كتبت – د. شيماء محي الدين
أستاذ العلوم السياسية المساعد – كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة
شهدت الساحة السياسية في النيجر إجراء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في أواخر شهر فبراير الماضي، ولقد أجريت الانتخابات وسط جدل واسع النطاق حول فرص وإمكانات كلا المتنافسين في جولة الإعادة في الوصول للسلطة والفوز بمنصب الرئيس، وفي الوقت نفسه، فقد صاحب عملية الاقتراع حالة من الاضطراب الداخلي الناتجة عن احتجاج بعض القوى السياسية في النيجر على الأجواء التي أجريت في إطارها العملية الانتخابية، مشككين في نزاهتها وكذا في جدية والتزام القائمين عليها بالضوابط القانونية ذات الصلة بمختلف مراحل إجراء الانتخابات بدءًا بالاقتراع والفرز، وصولًا لإعلان النتائج، وتعتبر هذه الانتخابات من الأهمية بمكان في تاريخ النيجر، وذلك بالنظر إلى ما أسفرت عنه من نتائج تشكل سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الدولة حيث يتولى رئيس من أصول عربية رئاسة المستعمرة الفرنسية السابقة، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام بشأن تداعيات هذه الانتخابات على مستقبل الدولة، خاصة وأن للنيجر تاريخًا من الانقلابات العسكرية، ولعل هذا ما يستوجب دراسة هذه الانتخابات بشيء من التفصيل، وذلك للوقوف على ما لها من دلالات وما تعكسه من تداعيات على طبيعة التفاعلات على الساحة السياسية في النيجر.
وفي هذا السياق، تنقسم الدراسة إلى مجموعة من الأقسام، تبدأ بعرض الإطار العام الذي نظمت في سياقه الانتخابات الرئاسية في النيجر بجولتيها الأولى والثانية، مرورًا بعرض أبرز المتنافسين في الانتخابات الرئاسية وتوجهاتهم الحزبية وتاريخهم في العمل السياسي، وصولًا إلى نتائج الانتخابات وكذا ردود الفعل التي أثارتها هذه النتائج، سواء داخليًّا أو خارجيًّا.
أولًا: الإطار العام لتنظيم الانتخابات الرئاسية في النيجر
تعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت جولتها الأولى في 27 ديسمبر 2020 وتلتها جولة ثانية في 21 فبراير 2021 أول انتقال سلمي للسلطة من رئيس منتخب لآخر في تاريخ النيجر التي شهدت تاريخًا حافلًا بالانقلابات العسكرية منذ استقلال الدولة عن فرنسا رسميًّا عام ،960. وبعد استقلالها عن فرنسا، ظلت النيجر لمدة 33 عامًا في ظل نظام الحزب الواحد، واستمر هذا الأمر حتى وصلت موجة التحول الديمقراطي إلى النيجر، وذلك عام 1991، من خلال المؤتمر الوطني، الذي انعقد في الفترة من 29 يوليو إلى 3 نوفمبر عام 1991. وبعدها تم إعلان الجمهورية الثالثة وتم تبني دستور الجمهورية الثالثة عن طريق استفتاء في 26 ديسمبر عام 1992. وفي 27 فبراير عام 1993، انتخب تحالف قوى التغيير (المكون من ثلاثة أحزاب هي: الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية PNDS، والميثاق الديمقراطي والاجتماعي CDS، والتحالف النيجري من أجل الديمقراطية والتقدم ANDP) ماهمان عثمان رئيسًا للدولة، وهو أول رئيس من جماعة الهوسا. ومنذ ذلك الحين، اتسم التاريخ السياسي للنيجر بوضع تتناوب فيه الأنظمة المنتخبة مع الانقلابات العسكرية، ولعل هذا ما يعد مؤشرا على أن عمق وتغلغل مبادئ الحكم الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في النيجر مسألة محل شك، ورغم ذلك، فقد شهدت النيجر في تاريخها العديد من محاولات الإصلاح السياسي في أعقاب كل انتخابات وكل انقلاب عسكري عرفته الدولة[1].
وبالنظر للإطار القانوني المنظم للانتخابات الرئاسية في النيجر، فقد نصت المادة 109 من قانون الانتخابات على أن يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر والحر، وأن يكون الاقتراع سريًا ويتم إجراؤه في نظام تعددي واحد مع جولة الإعادة، مع تحديد مدة تولى المنصب في 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وطبقًا للقانون، يفوز المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الجولة الأولى. وفي حالة عدم استيفاء أي مرشح لهذا الشرط، يتم تنظيم جولة إعادة بعد 21 يومًا من إعلان نتائج الجولة الأولى، على أن تجرى الإعادة بين المرشحين اللذين يحتلان المرتبة الأولى والثانية في الجولة الأولى من الانتخابات. وبالمثل فقد نص القانون على أنه لا يجوز لأي مرشح الانسحاب بعد 72 ساعة من إعلان نتائج الجولة الأولى من قبل المحكمة الدستورية. ومع ذلك، في حالة وفاة أحد المرشحين أو انسحابه أو عجزه عن الأهلية، يحسم السباق لصالح المرشح التالي المصنف في ترتيب الأولويات على أساس نتائج الجولة الأولى من الانتخابات. وفي حالة وفاة المرشحين يتم إجراء انتخابات جديدة[2].
وتشير التجربة العملية إلى أن التحالفات والمساومات السياسية عادة ما تلعب دورًا حاسمًا في نتائج انتخابات جولة الإعادة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 1993، شهدت البلاد دائمًا جولة إعادة في الانتخابات، حيث لم يتمكن أي مرشح من الحصول على الأغلبية المطلقة وحسم نتائج السباق من الجولة الأولى.
ثانيًا: أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية 2021 في النيجر
تنافس في الانتخابات الرئاسية النيجرية للعام 2020- 2021 نحو 30 مرشح، ينتمون إلى مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الموجودة في النيجر، ولم يترشح الرئيس الحالي محمدو إيسوفو (68 عاما) لولاية ثالثة، خلافًا للعديد من رؤساء الدول الأفريقية الذين عادة ما يتمسكون بالسلطة، ولقد تمحورت القضايا الرئيسية التي سيطرت على الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة حول ثلاث قضايا هي: انعدام الأمن والفقر والفساد. وعلى الرغم من التقدم الذي سجله الرئيس إيسوفو في السنوات التسع الماضية، إلا أن تقارير البنك الدولي تؤكد أن معدلات الفقر لا تزال مرتفعة، حيث يعيش نحو 41.4٪ من السكان في النيجر في فقر مدقع طبقًا لتقارير عام 2019[3]. وفيما يلي تعريف بأهم المرشحين في الانتخابات وتوجهاتهم الحزبية وتاريخهم في العمل السياسي في النيجر:
- ماهمان عثمان:
يعتبر ماهمان عثمان أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا للنيجر، ويأتي في الترتيب الرابع لرؤساء النيجر منذ الاستقلال. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ماهمان عثمان قد خاض انتخابات الرئاسة عام 1993 عن الحزب الديمقراطي، وحصل على المركز الثاني بنحو 26.2% من الأصوات، بعد مامادو تانجا مرشح الحركة الوطنية لتنمية المجتمع، ومع ذلك فقد استطاع عثمان -بدعم من تحالف الأحزاب المعروف باسم “تحالف قوى التغيير”- التفوق على منافسه مامادو في الجولة الثانية، التي عقدت في 27 مارس من ذات العام، حيث حصل عثمان على نسبة 54.4% من الأصوات. ولقد ظل عثمان رئيسًا للدولة خلال الفترة منذ 16 أبريل عام 1993، حتى 27 يناير عام 1996، حيث أطيح به في انقلاب عسكري بقيادة إبراهيم باري معين الصرة، وألقي القبض على عثمان وتم احتجازه في ثكنة عسكرية لعدة أيام ثم وضع تحت الإقامة الجبرية حتى 24 أبريل عام 1996[4]. ومنذ ذلك الحين، ترشح ماهمان عثمان في كل الانتخابات الرئاسية التي أجريت في النيجر، لكنه لم يتمكن من الفوز بمنصب الرئيس، حيث حصل على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية لعام 1996 بنسبة 19.75% من الأصوات لكن تم اعتقاله قبل جولة الإعادة التي فاز فيها معين الصرة. وفي انتخابات عام 1999 التي أجريت بعد اغتيال الرئيس النيجري معين الصرة، جاء عثمان في المركز الثالث بنسبة 22.5% من الأصوات فلم يتمكن من المشاركة في جولة الإعادة. وبالمثل فقد حصل على المركز الثالث في انتخابات عام 2004 الرئاسية، بنسبة 17.4% من الأصوات[5].
وبالرغم من عدم تمكنه من الفوز بمنصب رئيس الدولة في كافة الانتخابات سالفة الذكر، إلا أن عثمان قد انتخب لعضوية الجمعية الوطنية لعام 1999، كما انتخب رئيسًا للجمعية الوطنية في شهر ديسمبر من ذات العام، وبعدها تقلد عثمان العديد من المناصب، حيث انتخب رئيسًا للجنة البرلمانية المشتركة للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في مارس عام 2003 وأعيد انتخابه في هذا المنصب لدورة ثانية عام 2004. وبعد الانتخابات البرلمانية لعام 2004، أعيد انتخاب ماهمان عثمان رئيسًا للجمعية الوطنية في 16 ديسمبر 2004، وفي نوفمبر عام 2006، انتخب عثمان رئيسًا لبرلمان الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا[6].
ونتيجة خلاف بين حزب عثمان والحكومة حول استفتاء عام 2009 الذي كان يسمح للرئيس تانجا بالاستمرار في السلطة، ترك حزب عثمان الحكومة وقاطع الانتخابات البرلمانية عام 2009. ومع اشتداد حدة الخلاف بين حزب عثمان في المعارضة وحكومة تانجا، أصدرت السلطة مذكرة اعتقال عثمان، غير أنه لم يتم اعتقاله لوجوده خارج البلاد في ذاك الوقت. ولقد عاد عثمان للنيجر عام 2010، بعد الانقلاب الذي أطاح بتانجا في 18 فبراير من ذات العام[7]. ومنذ ذلك الحين يعمل عثمان في المعارضة وقد ترأس حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري، غير أنه لم يتمكن من العودة للرئاسة مرة أخرى في انتخابات 2011 التي حصل خلالها على نسبة ضئيلة جدًّا من أصوات الناخبين لا تتجاوز 8%.
2- محمد بازوم:
يعتبر محمد بازوم من القيادات السياسية البارزة في تاريخ النيجر، فهو من أصل عربي، حيث ينتمي إلى الميايسة -وهي قبيلة أولاد سليمان العربية ذات الأصول الليبية، والتي تعود إلى قبائل بني سليم العربية بالحجاز، والتي هاجرت بعضها إلى شمال أفريقيا خلال القرن الحادي عشر للميلاد- يدين بازوم بالإسلام ويتحدث عددًا من اللغات مثل العربية والهوسا والتوبو والكانوري والفرنسية والإنجليزية بطلاقة[8]. وعلى صعيد العمل السياسي، يتولى بازوم منصب رئيس الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية (PNDS)منذ عام 2011. ولقد شغل بازوم العديد من المناصب خلال تاريخه السياسي من بينها منصب وزير التعاون الدولي خلال الفترة منذ عام 1991 حتى عام 1993. وفي 11 أبريل عام 1993، انتخب لعضوية الجمعية الوطنية عن دائرة تسكر. وفي عام 1995، خدم في حكومة النيجر كوزير للخارجية واستمر في منصبه حتى عام 1996، عندما قاد إبراهيم باري معين الصرة انقلابًا عسكريًا في 27 يناير 1996، ووضع بازوم وقتذاك تحت الإقامة الجبرية ولم يفرج عنه إلا بحكم قضائي في 12 أغسطس عام 1996[9].
وفي المؤتمر الرابع للحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية، والمنعقد في سبتمبر 2004، انتخب بازوم نائبًا لرئيس الحزب. وفي ذات العام، انتخب مرة أخرى لعضوية الجمعية الوطنية في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ديسمبر عام 2004، وكان النائب الثالث لرئيس الجمعية الوطنية خلال هذه الدورة البرلمانية[10]. وفي يوليو عام 2009، أعيد انتخابه نائبًا لرئيس الحزب. وفي 21 أبريل عام 2011، تم تعيينه في الحكومة كوزير دولة للشئون الخارجية والتعاون والتكامل الأفريقي والنيجريين في الخارج. ومع مطلع عام 2015، شغل بازوم منصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية، ثم انتخب مجددًا لعضوية الجمعية الوطنية في فبراير عام 2016[11]. وبعد أن أدى الرئيس النيجري محمدو إيسوفو اليمين الدستورية لفترة ولايته الثانية، عهد إلى بازوم بمنصب وزير الدولة للداخلية والأمن العام واللامركزية والشئون العرفية والدينية[12]. واستمر في هذا المنصب منذ أبريل عام 2016 حتى عام 2020، حيث استقال من الوزارة للتركيز على الترشح للانتخابات الرئاسية 2020- 2021.
3 – سيني أومارو:
ولد سيني أومارو في تيلا بيري في النيجر عام 1951، وهو ينتمي إلى جماعة جرمة الإثنية. وفي عام 1995، أصبح المستشار الخاص لرئيس الوزراء هاما أمادو. وفي أبريل من عام 1999، عين أومارو في الحكومة كوزير للتجارة والصناعة في ظل النظام العسكري الانتقالي السائد في ذاك الوقت. ولقد ظل في منصبه حتى بعد إجراء الانتخابات، ثم عين وزيرًا للتجارة والنهوض بالقطاع الخاص في سبتمبر عام 2001 ثم وزيرًا للتجارة والصناعة والحرف والنهوض بالقطاع الخاص في فبراير عام 2004. وفي عام 2007، اختاره الرئيس مامادو تانجا كرئيس للوزراء خلفًا لحما أمادو. وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2009، ترأس أومارو قائمة مرشحي الحركة الوطنية لتنمية المجتمع -التي ترأسها رسميًّا منذ عام 2008- في تيلابيري واضطر وقتذاك للاستقالة من الحكومة. وبعد فوزه بمقعد في الجمعية الوطنية، انتخب أومارو رئيسًا للجمعية الوطنية في 25 نوفمبر 2009. وكان التصويت بالإجماع، حيث صوت جميع النواب البالغ عددهم 109 الذين كانوا حاضرين لصالح ترشيحه. وفي 18 فبراير عام 2010، استولى الجيش على السلطة بانقلاب عسكري وأطاح بتانجا وحل الجمعية الوطنية. وعلى خلفية الانقلاب، تم اعتقال سيني أومارو في مارس من ذات العام. وبالرغم من الإفراج عنه بعد قرابة شهر من تاريخ اعتقاله، إلا أنه قد أعيد اعتقاله في 29 يوليو من عام 2010، حيث وجهت له تهم بالاختلاس وتم الإفراج عنه بكفالة في أغسطس من عام 2010[13].
ولقد خاض أومارو الانتخابات الرئاسية في مارس 2011، لكنه هزم أمام محمدو إيسوفو في الجولة الثانية من التصويت، وبالمثل فقد ترشح في انتخابات عام 2016، ولكنه هزم مرة أخرى ليحتل المركز الثالث ويخرج من السباق الرئاسي من الجولة الأولى. وفي أغسطس عام 2016، أعلن أومارو أن الحركة ستنضم إلى تحالف “الأغلبية الرئاسية” للأحزاب المؤيدة لإيسوفو[14]. ونتيجة لذلك، تم تعيين أومارو في منصب الممثل الأعلى للرئيس إيسوفو في أكتوبر من ذات العام. وخلال توليه لهذا المنصب، تم تكليف أومارو بمسؤوليات واسعة “لتسيير وإدارة المشاريع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية” وكان رسميًّا في المرتبة الخامسة في بروتوكول الولاية[15].
4 – البادي أبوبا:
ولد البادي أبوبا في كاو الواقعة داخل مقاطعة تشين تابارادن، وهو ينتمي إلى جماعة الفولاني الإثنية. ولقد عين وزيرًا للداخلية واللامركزية مرتين، الأولى خلال الفترة منذ عام 2002 حتى عام 2004، والثانية خلال الفترة منذ عام 2007 حتى عام 2010، وكانت الأخيرة في حكومة سيني أومارو. وبعد استقالة أومارو عام 2009 للترشح للانتخابات البرلمانية، تم تعيين أبوبا خلفًا له بالوكالة من قبل الرئيس مامادو تانجا.[16] وعندما تمت الإطاحة بتانجا في انقلاب في فبراير عام 2010، تم اعتقال أبوبا ووزراء آخرين في الحكومة. وبعد قرابة شهر، تم الإفراج عن عدد من الوزراء المعتقلين، بينما ظل أبوبا رهن الاحتجاز.[17] وفي أغسطس عام 2013، انضم أبوبا إلى حكومة الرئيس محمدو إيسوفو كوزير دولة في ديوان الرئاسة. وبعدها انقسمت الحركة الوطنية لتنمية المجتمع إلى فصيلين، أحدهما بزعامة سيني أومارو والآخر برئاسة البادي أبوبا. وظل الأمر كذلك حتى قام أبوبا وجماعة من أنصاره بتأسيس حزب سياسي جديد عام 2015 عرف باسم الحركة الوطنية للجمهورية. وفي عام 2016، حصل حزب البادي أبوبا على 13 مقعدًا في البرلمان. ومنذ أبريل عام 2016، يتولى أبوبا منصب وزير الزراعة والثروة الحيوانية[18].
5 – إبراهيم يعقوب:
إبراهيم يعقوب هو قائد الحركة الوطنية النيجرية، وهي حزب سياسي حديث النشأة نسبيًا أسسه يعقوب في نوفمبر عام 2015. وليعقوب تاريخ في العمل السياسي النيجري حتى قبل تأسيس الحركة، حيث كان المقرر العام للمجلس الاستشاري الوطني، الذي أنشأه المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس مامادو تانجا، وذلك خلال الفترة الانتقالية 2010- 2011. وهنا تجدر الإشارة إلى أن يعقوب كان عضوًا في الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية الحاكم، وتولى عددًا من الحقائب الوزارية على فترات مختلفة، حيث عين كوزير للنقل عام 2012، ثم انتقل إلى منصب نائب رئيس ديوان الرئيس محمدو إيسوفو في سبتمبر عام 2013. ونتيجة تورطه في خلاف مع بعض الأعضاء البارزين في الحزب، تم إقصائه من الحزب في 23 أغسطس عام 2015، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس الحركة الوطنية النيجرية. وفي فبراير عام 2016، خاض يعقوب الانتخابات الرئاسية كمرشح للحركة الوطنية النيجرية. وبعد الجولة الأولى من التصويت، أعلن يعقوب دعمه للرئيس إيسوفو في الجولة الثانية من التصويت، والتي أجريت في مارس عام 2016. وبالفعل فقد أعيد انتخاب إيسوفو كرئيس للنيجر في انتخابات 2016، وكافأ الرئيس إيسوفو يعقوب وغيره من المرشحين الآخرين الذين دعموه بمناصب حكومية، وتم تعيين يعقوب كوزير للخارجية خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018[19].
ومن هذا العرض السابق لأبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، يلاحظ أنه بالرغم من أنهم ينحدرون من أصول وجماعات إثنية مختلفة وينتمون لأحزاب وتيارات سياسية مختلفة عن بعضهم البعض، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمعهم أنهم جميعًا من القيادات السياسية السابقة الذين سبق وتولوا مناصب سيادية -سواء رؤساء دولة أو رؤساء وزارة أو وزراء أو غير ذلك- خلال مختلف المراحل التاريخية للدولة وفي إطار حكومات بعضها مدنية وبعضها عسكرية. ولعل هذا ما يعد مؤشرًا على أن النظام السياسي في النيجر ربما يعيد تدوير ذات الوجوه المعروفة والمألوفة لدى المواطنين بدلًا من إعطاء الفرصة لقيادات شابة جديدة ربما تلقى استحسانًا لدى المواطنين في الدولة.
ثالثًا: نتائج الانتخابات الرئاسية في النيجر
أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في النيجر عن عدم حسم سباق الرئاسة لصالح أي من المرشحين، حيث لم يستطع أي منهم الحصول على النسبة التي يقرها القانون للفوز بمقعد الرئاسة من الجولة الأولى. وجدير بالذكر أنه لم يحدث في تاريخ النيجر من قبل أن استطاع أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية الفوز في الانتخابات من الجولة الأولى. ولقد أعلنت المحكمة الدستورية نتائج الانتخابات التي حصل خلالها محمد بازوم على 39.33% من الأصوات، مقابل نحو 16.99% من الأصوات لصالح منافسه ماهمان عثمان. أما عن باقي المرشحين فقد حصل رئيسا الوزراء السابقان سيني أومارو (في المركز الثالث) والبادي أبوبا (في المركز الرابع) على 8,95% و7,07% من الأصوات على التوالي، ليتقدموا بذلك على وزير الخارجية السابق إبراهيم يعقوب الذي احتل المرتبة الخامسة بنسبة 5,38% من الأصوات. ولقد بلغت نسبة المشاركة 69,67%، مع إدلاء 5,2 مليون ناخب بأصواتهم من أصل 7,4 مليون ناخب مسجل (تحديدًا 7,446,556 مواطن نيجري) من أصل 22 مليون نسمة معظمهم لم يبلغ سن التصويت[20].
جدول رقم (1): نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في النيجر
م | المرشح | الحزب الذي ينتمي إليه | % الأصوات التي حصل عليها |
1 | محمد بازوم | الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية PNDS | 39.33 |
2 | ماهمان عثمان | حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري RDR | 16.99 |
3 | سيني أومارو | الحركة الوطنية لتنمية المجتمع MNSD | 8.95 |
4 | البادي أبوبا | الحركة الوطنية للجمهورية MPR | 7.08 |
5 | إبراهيم يعقوب | الحركة الوطنية النيجرية MPN | 5.38 |
6 | آخرون | — | 22.27 |
Source: La cour constitutionnelle statuant en matière electorale, 30 Janvier 2021
http://cour-constitutionnelle-niger.org/documents/arrets/matiere_electorale/2021/arret_n_06_21_cc_me.pdf
ويوضح الجدول رقم 1 نسب الأصوات التي حصل عليها المرشحون في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية النيجرية. وعليه فقد دعي كل من محمد بازوم وماهمان عثمان إلى خوض جولة الإعادة التي انطلقت بالفعل في 21 فبراير عام 2021.
جدول رقم (2): نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في النيجر
م | المرشح | الحزب | % الأصوات التي حصل عليها |
1 | محمد بازوم | الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية | 55.75 |
2 | ماهمان عثمان | حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري | 44.25 |
Source: Africa News: Niger’s Mohamed Bazoum wins presidential election round 2– EC, at: https://www.africanews.com/2021/02/23/niger-s-mohamed-bazoum-wins-presidential-election-round-2-ec//
وجدير بالذكر أن هذه الانتخابات تعد الأولى من نوعها، فلأول مرة منذ 60 عامًا تشهد النيجر انتخابات بطريقة تجعل رئيسًا منتخبًا ديمقراطيًا ينقل السلطة إلى رئيس آخر منتخب ديمقراطيًا سابقا. بعبارة أخرى، هذه المرة الأولى التي يتعاقب فيها رئيسان منتخبان في هذا البلد الذي تطغى على تاريخه سلسلة من الانقلابات العسكرية منذ استقلاله في عام 1960.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات أجريت وسط اضطرابات داخلية في العاصمة نيامي وكذا في بعض المدن الكبرى. ففي صباح يوم الاقتراع في جولة الإعادة، انفجرت سيارة قرب بلدة دارغول جنوب غرب البلاد على متنها أفراد من اللجنة الانتخابية. ولقد أكدت السلطات أن الانفجار سببه لغم أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وجرح آخرين. وقالت وسائل إعلام محلية: إن الحادث وقع في منطقة نائية جنوب البلاد، وإنه على الأرجح ناجم عن عمل إرهابي تم التخطيط له لإحداث فوضى واضطرابات بالتزامن مع عمليات الاقتراع[21]. وفي هذا السياق، فقد ألقى انعدام الأمن بظلاله على الحملات الانتخابية، وتعرضت النيجر لهجمات متتالية شنها إرهابيون على حدودها الجنوبية الغربية مع مالي وعلى حدودها الجنوبية الشرقية مع نيجيريا. وجدير بالذكر أن النيجر تعتبر من الدول المستهدفة من قبل العديد من الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل، حيث نفذ تنظيما داعش وبوكو حرام أكثر هجماتهما الدموية خلال عام 2020 في النيجر، وتسبّبت الهجمات المتواصلة للجماعات الإرهابية في مقتل المئات وكذا في نزوح مئات الآلاف (300 ألف لاجئ ومشرد في الشرق قرب نيجيريا و160 ألفا في الغرب قرب مالي وبوركينا فاسو).[22] وفي ذات السياق، تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 2018، شهدت الأجزاء الغربية من النيجر هجمات مكثفة دبرها تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى التابع لتنظيم داعش الإرهابي على طول الحدود بين النيجر وبوركينا فاسو. ولقد تم تسجيل نحو 167 هجوم إرهابي نتج عنها 506 حالة وفاة في عام 2018. وارتفعت الأرقام إلى 476 عمل ارهابي نتج عنها 1046 حالة وفاة في عام 2020. ووقعت معظم الأحداث على حدود البلاد. ومع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، هاجم الإرهابيون قريتين، وقتلوا أكثر من 100 شخص. وبتأمل هذه البيانات، يتبين وجود حالة من انعدام الأمن ألقت بظلالها على الاستقرار السياسي في النيجر[23].
وعلى أثر الاضطرابات التي شهدتها الدولة في بعض الأقاليم، لم تفتح الكثير من مراكز الاقتراع أبوابها في الموعد المحدد لذلك -والمقرر بالساعة الثامنة صباحًا بتوقيت النيجر- غير أن هذا لم يبدو مثيرًا للقلق لدى مفوضية الانتخابات، حيث أعلن أحد المراقبين التابعين لها أن الأمر ليس خطيرًا وأنه سيتم تداركه من خلال تأخير إغلاق هذا المركز. ولقد نشرت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عشرات المراقبين لمتابعة سير عمليات التصويت في الانتخابات النيجرية، وقاطعت المعارضة مشاركتها في المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات في الدورة الأولى لكنها انضمت إليها خلال الدورة الثانية[24].
رابعًا: ردود الفعل الداخلية والخارجية إزاء نتائج الانتخابات في النيجر
منذ إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بفوز الرئيس محمد بازوم مرشح السلطة والموالي للرئيس المنتهية ولايته محمدو إيسوفو، اندلعت اضطرابات في نيامي ومدن أخرى وارتكبت أعمال نهب وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، حيث نزل المتظاهرون إلى الشوارع وهاجموا الشرطة التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع، كما اعتُقل كثيرون بينهم رئيس أركان القوات المسلحة السابق موموني بوريمة المتهم بأنه يقف وراء الاضطرابات التي اندلعت أثناء إعلان النتائج. ليس هذا فحسب، فقد أعلن وزير الداخلية النيجري أنه قد قتل شخصان خلال هذه الاضطرابات التي اندلعت في أعقاب إعلان النتائج، مؤكدا أنه قد تم توقيف نحو 468 شخصًا من بينهم شخصيات سياسية بارزة لكنه لم يعلن أسمائهم[25].
وفي هذا السياق، طالب المعارض النيجري ماهمان عثمان الذي هزم في الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية بالإفراج عن جميع الذين أوقفوا خلال أعمال العنف التي أعقبت إعلان نتائج الاقتراع. وقال عثمان للقناة الخاصة “لاباري” في العاصمة نيامي “نطالب بالإفراج عن جميع الموقوفين من دون تأخير وبوضع حد للمضايقات والتهديدات التي يتعرض لها النشطاء”. وأضاف “أناشد المجتمع الدولي أيضا بشأن مخاطر تدهور الوضع بعد الانتخابات في النيجر”[26].
ورغم ذلك، فقد أشاد الرئيس النيجري محمدو إيسوفو -الذي ترك السلطة طوعا بعد ولايتين دستوريتين استمرتا عشر سنوات- في كلمته بمناسبة العام الجديد بالانتخابات الرئاسية النيجرية، واصفًا إياها بأنها “صفحة جديدة وناجحة في تاريخ بلادنا الديمقراطي”.[27]
ولقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن “فرنسا تدعو جميع الفاعلين السياسيين إلى تعزيز مناخ الحوار والتهدئة، واستخدام القنوات القانونية لتسوية أي نزاع”. جاء ذلك على خلفية قيام مجهولون بتخريب منزل مراسل إذاعة فرنسا الدولية في النيجر وإحراقه جزئيا في العاصمة نيامي[28].
خاتمة
سطرت النيجر صفحة جديدة في تاريخها السياسي بموجب انتخابات الرئاسة التي أجريت خلال الأسابيع الماضية. فبالرغم من أنها في السياق الأفريقي لا تعدو كونها حلقة في مسلسل الانتخابات الذي باتت تعرفه دول القارة بشكل منتظم، إلا أن المتأمل للسياق الذي أجريت فيه الانتخابات النيجرية وكذا للنتائج التي أسفرت عنها يدرك أن هذه الانتخابات الأخيرة إنما تختلف عن سابقاتها لدرجة تجعلها بمثابة سابقة تاريخية تحدث لأول مرة في تاريخ الدولة. فمن ناحية، تعتبر هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها انتقال سلمي للسلطة من رئيس منتخب إلى آخر، بالرغم من عدم وجود اختلافات جوهرية على صعيد التوجهات السياسية والانتماءات الحزبية للرئيسين السابق والحالي. ومن ناحية أخرى، فلأول مرة يتولى رئيس من جذور عربية الرئاسة في النيجر، الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى قدرة الرئيس بازوم على استعادة الأمن والاستقرار في النيجر، لا سيما على خلفية التحديات الأمنية بالغة الخطورة التي تواجهها الدولة في الآونة الأخيرة، ولعل من أبرزها تحدي الإرهاب الذي كبد الدولة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وبخاصة خلال العامين الماضيين. وفي هذا السياق، يصبح نجاح بازوم مرهونًا -بدرجة كبيرة- بمدى تمكنه من السيطرة على الأوضاع الداخلية المضطربة في النيجر وكذا بقدرته على الحفاظ على تحالفات قوية تضمن استمراره في السلطة لا سيما في دولة ذات تاريخ حافل بالانقلابات العسكرية مثل النيجر. وفي هذا السياق، يصبح التكهن بمدى قدرة الرئيس المنتخب حديثًا على تحقيق هذه المعادلة أمرًا من الصعوبة بمكان. وختامًا يمكن القول أن التحدي الأمني يظل هو الأبرز من بين مختلف التحديات التي تواجهها النيجر، الأمر الذي يجعله بمثابة الاختبار الحقيقي للرئيس المنتخب حديثًا، وعليه فإن لم يتمكن الرئيس من مواجهة هذا التحدي والحد من آثاره الكارثية على الدولة ومواطنيها، يصبح استمراره في السلطة مسألة محل شك.
[1] Trans- Saharan Election project: Niger
[2] The Electoral code of Niger (Ordonnance n° 2010-96 du 28 décembre 2010, portant code électoral): https://tsep.africa.ufl.edu/files/Doc-1_Code-electoral-2010-Niger.pdf
[3] Olayinka Ajala: Niger’s democratic transition is good news, but the threat of insurgency remains high
[4] Los Angeles Times: Niger’s First Democratically Elected President Is Ousted
[5] African Elections Database: Elections in Niger
[6] la treizième session ordinaire du Comité Interparlementaire de l’UEMOA
[7] BBC news: Niger vows to arrest exiled opposition leaders
http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/8429739.stm
[8] وكالة أبوظبى: انتخاب رئيس من أصل عربي يشعل دولة إفريقية
[9] Amnesty International: Niger: A major step backward
[10] PNDS: Comité Exécutif National issu du 4ème Congrès Ordinaire, Niamey du 04 au 05 Septembre 2004
[11] Africa Intelligence: Bazoum back to basics at PNDS party
[12] Composition du gouvernement de la République du Niger: La Renaissance « acte 2 » en marche
[13] Africa confidential: Seyni Oumarou
[14] African Elections Database, op.cit.
[15] Mathieu Olivier, “Niger: Seini Oumarou nommé Haut représentant du chef de l’État”, Jeune Afrique, 21 October 2016
[16] Le Gouvernment de Niger: Gouvernement nigérien formé le 09 juin 2007
http://www.izf.net/affiche_oscar.php?num_page=5938
[17] BBC news: Niger coup leaders promise fresh elections
http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/8527442.stm
[18] LÉGISLATIVES : RÉPARTITION PROVISOIRE DES 171 SIÈGES AU PARLEMENT (CENI)
[19] Mathieu Olivier, “Niger: qui est Ibrahim Yacouba, l’exclu du PNDS devenu ministre des Affaires étrangères?”, Jeune Afrique, 13 April 2016
[20] La cour constitutionnelle statuant en matière electorale, 30 Janvier 2021
http://cour-constitutionnelle-niger.org/documents/arrets/matiere_electorale/2021/arret_n_06_21_cc_me.pdf
[21] خليل ولد أجدود: مرشح من قبيلة عربية يقترب من الفوز برئاسة النيجر
[22] العين الإخبارية: انتخابات النيجر.. رئيس سابق ومرشح الحزب الحاكم بجولة الإعادة
[23] Olayinka Ajala: op.cit.
[24] فرانس 24: النيجر: الناخبون يدلون بأصواتهم في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية
[25] وكالة أبو ظبى: انتخاب رئيس من أصل عربي يشعل دولة إفريقية، م س ذ
[26] المعارض ماهمان عثمان يطالب بالإفراج عن جميع الموقوفين بعد الاحتجاجات في النيجر
[27] العين الإخبارية: م س ذ
[28] وكالة أبوظبى: م س ذ