كتبت – أماني ربيع
مع ثراء القارة السمراء بالثقافات والتراث التقليدي الأصيل، يصعب تخيل قلة عدد مواقع التراث العالمي المدرجة على لائحة اليونسكو بأفريقيا، حيث يوجد أقل من 9٪ من مواقع التراث العالمي بالقارة.
ويرجع البعض ذلك، إلا أن المنظمة تعطي حظوة كبيرة لأوروبا، بينما يقول الخبراء إنه لا يمكن إنكار وجود نقص في الهياكل والمؤسسات المعنية بالحفاظ على التراث في أفريقيا، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية للحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي.
هذا العام، احتلت ثمانية مساجد في شمال ساحل العاج ومنتزه إيفيندو الوطني في الجابون أحد الأماكن المرغوبة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
بالإضافة إلى هذين الموقعين في أفريقيا، اختارت اللجنة المسؤولة في دورتها الرابعة والأربعين في مدينة فوتشو الساحلية الصينية 16 مرشحًا من أوروبا و 16 آخرين من مناطق العالم الأخرى كمواقع تراث عالمي جديدة.
المركزية الأوروبية في اليونسكو
وتقوم اليونسكو، بإدراج وتكريم التراث الثقافي والطبيعي ذي “القيمة العالمية المتميزة”، على لائحتها الخاصة، التي تضمن حماية هذه المواقع ودعمها، وهناك نحو أكثر من 1145 موقعا على اللائحة حتى الآن، من تاج محل إلى ستونهنج والحاجز المرجاني العظيم.
وما يقرب من نصف هذه المواقع في أوروبا وحوالي ربعها في آسيا والمحيط الهادئ، لكن في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يوجد أقل من 100 موقع، وهي نسبة ضئيلة للغاية، تمثل 9% من إجمالي عدد المواقع، على الرغم من أنها تمثل 15٪ من سكان العالم ، و 18٪ من مساحة أراضيه وقدرًا هائلاً من التراث والتاريخ المتنوع.
ويقدم عالم الآثار الكيني جورج أبونجو تفسيرا بسيطا لذلك، هو أن: “العملية أوروبية للغاية”.
شغل أبونجو، منصب مدير المتحف الوطني في كينيا، ولديه رؤية واضحة لطريق عمل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة والاتصالات، “اليونسكو”، التي تأسست عام 1972.
وبحسب موقع “دويتش فيله”، قال أبونجو: “هناك مركزية أوروبية داخل المنظمة، وينبغي على الدول الأفريقية إثبات القيمة غير العادية لمواقعها للبشرية من خلال منظور غربي لأجل إدراجها في القائمة”.
ويتفق مع ذلك ويبر ندورو، رئيس ICCROM، وهي مؤسسة خيرية للمحافظة على البيئة، وقال: “نحتاج إلى مواقع تحتفل بالأفارقة أنفسهم”.
وبحسب صحيفة “الإيكونوميست”، يوضح أنه عادة ما يكون خبراء اليونسكو المكلفون بمهمة تقييم طلبات وترشيحات التقدم للإدراج ضمن لائحة التراث العالمي، أكثر تعاطفًا مع الفيلات الكلاسيكية من الغابات المقدسة، لدى السكان التقليديين، وأن اليونسكو تميل إلى اختيار المواقع الأفريقية التي تحتفي بالعمارة الاستعمارية الأوروبية في القارة ، بدلاً من المواقع ذات الأهمية في الثقافة التقليدية. للسكان المحليين.
ويتبنى كريستوف برومان من معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية، وجهة نظر مماثلة، وأوضح: “في البداية، كان التراث العالمي مفهومًا ضمنيًا إلى حد ما يشمل تراث النخبة والتراث الضخم في أوروبا، وكان التركيز على الكاتدرائيات والقصور والمعابد والمدن التاريخية القديمة”.
نقص الخبرة والموارد المالية
وبحسب برومان، كانت هناك انتقادات لهذه المحاباة الأوروبية، بالفعل، منذ 30 عاما، وكانت هناك إصلاحات، وأصبحت مواقع التراث تتضمن اليوم، التراث المشترك والمناظر الطبيعية الثقافية، حيث يكون التفاعل بين الإنسان والبيئة مثيرًا للاهتمام بشكل خاص، بشكل يجعله أهلا للانضمام للقائمة الرسمية.
ويشير برومان إلى مشكلة تتعلق برغبة المؤسسات المعنية بالتراث في أفريقيا، في إدراج مواقعها على لائحة اليونسكو ويقول: “هناك عدد قليل جدًا من الطلبات الواردة من البلدان الأفريقية”.
وربما يرجع ذلك أيضا، إلى تكنيك ومتطلبات الانضمام للائحة التراث العالمي معقدة، ويكون الأمر أسهل مع الدول التي لديها قاعدة بيانات، ومستوى معرفي أفضل، وكذلك خبرة أكبر في التعامل مع الآثار والحفاظ على الطبيعة، وهو ما تفتقده الكثير من الدول الأفريقية.
واعترفت ميتشتيلد روسلر -التي تشغل منصب مديرة مركز التراث العالمي لليونسكو في باريس منذ عام 2015- أن مواقع التراث الأفريقي بلائحة اليونسكو للتراث العالمي قليلة بالفعل، مؤكدة أنه على الرغم من ذلك كان هناك تقدما.
وكشفت المناقشات المكثفة عن الحاجة إلى مزيد من الجهود من أجل وجود أكبر لأفريقيا على لائحة التراث العالمي، وقالت روسلر: “نرى أننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد في مناطق معينة لتقديم ترشيحات قوية وزيادة بناء القدرات فيما يتعلق بالحفظ والإدارة على أرض الواقع والاستعداد للمخاطر، لأن العديد من مواقع التراث العالمي معرضة للخطر، وهذه مهمة ضخمة يجب إنجازها”.”
وبحسب روسلر، فإن للجامعات والمؤسسات الثقافية دورا يجب أن يكون أكثر أهمية مما هو الآن، وعليها أن تصبح أكثر انخراطًا في حماية التراث الثقافي على وجه الخصوص، حيث يمكن لخبرائهم المساعدة في تجميع الدراسات والوثائق لتقديم طلب لبلد ما، وبحسب قولها: “هو أمر واجب على الحكومات أيضا”.
وتدعم اليونسكو البلدان الأفريقية عبر تبرعات من “صندوق التراث العالمي الأفريقي”.
وقال عالم الآثار الكيني أبونجو: إن صندوق التراث العالمي الأفريقي يجب أن يخدم 54 دولة ذات موارد شحيحة، وهذا غير ممكن، عمليا، وقال إن استراتيجية اليونسكو لتحقيق المزيد من التوازن في الترشيحات في جميع أنحاء العالم قد فشلت.
الأولوية للمصالح الاقتصادية
تواجه الحكومات في أفريقيا مشاكل أخرى، فهي بحاجة إلى تعزيز الاقتصاد وشراء اللقاحات وخلق فرص عمل للناس لتناول الطعام، وهو أمر يجعلها بحاجة للانخراط أكثر في مشروعات التنمية الاقتصادية، ولعل ولعل السبب الرئيسي لعدم قيام الحكومات الأفريقية بالضغط من أجل إدراج أراضيها مؤخرًا هو الخوف من أنها لن تكون قادرة على إدارة مشاريع التنمية بعد ذلك.
على سبيل المثال: الحدائق الوطنية التي نزحت منها المجتمعات التقليدية خلال الحقبة الاستعمارية والآن يريدون استعادة أراضيهم، لكن غالبًا ما تكون هناك معادن ثمينة أو نفط، وفي المحمية الطبيعية التنزانية وموقع التراث العالمي لليونسكو سيلوس، ، تم التخطيط لبناء سد ضخم على الرغم من الانتقادات الشديدة.
لكي يظل مكان ما، موقعا للتراث العالمي، يجب أن تظل المناظر الطبيعية فيه كما هي، ولهذه الأسباب، تعد الكثير من مواقع التراث العالمي لليونسكو في أفريقيا مهددة بالانقراض، بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، بالإضافة إلى الصراعات على المواد الخام، وبالفعل تمت إزالة مواقع من القائمة.
وحتى قطاع السياحة، الذي يشهد ترويجا كبيرا، ليوفر حافزا كافيا للدول أو المستثمرين لضخ الأموال، والعمل في الحصول على طلبات من أجل الحصول على تصنيف اليونسكو.
والنظم السياحية في الكثير من الدول الأفريقية متخلفة ومحدودة، ولا توفر دعاية كافية تنجح في جذب أعدادا كبيرة من الزوار لمواقع التراث العالمي لليونسكو، ما يجعل الحفاظ على هذه المواقع بدلا من استغلالها اقتصاديا أمرا غير مجزي.
ولأسباب مماثلة، طلبت دولة تشاد في سبتمبر 2020، تعليق طلب الحصول على إدراج بحيرة تشاد ضمن مواقع التراث العالمي، وكان السبب وراء هذا الطلب المفاجئ، هو وجود فرص واعدة للعثور على النفط، والتعدين بالمنطقة.
وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، وقعت الحكومة اتفاقيات تعاون مع بعض شركات النفط، وطلبت من اليونيسكو، “تأجيل العملية” لتسمح للحكومة بإعادة تعريف خريطة المنطقة والتعرف إذا ما كانت هناك فرصة حقيقة للعثور على النفط أم لا.
وجاء هذا الطلب بعد عملية استغرقت سنوات شاركت فيها حكومات الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا لترشيح المشهد الثقافي لبحيرة تشاد على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وكان هذا الإعلان، ضربة للعديد من الدول التي لم تكن على علم بطموحات تشاد النفطية في حوض بحيرة تشاد، التي تقتسمها أربعة دول هي: نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.
وعلق متحدث باسم مركز مواقع التراث العالمي التابع لليونسكو: “من المهم التذكير بأن الهدف من إدراج موقع في قائمة التراث العالمي هو ضمان الحفاظ على قيمته العالمية البارزة للأجيال القادمة”.
ويعتبر الإدراج ضمن قائمة التراث العالمي الخاصة باليونيسكو، لدى العديد من الدول رمزًا للمكانة الدولية المرموقة ، وعلامة لجذب التعاون الدولي والاستثمار في هذه المواقع، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية مثل تنشيط السياحة، كما تتلقى تلك المواقع أيضًا تمويلات لمشاريع الحفاظ على التراث من المانحين الدوليين.
ويتم تحديد ما إذا كان الموقع يستحق الإدراج في قائمة التراث العالمي، عبر سلسلة من التقييمات من قبل هيئتين استشاريتين قبل إصدار القرار النهائي من قبل لجنة التراث العالمي في مؤتمرها السنوي.
وينبغي على الحكومات الأفريقية أن تفهم أن الاتفاقية هي وسيلة لمساعدتها في الحفاظ على المواقع القيمة، لكن غالبا ما يكون لدى السياسيين مصالحهم الخاصة، فمن أجل البقاء في كراسيهم، هم بحاجة إلى استغلال الموارد وخلق الوظائف وتحقيق الأرباح.
في الكثير من البلدان الأفريقية، حيث النظم الاقتصادية الهشة، يتم إنفاق مبالغ محدودة من الأموال للحفظ بشكل أفضل على حماية المواقع الحالية، لذا يجب أن يجلب الإدراج على لائحة التراث العالمي فائدة اقتصادية، لكن على أرض الوقاع، فالعديد من المناطق المحيطة بالمواقع الموجودة بالفعل، مثل: تمبكتو في مالي أو زيمبابوي العظمى، وهي مدينة قديمة في البلد الذي يحمل نفس الاسم، لا تزال تعاني من الفقر المدقع.
ولنا أن نتخيل أن هذا أمر تعاني منه مدينة ليفربول في بريطانيا، التي اعتقدت في يوليو من الماضي، أنها تفضل السماح لليونسكو بسحب مكانتها التراثية، التي لم تجتذب سوى عدد قليل من السياح، مفضلة تطوير الواجهة البحرية التاريخية لتشجيع المزيد من الاستثمارات الاقتصادية.
ولنرى المزيد من المواقع الأفريقية على لائحة التراث العالمي، ينبغي على الغرب واليونسكو تغيير الاستراتيجية، والاستثمار بصورة أكبر في أفريقيا والجنوب بدلا من الشمال، الذي تتوفر لديه القدرة والثروة، وذلك من أجل الحفاظ على التراث العالمي المشترك، بدلا من تركه عرضة للانقراض.