دراسة بقلم د. محمد فؤاد رشوان
باحث في الشؤون الأفريقية
الهجرة ظاهرة قديمة تمتد إلى الفترات الأولي من تاريخ البشرية، فقد انتقل الإنسان من مكان لآخر عبر العصور لأسباب عديدة، وتعكس معظم الحركات الإنسانية رغبة الإنسان في مغادرة مكان ما تصعب معيشته فيه إلى مناطق أخرى يعتقد إمكانية أن يعيش فيه بصورة أفضل، ولا يقتصر هذا الأمر على الهجرات الدولية، وإنما يمتد إلى الهجرات المحلية مثل انتقال الأيدي العاملة من إقليم إلى آخر بحثًا عن الرزق أو انتقال سكان الريف للعيش في المدن… وهكذا.
وعلى الرغم من كون دوافع الهجرة قد تختلف من شخص إلى آخر إلا أن القاسم المشترك بينهم هو عدم الرضا عن البيئة الأصلية للمهاجرين مما يحفزهم إلى الانتقال إلى بيئة أخرى أكثر ملائمة.
ومن ناحية أخرى، ونتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية والصراعات التي تشهدها القارة الأفريقية، أصبحت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالإضافة إلى مشكلة اللاجئين والنازحين تشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، لذلك فقد أعلن الاتحاد الأفريقي أن عام 2019 هو عام “اللاجئين والعائدين والمشردين داخليًا: نحو حلول دائمة للتهجير القسري في أفريقيا”، وذلك نظرًا لأهمية مشكلة اللاجئين والنازحين في القارة الأفريقية، والتي تحتوي على ثلث المشردين في العالم، حيث إنه وفقًا لآخر تقارير الاتحاد الأفريقي يوجد في أفريقيا 6.3 مليون لاجئ و14.5 مليون نازح، يعانون من الحياة بشكل سيئ جراء المصاعب الكبيرة التي تحول دون قدرتهم على الوصول إلي الخدمات الأساسية.
أولاً: مفهوم الهجرة وتقسيمها وفقًا لقانونيتها.
الهجرة فى اللغة تعني كما وردت في معجم المعاني الجامع هي مصدر الفعل هجَرَ، وجمعها هِجْرات؛ وهي خروج الفرد من أرض وانتقاله إلى أرض أخرى سعيًا وراء الرزق، ومعنى الهجرة في المعجم الوسيط انتقال شخص إلى بلد جديد وهو ليس مواطنًا فيه ليعيش فيه بصفة دائمة[1].
والهجرة لغة لها عدة معان يتم الاقتصار هنا على أنها الخروج والسير والانتقال وتعني الخروج من أرض إلى أخرى سعيًا وراء الرزق.
أما الهجرة اصطلاحًا فيراد بها مضامين مختلفة، ويرجع ذلك بسبب اختلاف العلم الذي تدرس فيه أو المعيار الذي عُرفت بناءً عليه في نفس العلم، فالهجرة في علم السكان أو الديموغرافيا فلها عدة تعريفات مختلفة؛ منها ما يكون باعتبارها داخلية أو خارجية، ومنها ما يكون باعتبار الإرادة فيها أهي قسرية أم اختيارية، ومنها ما يكون وفقاً للقانون أو خلافه فتكون هجرة شرعية أو غير شرعية[2].
وبناء على ما سبق يمكن تعريف الهجرة على أنها “انتقال الأفراد من منطقة إلى أخرى سواء كان ذلك داخل حدود الدولة أو خارجها، وقد تتم الهجرة بشكل قانوني أو من خلال التسرب إلى الدولة المقصودة بطرق غير شرعية، وذلك لفترة قصيرة أو طويلة، مؤقتة أو دائمة، سواء كان ذلك بإرادته أو رغمًا عنه”.
وبناء على ما سبق يمكن تقسيم الهجرة إلى عدة أنماط أو أنواع مختلفة وذلك حسب أسبابها، ومدتها، واتجاهها، وتاريخها، وشكلها، إلا أن ما تعني به هذه الدراسة هو تقسيم الهجرة حسب قانونيتها والتي يمكن تقسيمها إلى:
1. هجرة قانوينة أو شرعية: والتي يتم فيها انتقال الأفراد من بلد إلى آخر وفقًا للإجراءات القانونية المعمول بها؛ من تأشيرات للدخول، وبطاقات للإقامة التي تمنحها السلطات المختصة بالهجرة والجوازات.
2. الهجرة غير الشرعية: هو كل انتقال يقوم به الأفراد من بلد إلى بلد آخر دون حيازة التراخيص القانونية والتأشيرات القانونية اللازمة لذلك، ويتم ذلك عن طريق الدخول بالبر أو البحر أو التسلل إلى إقليم دولة أخرى بواسطة وثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة، وقد تشمل أيضًا المهاجرين الذين يدخلون البلدان بطريقة شرعية، وعبر القنوات الرسمية إلا أنهم يصبحون غير شرعيين لتجاوزهم تأشيراتهم[3].
وقد باتت إدارة عملية الهجرة واحدة من أكثر محكات اختبار التعاون الدولي إلحاحًا وعمقاً في العصر الحديث، لذا فقد فات أوان الجدل حول ضرورة التعاون في هذا المجال، وهي فرصة أمام دول العالم لتعزيز فوائد الهجرة وتذليل التحديات التي تنجم عنها[4].
حيث قدر عدد المهاجرين الدوليين بحوالي 244 مليون شخص في عام 2015 أي بما يعادل (3.3% من سكان العالم) وقد زادت تلك النسبة مقارنة بعام 2000 حيث بلغ عدد المهاجرين نحو 155 مليون شخص (2.8% من سكان العالم).
المصدر: وكالة الأمم المتحدة للهجرة، تقرير الهجرة في العالم لعام 2018 (جنيف، المنظمة الدولية للهجرة، 2017) ص 16.
وتعد منطقة شرق أفريقيا أحد أكبر المناطق التي شهدت زيادة في عدد المهاجرين على مستوى العالم منذ عام 2012 حيث شهدت أكثر من 9 ملايين شخص، وذلك نتيجة للعديد من الأسباب منها التغيرات المناخية والتدهور البيئي، الصراع المسلح، الأزمات السياسية والاقتصادية حيث أجبر النزاع المسلح في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال، وجنوب السودان السكان على مغادرة مساكنهم والفرار لأماكن أكثر استقرارًا.
حيث يوجد ثلاث طرق رئيسية للهجرة من منطقة شرق أفريقيا وهي (من شرق أفريقيا إلى شمال أفريقيا ومنها إلى أوروبا، والطريق الثاني إلى اليمن وما وراءها والطريق الجنوبي إلى منطقة الجنوب الأفريقي)[5].
ثانيًا: أسباب الهجرة غير الشرعية في شرق أفريقيا
تتعدد الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى اتخاذ القرار بالهجرة وترك بلدانهم، ويشمل ذلك كل أنواع الهجرة؛ سواء الطوعية أو القسرية، وكذلك الحركات المؤقتة والدائمة، وتشترك بلدان منطقة شرق أفريقيا في العديد من الأسباب المشتركة التي تدفع إلى الهجرة، والتي جعلت من المنطقة تتصدر كافة أقاليم القارة الأفريقية من حيث أعداد المهاجرين، ويوضح الجدول التالي بشيء من الإجمال تلك الأسباب قبل التعرض لها بشيء من التفصيل.
- إريتريا
عقب الاستفتاء على استقلال إريتريا صدر المرسوم 37 /1993، والذي تشكلت على أساسه حكومة إريتريا المستقلة برئاسة إسياس أفورقي رئيس الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والذي أصبح رئيس الحزب الحاكم، وقد منح المرسوم الحكومة صلاحيات تشريعة جعلت منها المشرع والمنفذ في آن واحد لحين تشكيل لجنة لصياغة الدستور والمجلس الوطني (البرلمان)[6].
ونتيجة لإنتقال البلاد من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة بناء الدولة فقد تم تغيير اسم الجبهة الحاكمة من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا إلى حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، وذلك خلال المؤتمر التنظيمي الثالث الذي عقد عام 1994، إلا أنه لم يل ذلك السماح بإنشاء أي أحزاب أخرى بشكل شرعي، أو حتى السماح بدخول الأحزاب الإريترية الناشطة خارج إريتريا إلى الداخل وممارسة نشاطاتها، على الرغم من السماح للقيادات بالدخول بشكل فردي دون الهياكل التنظيمية، ومنذ الحرب مع إثيوبيا عام 1998 تم تعطيل العمل بالدستور الذي تم إقراره عام 1997 ولم يتم العودة للعمل به مرة أخرى[7].
وتشهد إريتريا عملية ممنهجة من القمع من قبل نظام أسياس أفورقي الحاكم مع أعوانه الذين يشغلون المناصب القيادية العليا؛ حيث لا يتم إعلان الموازنة العامة للدولة بشكل سنوي كما أن العائدات من المناجم لا يتم الإعلان عنها، كذلك لا يوجد برلمان يراقب أداء الحكومة أو يقوم بعملية تشريع القوانيين الأمر الذي ترتب عليه فراغ تشريعي كبير أدى إلى مناخ يسمح بالإفلات من العقاب لارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتي تدينها منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة خاصة جرائم التعذيب والاضطهاد السياسي والاحتجاز القسري[8].
وفى ذات السياق، تعد عملية الخدمة الإلزامية في إريتريا من أبرز عوامل الهجرة أو التسلل إلى دول الجوار من قبل الإريتريين جنبًا إلى جنب مع القمع السياسي، حيث يتم إجبار الأشخاص البالغة أعمارهم بين 18 – 50 عامًا على أداء الخدمة العسكرية غير محددة المدة، حيث يتم تجديد فترة التجيند الإجباري دون مدد معلومة، وكذلك فإن رفض أداء هذه الخدمة يشكل سببًا كافياً للسلطات الإريتريه لإخضاع الرافضين إلى عقوبات قاسية ومذلة وحاطة من الكرامة الإنسانية.
فقد أعلنت الحكومة الإريترية عام 1995 إعلان الخدمة الوطنية رقم 82 /1995 الذي يبين إلزامية الخدمة الوطنية للنساء والرجال ما بين 18-50 عامًا، ولمدة 18 شهرًا تنقسم إلى ستة أشهر من التدريب يليها 12 شهرًا من الخدمة العسكرية أو الحكومية غير أن الأمور قد أخذت منحى آخر بعد الحرب الإريتريه الإثيوبية حيث تم استدعاء الدفعات السابقة للتعبئة ولم يتم تسريحهم حتى بعد انتهاء الحرب، وبالتالي يفر ما يتراوح بين 3000- 5000 شخص شهريًا إلى إثيوبيا من الإريترين الهاربين من الخدمة الإلزامية والتى تغلق أمام الشباب الفرص والآفاق للتخطيط لمستقبلهم حيث يعمل المجندون في نظام أشبه بالسخرة في مجالات الانشطة الاقتصادية الخاصة بالدولة، ورصف الطرق، وإنشاء الأبنيه وفي المناجم والمزارع والمنشآت التجارية التابعة للحكومة[9].
وبناء على ما سبق أصبحت الهجرة غير الشرعية تجارة مربحة للعديد من الأطراف؛ فتشير التقارير أن تكلفة تسلل الشخص الواحد من داخل إريتريا إلى الحدود السودانية (شرق السودان) قرب مراكز الاستقبال تتراوح بين 6000 – 10000 دولار أمريكي، ومن ثم تتولى عصابات أخرى تهريبهم من معسكرات الإيواء إلى الخرطوم بتكلفة حوالي 2000 دولار أمريكي، ذات العصابات تعمل على تهريبهم إلى ليبيا مقابل 2000 دولار أمريكي أخرى، وأخيراً التسلل من ليبيا إلى أوروبا تتكلف نحو 2000 دولار أمريكي، وقد يواجه الأفراد عصابات أخرى للتهريب تحصل منهم على مبالغ تتراوح ما بين 2500 إلى 4000 دولار أمريكي، وبالتالي تكون تكلفة تسلل الفرد من إريتريا إلى أوروبا ما بين 14500 إلى 20000 دولار أمريكي، وقد تخطت أرباح عصابات التهريب مبلغ 8 مليار دولار أمريكي سنويًا، وفقًا للمصادر التي يتم رصدها من بلاغات الإتجار بالبشر [10].
2- إثيوبيا
تعد إثيوبيا واحدة من أفقر دول العالم حيث تحتل المرتبة 169 وفقًا لمؤشرات التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعيش 44 % من السكان تحت خط الفقر، ويعيش 77.5 % من السكان على أقل من دولارين في اليوم، يعيش نحو 83.7 % من السكان في المناطق الريفية ويعملون بالزراعة، حيث يواجهون مخاطر المجاعات وانعدام الأمن الغذائي فوفقًا لتقديرات منظمة الفاو فإن 44 % من السكان يعانون من سوء التغذية بسبب الجفاف المتكرر وتدهور الموارد الطبيعية فضلًا عن النمو السكاني المتسارع .
وقد شهدت إثيوبيا خلال عامي 1983 – 1984 مجاعة كبيرة خلفت وراءها أكثر من مليون قتيل، ومع مطلع عام 2009 شهدت أزمة غذائية أخرى، ولا تزال مستمرة حيث يطلب برنامج الأغذية العالمي حاليًا مساعدات لأكثر من 10 ملايين شخص في إثيوبيا .[11]
كذلك تعد الأسباب الاقتصادية والاجتماعية في إثيوبيا أحد الأسباب الرئيسية للهجرة وخاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وانتشار الفقر بشكل كبير في منطقة الجنوب الإثيوبي، والذي يتقاسمة على حد سواء الرجال والنساء، فيعاني سكان منطقة الولو Wollo على سبيل المثال من التهميش على كافة المستويات سواء من ناحية الوصول إلى الموارد أو التعليم أو فرص التدريب، ولا سيما في المناطق الريفية، وهو ما يترتب عليه زيادة حدة البطالة بين سكان تلك المنطقة، ويدفع الكثير من النساء للهجرة من أجل العمل كخدم في المنازل؛ فمع نقص بدائل الرزق أمامهم تلجأ النساء إلى الهجرة غير الشرعية من أجل البحث عن فرص أكبر للحياة الكريمة حتى وإن كان بشكل غير آدمي فيتعرضن للإيذاء النفسي والجسدي والوقوع فريسة للوسطاء وسماسرة العقود وتهريب البشر، ففي مطار أديس أبابا يوجد 129 جثة لأنثى عادت من جدة ودبي وبيروت وقد تم تحديد سبب الوفاة على أنه انتحار[12].
وتشير الدراسات إلى أن العوامل الاقتصادية المتمثلة في الفقر والبطالة تمثل نحو 70% من دوافع الهجرة بالنسبة للسكان في إثيوبيا، حيث يسهم الفقر بنسبة 49% كسبب رئيسي للهجرة، تليه البطالة والتي تشكل 20% من المهاجرين وعدم الحصول على فرص للعمل أو للتدريب من أجل الحصول على حياه كريمة[13].
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن عدد المهاجرين الإثيوبين عام 2010 يقدرون بنحو 620000 شخص كنسبة 0.7 % من السكان، وتشير اتجاهات الهجرة الإثيوبية إلى أن الوجهة الأولى للمهاجرين الإثيوبيين تكون إلى منطقة الخليج عبر اليمن حيث تشير التقديرات أن أكثر من 130000 امرأة وطفل إثيوبي يعملون في منطقة الخليج والذين تتراوح أعمارهم بين 20 – 30 عامًا والأطفال تقل أعمارهم عن 13 عامًا.
والوجهتان الرئيسيتان الأخريان للهجرة هما للسودان وجنوب أفريقيا، حيث زادت الهجرة إلى السودان خلال الفترة الأخيرة، وخاصة من قبل النساء الإثيوبيات للعمل كخادمات بالمنازل، فيما تليها جنوب أفريقيا والتي تشهد تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين الإثيوبين تقدر بين 45000 إلى 50000 شخص يهاجرون إلى جنوب أفريقيا ويعيشون فيها نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية[14].
3- الصومال
تعد الهجرة غير الشرعية فى الصومال حالة مميزة حيث إنها تعتبر بلد المنشأ والممر في ذات الوقت، فهي من ناحية وجهه للهجرة غير الشرعية داخل منطقة شرق أفريقيا باعتبارها دولة ممر ينتقل منها المهاجرين من دول الجوار مثل إثيوبيا حيث يعيش نحو 20000 شخص مهاجر غير قانوني في أرض الصومال، أملاً في هروبهم إلى اليمن ومنها إلى الخليج وباقي بلدان الخليج العربي[15].
أما على صعيد أسباب الهجرة من الصومال فهي متعددة الجذور، فمن ناحية تتمثل فى انعدام الأمن في البلاد بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي بالإضافة إلى العوامل البيئية، فعقب استقلال الصومال اندلعت حرب الصومال الأولى بين إثيوبيا والصومال بين عامي 1977 و1978 بسبب النزاع الحدود على منطقة أوجادين التي خلفت وراءها أكثر من مليون لاجئ، ثم سرعان ما اندلعت الحرب الأهلية الأولى في الصومال خلال الفترة من 1987 وحتى 1991 بين الحكومة والحركة الصومالية في شمال غرب الصومال والتي خلف أكثر من 500000 لاجئ صومالي.
وعقب الإطاحة بنظام سياد بري في عام 1991 سقطت البلاد في حرب أهلية أخرى بين العشائر، سيطرت خلالها اتحاد المحاكم الإسلامية على أجزاء من البلاد بينما سيطر أمراء الحرب على الأجزاء الجنوبية من البلاد حتى عام 2006، وقد فشلت الحكومة الاتحادية في فرض سيطرتها على البلاد وبدأ العديد من المنشقين عن اتحاد المحاكم الانضمام إلى حركة شباب المجاهدين، والتي بدأت مرحلة جديدة من المواجهات بين الحكومة الفيدرالية والتي خلفت العديد من النازحين والمهاجرين واللاجئين نتيجة للمواجهات الدامية في البلاد حيث انهارت الدولة بالكامل، وارتفعت معدلات البطالة لنسبة 60 % وخاصة بين فئة الشباب، ومن ثم بدأ انتشار النزاع حول الموارد الاقتصادية المحدودة سواء على المياه والمراعي التي أدت إلى النزوح الداخلي الهائل بالإضافة إلى أسباب الصراع السياسي[16].
ولا يزال العنف وحالة انعدام الأمن تسيطر على مناطق واسعة من الأراضي الصومالية ولا سيما في الأجزاء الشمالية الشرقية ولا يزال يسيطر المتمردون على تلك المناطق رغم تواجد 20000 من قوات الاتحاد الأفريقي، وغالبا ما يتخذ العنف شكل هجمات مفاجئة على المباني العامة والاجتماعات والمباني الحكومية وعمليات الاغتيال للشخصيات العامة.
والسبب الرئيس الآخر للهجرة غير الشرعية في الصومال هو الكوارث البيئة التي تواجهها البلاد أدت إلى انعدام الأمن الغذائي وحدوث العديد من المجاعات التي خلفت آلاف القتلي والمهاجرين بحثًا عن الحياة في أماكن أكثر أماناً، وقد بدأ تدهور الأوضاع الغذائية منذ عام 2001 بسبب الفيضانات في إثيوبيا والتي وصلت إلى جنوب الصومال ثم تلي ذلك موجات من الجفاف المتصل أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء، وذلك حتى واجهت الصومال الموجة الأشد من الجفاف عام 2011 والذي تحول إلى أزمة كبرى، وتم إعلان حالة المجاعة من قبل الأمم المتحدة في منطقتي شبيلي وباكول وبلغ عدد الأفراد المحتاجين لمساعدات عاجلة حوالي 12.4 مليون شخص، ثم امتدت المجاعة إلى ثلاث مناطق أخرى لتصبح أزمة المجاعة تواجه أغلب مناطق الصومال أصبح ربع سكانها مشردين بسبب تلك المجاعات وسوء الأحوال المعيشية[17].
ثالثًا: آثار الهجرة على البلدان الأفريقية والدول المستقبلة
لا تعد الهجرة غير الشرعية لعبة ذات محصلة صفرية حيث يخسر جانب واحد لصالح الآخرين؛ بل على العكس من ذلك فيمكن لجميع الأطراف تحقيق مكاسب من جراء تلك الهجرة، فمن ناحية تؤدي سياسة الردع ومحاولة أوروبا غلق الطرق الشرعية للهجرة إلى تشجيع الهجرة غير الشرعية وزيادة عمليات التهريب واستغلال المهاجرين طوال مراحل رحلتهم إلى أوروبا، ومن ناحية أخرى تستفيد أوروبا من هجرة العقول والخبرات الأفريقية المميزة إليها مما أدى إلى فقدان القارة الأفريقية لنسبة تتراوح بين 33% إلى 55 % من عقولها المميزة من حملة المؤهلات العليا من أجل البحث عن فرص أفضل في البلدان الأوروبية وهو ما أدى إلى استنزاف العقول والخبرات البشرية الأفريقية لصالح أوروربا، وتؤثر تلك الهجرة بالطبع على نمو الطبقة الوسطى الأفريقية وتطوير هياكل التنمية المستدامة للمجتمعات الأفريقية الأمر الذي يكون له بالغ الأثر على الاستقرار السياسي والافتصادي لها[18].
فتتيح تلك الهجرة للدول الأوروبية اختيار الأشخاص ومن جانب واحد التي تسمح لهم بالبقاء فيها، وبالتالي تختار الأكثر مهار وخبرة دون غيرهم، وهو ما يفقد دول المنشأ خسائر فادحة فبعد كل ما تكبدته الدول الأفريقية من أجل تعليم هؤلاء المتخصصين، تفقدهم وبدون أي عائد، خاصة أن تلك العقول تسعى للحصول على فرص أكبر وبحثًا عن حياة كريمة فتشير الإحصاءات أن عدد الأطباء الإثيوبيين العاملين في ولاية شيكاغو وحدها بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر من الأطباء الإثيوبيين العاملين في إثيوبيا ذاتها، كذلك تشير تلك الإحصاءات أنه على سبيل المثال الممرضة المدربة في أوغندا تحصل على أجر يقدر بنحو 38 دولارًا أمريكيًا شهريا، بينما يحصل الطبيب على 67 دولارًا شهريًا في حين يمكن لزميلاتها في الولايات المتحدة أن تكسب حوالي 3000 دولار أمريكي و10000 دولار للطبيب، وهو ما يجعل المقارنة صعبة لصالح الهجرة، الأمر الذي يؤثر بالسلب على قدرات الدول الأفريقية والتي باتت في حاجة لمزيد من التدريب للأطباء المهرة والخبرات في كافة المجالات والتي تكلفها مبالغ طائلة[19].
أما بالنسبة للدولة المصدرة للهجرة فهي تحقق العديد من المزايا أيضا تتمثل في التحويلات المالية التي تتدفق عليها من مواطنيها في المهجر، والتي تسهم في عملية التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة لزويهم حيث تشير البيانات إلى أن تحويلات المهاجرين إلى أوطانهم بلغت عام 2005 نحو 200 مليار دولار وذلك بخلاف التحويلات غير الرسمية التي قد تصل إلى ضعف هذا المبلغ [20].
كذلك من آثار الهجرة التأثير على التوزيع الديمغرافي للسكان، حيث يكون المهاجرون على تواصل مستمر مع زويهم خشية عليهم من تدهور الأوضاع في المناطق الريفية فيعملون على نقلهم إلى المدن والمناطق الحضرية، وبالتالي تزيد من السكان في المناطق الحضرية، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا على المرافق الحيوية بتلك المدن وكذلك التركيب السكاني لها[21].
وختامًا :
تتنوع أسباب الهجرة في منطقة أفريقيا بين أسباب سياسية تتمثل في الصراعات السياسية وانعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي فضلاً عن وجود انظمة حاكمة ديكتاتورية تتعمد قمع المعارضين والتنكيل بهم لفرض سيطرتهم على البلاد، ومن ناحية أخرى تؤدي تلك العوامل السياسية إلى التأثير على تردي الأوضاع الاقتصادية وتدهور الأحوال المعيشية للسكان وومن ثم تؤدي إلى اتخاذ المواطنين القرار بالهجرة من البلاد بحثًا عن حياة أفضل وفرص يمكن معها العيش بشكل آدمي، فضلًا عن الكوارث البيئية التي تضرب منطقة القرن الأفريقي والتطرف الشديد بين موجات الجفاف والفيضانات مما يؤدي إلى هجرة سكان المناطق المنكوبة إلى مناطق أكثر أمنًا، كافة تلك الأسباب قد تتشابه في العديد من دول منطقة الشرق أفريقيا والقرن الأفريقي إلا أن هناك بعض الحالات التي تميز حالة عن أخرى من دولة إلى أخرى.
المراجع
[1] معجم المعاني على الرابط تم الدخول على الرابط بتاريخ 3 مارس 2019 :
2 عبدالله يوسف أبو عليان، ” الهجرة إلى غير بلاد المسلمين حكمها وآثارها المعاصرة في الشريعة الإسلامية”، رسالة ماجستير، (غزة، الجامعة الإسلامية، كلية الشريعة والقانون، قسم الفقه المقارن، 2011)، ص 4 – 5
3 ساعد رشيد، وضع الهجرة غير الشرعية في الجزائر من منظور الأمن الإنساني، رسالة ماجستير (بسكرة، جامعة محمد خيضر، كلية القانون والعلوم السياسية، العام الجامعي 2011- 2012 ) ص 15- 16
4 الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقرير الأمين العام الدورة الثانية والسبعون،” نحو هجرة تصب في صالح الجميع”، (نيويورك، الجميعة العامة للأمم المتحدة، 12 ديسمبر 2017 ) ص 3 – 5
5 https://www.iom.int/east-africa-and-horn-africa
6 Abdulkader Saleh Mohammad and Kjetil Tronvoll , Eritrean opposition parties and civic Organisations (Oslo, norwegian peacebuilding resource centre, Expert Analysis , 2015) P.P., 1-2
7 عبد القادر محمد علي: إريتريا الدولة المجمدة، في الخليج أون لاين :
8 Rudi Friedrich, Eritrea: A Country Under the Sway of a Dictatorship,
Desertion, Refuge & Asylum (Offenbach, Connection e.V., July 2018)P.P.,4-5
9 عبد القادر محمد علي،”التجنيد الإجباري في إريتريا: سخرة مدى الحياة” جريدة إضاءات في 25 يوليو 2018 على الموقع:
10 المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، الهجرة غير الشرعية والانتهاكات المتعلقة بحقوق طالبي اللجوء إلى السودان، (نيويورك، المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، يونيو – ديسمبر 2017) ص 6-7
11 Sonja Fransen, and Katie Kuschminder, Migration in Ethiopia: History, Current Trends and Future Prospects, (Maastricht, Maastricht Graduate School of Governance, Paper Series: Migration and Development Country Profiles, Desember 2009)P.P, 4-7
12 Mohammed YA, Cause and Consequence of Cross Border Illegal Migration from South Wollo, Ethiopia, in Arts and Social Sciences Journal (Constanta , OMICS International, Volume 7 • Issue 2, 2016)P.6
13 Balayneh Genoro Abire and G. Y. Sagar, The Determinant Factors Of Illegal Migration To South Africa And Its Impacts On The Society In Case Of Gombora District, Hadiya Zone In Ethiopia: A Bayesian Approach, in IOSR Journal of Mathematics , (New York, international organization of scientific research , Volume 12, Issue 3 Ver. VI (May. – Jun. 2016))P.56
14 Katie Kuschminder, Lisa Andersson and Melissa Siegel, Profiling Ethiopian Migration: A Comparison of Characteristics of Ethiopian Migrants to Africa, the Middle East and the North at: 15 Katrin Marchand (et.al), Study on Migration Routes in The East and Horn of Africa, (Maastricht, Maastricht Graduate School of Governance , Maastricht University, Augast 2017) P.17
16 International Organization for Migration, Dimensions of Crisis on Migration in Somalia, Working Paper, ( Geneva, [1] International Organization for Migration, February 2014 ),P. 13
17 Mehdi Achour ,Nana Lacan, Drought in Somalia: a Migration Crisis, (Geneva, The State of Environmental Migration , 2011)P.P., 77-78
18 Dirk Kohnert, African Migration to Europe: Obscured Responsibilities and Common Misconceptions , Giga working paper, ( Hamburg , GIGA German Institute of Global and Area Studies, NO.49, May 2007), P.P.9- 10
19 aderanti adepoju, Migration in sub-Saharan Africa, in Current African Issues (Uppsala, The Nordic Africa Institute, ,No.37, 2008), p.p., 31-32
20 مغاوري شلبي، الأبعاد الاقتصادية لهجرة العمالة، السياسة الدولية،(القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 165، يوليو 2006) ص 50.
21 [1] Mohammed YA, Cause and Consequence of …. OP.Cit., P. 7