حسام عيد – محلل اقتصادي
إن التأخير في تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية AfCFTA؛ يجب أن يوفر الفرصة لإعادة التفكير في مسار التنمية الأفريقي الذي تشتد الحاجة إليه اليوم؛ في ظل تأكيد صندوق النقد والبنك الدوليين، وغيرهما من المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى، بأن تداعيات جائحة كورونا الوبائية هي الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير التي حدثت بين عامي 1929 و1933، وأن العالم قد دخل فعليًا مرحلة ركود واسعة وقد تستمر لسنوات.
تحذيرات كبيرة يصدرها الاقتصاديون والمحللون بشأن مستقبل أفريقيا في الوقت الذي تعالج فيه الدول تداعيات جائحة “كوفيد-19”.
ولكن على الرغم من هذه التوقعات القاتمة، تقدم الأزمة فرصة لأفريقيا لإعادة ضبط مسارها التنموي والتركيز على الجهود المبذولة لتحسين قدرتها التنافسية.
جائحة كورونا حافز لبناء قارة أكثر استدامة
ومع احتمال الاضطرار إلى إعادة البناء بعد الأزمة، يجب على صناع السياسة فعل ما هو أكثر من تقديم تحسينات تدريجية في مجالات الأعمال كسيناريو معتاد. لقد كشف الوباء عن نقاط ضعف طويلة الأمد، وألقى الضوء على مجموعة من تحديات الاقتصاد الكلي التي تتطلب ما هو أكثر من الإصلاح السريع والتمويل الطارئ من المنظمات المتعددة الأطراف.
باختصار، يمكن أن تكون الأزمة الحالية حافزًا لبناء قارة أكثر استدامة ومرونة واكتفاء ذاتي.
لذلك، يمكننا القول بإن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ هي أداة تغيير تنافسية أصبحت القارة في حاجة ملحة لها بالوقت الراهن.
اتفاقية التجارة الحرة تُعد ضرورية للغاية، لكنها ليست عاملًا حصريًا في بناء المرونة الاقتصادية، فلا تزال أفريقيا تصدر المواد الخام وتستورد السلع النهائية، كما أن الأرقام التجارية مبطنة إلى حد كبير بالصادرات القارية للسلع تامة الصنع من مناطق أخرى.
وعلى الرغم من وجود أكثر الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، بأفريقيا، لا تزال القارة السمراء مستورد صافي للغذاء، كما أنها مستورد صافي للأدوية التي يستخدمها ملايين الأفارقة يوميًا.
وقد أفادت دراسة صادرة عام 2019 عن شركة الاستشارات العالمية “ماكينزي”، أن ما يصل إلى 90% من الأدوية المستهلكة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتم استيرادها، وهذا يجعل أفريقيا معرضة للخطر في عالم متقلب، خاصة خلال وباء كورونا، عندما يكون موردوها الرئيسيون أنفسهم تحت التهديد.
توجد طاقة إنتاجية ضئيلة في إنتاج الأدوية على الرغم من حقيقة أن الاتحاد الأفريقي أطلق خطة تصنيع الأدوية لأفريقيا في عام 2007.
كما تم اعتماد مبادرة أخرى -خطة العمل للتنمية الصناعية المعجلة لأفريقيا- في العام التالي. لكن كلاهما كانا يجمعان الغبار “غير مفعلين” حتى وقت قريب، عندما تم إحياءهما تحت مظلة اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.
الحاجة ملحة لتفعيل اتفاقية التجارة الحرة
وعلى الرغم من الشهية السياسية الفائقة لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، إلا أن الاتفاقية لم تمض قدمًا بالسرعة المتوقعة.
فقط 30 دولة صدقت على الاتفاقية من بين 54 دولة وقعت عليها. وقد كشف ما يسمى بتقرير “العام صفر” لاتفاقية التجارة القارية الصادر عن مبادرة AfroChampions -منصة تبادل رسمية بين القطاع الخاص وقادة الاتحاد الأفريقي، وخاصة إدارته المكلفة بالتجارة والصناعة، والهادفة لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل التحول والتكامل الاقتصادي في أفريقيا- أن مستوى الاستعداد لتنفيذ الاتفاقية لا يزال منخفضًا.
ولقد توصل التقرير الاستقصائي إلى أن القارة ككل لم تحقق سوى 49.15 من أصل 100 نقطة ممكنة قياسًا على جودة البنية الأساسية التجارية وكفاءة الجمارك والقدرة على الوصول إلى الائتمان بالنسبة للصناعة، في البلدان الأفريقية.
وعلاوة على ذلك، بين عام 2017 و2018، زادت الصادرات الأفريقية البينية بنسبة 1% فقط في حين زادت صادرات أفريقيا إلى بقية العالم بنسبة 22%. فقد هبطت صادرات الخدمات بنسبة 1% في الفترة 2016-17 في حين ارتفعت صادرات الخدمات العالمية بنسبة 7%، وفقًا لبيانات منظمة ترالاك Tralac “منظمة غير ربحية تعمل على تطوير القدرات المرتبطة بالتجارة في شرق أفريقيا وجنوبها من أجل مساعدة بلدان المنطقة على إنتاج السلع القابلة للتداول بشكل تنافسي، وتعزيز أدائها التجاري، وضمان مساهمة التجارة في التنمية في إطار نظام قائم على قواعد لإدارة التجارة الدولية”.
كما أن متوسط درجات أعضاء الاتحاد الأفريقي في فئة التجارة عبر الحدود على مؤشر ممارسة الأعمال التابع للبنك الدولي يبلغ 55.54 من أصل 100 نقطة ممكنة. ويستند هذا إلى ثمانية مؤشرات لتكاليف الواردات والصادرات والوقت المستغرق لعبور الحدود.
وتبرز نقاط الضعف هذه الحاجة الملحة إلى أن تنتشل البلدان أكمامها وتنفذ اتفاقية التجارة الحرة القارية AfCFTA بشكل كامل.
اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، كان من المقرر تفعيلها مثلما كان مخططًا في 1 يوليو 2020، ولكن تعطل التنفيذ والإطلاق مع تفشي فيروس كورونا وتحوله إلى جائحة وبائية، لتتسبب في تداعيات اقتصادية ليس في أفريقيا فحسب، بل في العالم أجمع.
لكن عاد وامكيلي ميني، الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، ليحيي الآمال، قائلًا: “إن المنطقة قد تبدأ العمل في أول يناير 2021”.
وفي السياق ذاته، أشار إلى أنه يأمل أن تنتهي الدول الأعضاء من مفاوضات الرسوم الجمركية في غضون الأشهر الستة المقبلة.
وإذا أبصرت منطقة التجارة الحرة القارية النور مع مطلع العام المقبل كما هو مرجح؛ فإنها ستنشيء تكتلًا اقتصاديًا بقيمة 3.4 تريليونات دولار ويضم 1.3 مليار شخص في أرجاء أفريقيا، ليصبح الأضخم منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية في 1994.
فرصة لإعادة التفكير
إن كان هناك أي شيء، فإن التوقيت قد يكون مبشرًا، فهذا التأخير يتيح ويمنح للبلدان الوقت الكافي لتقييم أثر الوباء وإعادة النظر في الكيفية التي يمكن بها أن تكون اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية حافزًا للتعافي والانتعاش عبر الاستفادة من الاتجاهات الجديدة الناشئة عن الاضطراب.
وقد تكون هناك شهية متزايدة بين الشركات المتعددة الجنسيات لسلاسل توريد أقصر وأكثر محلية، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن وحدة الاستخبارات التابعة لمجلة “الإيكونوميست”. فالشركات تعمل على تكييف نماذج أعمالها انطلاقًا من الضرورة والفرص وتبحث عن سُبل للحد من المخاطر.
ولم تستفد أفريقيا حتى الآن من سلاسل الإمداد العالمية التي يتم الاستعانة بمصادر خارجية فيها، نظرًا لسوء خدماتها اللوجستية، ومستويات المهارات المتدنية، لذا فإن خسارتها أقل من العديد من المناطق الأخرى.
ويقول ديفيد لوك منسق مركز السياسات التجارية لأفريقيا، إن “كوفيد-19” قد ألقى الضوء على وضع سلاسل التوريد والقيمة الأفريقية، مشيرًا إلى أن تنويع سلسلة التوريد يتناسب جيدًا مع أجندة التصنيع الحالية في أفريقيا.
إن التصنيع ليس تفكيرًا سائدًا بالنسبة أفريقيا. لقد جعل صنع الأشياء وبيعها العديد من البلدان غنية، ولكن هذا لا يحدث من قبيل المصادفة، فهو أمر يتطلب الإرادة السياسية اللازمة لإزالة الحواجز وتشجيع الاستثمار في البلدان ذات الاقتصاد الصغير والضعيف في كثير من الأحيان.
وهذا يتطلب أيضًا دفع اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية AfCFTA إلى الأمام بشكل حاسم وعدم تركها لجمع الغبار على رفوف الاتحاد الأفريقي.
وقد يتعارض الالتزام بفتح الحدود والتجارة الحرة مع الجهود الوطنية الرامية إلى إعادة بناء الاقتصادات بعد عمليات الإغلاق التي تعزز السياسات الداخلية؛ حيث سعت الحكومات للحد من انتشار الفيروس التاجي، لكن التأخير في تفعيل اتفاقية التجارة الحرة يمنح الموقعين على الاتفاقية وقتًا لبدء رحلة تركز على الخارج مرة أخرى.
وختامًا، إن جائحة كورونا الوبائية ليست مجرد أزمة؛ إنها دعوة للاستيقاظ. فلا ينبغي أن تكون العودة إلى الوضع العادي والحياة الطبيعية خيارًا، فالمطلوب هو التفكير الإبداعي الجديد حول كيفية جعل قارة أفريقيا أكثر مرونة وشمولية وديناميكية عند مواجهتها حقائق جديدة ومخاطر جديدة.