هو المفتاح لتعزيز التجارة الدولية والنمو الاقتصادي. ويمكن تحسين البنية التحتية للنقل والاتصال لتسهيل التوسع التجاري، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتسريع عملية التصنيع وتمكين الإنتاج الأكثر كفاءة، وتسهيل التكامل الإقليمي وتسريع عملية النمو الاقتصادي والحد من الفقر[3].
تشير دراسة Hui Lu, ET AL, 2018)) إلى أولًا: يؤدي توسيع شبكات الطرق السريعة الإقليمية إلى دفع النشاط الاقتصادي نحو المدن الرئيسية، وإن التوسّع بنسبة 10٪ في طول الطريق، على بعد 450 كيلومترًا من المدينة، يقلل من عدد السكان في مدينة غير رئيسية بنسبة 1.6٪، ويزيد عدد السكان في المدينة الرئيسية بنسبة 2.5٪. ثانيًا: إن تسهيل الطرق السريعة لتسهيل الوصول إلى الموانئ الدولية يعزز النمو في الناتج المحلي الإجمالي، والسكان، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة لجميع المحافظات. حيث يؤدي انخفاض بنسبة 10٪ في وقت السفر إلى ميناء دولي زيادة بنسبة 1.6٪ و1٪ و0.5٪ في الناتج المحلي الإجمالي والسكان والناتج المحلي الإجمالي للفرد على التوالي. ثالثًا: إن شبكة الطرق السريعة تحسن الدخل الحقيقي بنسبة 5٪، وأن معظم هذا التحسن يأتي من خلال تحسين التكامل الداخلي، بدلًا من تحسين الوصول إلى الأسواق الخارجية[4].
إن مبادرة الطريق لا تربط آسيا فقط ولكن أيضًا أفريقيا، وتعد دول شرق أفريقيا مثل مصر وجيبوتي والسودان وإثيوبيا دولًا محورية لطريق الحرير البحري بسبب موقعها الجغرافي. حيث إن الشركة القابضة الدولية (CMHI) استثمرت ليس فقط في ميناء دورالي في جيبوتي، ولكن أيضًا في ميناء لومي في توجو وميناء لاجوس بنيجيريا في غرب أفريقيا. والأهم من ذلك تعتبر أفريقيا بمثابة سوق التصدير للمواد الصينية والقوة العاملة. كما أن الصين بدأت الاستعانة بمصادر خارجية كثيفة العمالة مثل تصنيع الأحذية والملابس، وتم تجميع السيارات إلى البلدان الأفريقية في أبريل 2017، وأعلنت الصين التبرع بمبلغ146 مليون دولار إلى ساوتومي وبرينسيب لبناء البنية التحتية. وفي مدغشقر حصلت شركة Jinxing Mines على رخصة لتعدين الذهب والبيريليوم والزنك لمدة 40 عامًا، ما يؤدي إلى دعم للبنية التحتية مثل الطرق والكهرباء. وتهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تشجيع المزيد من التدفقات الاقتصادية، والنمو في فرص العمل والاستثمار والاستهلاك والتبادل الثقافي وروح الإقليمية من خلال التعاون بين آسيا وأوروبا وأفريقيا عن طريق إنشاء طرق تجارية مشتركة[5].
وتؤثر الطرق على الوضع الاقتصادي لأفريقيا، لأن تحسينات الطرق تؤدي إلى تقليل تكاليف النقل وبالتالي دفع التنمية الاقتصادية، كما أن عبور الحدود يؤثر على حجم التجارة البينية ويخفض أسعار السلع ما يؤدي إلى تشجيع الاستثمار وزيادة معدلات النمو. وهذا ما تسعى مبادرة الحزام والطريق لتحقيقه[6].
ومن الآثار الإيجابية للمبادرة على أفريقيا أن تسهيل العبور عبر الحدود أمرًا لا غنى عنه للأنشطة الاقتصادية في أفريقيا، حيث يترتب على الاهتمام بجودة الطرق في أفريقيا زيادة الإيرادات الحكومية، وتقليل تكاليف النقل عن طريق تقليل الوقت المستغرق في النقل عبر الحدود، وتشجيع الاستثمار وبالتالي زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض الازدواجية في الجهد المبذول، وخفض أسعار السلع، إضافة إلى العائد الاقتصادي من تحسين الكفاءة الجمركية وتحسين التعاون والتكامل بين البلدان الأفريقية، والحصول على قاعدة معلومات دقيقة وواحدة مما يكون له أثره على الاقتصاد الوطني وتثبيط محاولات الفساد، وبالتالي زيادة حجم التبادل التجاري[7].
ثالثًا: خطة 2063 ودورها التنموي في أفريقيا
تتمثل أجندة التنمية الأفريقية في 7 محاور رئيسية تعبر عن تطلع القارة الأفريقية لتحقيق التنمية المستدامة على النحو التالي:-
- تزدهر القارة الأفريقية بتحقيق النمو الشامل والتنمية المستدامة.
- أفريقيا قارة متكاملة، موحدة سياسيًّا، تستند إلى المثل العليا للوحدة الأفريقية.
- تسعى أفريقيا إلى تطبيق الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والعدالة وسيادة القانون.
- السعي إلى تحقيق السلم والأمن الأفريقي.
- التأكيد على الهوية الثقافية القوية للقارة الأفريقية مع الحفاظ على التراث المشترك والقيم المشتركة والأخلاق.
- تعتمد التنمية في أفريقيا على ما تمتلكه الشعوب الأفريقية من موارد بشرية، خاصة النساء والشباب، ورعاية الأطفال.
- تعتبر أفريقيا شريكًا ولاعبًا عالميًّا قويًّا وموحدًا ومؤثرًا[8].
ومن أجل تحقيق الانسجام المأمول يجب أن يعمل الأفارقة جميعًا للوصول إلى الهدف الطموح الذي قررته الدول الأفريقية وهو رفع نسبة التجارة الأفريقية البينية من 12% في عام 2013 إلى 50% في 2045، وتحسين حصة أفريقيا في التجارة الدولية من 2% إلى 12%. وبالرؤية آفاق زمنية مرحلية لتحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية من ذلك إقامة منطقة تجارة حرة قارية، ودعم الموقف الأفريقي في مفاوضات التجارة العالمية، وإقامة مؤسسات تمويلية؛ بنك للاستثمار الأفريقي وسوق للأسهم الأفريقية وصندوق للنقد الأفريقي وبنك مركزي أفريقي عام 2028. [9]
إن التحرك نحو تحقيق التكامل وفقًا للتكتلات الاقتصادية الإقليمية أمرًا ضروريًّا رغم الحواجز الجمركية أمام التجارة حيث يجري تخفيض ضمن الإجراءات التي تتخذها التكتلات الإقليمية. ونتيجة لذلك فإن متوسط الحماية العالمية في أفريقيا حوالي 8.7%، ولكنه يصل إلى 2.5% فقط مع باقي العالم. حيث إنه أحيانًا تكون أسعار الصادرات الأفريقية أرخص في الأسواق الخارجية عنها داخل السوق الأفريقي. لذلك، يمكن أن تساعد CFTA الاقتصادات الأفريقية حتى تصبح أكثر تنافسية على المستوى الدولي، لأن التعامل مع الأسواق الإقليمية أسهل ولها معايير أقل تقييدًا من الأسواق الخارجية[10].
جدول رقم (1) هيكل التجارة للسلع الرئيسية في عامي 2014 ، 2022 %
Source: Economic Commission for Africa: Economic Report on Africa 2021: (Addis Ababa: Economic Commission for Africa, 2021).
يتضح من الجدول السابق أن إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية CFTA التي تسعى الدول الأفريقية إلى تحقيقها يمكن أن يغير هيكل التجارة البينية الأفريقية بحيث تزداد التجارة على مستوى جميع السلع المتبادلة وخصوصًا السلع الصناعية التي تتجه معظم الدول الأفريقية إلى الحصول عليها من العالم الخارجي.
ولا غرابة في أن التجارة الأفريقية البينية تميل بالفعل أن تكون أكثر تنوعًا وتحتوي على محتوى الصناعي أعلى نسبيًّا من التجارة الأفريقية مع بقية العالم، حيث تتكون صادرات أفريقيا العالمية أساسًا من المواد الخام والسلع الأولية. إن تعميق التكامل الإقليمي يمكن أن يجعل أيضًا الدول الأفريقية أقل اعتمادًا على الشركاء الخارجيين لتلبية الاحتياجات الصناعية الخاصة، كما يتم تصنيع معظم واردات أفريقيا بداخل دولها بدلًا من الاستيراد. ولذا ينبغي أن تكون الإصلاحات المطلوبة لتحقيق التكامل الإقليمي أكثر طموحًا[11].
شكل رقم (5) التغير في حجم التجارة الأفريقية البينية وفقًا لتطبيق CFTA في مقابل CFTA وتسهيلات التجارة TF عام 2022 (بالبليون دولار)
Source: Economic Commission for Africa: Economic Report on Africa 2021: industrializing through trade, (Addis Ababa: Economic Commission for Africa, 2021), P. 152.
يتضح من الشكل السابق ارتفاع مستوى التجارة البينية في أفريقيا في ظل منطقة التجارة الحرة القارية وتوفير التسهيلات التجارية CFTA+TF أكثر منه لو طبقت منطقة التجارة الحرة القارية فقط CFTA.
شكل رقم (6) نصيب القيمة المضافة في التجارة البينية الأفريقية في مقابل التجارة الإقليمية مع الأقاليم الرئيسية %
Source: Economic Commission for Africa: Economic Report on Africa 2021: Industrializing through Trade, (Addis Ababa: Economic Commission for Africa, 2021), P. 153.
ويشير الشكل السابق إلى أنه من المتوقع أن تقوم CFTA بتعزيز التجارة البينية الأفريقية وتنويع التجارة داخل أفريقيا وزيادة الإنتاج من المنتجات ذات القيمة المضافة الصادرة من السوق الإقليمي.
يترتب على إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية تعزيز منظومة التبادل التجاري الأفريقي، والتي يأتي على رأسها مشروعات البنية التحتية المتعلقة بقطاع النقل، والتي تمثل حجر الزاوية لمضاعفة حصة التجارة البينية للدول الأفريقية. كما تتيح حرية حركة الأشخاص من رجال الأعمال والفنيين والمتخصصين لتسهيل نقل المعرفة الفنية والخدمات المتصلة بالتجارة في عدد من المجالات ذات الأهمية الحيوية للنمو الاقتصادي المستدام تتضمن خدمات الإرشاد الزراعي والطاقة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والخدمات المالية والتعليمية والصحة والخدمات المهنية، عن طريق مواكبة الدول الأفريقية للتقدم والتطور التكنولوجي السريع في مجال التجارة الإلكترونية والاندماج فيه خاصة مع تعاظم أهمية التجارة الإلكترونية[12].
رابعًا: فرص الاستثمار الأكثر جذبًا في أفريقيا في ظل أجندة 2063 ومبادرة الحزام والطريق
تتمثل الفرص الاستثمارية الأكثر جذبًا في أفريقيا في قطاع الاتصالات ويرجع ذلك إلى انخفاض المخاطر في هذا القطاع مقارنة بغيره من قطاعات البنية التحتية. هذا إضافة إلى قطاع النقل حيث تستقطب الموانئ اهتمام الشركات يتبعها قطاع الطيران وبدرجة أقل بناء المطارات والطرق.
إن إمكانات قطاع البنية التحتية تبعث على التفاؤل، فلا تزال هناك فجوة تمويلية تتمثل في الحاجة لنحو 93 مليار دولار سنويًّا لتلبية احتياجات البنية التحتية للقارة الأفريقية حتى عام 2020، في حين أن نصف هذا الرقم متوفر حاليًّا، وفقًا لبيانات بنك التنمية الأفريقي[13].
ويعتبر سوق الصكوك في أفريقيا سوقًا ناشئًا متواضعًا، حيث يشكل 0.6% فقط من إجمالي إصدارات الصكوك العالمية القائمة. ومع ذلك، فقد توقع العديد من المؤسسات، بما في ذلك وكالة “ستاندرد آند بورز”، والمركز الماليزي المالي العالمي أن تسجل سوق الصكوك في أفريقيا نموًّا محتملًا[14].
تعد الموارد البشرية من أهم مجالات الاستثمار التي تقاس بها ثروة الأمم، وقد أصبح العنصر البشري ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم، وأفريقيا التي يبلغ عدد سكانها قرابة 1,3 مليار نسمة، لا يزال الاستثمار فيها محدودًا في مجال التنمية البشرية، برغم اهتمام بعض الجهات المستثمرة بالتنمية الحضارية للمجتمع، والبيئة والصحة، وزيادة معرفة الفرد، والارتقاء بدرجة وعيه وقدراته عن طرق التعليم والتدريب. وبالنسبة للموارد الأخرى غير البشرية، فإن أفريقيا التي تتميز بموقعها الجغرافي، وبمساحة إجمالية تبلغ 30,190 مليون كم2، وتمتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات والمعادن الاستراتيجية، فمن بين 50 معدنًا هامًّا في العالم يوجد 17 معدنًا منها في أفريقيا باحتياطيات ضخمة. فهي تمتلك النسبة الأكبر من احتياطي “البوكسيت، والفروكروم، والكوبلت، والماس، والذهب، والمنجنيز، والفوسفات، والمعادن البلاتينية، والتيتانيوم، والفاناديوم”[15].
كما أنها تتمتع بإمكانيات هائلة في مجال الزراعة، تؤهلها لأن تكون سلة الغذاء العالمي كما يرى كثير من الخبراء؛ فهي تشتهر بمواردها المائية حيث يجري فيها 13 نهرًا، إضافة إلى ارتفاع معدلات سقوط الأمطار في بعض مناطقها المناخية المتنوعة، ومخزونها الضخم من المياه الجوفية، وتقدّر الطاقة الكامنة للريّ في القارة الأفريقية بأكثر من 42,5 مليون هكتار، مع مراعاة الطاقة الكامنة للريّ لكلّ من الأحواض والموارد المائية المتجددة. ونظرًا لاتساع رقعة أفريقيا الجغرافية فإنها تتميز بتنوع أقاليمها المناخية، وبمستويات ونوعيات مختلفة من التربة الغنية، وبمواسم زراعية متنوعة، وهو ما يجعل منها “بيئة ملائمة لزراعة وإنتاج جميع المحاصيل والحبوب والخضروات. وتقدر نسبة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة فيها بحوالي 35% من إجمالي مساحة القارة، يستغل منها 7% فقط في الزراعة بشتى أنواعها، ولا تزيد مساحة الزراعة المروية في الجزء الواقع جنوب الصحراء من أفريقيا عن 50 ألف كم2 من إجمالي 23 مليون كم2. فإن الاستثمار في المجال الزراعي يعد من أفضل الخيارات التي تقدمها أفريقيا للمستثمرين للإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والأمن الغذائي في أفريقيا.[16]
وفي مجالات الطاقة ومصادرها، فرغم ضخامة الطاقة الكهرومائية الكامنة في أفريقيا، والتي تناهز 1750 تيراواط ساعة، ورغم إمكانية ضمان أمن الطاقة من خلال توليد الطاقة الكهرومائية، إلا أنه لم يُستغلّ سوى 5% من هذه الطاقة الكامنة. أما بالنسبة للنفط والغاز فيقدر الخبراء حجم النفط الأفريقي ما بين 7 – 9% من إجمالي الاحتياطي العالمي، أي ما يوازي 80 – 100 مليار برميل خام، حيث تنتشر حقول النفط داخل القارة في كثير من دولها وعلى شواطئها الغربية، وهو الأسهل والأسرع في استخراجه، بحيث تصبح مشتقاته جاهزة للتحميل والتصدير مباشرة، وهو ما يحقق وفرًا اقتصاديًا، ويعد النفط الخام المستخرج من إقليم خليج غينيا من النوعية الممتازة[17].
وختامًا يمكن النظر في تدابير تيسير التجارة من خلال تطوير البنية التحتية، أي الطرق، والسكك الحديدية، والمطارات والموانئ البحرية، والبنية التحتية “الناعمة” المتمثلة في الإجراءات التنظيمية والمؤسسية والمشروعات المتصلة بالإدارة، بحيث يتم استثمار تمويل البنية التحتية بشكل كبير في البنية التحتية المادية ومشاريع تهدف إلى تحسين الاتصال الإقليمي للحد من تكاليف النقل وتعزيز التجارة؛ لضمان تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة.
الهوامش
[1] Peter Cai: Understanding China’s Belt and Road Initiative, The Lowy Institute for International Policy, March 2017.
[2] African Development Bank: China and Africa: An Emerging Partnership for Development?, (Belvédère, TUNIS: African Development Bank Group, 2020).
[3] Julien Chaisse & Mitsuo Matsushita China’s “Belt and Road” Initiative: Mapping the World’s Normative and Strategic Implications, Journal of World Trade, February 2018.
[4] Hui Lu, Charlene Rohr, Marco Hafner, Anna Knack: China Belt and Road Initiative “Measuring the impact of improving transport connectivity on international trade in the region – a proof-of-concept study, 2018.
[5] Alexander Demissie: China’s Belt and Road Initiative & ITS Implications for Africa, 2017.
[6] African Development Bank, Review of the Implementation Status of the Trans African Highways and the Missing Links, Vol. 1, Main Report. www.afdb.org
[7] Alexander Demissie, op.cit.
[8] Technical Team – AUC Agenda 2063 The Africa We Want Progress Report on Agenda 2063.
[9] The African Union: Agenda 2063 The Africa We Want Third Edition, January 2015, Addis Ababa, Ethiopia.
[10] Economic Commission for Africa: Economic Report on Africa 2020: (Addis Ababa: Economic Commission for Africa, 2020).
[11] Ibid
[12] Economic Commission for Africa: Economic Report on Africa 2020: industrializing through trade, (Addis Ababa: Economic Commission for Africa, 2020).
[13] United Nations Development Program, African Economic Outlook 2020, Regional Development and Spatial Inclusion, (New York, UNDP, 2020), P. 70.
[15] جامعة الدول العربية: موسوعة التكامل الاقتصادي العربي الأفريقي
http://cert.byethost6.com/asleague/pgs/details3d04.html?id=238&ckattempt=1
[16] المقومات الاقتصادية ومتطلبات الاستثمار في دول أفريقيا، الدكتور: علي محمد سعود.
[17] البنك الدولي: تقرير “توسيع نطاق النمو ومواصلته في أفريقيا”
http://go.worldbank.org/J7TZWQ6KG