كتبت – أسماء حمدي
ضربت الفيضانات المدمرة منطقة شرق أفريقيا، وأودت بحياة مئات الأشخاص في 5 دول؛ هي كينيا وأوغندا والصومال ورواندا وإثيوبيا، وشرَّدت آلافًا آخرين.
في منتصف مايو، ارتفع منسوب المياه في بحيرة “فيكتوريا” ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم من حيث المساحة والأكبر في أفريقيا، وتطل عليها ثلاث دول هي كينيا وأوغندا وتنزانيا، إلى أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، ما أدى إلى غمر أجزاء من المدن والقرى بأكملها على ضفافها، وما تزال مستويات المياه مرتفعة.
مع تزايد وتيرة الأحداث المناخية، يحذر الخبراء من ارتفاع مستويات الأمطار فوق المعدل الطبيعي في هذه المناطق في الأشهر القادمة.
في كينيا تضرر حوالي 233.000 شخص من الفيضانات، وتشرد أكثر من 116.000 شخص، بعد موسمين متتاليين من الأمطار التي تسببت في تدمير وانهيار المدن والقرى في جميع أنحاء البلاد، وفقًا للصليب الأحمر الكيني.
ننام دون طعام
على ضفاف بحيرة فيكتوريا، وفي مدينة كيسومو الساحلية، يجلس إريك أوتشينج، يحاول أن يصطاد باستخدام قطعة من النايلون مع خطاف في أحد طرفيه وعصا رفيعة طويلة من جهة أخرى.
“لقد أصطدت سمكة صغيرة واحدة”، صاح إريك أوتشينج وأكمل: “لم أكن صيادًا من قبل، كنت أعمل ميكانيكيا وحارسا لأحد النوادي الليلية لكنها أغلقت، وفي بعض الأحيان تنام عائلتي دون طعام، وندفع إيجار 8000 شلن كيني (60 جنيهًا استرلينيًّا) شهريًّا، ولقد تأخرت بالفعل شهرين”.
وأوتشينج ليس الوحيد الذي يكافح، فنحو ما يقرب من 84٪ من القوى العاملة في كينيا من العمال غير الرسميين، تعتمد أسرهم على الأموال التي يتم كسبها يوميًّا لتناول الطعام، وهما الآن دون عمل.
يقول باتريك أوبوندو، والذي كان يعمل ميكانيكيا: “الآن ليس لدينا وظائف، وغمرت المياه منزلنا واضطررنا لمغادرة كل شيء، ونعيش الآن في مدرسة”.
تحت ظل شجرة في فناء مدرسة في مقاطعة سيايا بالقرب من البحيرة، تجلس سيلين أبوندي، 50 سنة، بعد أن نجت وأطفالها السبعة من الفيضانات، وهي واحدة من أكثر من 3000 نازح يعيشون في مدرسة نيامبار الثانوية، وتحكي “بيتي وحيواناتي في مزرعتي الصغيرة جرفهما نهر نزويا في بداية مايو”.
نجت أبوندي لكن الحكومة الكينية تقول: إن 237 شخصًا لقوا حتفهم بسبب الفيضانات في جميع أنحاء البلاد.
أغلقت الحكومة المدارس في مارس لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، ولكن الآن أصبحت المدارس موطن للنازحين، لكن أبوندي تقول: إن “التباعد الاجتماعية مستحيل”، وأشارت إلى أن الصليب الأحمر الكيني يقدم أقنعة للوجه بالإضافة إلى المواد الغذائية والأواني والمقالي والأغطية البلاستيكية السميكة لصنع الخيام.
سجلت كينيا 89 حالة وفاة بفيروس كورونا و3094 حالة إصابة مؤكدة، وتم تقييد الحركة داخل وخارج مومباسا ونيروبي، وفرضت الشرطة حظر التجول من الساعة 7 مساءً حتى الساعة 5 صباحًا.
وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس أوهورو كينياتا: إن الحكومة توزع 250 مليون شلن كيني (19 مليون جنيه استرليني) أسبوعيًّا على الأسر التي تضررت من الأزمة وتم تخصيص مليار شلن (75 مليون جنيه استرليني) لإجراءات السيطرة على الفيضانات.
ومع ذلك، بصرف النظر عن المساعدات الطارئة للصليب الأحمر الكيني، يقول بعض الأشخاص الذين شردتهم الفيضانات إنهم لم يتلقوا حتى الآن أي دعم حكومي كبير ولا يمكنهم تحمل العيش في مناطق الفيضانات المتزايدة.
وفي حديث لصحيفة “الجارديان” البريطانية، يقول جوزيف أويامو، -وهو مدرس ابتدائي متقاعد يبلغ من العمر 62 عامًا، وهو ينظر إلى ضفة نهر بالقرب من بلدة أهيرو في مقاطعة كيسومو- “أتوقع أن تقوم الحكومة بإعادة توطين هؤلاء الأشخاص في مكان آخر، هذا هو الحل الوحيد لهذا المكان”.
وقال أوكومبي، نائب حاكم مقاطعة سيايا: إن خطط بناء سدود للسيطرة على مستويات الأنهار تأخرت، كان من الممكن أن تنتهي، لكن الحكومة لم تكمل تعويضات أصحاب الأراضي الذين يحتاجون إلى إعادة التوطين والذين يعيشون على ضفاف النهر”.
حذرت لجنة حوض بحيرة فيكتوريا بمنطقة مجموعة شرق أفريقيا من تداعيات ارتفاع منسوب المياه بدرجة كبيرة في بحيرة فيكتوريا، إثر هطول الأمطار لفترة طويلة، وحدوث فيضانات تسببت في تشريد آلاف القرويين، ووصفها السكان بأنها أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
وذكرت دراسة أجرتها لجنة حوض بحيرة فيكتوريا بمجموعة شرق أفريقيا، على مدار أسبوعين، أن هطول الأمطار تسبب فى ارتفاع منسوب مياه بحيرة فيكتوريا لأكثر من مترين.
وأعادت الفيضانات التي حدثت مؤخرًا إلى الأذهان الفيضانات التي حدثت بين عام 1960 و1964، حيث إرتفع منسوب المياه إلى 2.5 متر.
يقول ممثل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في شرق وجنوب أفريقيا مارك ماجودينا: هناك توقعات بتساقط أمطار فوق المعدل الطبيعي في المنطقة بين يونيو وسبتمبر.
خلال العقد الماضي، أدت درجات الحرارة المرتفعة في غرب المحيط الهندي إلى تسخين البحر وامتصاص الرطوبة في الغلاف الجوي، ويقول جوليد آرتان، مدير مركز التنبؤات والتطبيقات المناخية: إن هذه الرطوبة تتسارع فوق شرق أفريقيا.
يقول أرتان: إن سجلات هطول الأمطار قد تحطمت في موسم الأمطار في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2019، كما حطم هطول الأمطار في شهر يناير وارتفاع الرطوبة في مارس وأبريل ومايو الأرقام القياسية في المنطقة.
تشير أوينا هيزيكيا، مساعدة رئيس موقع كوجيمبو، في مقاطعة هوما باي، التي تقع على حدود البحيرة أيضًا، إلى أن ثلاث قرى بجوار البحيرة هي الآن تحت الماء جزئيًّا، وهناك المزيد من البعوض الذي يسبب الملاريا وتضيف “نحن قلقون بشأن الصرف الصحي والكوليرا، اعتمد الناس على مراحيض الحفر التي تفيض الآن بالمياه”.
وبحسب ممثل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فإن بيانات التنبؤات الجوية أصبحت دقيقة بشكل كبير ويتم توصيلها عبر وسائل الإعلام إلى مجتمعات الصيد والإدارات الحكومية، يضيف ماجودينا: “إنهم لا يعتدون على المعلومات فقط، إنهم يتصرفون، لكن الناس ما زالوا يقاومون”.
ولفت ماجودينا إلى أن الناس يترددون في مغادرة منازلهم ويعتقدون أن شخصا ما سيأخذ ممتلكاتهم، يضيف: “يحتاج المرء إلى النظر في كيفية تعويض الناس، هل هناك نوع من التأمين الذي يمكنك تقديمه للناس بمجرد مغادرتهم لمنازلهم؟”.
يصف المزارع جيمس يوغو، 27 عامًا، ما تعرض له خلال الفيضانات وهو الآن في مدرسة في مقاطعة كيسومو، قائلًا: “كان عليّ المشي لمسافة ثلاثة كيلومترات بحثًا عن الأمان والمياه تصل إلى رقبتي، وكان هناك طفل من المنطقة قد مات من الماء، وتسلق بعض الناس الأشجار وجلسوا على الأسطح، انهار بيتي تمامًا ولم يأت أحد للمساعدة”.
“إنه مجرد تغير مناخي، إنني متردد في إعادة زراعة محاصيلي؛ لأنني أعلم أن المياه ستعود، ولكن لا توجد وظائف وليس لديّ خيار، وسأضطر إلى البدء مرة أخرى من جديد”، بحسب “يوغو”.