كتبت – أسماء حمدي
قضى برناردو كاتشورا ليلة أخيرة يائسة في البحث عن العلاج في نظام الرعاية الصحية الذي أمضى عقودًا في حملته لتحسينه. ما زالت زوجته غير متأكدة من كيفية وفاته
خلال 15 عامًا معًا، لم تكن ميمونة كاتشورا تعرف أن زوجها مريض، لكن ذات ليلة في أواخر شهر يناير الماضي، لم يستطع المحامي والناشط والموسيقي برناردو كاتشورا، البالغ من العمر 39 عامًا النوم، حيث كان يعاني من آلام شديدة في المعدة.
أجبر الألم كاتشورا على النزول من سريره في منزله في بيساو، عاصمة غينيا بيساو، وفي تلك الليلة كان يتنقل في متاهة الرعاية الطبية في البلاد ويزور الصيدليات والعيادات والمستشفيات، وقبل انتهاء الليل فكر في عبور الحدود إلى السنغال للحصول على المساعدة.
ولكن أينما نظر، لم يكن أحد متاحًا لمساعدة والد لثلاثة أطفال، وبعد أقل من 24 ساعة من بدء آلامه، مات، لقد كان مصيرًا محزنًا للرجل الذي أمضى عقودًا في حملة من أجل تحسين نظام الرعاية الصحية في غينيا بيساو.
كان كاتشورا عضوًا بارزًا في فرقة الناشطين Cientistas Realistas، والتي استخدمت الموسيقى للوصول إلى الشباب وحشدهم للاحتجاج على إخفاقات الحكومة، تقول أرملته ميمونة: “ما حدث هو بالضبط ما كان يتحدث عنه دائمًا في أغانيه عن النظام الصحي”.
رحلة مؤلمة
تفتخر غينيا بيساو الدولة الواقعة في غرب إفريقيا والتي يبلغ عدد سكانها 1.9 مليون نسمة، بمنتزهات بيئية رائعة وتاريخ فخور من التحرر الوطني الذي ناضل بشق الأنفس، لكن شعبها يواجه عدم استقرار مزمن وعدم مساواة اقتصادية، ويعسش ما يقرب من 70 ٪ من السكان على أقل من 1.90 دولار في اليوم وأكثر من 10 ٪ يعانون من انعدام الأمن الغذائي، كما أن متوسط العمر المتوقع 58 سنة.
يقول خبراء الرعاية الصحية، إنه في كل خطوة على طريق الرعاية الطبية، يواجه المرضى حفرًا مثل الأدوية المزيفة، ونقص المعدات والخبرة الطبية، والإضرابات المتكررة من قبل العاملين الصحيين.
وفي حديثها لصحيفة “الجارديان” البريطانية، تحكي ميمونة: “عندما لم تكن المسكنات مفيدة، اتصلت بعيادة خاصة، لم يرد أحد على الهاتف، لذا نقله أحد الأصدقاء هو وزوجته إلى المستشفى العسكري العام في بيساو”.
تضيف: “معظم الطرق غير معبدة، ولكن نظرًا لأن شهر يناير في موسم الجفاف، فإن القيادة لم تستغرق سوى 20 دقيقة وكانت سلسة نسبيًا، أما في موسم الأمطار، تترك الأمطار الغزيرة حفرًا في الأرض وتجعل السفر صعبًا”.
قال مسعفون في المستشفى العسكري، إن كاتشورا بحاجة إلى جراحة، لكن ليس لديهم مرافق لإجراء العمليات، وأرسلوه إلى سيماو مينديز، أكبر مستشفى عام في البلاد.
لكن غينيا بيساو كانت في قبضة إضراب عمال الصحة الوطنية، وعلى الرغم من وضعها كمستشفى إحالة يجب أن يقدم علاجًا متخصصًا، لم يكن أي شخص في سيماو مينديز مؤهلاً لعلاج كاتشورا، وفق ما ذكرت عائلته.
يقول آيساتو فوربس دجالو، الطبيب في سيماو مينديز وعضو نقابة العاملين الصحيين الوطنية، إن الرواتب منخفضة للغاية وغالبًا ما تكون غير مدفوعة، حيث يتقاضى الأطباء في المتوسط 250 جنيهًا إسترلينيًا في الشهر والممرضات يصل إلى 130 جنيهًا إسترلينيًا.
يضيف دجالو: “ميزانية الحكومة لا تسمح للنظام الصحي بأن يدفع للأطباء ما يحتاجون إليه”.
الاضطرابات تفاقم أزمة النظام الصحي
أدى عدم الاستقرار السياسي إلى شل الخدمات العامة، وخاصة الرعاية الصحية، وفي عام 2016 كان في غينيا بيساو طبيب واحد لكل 10000 شخص، وكانت هناك 10 انقلابات مكتملة أو محاولات انقلابات في البلاد منذ الاستقلال في عام 1974.
تقول الدكتورة ماجدا روبالو، المفوض السامي لأزمة كورونا ووزيرة الصحة السابقة: “إلى أن نحصل على حكومة مستقرة، يمكنها إكمال فترة ولايتها، لن نتمكن من تحقيق الاستقرار في القطاع العام، ولكي يكون لديك المال لدفع رواتب العمال، يجب أن تكون قادرًا على تحصيل الأموال، كما لا يوجد إشراف ومراجعات للأداء، ولا يوجد نظام الجدارة”.
نصح طبيب يمتلك عيادة خاصة كاتشورا بالذهاب إلى هناك، ولكن عندما وصل إلى المبنى المكون من طابق واحد باللونين الأزرق والأبيض، انطفأت الأنوار، كانت العيادة مغلقة في المساء.
فكر كاتشورا في الشروع في رحلة تستغرق أربع ساعات بالسيارة إلى السنغال المجاورة، السفر خارج البلاد حتى لو كانت شكاوى صحية خفيفة أمر شائع، لكنه كان الآن يعاني من ألم شديد.
يقول دجالو: “يموت الكثير من الناس من أمراض يمكن الوقاية منها، إذا كان شخص ما يعاني من مرض في القلب والأوعية الدموية، فقد يموت بسبب نقص المتخصصين، وليس لدينا معدات التشخيص”.
أقامت سيماو مينديز شراكة مع مستشفى في السنغال حيث يمكنها إرسال المرضى، لكن قيود كوفيد أنهتها.
في السابعة صباحًا، عاد كاتشورا وزوجته إلى العيادة الخاصة، حيث انتظر أربع ساعات حتى يتم قبوله، وعادت ميمونة إلى المنزل لتحضير الحساء لزوجها، كانت متأكدة من أنه سيشعر بالجوع عند عودته من الجراحة، لكن لم تكن هناك عملية.
مات كاتشورا وما زالت ميمونة لا تعرف السبب، يعد الفشل في تحديد أسباب الوفاة حدثًا شائعًا آخر في غينيا بيساو، حيث يقول دجالو إن هناك عددًا قليلاً من أخصائيي علم الأمراض.
يقول روبالو إن هناك العديد من العقبات التي تحول دون إصلاح النظام المعطل، ولكن أحد الأساليب هو تعزيز توفير الصحة المجتمعية، والذي نجح في بلدان أخرى، مضيفة: “يمكننا بناء نظام من القاعدة إلى القمة يمكنه رعاية الأشخاص البعيدين عن المستشفيات”.
وفقًا لليونيسيف ، يعيش 66٪ من السكان على بعد أكثر من 3 أميال من المركز الصحي.
يقول صديق وزميل كاتشورا الناشط وعضو الفرقة ليسمس مونتيرو : ” ما حدث لكاتشورا يرقى إلى مستوى الإهمال، لكن الظروف كلها شائعة جدًا هناك الكثير من برناردوس”.
ميمونة، التي ترتدي ثياب أرملة سوداء، تنهمر دموعها على وجهها وهي تتحدث عن زوجها، قالت إنه أراد أن يدرس أطفالهما الثلاثة: “كان برناردو دائمًا يركز على المدرسة”.
لكن تم إلغاء الدراسة بسبب جائحة كورونا بالإضافة إلى إضرابات المعلمين، ولكن تحت أشعة الشمس في منتصف الصباح، يجلس أكبر طفلين في الشرفة الأرضية، ورؤوسهما مدفونة في الكتب، كما كان الحال مع والدهما، على أمل تحسين بلاده.