كتبت – أماني ربيع
عندما تراه يعدو، يبدو وكأنه ملك الطريق، تعزف عضلاته سيمفونية بديعة من القوة والموهبة والاجتهاد، مسيرة كللها العرق المتساقط على البشرة السمراء والعزيمة التي لا تهدأ، ولا عجب أن يكافئ الطريق صديقه بالذهب، إنه الكيني إليود كيبشوج الذي أصبح ثالث عداء في التاريخ يتوج بالميدالية الذهبية للماراثون في دورتين أولمبيتين متتاليتين، حيث توج بذهبية المركز الأول ضمن منافسات دورة الألعاب الأولمبية المقامة بالعاصمة اليابانية طوكيو.
ملك الطريق
وفي ظل طقس حار ورطب في سابورو، التي احتضنت منافسات الماراثون، أنهى كيبشوك المتوج بالذهبية في أولمبياد ريو 2016 وحامل الزمن القياسي العالمي، الماراثون فيغضون ساعتين وثماني دقائق و 38 ثانية.
وتفوق كيبشوج بفارق 80 ثانية على الهولندي عبدي ناجيي، الذي أحرز الميدالية الفضية، وهو أكبر فارق بين صاحب المركز الأول وصاحب المركز الثاني في الماراثون بالدورات الأولمبية منذ عام 1972.
وحل البلجيكي بشير عبدي في المركز الثالث بفارق ثانيتين خلف ناجيي ليحرز الميدالية البرونزية، متفوقا على الكيني لورانس تشيرونو صاحب المركز الرابع بفارق ثانيتين فقط إثر منافسة مثيرة قبل خط النهاية.
ويعتبر الكثيرون كيشوج، أفضل عداء على الإطلاق في تاريخ منافسات الماراثون، حيث تفوق في سباق هذا العام مع انطلاقة حاسمة بعد علامة الـ30 كيلومترا ليتقدم بفارق أصبح من الصعب التغلب عليه بعدها، وخلال خمسة كيلومترات، كان كيبشوج متقدما بفارق 27 ثانية أمام منافسيه.
وبحسب موقع سي إن إن، بفوزه بهذا السباق أصبح الكيني البالغ من العمر 36 عامًا ثالث رجل ينجح في الدفاع عن لقب الماراثون الأولمبي، وسبقه في ذلك الإنجاز الإثيوبي أبيبي بيكيلا في دورتي 1960 و1964 وعداء ألمانيا الشرقية فالديمار سيربينسكي في دورتي 1976 و1980.
أكمل فوز كيبشوج ثنائية الماراثون لكينيا بعد ذهبية بيريس جيبشيرشير في سباق السيدات.
تم نقل أحداث الماراثون وسباق المشي لمسافة 500 ميل شمال طوكيو إلى سابورو في محاولة للهروب من حرارة العاصمة اليابانية ، لكن المتسابقين واجهوا ظروفًا صعبة مع درجات حرارة مرتفعة، ومستويات رطوبة عند 80٪.
ومن بين 106 عداءً بدؤوا السباق ، لم ينته 30 منهم، وعلق كيبشوج على الطقس الحار قائلا: “كنا جميعا في نفس المقلاة، وهذه هي المنافسة”.
عززت ذهبية الماراثون الثانية مكانة كيبشوج كأفضل عداء على الإطلاق لمسافة تزيد عن 26.2 ميلاً، وأضاف إلى سيرة ذاتية تتضمن الرقم القياسي العالمي البالغ 2:01:39 عام 2018، بالإضافة إلى خوض أول ماراثون فرعي على الإطلاق، وإن كان ذلك في ظروف غير رسمية ، كجزء من تحدي INEOS 1:59 عام 2019.
فاز كيبشوج حتى الآن بـ 13 سباقًا من أصل 15 ماراثونًا رئيسيًا شارك فيه منذ عام 2013 ، وحقق نجاحًا كبيرًا في عام 2016، حيث سجل رقمًا قياسيًا في سباق ماراثون لندن قبل أن يحصل على الميدالية الذهبية الأولمبية البعيدة المنال بأداء غير مسبوق في ريو دي جانيرو، وهو أكبر هامش فوز في دورة الألعاب الأولمبية لمدة 44 عامًا.
مسيرة الصبر والعمل الجاد
في العام الماضي، رضخ العداء الأسمر لما فرضته جائحة كورونا على العالم، وتسببها في تأجيل الأولمبياد الذي كان متحمسا لخوضه وتحقيق رقم عالمي جديد، بعد أن حقق رقما قياسيا عالميا وبطلا أوليمبيا في سباق الماراثون، في أكتوبر 2019، حيث استحوذ على اهتمام العالم من خلال خوضه أول ماراثون في مدة أقل من ساعتين، ليتم ترسيخ اسمه في سجلات التاريخ للأبد.
في ذلك الصباح البارد في العاصمة النمساوية فيينا، أصبح الكيني أول رياضي يخوض سباق ماراثون في أقل من ساعتين، وكسر حاجزًا كان يعتبر سابقًا خارج حدود الإمكانات البشرية.
بعدها استعد إليود لدورة ألعاب طوكيو 2020 الصيف الماضي، ليحافظ على اللقب الذي حققه في سباق الماراثون، لكن حالت جائحة كورونا دون لك، ولم يهزم ذلك عزيمة البطل الكيني، الذي استطاع في النسخة المؤجلة من أولمبياد طوكيو حصده ذهبية ماراثون الأولمبياد هذا العام.
مثل العديد من أنجح عدّائي سباقات الماراثون في كينيا، كان إليود عدّاءً من الطراز العالمي في مضمار السباق قبل انتقاله إلى سباقات الطريق.
وبحسب موقع Athlete365، بعد أن أصبح بطل العالم في سباق مسافة 5000 متر في عام 2003، وصل إلى منصة التتويج الأولمبية لفوزه في سباق نفس المسافة في أثينا وبكين لكنه تعرض لإصابة في أوتار الركبة أثناء الاستعداد للألعاب الأولمبية في لندن 2012، ولم يتأهل ضمن الفريق الكيني القوي.
لكن البطل لا ينظر أبدا إلى الوراء، واعتبر خيبة الأمل بمثابة درس استفاد منه ومنحه الحماس ليتحول إلى سباق الطريق في الموسم التالي.
وعزز كيبشوج إرثه بعد استعادة لقبه الأوليمبي في اليابان، والذي استعد له بتدريب شاق لمدة 6 أيام أسبوعيا، في قرية كاباتاجان النائية، على ارتفاع 8000 متر فوق مستوى سطح البحر، كان يسير 100 ميل في الأسبوع تحت إشراف مدربه القديم باتريك سانج.
البعض يرجع نجاح كيبشوج إلى تواضعه وأخلاقياته الرياضية العالية، أما السر الحقيقي وراء تألقه فهو الاستمرارية في العمل من أجل الفوز، وعدم تفويت أي فرصة تدريب، في مسيرة اتسمت بالصبر والثبات والعمل الجاد.
وكتب ستيف ماجنس، مدرب الأداء، على تويتر: “إليود كيبشوج هو الأعظم على الإطلاق… في أي رياضة”.
وأضاف: “هيمنته على رياضة كبرى في عصرنا الحالي غير مسبوقة”.