كتبت – أماني ربيع
تعاني الكثير من النساء في جنوب أفريقيا من حياة اجتماعية صعبة، حيث هي رب الأسرة في نحو 38% من الأسر، إما تشارك بالعبء المادي الأكبر، أو تتكفل وحدها بمصاريف الحياة الخاصة بعائلتها بصفتها المعيل الوحيد، وهي نسبة تقدر على الأرض بما يقرب من 6.1 مليون منزل، النساء فيها هن المعيل الأساسي.
وبالرغم من هذا العدد الكبير، لا تخضع الأسر التي تيعلها النساء للبحث، ما يجعل الحديث عن الخبرات والمصاعب التي يتعرضن لها من أجل النجاح في إعالة أنفسهن وأسرهن في ظل ظروف قاسية وغير متكافئة، افتراضيا.
دراسة استكشافية
وقامت البروفيسورة بيانكا باري المتخصصة بعلم النفس والبروفيسور بولينج سيجالو، رئيس قسم الأبحاث والدراسات العليا بجامعة جنوب أفريقيا، بمحاولة لتغيير هذه الصورة الافتراضية، إلى صورة أكثر دقة، عبر النظر بعمق في بعض تجارب النساء في جنوب أفريقيا، وركز الثنائي خلال بحثهما الاستكشافي على الأسئلة النفسية.
استخدمت الدراسة منهاج بحث يسمى علم الظواهر، يركز على المنظور الشخصي، لأنه أكثر قدرة على استكشاف الخبرات الفردية للنساء المعيلات.
وكما هو معتاد في هذا النوع من الأبحاث، ركزت الدراسة على عينة صغيرة: 10 نساء فقط كن المعيلات الأساسيين لأسرهن، كان حجم العينة الأصغر ضروريًا بسبب الكم الكبير من البيانات التي تم جمعها أثناء المقابلات.
وتؤكد البروفيسورة بيانكا أن هذه الدراسة هي الوحيدة المتعمقة حول ظاهرة المرأة المعيلة في البلاد، واللافت أن جميع نساء عينة الدراسة، لم يخترن هذا الدور، وإنما تم إجبارهن عليه بسبب الظروف.
أمر أخر وجدته الدراسة، هو أن منظومة الزواج بدا وكأنها لم يعد مرغوبا فيها من قبل النساء، حيث فضلت معظمهن البقاء عازبات لكسب لقمة العيش، بدلا من أن يكن متزوجات أو على علاقة برجل.
المشاركات تم اختيارهن من مقاطعتين، هما: جوتنج وهي المركز الاقتصادي الحضري في البلاد، ومبومالانجا وهي منطقة ريفية شرق جنوب أفريقيا، تعيش على الزراعة والسياحة.
تراوحت أعمار المشاركات بين 20 إلى 55 عاما، من مختلف الجماعات الإثنية، والثقافات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية.
عزوبية اختيارية
كان لدى هؤلاء النساء أسرا يعلنها بشكل أساسي منذ عامين على الأقل، ولم تكن الحالة الزوجية معيارا لازمال عند اختيار المشاركات، تزوجت اثنتان فقط منهن بينما الغالبية عازبات، اخترن الطلاق أو عدم الزواج أبدا، ولم تقدم لهن أي مساعدة من شريك ذكر.
وعن أسباب اختيار الثماني مشاركات الأخريات للبقاء عازبات، فكان السبب الأكبر هو تجاربهن مع العنف الجسدي والعاطفي خلال علاقاتهن السابقة، بالإضافة إلى الخيانة الزوجية، أو كان أزواجهن السابقين وأباء أطفالهن يتعاطون المخدرات.
وقالت إحدى المشاركات التي تعمل مساعدة شخصية، وهي مطلقة وأم لثلاثة أطفال: “أشعر بعدم الأمان، وللأسف، لا يوجد دواء لهذا، الإساءة بدأت بالضرب، ربما كنت لأستمر معه لو لم يكن يضربني بعنف وكأنه يريد قتلي، وجدت أنني لم أعد قادرة على التحمل أكثر.”
وكان الجواب المشترك لجميع النساء حول نظرة المجتمع لدورهن كمعيل للأسرة، أنهن يعتقدن أن هذا الدور ينظر إليه باعتباره تهديدا لدور الرجل التقليدي، لكن بما أن الرجال ليسوا مهتمين بدورهم، إذا لم يعد خاصا بهم، ليس بعد الآن.
إحدى المشاركات عانت من تجربة زواج فاشلة خلفتها مطلقة مع طفلين، قامت بفتح محلا صغيرا، تحدثت عن ترجبتها قائلة: ” لا أعتقد أن معظم الرجال في جنوب افريقيا، مستعدون للتعامل مع زوجة تكسب الكثير من المال.”
على عكس الرجال، الذين في العادة يعملن على الإعالة المادية فحسب، فإن النساء المعيلات لأسرهن، هن أيضا مسؤولات عن جميع المهام المنزلية، ورعاية الأطفال، ما يجعل هناك صعوبة كبيرة في الموازنة بين مسؤوليات العمل والحياة المنزلية، وفي ظل هذا كله، لا يكون لديهن وقتا لعلاقة رومانسية أو تجربة الحب مجددا، أو حتى فرصة لتحقيق احتياجاتهن وتطلعاتهن الشخصية.
بل وإن الرجال يعقدن حياة النساء المعيلات أكثر، وقالت 6 من العشر مشاركات إن وجود شريك ذكر لم يخفف العبء المزدوج لواجبات المنزل ورعاية الأطفال، بل يزيد العبء بصورة أكبر.
وقالت 8 نساء إن تجاربهن مع العنف والإساءة والخيانة الزوجية، إنه من الأسهل والأكثر أمانا لهن ولأطفالهن أن يبقين عازبات.
لسن خارقات
وأوضحت البروفيسورة باري، في حوار مع أزانيا موساكا عبر إذاعة «702» الجنوب أفريقية، أن الأدوار في الأسرة بجنوب أفريقيا قد تغيرت بشكل كبير حيث لم يعد الرجل هو المعيل الرئيسي كما كان في الماضي، وصار يتعين على كلا الشريكين العمل من أجل المساهمة في اقتصاد الأسرة.
المرأة في المجتمع الجنوب أفريقي تغيرت، وأصبحت النساء أكثر تعليما ودخلن سوق العمل بأعداد أكبر، وبمرور الوقت لم يعدن مساهمات فقط في المنزل، ولكن المعيل الأساسي أيضا، ليس بخيارهن، ولكن لأنه ليس هناك حلا آخر، بعكس الشائع عن المرأة المعيلة حيث الصورة النمطية عنها، أنها امرأة قوية ومتعلمة واختارت أن تكون سيدة نفسها، وهذا ليس صحيحا.
الأمر المثير للاهتمام هو كيف أن معظم الناس لديهم فكرة أن المرأة المعيلة هي امرأة قوية ومتعلمة للغاية وامرأة تختار أن تكون سيدة مصيرها وهذا ليس صحيحًا. إلى حد كبير ، ليس لدى معظم النساء خيار سوى أن يصبحن معيلات أساسيات لأن ليس لديهن خيار.
وبحسب باري، المرأة المعيلة ليست مسؤولة تنفيذية رفيعة، كما قد يتخيل البعض، وفي كثير من الأحيان قد تكافح في أكثر من وظيفة صغيرة لتأمين احتياجات أسرتها.
تعمل النساء المعيلات في أية وظيفة لتوفير المال، من التنظيف إلى القيادة والبستنة، والتجميل والمطاعم، أحيانا تكون الوظائف مؤقتة، بعضهن يضطر للاستيقاظ في وقت مبكر لإعداد أطفالهن، ومنهن سعين إلى رعاية أطفال الأقارب والجيران أو العمل كجليسات أطفال بأجر، ليضمن التواجد مع الأبناء خاصة إذا كانوا في سن صغيرة ولا يستطيعون العناية بأنفسهم، بحسب موقع « africasacountry».
وبسبب ظروف العمل، كثيرا ما تلجأ هؤلاء النساء إلى إرسال الأصدقاء إلى أخذ أطفالهن من المدرسة أو مراكز الرعاية، وهناك أخريات يأخذن الأطفال إلى العمل، مع ما في ذلك من مخاطرة سواء بالتعرض للحوادث، أو التعرض لتعنيف العملاء او المدراء.
تتعرض هؤلاء النساء للكثير من الضغط للاستمرار في أداء دورهن المزدوج كأمهات جيدات، وعاملات بكفاءة، دون مساعدة من أحد.