كتبت – أماني ربيع
لندوب الوجه تاريخ عميق في الثقافة الأفريقية، وفي الماضي، كان لكل شكل ندبة سبب وقيمة ما، وإذا كان الكثيرون في عالم اليوم، يضعون وشوما لرموز أوروبية وغربية على جلودهم، ففي أفريقيا كانت “الندوب” هي ثقافة الأوشام القديمة، التي ربما لم تعد تحظى بشعبية كبيرة الآن.
وتتمتع أفريقيا بتراث غني فيما يتعلق بالندوب، الذي تلاشى بمرور الزمن، مع المخاوف من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، وكذلك اعتبارها علامة على القبح، لكن ورغم ذلك، يجب أن تعتز أفريقيا بالندوب كجزء من تاريخها، حتى لو لم يعد يُمارس اليوم.
في الماضي، كان لدى المرأة أو الرجل علامات ندوب تميزهم عن أي شخص آخر، وتخبرنا عن مرتبتهم في الأسرة والمجتمع والعشيرة والقبيلة، كانت الندوب رمزا للجمال والقوة لدى بعض القبائل الأفريقية، وكان الأمر أشبه، تقريبا، بوضع بطاقة هويتك على وجهك.
ربما يكره البعض ذلك، لكن في الماضي، كانت هذه علامات للفخر وليس للعار، وفي معظم الثقافات الأفريقية، الندوب هي مكون جمالي وثقافي رئيسي، وهو ما نراه في المنحوتات الأفريقية المنتشرة في متاحف العالم.
ولا تعد أنماط الندوب، علامة للجمال فحسب، فهي علامة على سلالة الفرد أيضا، وفي بعض الحالات حماية ضد الأرواح الشريرة، ولاعتبارات منطقية كانت الندوب بديلا للوشوم في القارة السمراء، لأنها أكثر وضوحا على وجوه وأجساد ذوي البشرة الداكنة من الوشوم.
ما هي الندوب؟
الندوب هي عملية شق الجلد بأداة حادة مثل السكين أو الزجاج أو الحجر أو قشرة جوز الهند، ويتم فرك الأصباغ الداكنة مثل الفحم المطحون في الجروح لتأكيدها، وعندما يلتئم الجرح يشكل ندبات بارزة تعرف باسم “الجدرة”، وهناك عمليات أكثر تعقيدا لتنفيذ الندبات في منطقة حوض الكونغو والمناطق المجاورة، وكذلك وبين شعب أكان في غرب إفريقيا.
وإحدى الطرق الشائعة هي القطع المتكرر بمكواة أو شفرة ساخنة، يتم تنظيف منطقة الوجه أولاً بالماء، ثم يتم اختيار التصميم وبعد ذلك يتم قطع الجلد وحرقه حتى الوصول إلى العرض والعمق المطلوبين.
وهناك طريقة أخرى تتضمن خدش وكشط وقطع التصاميم التي تترك ندبات دائمة على الجسم، وتتراوح مدة التئام الندبة ما يقرب من ستة إلى اثني عشر شهرًا والتي تعتمد إلى حد كبير على نوع البشرة ومدى الإصابة.
إنها عملية طويلة ومؤلمة، وتعديل دائم في شكل الجسم، ينقل رسائل معقدة حول الهوية والمكانة الاجتماعية، حيث تؤكد علامات الجسم الدائمة على الأدوار الاجتماعية والسياسية والدينية.
وبالبعض يعتبر تشكيل الندوب فنا، وتعتمد التصميمات الجميلة والمعقدة على مهارات الفنان، وكذلك على تحمل الشخص للألم.
تم استخدام ندوب الوجه في غرب أفريقيا لتحديد المجموعات العرقية والعائلات والأفراد، وللتعبير عن الجمال، حيث كان يعتقد أن الندوب تزيد من جمال الجسم، وكانت الفتاة تخضع لعمليات تشكيل الندوب عبر مراحل حياتهن، من البلوغ إلى الزواج، وهكذا.
وساعدت هذه العلامات في جعل المرأة أكثر جاذبية للرجل ، حيث اعتبرت الندوب جذابة للمس والنظر.
واعتادت الأميرات في العديد من الأماكن، بما في ذلك غرب الكاميرون، على الظهور بعلامات جميلة ومعقدة بشكل مذهل، وهو ما تُظهره منحوتة وجه الملكة إيديا زعيمة مملكة بنين التي تحمل علامتين على جبينها.
وبالنسبة لشعب كارو في إثيوبيا، فإن الرجال يحفرون ندبات على صدورهم لتمثيل قتل الأعداء من قبائل أخرى.
معنى الندبة
وتحفر الندوب لأسباب عديدة مختلفة اعتمادًا على الجزء الذي أتيت منه في أفريقيا، والمعتقدات الثقافية لقبيلتك، مثلا:
يمكن التعرف على معظم الأشخاص في مناطق معينة من أفريقيا ممن لديهم ندوب على أنهم ينتمون إلى قبيلة أو مجموعة عرقية معينة، بعض القبائل في شمال غانا الذين يستخدمون العلامات هي Gonjas وNanumbas وDagombas وFrafras وMamprusis.
مثلا: تستخدم قبيلة Dagomba ، الندوب لعلاج بعض الأمراض مثل التشنجات والحصبة والالتهاب الرئوي وآلام المعدة وما إلى ذلك، حيث يُعتقد أن هذه الأمراض تنشأ في الدم، لذلك يتم قطع الجلد بواسطة معالج تقليدي ثم يتم وضع مسحوق أو جرعة على الجرح حتى ينتقل مباشرة إلى مجرى الدم.
تستخدم الندوب على بطون النساء في العديد من القبائل للإشارة إلى رغبة المرأة في أن تصبح أما، وقدرتها على تحمل آلام الندوب مؤشراً على الخصوبة والنضج العاطفي والاستعداد لإنجاب الأطفال.
في معظم القبائل في المنطقة الغربية من أفريقيا، تلعب الندوب دورًا مهمًا في الهوية الجنسية وعنصر الجاذبية للجنس الآخر، وتعتبر الندوب عناصر جذب جميلة، ويُعتقد أنها تعزز ميزات الفرد من أجل تحفيز الشركاء المحتملين وجذبهم.
هذا أمر شائع بين سكان تيف في نيجيريا، يعتقد هؤلاء الأشخاص أيضًا أن مجرد رؤية الندوب يمكن أن تثير مشاعر قوية لدى كل من الرجال والنساء.
وبقدر ما يكون الخدش مؤلمًا، فإن هذه الممارسة يتم إجراؤها على الأطفال أيضًا. بمجرد بلوغهم سنًا معينة، حيث يتم تشكيل الندوب على وجوههم لبدء مرحلة جديدة من حياتهم.
في جمهورية بنين، غرب أفريقيا، بين عرقية هويدا، هناك اعتقاد شائع بأن خدش الأطفال من شأنه أن يخلق صلة بهم ومع أسلافهم، بعد الانتهاء من خدش الوجوه لإحداث الندوب، يتم إعطاؤهم أسماء جديدة، ويتم حلق شعرهم قبل توجههم إلى ساحر القبيلة، أو معالج روحاني وظيفته مساعدتهم على التواصل مع الأجيال السابقة.
وفي أماكن أخرى، يُنظر إلى الندوب على أنها علامة على الشجاعة والمكانة الاجتماعية، وكانت أجساد المحاربين قديما تمتلئ بالندوب علامة على إظهار قتل شخص من قبيلة معادية أو على الفوز بمعركة، وأحيانا ما كان يتم حفر الندوب بعد عملية صيد ناجحة وشاقة.
وبما أن هذه العملية مؤلمة، وتستغرق وقتا طويلا للشفاء، لذا فإن الخضوع لها دون عويل أو بكاء، أمرا شجاعا، والبكاء سيكون محرجا للشخص وعائلته، وكلما زاد عدد الندوب لدى الرجل أصبح أكثر احتراما.
لعبت الروحانيات، أيضا دورًا رئيسيًا، في تشكيل الندوب، وطالما آمن الأفارقة بوجود الأرواح الخيرة والشريرة، وكانت ندوب الوجه أحيانا تدل على رغبة الإنسان في الحياة والابتعاد عن روح الموت.
وأحيانا ما كان تشكيل الندوب، طقسا احتفاليا للاحتفال بلحظات مهمة في الحياة مثل ولادة طفل أو فقدان أحد أفراد الأسرة، أو أي شيء آخر ترك بصمة على حياة المرء، أو غير مجرى حياته.
وهناك ندوب أشبه برتب الجيش، كان على كل فرد أن يكسبها بشجاعته، وهي خاصة بالمحاربين أو الصيادين الشجعان الذين ينجحون في الفتك بحيوان مفترس.
وكان من يرفض الندوب ضمن أفراد القبيلة يتم نبذه، ووفقًا لعالمة الأنثروبولوجيا جريس هاريس، فإن أعضاء المجموعة الذين يفتقرون إلى الخصائص الطبيعية المتسقة للمجموعة لا يُنظر إليهم ضمن الترتيب المجتمعي للقبيلة أو كممثل لها، وهم يفتقرون إلى القدرة على القيادة والتعبير وفقا لثقافة القبيلة.
إذا الخدش هو بطاقة هوية، وفن، وإعادة تعريف للعلاقة بين الذات والمجتمع من خلال الجلد، كذلك شكل من أشكال اللغة لا يتم التعبير عنه بسهولة، ومن يمتلكها يستطيع التواصل بشكل كامل مع المجموعة، واعتباره عضوا فيها.
انقراض ثقافة محبوبة
بالنظر إلى كل المعاني والرموز وراء الندوب الأفريقية، على النقيض اليوم، يُنظر إلى الندوب على أنها إيذاء للذات وتشويه، كما يُنظر إليه على أنه ممارسة قاسية عفا عليها الزمن، تسبب الألم والمعاناة خاصة لدى الأطفال الصغار.
كانت الندوب، ثقافة محبوبة في يوم من الأيام وهي الآن محتقرة، وفي المجتمعات الغربية، يلجأ ذوو الأصول الأفريقية إلى إخفاء ندوبهم بسبب الشعور بالخجل، حيث يُنظر إلى الأشخاص الذين لديهم علامات الخدش، على أنهم محليين وجاهلين، وتحول الأمر بشكل ما إلى وصمة، تؤدي إلى الشعور بالخوف والعار وتدني احترام الذات.
ويبحث الكثيرون عن طرق لتغطية هذه العلامات، سواء عبر استخدام الماكياج، أو اللجوء إلى عمليات التجميل.
لقد تغير فن الندوب الأصيل في التراث الأفريقي التقليدي، وأصبح بالإمكان رؤيته فقط وغالبا على وجوه وأجساد كبار السن، بسبب المخاوف من انتقال فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق الشفرات.
ورغم ذلك، من الضروري إذن أن يتم توعية كل شخص، وبخاصة الأطفال بكل ما تعنيه الندوب وأهميتها وقيمتها، وأن يُسمح لهم باختيار ما يريدون فعله بأجسادهم، بالطبع سيتطلب ذلك أن يكون الأطفال أكبر سنًا بما يكفي ليقرروا بأنفسهم ، سواء بنعم أو لا للندوب.