كتب – حسام عيد
تلعب غينيا، وهي دولة تقع في غرب أفريقيا ويبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، دورًا كبيرًا في أسواق السلع العالمية، ففي السنوات الأخيرة، عززت البلاد إنتاجها من البوكسيت، وهو خام أحمر يتم معالجته لصنع الألومنيوم، وذلك بفضل الاستثمار الضخم من الصين.
وفي عام 2020، أنتجت غينيا حوالي 90 مليون طن من البوكسيت، أي حوالي ربع الإجمالي العالمي، ارتفاعًا من 21 مليونًا في عام 2015، وهي الآن توفر أكثر من نصف البوكسيت المستخدم في المصافي الصينية، وتنتج هذه المصافي بدورها أكثر من نصف الألومنيوم في العالم.
لذلك، كان للانقلاب العسكري الذي ألقى بغينيا في حالة اضطراب في الخامس من سبتمبر، أثرًا ملموسًا في أسواق السلع الأساسية، فقد ساعدت الأحداث على دفع سعر الألومنيوم ، الذي كان بالفعل في حالة تمزق، إلى أعلى مستوى له منذ عشر سنوات. وأيضًا غينيا هي موطن “سيماندو”، أحد أغنى الرواسب غير المستغلة من خام الحديد في العالم. وانخفضت أسعار الأسهم في هونجكياو الصينية وريو تينتو، وهما مستثمران في سيماندو، لفترة وجيزة عندما اندلعت أنباء الانقلاب.
التحكم في أسواق المعادن العالمية
غينيا ليست سوى أحدث عامل وراء ارتفاع أسعار الألومنيوم، وحتى الآن خلال هذا العام، ارتفع بنحو 40%، حيث تتسارع وتيرة تداوله أكثر من أي معدن آخر.
وارتفع سعر الألومنيوم إلى 3 آلاف دولار للطن في بورصة لندن للمعادن، بجلسة يوم الإثنين الموافق 13 سبتمبر 2021، وذلك للمرة الأولى منذ 13 عامًا وسط توقعات بأن اضطرابات الإمدادات ستبقى لفترة طويلة، بينما يستمر الطلب في الارتفاع.
بالفعل، أحد أسباب ارتفاع أسعار الألومنيوم تكمن في الطلب المتزايد، فحالة الإغلاقات التي دخل فيها العالم بسبب جائحة “كوفيد-19″، نجم عنها استهلاك شره لعلب الألومنيوم في المنازل. ومع تعافي الاقتصادات من فترات الانكماش العميقة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا المستجد في عام 2020، ارتفع الطلب على الألومنيوم لأغراض البناء؛ فخطط الإنفاق بسخاء على البنية التحتية في أمريكا والصين وأوروبا من شأنها تعزيز هذا الطلب بشكل أكبر. كما أدت مبيعات السيارات الكهربائية، التي تميل إلى احتوائها على قدر أكبر قليلًا من الألومنيوم مقارنة بالسيارات التقليدية، إلى زيادة الطلب على المعدن أيضًا.
ومع ذلك، كانت قيود العرض أكثر أهمية، ففي أغسطس الماضي، أدى حريق إلى توقف مصفاة كبيرة في جامايكا عن العمل. وتحاول شركة التعدين الأنجلو-أسترالية “ريو تينتو” العملاقة، إنهاء إضراب عمالي في مصهر في كندا. فيما تندلع اضطرابات أخرى من الصين. ويستهلك صُنع الألومنيوم كمية هائلة من الطاقة (يشير بعض التجار إلى المعدن على أنه “كهرباء متجمدة”).
ودفعت أهداف استهلاك الطاقة الجديدة بعض السلطات الإقليمية، مثل تلك الموجودة في منغوليا الداخلية وشينجيانج، إلى تقليص الإنتاج. وفي غضون ذلك، أضر الجفاف في مقاطعة “يونان” الصينية بإمدادات الطاقة الكهرومائية. ويمكن أن تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى خفض إنتاج الألومنيوم السنوي الصيني بنحو 5%، وفقًا لتقديرات “جريجوري شيرر” المحلل الإستراتيجي للسلع في جيه بي مورجان تشيس.
الأفق الغينية ومسار سوق الألومنيوم
ومن غير الواضح ما إذا كان الانقلاب في غينيا سيحد من العرض بشكل أكبر. حتى الآن، لا تزال المناجم في البلاد تعمل، ولا تزال السفن محملة بالبوكسيت والمستودعات في الموانئ الصينية مخزنة جيدًا. لكن بعض المحللين قلقون من أن دولًا أخرى ستفرض عقوبات على الحكومة الجديدة، أو أن النظام الجديد نفسه سيفرض ضرائب على عمال المناجم. وكلاهما من شأنه أن يعطل تدفق البوكسيت من غينيا.
ومع ذلك، فإن البوكسيت متوفر بشكل كافٍ يمكن مصافي التكرير الصينية من الحصول على خيارات أخرى. ويشير هذا إلى أن مصدر القلق الأكبر لسوق الألومنيوم هو المكان الذي تنتقل إليه اللوائح الصينية بعد ذلك. السلطات قلقة بالفعل من ارتفاع أسعار المعادن الذي يلحق الضرر بالمصنعين الصينيين. لقد أطلقوا بعض الألومنيوم، إلى جانب معادن أخرى، من احتياطياتهم الاستراتيجية في محاولة لكبح التضخم.
هذا الهدف يصطدم بالآخرين؛ الأول هو أهداف استهلاك الطاقة، والشيء الآخر هو الحد من إنتاج الألومنيوم في الصين، والذي تم تحديده في عام 2017، عندما اعتقدت السلطات أن البلاد كانت تنتج الكثير. إذا بدأت المصافي الصينية في تقييد الإنتاج مع اقترابها من المستهدف، فقد ترتفع الأسعار حتى يتم بناء طاقة إنتاجية جديدة في مكان آخر.
أحد الاحتمالات هو أن تبدأ الصين في نقل إنتاج الألومنيوم إلى الخارج، إلى أماكن تكون فيها العمالة رخيصة، مثل إندونيسيا. وقد انتقل بعض إنتاج النيكل بالفعل إلى البلاد، وقالت شركة “تشاينا هونجكياو”، وهي أيضًا أكبر منتج للألومنيوم في العالم، مؤخرًا إنها ستوسع عمليات مصافيها هناك. وقد ينتهي الأمر بحكام غينيا الجدد ببيع البوكسيت إلى الشركات الإندونيسية -بمساعدة الصين في كل الأحوال.