كتب – حسام عيد
ظرف استثنائي وغير متوقع يعيشه العالم اليوم مع تحول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى جائحة وبائية، ليحدث تداعيات تصل لحد الكارثة، مع تصاعد المخاطر الاجتماعية، الاقتصادية، الإنسانية؛ فالإصابات كسرت حاجز المليون، والوفيات بالآلاف.
وفي الوقت الذي يسارع فيه كثيرون إلى مدّ يد العون، ودعوة المجتمع الدولي إلى التكاتف والتعاون من أجل رفع الضرر عن الشعوب، وإنقاذ المجتمعات، يصدمنا البعض بأفعال لا تمت للإنسانية بصلة، ويمكن وصفها بـ”المقززة”.
وهذا ما أقدم عليه أطباء فرنسيون، باقتراحهم إجراء دراسات واختبارات للقاح ضد فيروس كورونا في بعض الدول الأفريقية.
تصرف مخزٍ أثار موجة غضب عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أرجاء العالم، واعتبر البعض أن ذلك الاقتراح ينم عن أن الغرب ما يزال ينظر إلى الأفارقة على أنهم أقل قيمة من الآخرين.
وقد انتقد متابعون اعتبار الدكتور سكان أفريقيا مجرد “فئران تجارب” لتجربة لقاح BCB، حتى يتفادى الأوروبيون الآثار الجانبية للقاح ولا يعرضوا أنفسهم للخطر.
كما استنكر رواد المواقع الاجتماعية الأفكار الفاسدة والعنصرية والكراهية والنزعة الاستعمارية التي تم تمريرها خلال البرنامج، كما تمت المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة ضد الطبيب وكذلك ضد القناة التي سمحت بتمرير خطابه.
ووصل الغضب إلى بعض نجوم كرة القدم الأفارقة، مثل الإيفواري ديدييه دروجبا الذي كتب قائلًا: “أفريقيا ليست مختبرًا! هذا مقزز تمامًا”.
وقد سجلت أفريقيا حتى مساء الجمعة 3 أبريل أكثر من 6200 حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد، ووفاة أكثر من 200 شخص، وما تزال القارة هي الأقل تأثرًا بالوباء.
عنصرية مقززة قاتلة
وكان الدكتور جان بول ميرا، رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى “كوشن” في باريس، قد دعا لإجراء دراسات واختبارات للقاح ضد فيروس كورونا في بعض الدول الأفريقية، حيث اقترح فكرة اختبار لقاحات جديدة للفيروس على السكان الأفارقة، على “كاميل لوشت”، مدير الأبحاث في المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية.
وقال ميرا -في برنامج بثته قناة “LCI” الفرنسية: “إن كنت أستطيع أن أكون مستفزًّا شيئًا ما، ألا ينبغي لنا أن نقوم بهذه الدراسة في أفريقيا حيث لا توجد أقنعة، ولا علاج، ولا عناية مركزة؟ كما فعلنا في بعض الدراسات حول الإيدز، لقد جربنا أشياء على البغايا؛ لأنهن معرضات للغاية ولا يحمين أنفسهن”.
ووافق لوشت على الاقتراح: “أنت على حق، نحن في الواقع نفكر في قيادة دراسة في أفريقيا، لقد أطلقنا بالفعل دعوة لتقديم عطاءات ونحن ندرس الفكرة بقوة، وقد نلجأ لاعتماد نفس المقاربة مع لقاح “BCG” المطبق ضد السل”.
استنكار واسع ودعاوى قضائية
تصريحات الطبيبين الفرنسيين أثارت موجة استنكار وغضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين نجوم كرة القدم الأفريقية، ومسؤولين، وأشخاص، بمختلف أرجاء القارة السمراء.
أول من رد على الطبيبين هو السنغالي ديمبا با، مهاجم طرابزون سبور التركي، ولاعب تشيلسي الإنجليزي السابق، حيث كتب على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “مرحبًا بكم في الغرب، حيث يعتقد أصحاب البشرة البيضاء أنهم متفوقون جدًّا، لدرجة أنّ العنصرية والضعف يصبحان أمرًا عاديًّا”.
فيما دوّن لاعب الكرة القدم السابق ديديه دروجبا على موقع “تويتر”: “هذا غير مقنع على الإطلاق، الاستمرار في قول ذلك الأمر، أفريقيا ليست معمل تجارب”.
وواصل: “أدين بوضوح تلك الكلمات المهينة والكاذبة، والأهم من ذلك أنها عنصرية”.
وتابع: “لننقذ أنفسنا من هذا الفيروس المجنون الذي يهدد الاقتصاد العالمي ويهدد صحة السكان، لا تتعاملوا مع الشعب الأفريقي كفئران تجارب، هذا مقزز جدًّا”.
وأتم: “القادة الأفارقة عليهم أن يحموا سكانهم من تلك النظريات البغيضة، ليحمينا الله”.
وأغضب مقطع الفيديو، الكاميروني “صامويل إيتو” لاعب برشلونة وإنتر ميلان السابق، الذي لم يتمالك أعصابه ووجه السباب مباشرة لهما.
ودون اللاعب الجزائري-الفرنسي، أندي ديلور، على موقع تويتر: “العنصرية هراء بشري، وأنت حر إن كنت غبيًّا”.
وقال اللاعب المغربي عبدالسلام وادو -عبر حسابه على “تويتر”- “ربما يمكننا تجربة هذا اللقاح عليك قبل تقديمه للأفارقة”.
كما عبر مواطنه المهدي بن عطية عن موقفه وكتب: “أنا مصدوم فعلًا، يا له من عار”.
وما زالت ردود فعل عدد من الرياضيين واللاعبين المغاربة الذين احترفوا في فرنسا تتوالى، مستنكرة هذه التصريحات، في حين نصب اليوم اتحاد المحامين بالمغرب نفسه طرفًا للدفاع عن أفريقيا، وتوجه بشكوى رسمية ضد هذا الطبيب للادعاء الفرنسي.
بينما علّق النائب التونسي ناجي الجمل على الفيديو بقوله: “شاهد عنصرية طبيب فرنسي: الأفارقة ليس لديهم ما يخسرونه، ويصلحون فئران تجارب لأدوية كورونا”.
فيما أشار البعض إلى وجود تجارب مشابهة سابقًا، قامت بها فرنسا وبعض الدول الغربية في دول المنطقة، حيث دوّن أحد النشطاء: “أفريقيا طول عمرها كانت فأر التجارب بالنسبة لفرنسا بداية من التجارب النووية الفرنسية في الصحارى الأفريقية الواقعة في الدول الأشد فقرًا في العالم، ومن أبسط آثاره الممتدة حتى اليوم هو الأورام السرطانية المنتشرة في معظم دول الشمال الأفريقي وتخطت حتى البحر المتوسط لتصل للجزر الواقعة جنوب أوروبا”.
وأضاف الصحافي حيدر نجم: “كورونا يقتل الإنسانية في الغرب، في فرنسا يريدون تجربة لقاح أو دواء لكوفيد-19 على سكان أفريقيا، وكأنّ الأفارقة فئران تجارب، هذه الإنسانية التي يتغنى بها الغرب”.
وعلقت إحدى الناشطات بالقول: “أفتخر بأنني أفريقية”، داعية الجزائر إلى الكفّ عن تعلم لغة المستعمر الفرنسي.
اعتذار الطبيب الفرنسي
ويبدو أن موجة الغضب الشرسة بعثت رسالة قوية إلى الطبيب الفرنسي، بأن عقارب الساعة لا تعود مطلقًا إلى الوراء، فلن يسمح أي مواطن أفريقي أو مسؤول بالتجاوز في حق أبناء القارة السمراء، أو حتى تعريض حياتهم للخطر.
وهذا ما دفع الطبيب الفرنسي جان بول ميرا -رئيس وحدة العناية المركزة في مستشفى كوشين في باريس- لتقديم اعتذار عن إجراء تجارب على لقاح محتمل لكوفيد-19 في أفريقيا.
ونقلت شبكة مستشفيات باريس التي تدير المستشفى التي يعمل بها ميرا عنه قوله: “أريد أن أقدم اعتذاري التام لمن تضرروا وصدموا وشعروا بالإهانة من التعليقات التي صرحت بها بفظاظة بشأن اللقاح هذا الأسبوع”.