كتب – حسام عيد
احتفل عشرات من عمال النفط بحياتهم بعد أن أغلقوا رأس بئر متسرب أطلق أكثر من 20 ألف برميل من النفط يوميًا لمدة شهر في الممرات المائية لمنطقة نيمبي، في ولاية بايلسا النيجيرية، بدلتا النيجر.
وقد تسبب التسرب النفطي، الذي اندلع بشكل غامض في 1 نوفمبر في بئر غير منتجة، في دمار بيئي في أعقابه، بما في ذلك موت الحياة البحرية والأضرار التي لحقت بأشجار المانجروف والممرات المائية.
الأمر كان أشبه بموقع هيروشيما، مثلما وصفته وزيرة الدولة لشؤون البيئة في نيجيريا شارون إيكيزور، بعد أن تفقدت الأضرار في قاعدة بئر 1 في نيمبي والتي تديرها شركة أيتيو إيسترن إي آند بي وهي شركة نفط نيجيرية، حيث يتم تشغيل الترخيص بموجب مشروع مشترك مع مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية المملوكة للدولة (NNPC).
وحملت موجات المد والنهر والمحيطات التسرب إلى المجتمعات في ولاية ريفرز المجاورة، وهي أيضًا جزء من دلتا النيجر، حيث توجد غالبية احتياطيات النفط والغاز في نيجيريا. وقد تم تجنيد وحدة من شركة الأمريكية العملاقة هاليبرتون لخدمات النفط لسد البئر، وذلك عبر جهود مكثفة للسيطرة على الوضع.
وكانت شركة أيتيو إيسترن النيجيرية قد اشترت حقل النفط من شركة شل وشركائها مقابل 2.7 مليار دولار في عام 2014 في واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ المحلية التي تم إجراؤها حيث قلصت “شل” عملياتها في نيجيريا.
تكلفة بيئية
تعرضت منطقة دلتا النيجر للضرر البيئي الناجم عن نشاط صناعة النفط منذ أن دشنت شركتا شل – بي بي أول مشروع مشترك للتنقيب عن النفط في عام 1956.
ونادرًا ما يتحقق التطور المتوقع من أرباح النفط في المنطقة، حتى عندما أصبحت نيجيريا واحدة من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم. متوسط العمر المتوقع أقل بعشر سنوات في دلتا النيجر منه في أي مكان آخر في نيجيريا، ويستمر النفط من الآبار وخطوط الأنابيب المنسكبة أو التي تعرضت للتخريب في انسداد وخنق غابات المانجروف وإمدادات المياه والغلاف الجوي، حسبما أفادت مجلة “أفريكان بيزنس”.
وأدت الأضرار البيئية وانعدام الفرص الاقتصادية المحلية إلى تأجيج حركات التمرد المتفرقة في المنطقة والتي استهدفت البنية التحتية النفطية والقوات الحكومية.
وكطريقة للتعامل مع المجتمعات المستاءة وإدخال إصلاحات أوسع في صناعة مربحة ولكنها مضطربة للغاية، وقع الرئيس النيجيري “محمد بخاري” أخيرًا قانون صناعة البترول الذي طال انتظاره في أغسطس الماضي بعد سنوات من الجهود التشريعية المحبطة.
الثروة النفطية والفشل في إرضاء المجتمعات المضيفة
ويتضمن قانون صناعة البترول الجديد توجيهًا لإنشاء صناديق استئمانية للمجتمع المضيف والتي ستلزم شركات النفط بدفع 3% من نفقات التشغيل في الصناديق الاستئمانية المصممة لتوفير فوائد اجتماعية واقتصادية للمجتمعات في مناطق إنتاج النفط.
الرقم أقل بكثير من نسبة الـ10% التي دفع نشطاء المجتمع من أجلها، لكنها تحسن من الوضع الراهن.
وكان مجلس النواب النيجيري قد أقر نسخة من القانون تمنح 5%، لكن مجلس الشيوخ وافق في النهاية على 3% بعد الحجج من مؤسسة النفط الوطنية بأن منح حصة أعلى من شأنها تثبط الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط.
وأثارت النتيجة غضب مجتمعات النفط والغاز وقادتها الذين أكدوا وبرهنوا على أن العقود ماضية كانت حقبة عنوانها الاستغلال والإهمال والأضرار البيئية.
نسبة الـ3% الممنوحة في قانون صناعة البترول الجديد ليست كافية لحماية البيئة وضمان إمدادات الصيد في المستقبل. لذلك؛ يجب على الحكومة أن تبدي اهتمامًا حقيقيًا برفاهية الأفراد، لأنه بدون الموارد من هذه المنطقة، لا تستطيع دولة نيجيريا أن تدافع عن نفسها بشكل كاف.
كطريقة لضمان القدرة التنافسية طويلة الأجل للصناعة التي تعتمد عليها نيجيريا في ما يقرب من 90% من عائدات التصدير، وفي محاولة لجذب الاستثمار الأجنبي، يقدم قانون صناعة البترول فرصة لإصلاح جذري وفرعي للقطاع.
من المأمول أن يؤدي تحرير شركة البترول النيجيرية الوطنية -بعد عقود من الفساد وسوء الإدارة- إلى تحفيز شركات النفط والغاز متعددة الجنسيات على الشراكة معها، وإنهاء نقص الاستثمار المزمن في القطاع.
لكن نية استخدام 30% من أرباح مؤسسة البترول الوطنية لمزيد من التنقيب عن المواد الهيدروكربونية، خاصة في أجزاء من شمال نيجيريا البعيدة، أثارت قلق النشطاء، فمن الصعب تبرير استخدام الأموال الحكومية لتمويل التنقيب عن النفط، وإذا كان هناك نفط بكميات تجارية خارج دلتا النيجر، لكانت شركات النفط الكبرى قد وصلت إليه الآن.
كان من الممكن استخدام 30% من أرباح مؤسسة البترول الوطنية بشكل أفضل في تمويل التعليم والرعاية الصحية في مرحلة الطفولة المبكرة، وبناء البنية التحتية. لذلك، يرى سكان دلتا النيجر في القانون الجديد “نهب شرعي” للمنطقة، وهنا يجب على الحكومة أن تتوقع المزيد من التخريب لخطوط الأنابيب، حيث يتأقلم الشباب في دلتا مع نقص الوظائف والتضخم ويسعون لتغطية نفقاتهم.
إنشاء صناديق استئمانية
حددت الحكومة أغسطس 2022 كموعد نهائي لإنشاء صناديق ائتمان للمجتمع المضيف. لكن قانون صناعة البترول ينص على أن كل صندوق يجب أن يضم عضوًا واحدًا من المجتمع المضيف، وتخصص الأموال المتاحة 75% للمشاريع الرأسمالية و20% احتياطي و5% للمصروفات الإدارية.
وتختص مجالس الأمناء بتمويل المشاريع التنموية في المجتمعات، وخلق الفرص الاقتصادية، وتعزيز التعايش السلمي بين المرخص لهم والمجتمعات المضيفة.
ومع ذلك، ينص البند 257 من قانون صناعة البترول على أنه “في أي عام، يحدث عمل تخريب أو أي اضطرابات مدنية أخرى تؤدي إلى إتلاف البترول والمنشآت المخصصة أو تعطيل أنشطة الإنتاج داخل المجتمع المضيف، يفقد المجتمع حقه في مدى تكلفة إصلاح الضرر الذي نتج عن الفعل”.
وقد خسرت نيجيريا 851.84 مليار نايرا (2.78 مليار دولار) جراء سرقة النفط وتخريب خطوط الأنابيب في عام 2019.
وختامًا، يمكن القول إن قانون صناعة البترول الجديد تأخر كثيرًا في ظل إعلان نيجيريا مساعيها الحثيثة للانتقال لاقتصاد متنوع الموارد، كما أن المجتمعات المحلية في منطقة دلتا النيجر تنظر إليه على أنه وسيلة “للقليل من الثراء على حساب الكثيرين”، كما أن التحويل المتصور والمتوقع للثروة من دلتا النيجر عبر شبكات السياسيين شمالي البلاد، هو وصفة لمزيد من الاضطرابات في المنطقة.