كتب – محمد الدابولي
في ظل الأزمة المحتدمة حول سد النهضة وتجاهل إثيوبيا الحقوق التاريخية لكل من مصر والسودان في مياه النيل وإقدامها على خطوة الملء الثاني لسد النهضة، الأمر الذي سيخلف آثارا جسيمة على دولتي المصب، وفي ظل تعقد الأزمة واحتدامها تخرج العديد من الأصوات سواء في الداخل المصري أو خارجه لتطرح فكرة تبدو جنونية بعض الشيء وهي لم لا يتم الاستفادة من نهر الكونغو عن طريق ربط النهرين ببعضهما البعض والاستفادة من المياه الوفيرة التي يحتويها حوض نهر الكونغو في حل مشكلات النيل.
اقتراب جغرافي
ما عزز تلك الفكرة في أذهان البعض هو حالة الاقتراب الجغرافي بين حوضي نهر النيل ونهر الكونغو؛ فالمسافة بينهما لا تتخطى مئات الكيلومترات، كما أن دولة الكونغو الديمقراطية تعد دولة منبع لكلا النهرين؛ الأمر الذي قد يعطي دفعة قوية لتحقيق تلك الفكرة.
كما أن كينشاسا ليست من دول منابع نهر النيل ذات المواقف المتشددة إزاء دولتي المصب مصر والسودان، حيث لم توقع حتى الآن على اتفاقية عنتيبي التي أبرمت في مايو 2010، كما أن كينشاسا تحاول -منذ زمن بعيد- التوسط بين الطرفين، وتعزز ذلك بصورة كبيرة خلال العام الجاري 2021 خاصة بعد ترأسها للاتحاد الأفريقي المضطلع حاليا بالتوسط بين طرفي أزمة نهر النيل.
لذا يمكن القول: إن المواقف الطيبة التي تبديها كينشاسا كانت عاملًا أساسيًّا في ظهور المزيد من الدعوات والأطروحات المنادية بأهمية الربط بين النهرين، وتوفير مائة مليار متر مكعب -على الأقل- من المياه لمصر تكفيها لري واستصلاح عشرات الملايين من الأفدنة.
خير أفريقيا المهدور
يبلغ طول نهر الكونغو حوالي 2900 ميل مما يجعله ثاني أطول نهر في أفريقيا بعد نهر النيل، وينبع من شرق أفريقيا وتحديدًا من بحيرات تنجانيقا في تنزانيا وزامبيا ونياسا في مالاوي، ثم يأخذ مسارًا عكس عقارب الساعة باتجاه الشمال الغربي ثم غرب أفريقيا وأخيرًا جنوب غرب أفريقيا، وتعد انحناءة مسار النهر تجاه الشمال الغربي هي ما قربه جغرافيًّا من نهر النيل وتحديدًا مناطق جنوب السودان وغربه.
يعد نهر الكونغو أكثر أنهار العالم غزارة من ناحية المياه؛ إذ تندفع مياهه في المحيط الأطلنطي بعمق 30 كم تقريبا، الأمر الذي يجعل سكان حوض نهر الكونغو من أغنى المواطنين في العالم من حيث معيار نصيب الفرد في المياه؛ إذ قد يصل نصيب الفرد الواحد تحديدًا في الكونغو إلى أكثر من 35 ألف متر مكعب سنويًّا.
وتتخطى مميزات نهر الكونغو مسألة وفرة المياه العذبة لتصل إلى أن الغابات المحيطة بالنهر تشكل رئة خضراء ليس فقط لأفريقيا بل أيضا لجميع دول العالم؛ إذ تحبس غابات الكونغو ما يقارب من 8% من الكربون، الأمر الذي يعزز من قدرات المجتمع الدولي على مواجهة أثر التغيرات المناخية.
لكن ورغم توفر تلك الإمكانيات الهائلة إلا أنها بمثابة خير مهدور، فلا تزال جموع كبيرة من سكان الكونغو يعتمدون على اقتصاد الغابات القائم على الصيد وتجارة الأخشاب، فطبقًا لتقديرات البنك الدولي في عام 2015 التي أكدت أن الكونغو الديمقراطية من أكثر بلدان العالم فقرًا، إذ تشكل نسبة الفقراء بها حوالي 7% من إجمالي الفقراء بالعالم.
استحالة تنفيذية
بعد أحداث الربيع العربي في مصر عام 2011 انطلقت دعوات الربط بين النهرين، ولأجل تحقيق هذا الغرض عقدت العديد من المؤتمرات واللقاءات على مدار السنوات الماضية بهدف الترويج للمشروع باعتباره منقذًا ومخلصًا لمصر من ابتزاز الجانب الإثيوبي وأيضًا موفرًا للقاهرة حصة من المياه تضاعف حصتها من مياه النيل، وعليه اقترح البعض نقل مياه نهر الكونغو شرقا عبر سحارات وقنوات لمسافة 600 كم على الأقل قبل رفعها عبر مضخات رفع عملاقة لكي تصبب في نهر النيل وذلك نظرا لارتفاع مستوى نهر النيل عن نهر الكونغو بحوالي 200 متر على أقل تقدير.
لكن على المستوى الهندسي يعد هذا الأمر غير مقبول علميًّا كما أوضح العديد من خبراء الجيولوجيا والمياه حيث إن مسار المشروع حتما سيمر بدولة جنوب السودان المتخمة أصلا بالمياه، إذ تقدر كمية الأمطار بها حوالي 550 مليار متر مكعب سنويًّا لذا من المستبعد استطاعة جنوب السودان تحمل مزيد من المياه الإضافية.
كما أن رفع المياه (100 مليار متر مكعب) لمسافة 200 متر أمر شاق هندسيًّا وغير ممكن تماما، وفي حال العزم على تطبيقه سيتطلب طاقة كهربائية عالية جدًّا، فأقصى محطة رفع في العالم توجد في مفيض توشكى بجنوب مصر بقدرة 5 مليارات متر مكعب تقريبًا وترفع المياه لمسافة 50 مترًا فقط، ولتحقيق هذا الغرض ينبغي توفير ما لا يقل عن 8 آلاف ميجاوات كهرباء، وهو ما يمثل أكثر منن 10% منن حجم إنتاج مصر من الكهرباء.
ونقطة أخيرة يجب الاهتمام بها، وهي أن نهر الكونغو نهر دولي وليس نهرا داخليا، إذ يمر النهر بحوالي عشرة دول يربط بين شرق القارة حيث تنزانيا وزامبيا ورواندا وبروندي وجنوب السودان مرورا بالكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وانتهاء بأنجولا والكاميرون والكونغو برازافيل، وهو الأمر الذي يعيق أي مفاوضات أو اتفاقات بخصوص نهر الكونغو، لذا لا تمتلك كينشاسا وحدها حقق تقرير مصير مياهه.
فرص استفادة أخرى
رغم انعدام فرص نجاح مشاريع الربط بين نهري النيل والكونغو إلا أن هناك حلولا وفرصا أخرى للاستفادة من نهر الكونغو واستغلاله في حل أزمات نهر النيل وذلك عن طريق:
- سد احتياجات أفريقيا من الكهرباء: تتعلل إثيوبيا ومن ورائها بعض دول منابع النيل في إقدامها على إنشاء السدود العملاقة لتخزين المياه من أجل توليد الطاقة الكهرومائية وتوفير احتياجاتها من الكهرباء، لكن لو نظرنا على سبيل المثال إلى حجم الطاقة الكهرومائية المتوقعة من سد النهضة نجدها لا تتجاوز 6 آلاف ميجا وات فقط وهي كمية ضئيلة.
لكن تشير تقديرات مختلفة أنه إذا تم تركيب توربينات على طول مجرى نهر الكونغو فإنه من المحتمل الحصول على 300 تريليون وات في الساعة، وهي كمية كافية لإنارة القارة الأفريقية بأكملها، وإغناء باقي دول القارة عن التفكير في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء سواء كانت بخارية أو نووية أو حتى كهرومائية التي تحاول إثيوبيا تنفيذها.
وتعود ضخامة الإنتاج الكهربائي المتوقع من مشروع نهر الكونغو إلى حالة الانحدار الشديد لمسار النيل؛ إذ يصب حوالي 40 ألف متر مكعب من المياه في الثانية الواحدة في المحيط الأطلنطي بعمق 30 كم على الأقل.
- تنمية وسط أفريقيا: من الممكن أن تشكل الكونغو من خلال استغلال موارد نهرها قاطرة تنموية كبرى في وسط أفريقيا خاصة من الناحية الزراعية الأمر الذي سيطرح المزيد منن فرص العمل واجتذاب العمالة من دول شرق أفريقيا وبالتالي تقليل المزيد من الأعباء عن كاهل تلك الدول.
تقليل الانبعاثات الكربونية: أوضحنا في السابق أن غابات نهر الكونغو تختزن حوالي 8% من اجمالي الكربون في العالم مما يجعلها رئة أفريقية كبرى، تساعد على ضبط التغييرات المناخية في أفريقيا وتحديدا في شمال القارة إذ تتحكم الغابات في وسط القارة في مناخ شمالها وكمية الأمطار بها، لذا يجب الحفاظ على مساحة الغابات في وسط القارة لأجل مكافحة التصحر في دول الشمال والحفاظ على منسوب الأمطار في دول إقليم البحر المتوسط.