كتبت – أ.د. سالي محمد فريد
أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسة والاقتصاد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة
يُعد التمويل هو العصب الرئيس للجماعات المتطرفة لدعم عملياتها، ويضمن لهم استمرار أنشطتها الإرهابية، ويحتاج الإرهابيون إلى المال لممارسة نشاطهم. فبدون تمويل، لا يمكنهم شراء الأسلحة أو المعدات أو الإمدادات أو الخدمات. وقد يكون مصدر أموال الإرهابيين مشروعًا أو غير مشروع، وغالبًا ما يتخذ التمويل شكل تبرعات صغيرة متعددة، وليس مبلغًا واحدًا كبيرًا من المال. وتعتبر ظاهرة تمويل الإرهاب ظاهرة عالمية لا تهدد أمن الدول الأعضاء فحسب، بل يمكن أيضًا أن تقوض التنمية الاقتصادية واستقرار الأسواق المالية. ولذلك، فمن المهم للغاية وقف تدفق الأموال إلى الإرهابيين.
وعلى الرغم من أن عدد وطابع الجماعات والتهديدات الإرهابية يتغيران بمرور الوقت، فإن احتياج الإرهابيين الأساسي لجمع الأموال ونقلها واستخدامها يظل كما هو دون تغيير. وتُجمَع الأموال من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، تشمل – على سبيل المثال لا الحصر – إساءة استخدام المشروعات التجارية المشروعة، واستغلال الموارد الطبيعية، وإساءة استخدام المنظمات غير الربحية، ومواقع التمويل الجماعي. وقد يكون الإرهابيون والجماعات الإرهابية أيضًا على صلة بالجماعات الإجرامية المنظمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد ينخرطون في أنشطة إجرامية، منها الإتجار بالمخدرات أو الأسلحة، والإتجار بالأشخاص، والابتزاز، والاختطاف للحصول على فدية. ويساور الدول قلق متزايد إزاء إساءة استخدام الإرهابيين للإنترنت وغيرها من التكنولوجيات الحديثة لجمع الأموال ونقلها، بما في ذلك من خلال العملات الافتراضية. وتوفر تدابير التعقب وتحليلات الاستخبارات المالية معلومات رئيسية عن الشبكات الإرهابية وصلاتها بفرادى الإرهابيين، بمن فيهم المقاتلون الإرهابيون الأجانب. ويتضح ذلك بمزيد من التفصيل من خلال النقاط التالية:
أولًا: مصادر تمويل الإرهاب في أفريقيا
ثانيًا: آثار تمويل الإرهاب وغسل الأموال في أفريقيا
ثالثًا: مؤشرات يستدل بها على وجود عمليات يُشتبه ارتباطها بالإرهاب في أفريقيا
أولًا: مصادر تمويل الإرهاب في أفريقيا
تتنوع مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة منها تحويل الأموال للعصابات الإجرامية التي تقوم بخطف المدنيين وطلب الفدية، وجمع التبرعات والتمويل الخفي عبر الإنترنت، كذلك امتلاكهم عملات رقمية مشفرة تصل قيمتها إلى مئات ملايين الدولارات؛ حيث إن فرض الرقابة الشديدة على الشركات المالية الخاصة ومتابعة اصولها المالية من شأنها أن تعمل على تجفيف مصادر التمويل ومكافحة الإرهاب.[1]
تستمدُّ المنظَّمات الإرهابية المواردَ المالية من مجموعة كثيرة من المصادر التقليدية والمستحدَثة، بدءًا من الموارد الموسَّعة القائمة على السيطرة الإقليمية، والاختطاف مقابل فِدًى، إلى جانب التبرُّعات الصغيرة من المؤيِّدين في جميع أنحاء العالم. وقد قامت الجماعاتُ الإرهابية بتنويع مصادر تمويلها باطِّراد على مدى العقود القليلة الماضية.
يشمل أحدُ جوانب هذا التنويع التوسُّع في جمع التبرُّعات، مثل مِنصَّات التبرُّع التقليدية في الإنترنت، ووسائل التواصُل الاجتماعي، وحديثًا بواسطة العُملات الرَّقْمية المشفَّرة وغيرها من الوسائل. وقد دفعَ الانتشار العالميُّ لوباء كورونا الجماعاتِ الإرهابيةَ إلى زيادة استخدامها للخِدْمات المالية والأصول الافتراضية في الإنترنت. ومع ذلك فإنَّ الجماعاتِ الإرهابيةَ لا تزال واسعةَ الحيلة، عندما يتعلَّق الأمر بجمع التبرُّعات في الإنترنت.[2]
وقد تجاوز إجماليُّ سقف السوق للعُملة المشفَّرة تريليوني دولار أمريكي في 5 أبريل 2021. أكثرُ ما يهمُّنا في هذا الجانب هو استخدامُ الإرهابيين للعُملات المشفَّرة؛ ففي 13 أغسطس 2020 أعلنت وِزارةُ العدل الأمريكية أنَّ سلطات مكافحة الإرهاب فكَّكَت سلسلةً من حمَلات جمع التبرُّعات المتطوِّرة عبر الإنترنت، تُديرها ثلاث منظمات إرهابية مصنَّفة من قِبَل الولايات المتحدة. ويؤكِّد إسقاطُ هذه الشبكات مَواطنَ ضعفها، ويتيح دروسًا مهمَّة للمحاولات المستقبلية لمكافحة تمويل الإرهاب في الإنترنت. وكانت اثنتان من هذه الحمَلات تتلقَّى تبرُّعات بعُملة «بيتكوين» منذ عام 2019 على الأقل، وتتعلَّق الحالةُ الثالثة بموقع مزيَّف على شبكة الإنترنت، أُنشئَ مع بداية ظهور جائحة كورونا (كوفيد 19) من قِبَل وسيطٍ ماليٍّ مزعوم لتنظيم داعش وقرصان (هاكر) تركي، وادَّعى الموقع أنه مخصَّص لبيع مُعَدَّات الحماية الشخصية من جائحة كورونا، مثل أقنعة N95 الطبِّية.[3]
ورصدَت مجموعةُ Ghost Security Group، المتخصِّصة في مكافحة الإرهاب والقرصنة، سلسلةً من المعاملات لمحافظ «بيتكوين»، يُعتقَد أنها مملوكة لتنظيم داعش، تحتوي على مبالغَ تراوح بين 4.7 مليون دولار و15.7 مليون دولار، أي ما بين واحدٍ إلى ثلاثة في المئة من دخلهم السنوي المقدَّر. وذكرت المجموعةُ لشبكات الأخبار أنَّ تنظيم داعش يستخدم «البيتكوين» على نطاق واسع لتمويل عملياته. وفي عام 2015 ذكر أنَّ محفظة «بيتكوين» يُعتقَد أنها تخصُّ داعش، تلقَّت نحو 23 مليون دولار في شهر واحد.[4]
هناك عدة مصادر تعتمد عليها الجماعات المتطرفة بتمويل أنشطتها، فهناك الوسائل التقليدية والتي ما زالت تستعمل كنقل الأموال عبر الحدود في السيارات أو الشاحنات أو البواخر وشراء العقارات الفاخرة، وهناك طرق حديثة عن طريق شركات التأمين والجمعيات الخيرية والمؤسسات المصرفية. وتتمثل هذه المصادر فيما يلي:- [5]
- بيع النفط والآثار المسروقة: ساهم في تمويل الجماعات الإرهابية انتعاش الأسواق السوداء، حيث تقوم التنظيمات الإرهابية ببيع النفط والآثار المسروقة في الأسواق السوداء بأثمان رخيصة مما أدى إلى زيادة الطلب عليها، وبالتالي حصول التنظيمات على أموال ضخمة تستعمل في شراء الأسلحة والمعدات الحربية. وتمتلك مناطق شمال شرق سوريا على أكبر نسبة من آبار النفط، ولذلك فإن عناصر الجماعات الإرهابية تقوم بسرقة خطوط الإمداد وفرض ضرائب على المستثمرين في حقول النفط هناك.
- عمليات تحرير الرهائن ودفع الفدية: يتم تمويل الإرهاب عن طريق اختطاف الرهائن وطلب دفع الفدية عن طريق الدول التي ينتمي إليها المختطفون، وقد تصل الفدية ملايين الدولارات، وعادة ما تطلب التنظيمات المتطرفة الإرهابية وسيلة لنقل الأموال لدول أخرى، لتستخدمها في التدريب وتجنيد أعضاء جدد، وشراء الأسلحة والعتاد.
- سرقة المواشي: اتجه تنظيم “داعش” بعد هزيمته إلى مصادر تمويل أخرى بينها قتل الرعاة وسرقة ماشيتهم، تستخدم الأموال في دفع رواتب عناصر “داعش” والمهربين وشراء البضائع، وأحيانًا السلاح.
- الجمعيات الخيرية والتبرعات: أدركت الحكومات مخاطر استخدام الجماعات المتطرفة للجمعيات الخيرية والربحية باعتبارها مصدرًا لتمويل الإرهاب.
- الحوالات البنكية وتهريب العملات: يتم ذلك من خلال وضع الأموال في حساب جاري في أحد البنوك ويتم نقلها إلى حساب آخر، من خلال حركات متعددة ومتشابكة، بحيث يصعب معها التمييز بين الأموال النظيفة والمغسولة، أو يتم نقل الأموال عن طريق الحوالات البنكية. وعلى ذلك أجمعت كل الجهود الدولية المبرمة في هذا الخصوص على ضرورة مراقبة هوية المحولين والمحول إليهم المال، وذلك لتتبع مصدر هذه الأموال ومسارها. في 17 اكتوبر 2022 تم ثبوت تهمة تمويل ودعم شركة “لافارج” الفرنسية لتنظيم “داعش”. كما كشفت وثائق مصرفية مسرّبة في الأول من أكتوبر 2022 عن تحويلات مالية مشبوهة تتجاوز الأربعة مليار دولار أمريكي.
- العملات المشفرة: أصبح الممولين المتطرفين من خلال خطط دفع الأموال عبر الإنترنت والطبيعة اللامركزية للعملات المشفرة، في وضع يسمح لهم ببناء شبكات كبيرة ومعقدة، والتي بدأت وكالات مكافحة تمويل الإرهاب في جميع أنحاء العالم في الانتباه إليها.
ثانيًا: آثار تمويل الإرهاب وغسل الأموال في أفريقيا
- إن لظاهرة تمويل الإرهاب وغسل الأموال آثارٌ سلبية في الاقتصاد الكلِّي، فانتشارها في اقتصاد ما يُضعف قدرة السلطات على تنفيذ السياسات الاقتصادية الكلية بكفاية، وذلك لضعف مصداقية البيانات والإحصاءات الاقتصادية المتاحة، في ظل عدم القدرة على القياس والتنبُّؤ بحجم هذه العمليات. إضافة لذلك فإن التقلبات الشديدة في حركة الأموال والودائع والتدفقات المصاحبة لعمليات غسل الأموال تؤثر في استقرار السوق النقدية وسوق الصرف الأجنبي، ولا ينبغي إهمال أثر غسل الأموال والأنشطة الإجرامية المرتبطة به في حصول اضطراب في توزيع الموارد والثروة في الاقتصاد. ومن الآثار السلبية لظاهرة غسل الأموال ازدهارُ الأنشطة الممنوعة كتجارة المخدِّرات والفساد الإداري والمالي وغيرها، وهي تسهم في تدمير البيئة الاجتماعية والأخلاقية للأمم.[6]
- وتؤدي تداعيات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح (أي تقديم الأموال أو الخدمات المالية لشراء الأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية)، وكذلك الجرائم ذات الصلة إلى ضعف القطاع المالي والاقتصاد على وجه العموم. ويمكن لهذه الأنشطة أن تجعل البلدان أقل استقرارًا، مما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تقويض القانون والنظام، والحوكمة وفعالية التنظيم، والاستثمارات الأجنبية، وتدفقات رؤوس الأموال الدولية.
- لا ينبغي النظر إلى جهود مكافحة غسل الأموال ومقاومتها على أنها تخصُّ أجهزة مكافحة الجريمة فقط، بل يجب النظر إليها على أنها ذات أهمية عامَّة لتحقيق الاستقرار المالي. وقد برزت أهمية ذلك في السنوات الماضية في ظل النمو السنوي الكبير في عمليات غسل الأموال التي تُنفَّذ عبر النظام المالي والمصرفي في العالم.[7]
ثالثًا: مؤشرات يُستدل بها على وجود عمليات يشتبه ارتباطها بالإرهاب في أفريقيا
قدَّر صندوق النقد الدَّولي عمليات غسل الأموال بما بين 600 مليار و1.5 ترليون دولار أمريكي، وهي تشكِّل ما بين 20 ٪ و50 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهناك مصادرُ تقدر حجم عمليات غسل الأموال في العالم بقرابة 2.8 ترليون دولار. [8]
ويقيس مؤشِّر الإرهاب العالمي لعام ((2022 تأثير الإرهاب حسَب عدد الهجَمات والقتلى والجرحى والرهائن والحوادث، باستخدام نظام تقييم مدته 5 سنوات؛ لتحديد مستوى التأثير لأيِّ سنة معينة، وهو ما يسمح برصد التأثير المستمر للإرهاب على الدول نفسها. وكشف المؤشِّر انخفاضَ العدد الإجمالي للوَفَيات الناتجة عن الإرهاب إلى 7,142 قتيلًا في عام 2021، بنسبة تراجُع قدرُها 1.2 % عن العام السابق، و33 % منذ الذُّروة في عام 2015 الذي قُتل فيه 10,699 شخصًا في الهجَمات الإرهابية. وعلى الرغم من انخفاض عدد الوَفَيات، ارتفع عددُ الهجَمات من 4,458 هجمةً في عام 2020 إلى 5,226 هجمةً في عام 2021، بزيادة قدرُها 17%، مسجِّلةً أكبر عددٍ من الهجَمات منذ عام 2007، وبلغت الأعمالُ الإرهابية منها (المنسوبة إلى تنظيم إرهابي) 52 % فقط.[9]
شكل رقم (1) اجمالي الوفيات بسبب الارهاب حسب الدولة عامي 2020 و 2021
ظلَّت البلدانُ العشَرة الأكثر تأثُّرًا بالإرهاب دون تغيير إلى حدٍّ كبير، فقد حافظت أفغانستان والعراق على موقعَيهما في قمَّة أكثر البلدان تأثُّرًا بالإرهاب للعام الثالث على التوالي.
جدول رقم (1) اكثر 10 دول تأثرًا بالإرهاب مرتبة حسب درجة مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2021
إنَّ الوَفَياتِ الناتجةَ عن الإرهاب في السنوات الأربع الماضية قد انخفضَت، إلا أنَّ انخفاضها كان ضئيلًا، وظلَّ عدد الوَفَيات شبهَ ثابت منذ عام 2018، لكنَّه انخفض بأكثرَ من الثلث منذ ذروته في عام 2015، وكان العراق وباكستان من البلدان التي شهدت أكبرَ انخفاض.
شكل رقم (2) الوفيات بسبب الإرهاب حسب نوع الصراع خلال الفترة (2007 – 2020)
وهناك مؤشِّرات على أنَّ المنافسة في السيطرة على الطرق والعائدات المكتسَبة من الأنشطة غير المشروعة تزيد الضغطَ على الهياكل الاجتماعية والعَلاقات المضطربة بين القبائل والأعراق. ويُعَدُّ الخطف أسلوبًا شائعًا تستخدمه التنظيماتُ الإرهابية، كما هو الحال في بوركينا فاسو، حيث أُبلغَ عن 7 حوادثَ في عام 2016، ارتفعت إلى 111 حادثًا في عام 2019. وقُدِّرت العوائدُ التي حقَّقها تنظيمُ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من عمليات الاختطاف بأكثرَ من 110 ملايين دولار منذ عام 2003. إنَّ فهمَ سياق الإرهاب المتعلِّق بنُدرة المياه أمرٌ مهم؛ إذ لا توجد جماعةٌ في مِنطقة الساحل الأفريقي لم تجعل نُدرةَ المياه، أو القلق بشأن الوصول إليها، أو القضايا المتعلِّقة بأنواع المياه وكمياتها، سببًا لاستخدام العنف، وكثيرًا ما استخدمت الجماعاتُ الإرهابية المياه أداةَ إكراهٍ، يسيطرون عليها ويستغلُّونها ويتَّخذونها أداةً للتجنيد.[10]
وأدَّت التغيُّرات في المناخ إلى مزيدٍ من موجات الجفاف والفيضانات، وتقويض إنتاج الغذاء وتدمير المستوطَنات البشرية المتنوِّعة، وسبَّبت نزوحًا واسعَ النطاق. وتشير التقاريرُ إلى أنه في عام 2020، واجه أكثرُ من 43 مليون شخص في دول مِنطقة الساحل الأفريقي فِقدان الأمن الغذائي، وتعرُّض قرابة 18 مليون شخص لحالة أزمة أو حالة طوارئ. [11]
على سبيل المثال فثروة “داعش” تتأتى بشكل رئيسي من ثلاثة مصادر. أولًا، النفط والغاز في الأراضي التي يسيطر عليها بحيث أدرّ بيع هذه الموارد نحو 500 مليون دولار خلال عام 2015 من خلال عمليات بيع داخلية بشكل أساسي. ثانيًا، فرض الضرائب والابتزاز. فبصفته كيانًا يملك أراض، يجمع التنظيم ضرائب مختلفة ورسومًا من السكان الخاضعين لسيطرته، وبلغت قيمتها 360 مليون دولار خلال عام 2015. ثالثًا، عندما استولى “داعش” على الموصل في عام 2014، نجح في نهب أكثر من 500 مليون دولار نقدًا من خزانات المصرف المركزي. غير أن هذا المصدر ليس منبع تمويل متجددًا. وعمومًا، تفوق الثروة الهائلة التي جمعها “داعش” من هذه المصادر التمويل الخارجي والأنشطة غير الشرعية الأخرى إلى حدّ كبير.[12]
إن التنظيمات المتطرفة أدركت مبكرًا أهمية شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي واعتبرتها منفذًا مأمونًا لنشر وتنفيذ مشروعها الأيديولوجي بعد إقرارها بفشل عمل التنظيمات السرية والتجنيد المباشر في ظل الهجمة الأمنية الدولية والتنظيم الإقليمي. فالجماعات الإرهابية تقوم بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامها المناسب، حيث تنشط على فيسبوك لاستدراج الشباب بطرق غير مباشرة، أما تويتر، فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة، وتليجرام للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية، لترويج نجاحات مزيفة، في حين يستغل يوتيوب لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف، حيث إن نظام المراقبة الخاص بالموقع يتم بعد رفع الفيديوهات عليه. وتمكنت التنظيمات الإرهابية من التواصل بسرية تامة وجمع التبرعات المالية وإرسال واستقبال الأموال في مناخ آمن وذلك عن طريق الإنترنت المظلم أو ما يسمى Deep web وهي شبكة لا تعتمد على المتصفحات العادية التي تعرض من محتوى الإنترنت القشرة الخارجية فقط، بل تسخر أنظمة معقدة يصعب على الأنظمة الاستخباراتية تعقبها.[13]
وختامًا تعد مجموعة العمل المالي (FATF) كِيانٌ حكومي دَولي يضمُّ 39 عضوًا، يعمل بالتعاون الوثيق مع عدد من المنظمات الدَّولية الأساسية الأخرى، ومنها صندوقُ النقد الدَّولي والبنك الدَّولي، والأمم المتحدة، المجموعات الإقليمية المنشأة على غرار مجموعة العمل المالي (FSRBs). وأعلنت المجموعة التوصيات الأربعين وألزمت الدول الأعضاء إدخالَ تعديلات في أنظمتها القانونية والعدلية، لتسمح بإجراءات صارمة للقضاء على أيِّ عمليات ترتبط بأيِّ نوع من أنواع تمويل الإرهاب، وذلك بالاعتماد على القانون الدَّولي، ولا سيَّما القانونِ الإنساني الدَّولي، وقوانين حقوق الإنسان، وقوانين نزوح الجماعات.
وحددت المجموعة طرقَ التعاون في مجال تجميد الأصول المرتبطة بغسل أموال الإرهاب، بالقيام بمسح شامل للقِطاعات الاقتصادية غير المصرفية التي يمكن أن تُستخدمَ في نقل أموال مرتبطة بالجماعات الإرهابية، مثل قِطاعات البناء والغذاء والدواء.[14]
وأكدت أحد قرارات مجلس الأمن ضرورةَ التتبُّع الدقيق بواسطة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؛ من أجل معرفة أعمق بطرق نقل الأموال غير النظامية، وتحقيق ضبط أكبر لتلك الطرق التي تُعَدُّ خطرًا جسيمًا على مكافحة غسل الأموال المرتبطة بالإرهاب. كما أكد القرار على تقويم مخاطر القدُرات التحليلية لعمليات غسل أموال الإرهاب، والتعاون مع وحَدات القطاع الخاص المختلفة؛ لتكوين قواعدَ معلومات ذاتَ تأثيرات عميقة ومهمَّة، بما يعزِّز نظامَ تبادل التصاريح والمعلومات عن الحسابات المختلفة، والتدفقات النقدية عبر الحدود بالوسائل المتعدِّدة، كالحوالات والبطاقات المسبقة الدفع، ووسائل التحويل غير النظامية، دون إغفال أيِّ منفَذ لحركات غسل الأموال المشبوهة والإرهابية.[15]
يقدم مشروع مكافحة تمويل الإرهاب التابع لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب المساعدة إلى الدول الأعضاء بما يتجاوز فهم متطلبات تجميد الأصول، ويجدد التركيز على جعل ذلك التجميد فعالا من خلال تحديد أولويات ممارسات مكافحة تمويل الإرهاب وفقا للمخاطر المقدرة، وإدماج الاستخبارات المالية في أساليب مكافحة تمويل الإرهاب، وتحسين التعاون بين القطاعين العام والخاص، مما يعود بالنفع على الدول الأعضاء في جهودها الأوسع نطاقا، التي تروم تنفيذ سائر توصيات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، ويعزز القطاعات المالية لتلك الدول.[16]
الهوامش
[1] Fight against money laundering and terrorist financing
The Fight Against Money Laundering and Terrorism Financing (imf.org)
[2] داعش أكبر المضاربين في سوق “بيتكوين”
صدمة.. داعش أكبر المضاربين في سوق “بيتكوين” (alarabiya.net)
[3] تمويل الإرهاب في عصر العملات المشفرة
تمويل الإرهاب في عصر العُملات المشفَّرة (imctc.org)
[4] Ghost Security Group
Ghost Security Group: How Anonymous hackers grew up to help save the world from Isis | IBTimes UK
[5] محاربة التطرف
[6] المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ المانيا وهولندا مكافحة الإرهاب.. تجفيف مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة
[7] دعمت داعش باستخدام بيتكوين.
داعش والبيتكوين.. تحذيرات أوروبية من التمويل الخفي للإرهاب (al-ain.com)
[8] الأمم المتحدة تشدد تدابير مكافحة تمويل الإرهاب
مكافحة تمويل الإرهاب | لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن (un.org)
[9] المرجع السابق مباشرة
[10] تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي – “العدو غير المرئي” – DW – 2015/6/6
[11] كيف ومن أين حصل تنظيم “داعش” على ترسانته من الأسلحة؟
كيف ومن أين حصل تنظيم “داعش” على ترسانته من الأسلحة؟ – DW – 2020/12/10
[12] المرجع السابق مباشرة
[13] الإنترنت رافعة الإرهاب للعولمة
الإنترنت رافعة الإرهاب للعولمة (imctc.org)
[14] مجموعة العمل المالي الدولية
عن المجموعة | MENAFATF Official Websites
[15] المرجع السابق مباشرة
[16] 70 ألف حالة رصدتها آلية أوروبية– أميركية لمكافحة تمويل الإرهاب