كتبت – أسماء حمدي
كل صباح قبل شروق الشمس، عندما يكون معظم سكان مدينة كيسمايو الساحلية الجنوبية نائمين، تذهب فردوسا محمد أحمد 32 عاما، إلى الشاطئ لشراء الأسماك الطازجة التي ستبيعها في السوق.
مثل معظم النساء في هذا العمل، تعتمد “فردوسا” على الرجال في عملية صيد الأسماك، حيث يسيطر الرجال عل قطاع الصيد بأكمله، كما يعتبر الصيد في المجتمع الصومالي من عمل “الرجل” فقط، لكن “فردوسا” عازمة على الاستمرار في طريقها.
تقول “فردوسا”: “إنهم يقولون إن ذلك عمل الرجال، هم لا يثقون في أننا أقوياء بما يكفي لتشغيل قارب أو إدارة عمل، يريدوننا أن نبيع أشياء مثل الحليب على جانب الطريق أو أن نبقى في المنزل”.
باب أمل
بدأت “فردوسا” عملها بعد تشجيع من صديقتها، وسرعان ما اكتشفت أن كثير من النساء يتحدىن الصور النمطية لعمل المرأة ويتحولن من بيع الحليب والشاي، والذي يكفي دخله إلى دفع ثمن الطعام ليوم واحد، إلى بيع الأسماك التي تغطي دخلها أن ثمن الطعام وتساعد في تغطية رسوم المدارس للأبناء .
“كان الأمر مثل باب أمل فتح لي في البحر، كنت مترددة في البداية ولكنني أشعر الآن بالقوة”، بحسب “فردوسا”.
لدفع إيجار مساحة في السوق ولشراء صندوق ثلج لتخزين أسماكها، حصلت “فردوسا” على قرض بقيمة 300 دولار (246 جنيهًا إسترلينيًا) من مؤسسة “كاه لخدمات التمويل الإسلامي الأصغر KIMS”، وهي أول مؤسسة تمويل تجاري أصغر في الصومال، تعمل على توفير الخدمات المالية وتحفيز التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء الصومال، والتي افتتحت في عام 2014وتمكنت من توسيع أعمالها تدريجيًا.
تقول “فردوسا”: “أدفع 25 دولارًا كل شهر، لقد كانت “كاه” مفيدًة جدا لي في وضع حجر الأساس لعملي، والآن أركز على اكتساب مهارات أخرى حاسمة مثل تجفيف الأسماك والتسويق وبناء عملاء جدد”.
بتمويل من وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، توفر “كاه” دعمًا ماليًا متوافقًا مع الشريعة الإسلامية للأشخاص ذوي الدخل المنخفض في جميع أنحاء الصومال.
يقول خليفة يوسف المدير الإقليمي لمؤسسة “كاه” في كيسمايو: “لقد دعمنا 25000 شركة مملوكة للنساء منذ أن بدأنا العمل في عام 2014، نحن نعطي الأولوية بشكل خاص للنساء في قطاع الصيد حيث أثبتن قدرتهن التنافسية وخلقن فرص عمل للنساء الأخريات”.
“فردوسا” هي واحدة من 70 عضوة في تعاونية نسائية في قطاع صيد الأسماك في كيسمايو بدعم من “كاه”، وتوظف الجمعية التعاونية 10 شابات يتلقين التدريب والإرشاد بينما يكسبن في نفس الوقت الدخل بهدف بدء أعمالهن الخاصة في المستقبل.
تكسب بعض النساء الآن 200 دولار شهريًا، مقارنة بنحو 50 دولارًا قبل الانضمام إلى القطاع، مع ذلك لم يكن الأمر سهلًا، حيث واجهت “فردوسا” ونساء أخريات في الجمعية تعاونية معارضة من الرجال للقيام بعملهن، كما يخبرهم الرجال أن النساء أضعف من أن يبحرن في قارب لصيد الأسماك، وأنهن بذلك يحرجن أسرهن.
لم يكن الأمر سهلا
تشكل النساء الصوماليات 56٪ من السكان، لكنهن يدرن ما يصل إلى 70٪ من دخل الأسرة، وفقًا للأرقام الحكومية. ومع ذلك ، فهي ممثلة تمثيلا ناقصا إلى حد كبير في قوة العمل الرسمية.
تقول إديل عبد القادر حسين، مديرة مبادرات تنمية السلام الصومالية التي تتخذ من كيسمايو مقرا لها: “بالإضافة إلى نقص الاستثمار والسياسة العامة المواتية، تواجه النساء الصوماليات عوائق ثقافية تملي أي نوع من الأعمال التجارية يمكنهن القيام به أو لا يمكنهن القيام به، لذلك يستفيد الرجال من هذه المعايير الثقافية ويمنعون النساء اللواتي يحاولن الانضمام إلى الأعمال التجارية التي يسيطرون عليها تقليديًا”.
فرّت عائلة “فردوسا” من العاصمة مقديشو بعد اندلاع الحرب الأهلية في أوائل التسعينات، عندما توفي والدها بدأت والدتها في بيع الطعام، ومثل معظم الفتيات من خلفيات فقيرة تزوجت “فردوسا” عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وأنجبت طفلها الأول عندما بلغت السابعة عشرة من عمرها، ولم تتح لها الفرصة للذهاب إلى المدرسة.
وتقول في حديثها لصحيفة “الجارديان” البريطانية: “لم يكن التعليم أولوية بالنسبة لنا في ذلك الوقت، لكنني أريد أن يحصل أطفالي على كل الفرص التي فقدتها في الحياة، لن يكون الأمر سهلا لكني سأبذل قصارى جهدي طالما أنا على قيد الحياة وإذا مت فسوف أتركهم لله”.
الصومال لديه أطول خط ساحلي في أفريقيا، ويمتد لأكثر من 2000 ميل (أكثر من 3300 كيلومتر) وقد تم استغلاله تاريخياً من قبل السفن الأجنبية غير القانونية.
وفي عام 2019، وللمرة الأولى منذ أكثر من 20 عامًا، أصدرت الدولة تراخيص صيد رسمية لشركات أجنبية، والتي تدر أكثر من مليون دولار.
وقالت وزارة الثروة السمكية والموارد البحرية، التي وقعت اتفاقية مع 31 سفينة صينية، إن الإيرادات المحصلة من الترخيص البحري ستستخدم لتحسين قطاع الصيد المحلي.
تريد “فردوسا” الاستفادة من تلك الفرصة المحتملة لتوسيع أعمالها التجارية، وتقول: “أريد شراء قارب والتنافس مع الرجال، أعتقد أنه إذا حصلنا على وصول موثوق به إلى الاستثمار ، سنتمكن من بناء اقتصاد مستدام لمجتمعنا”.