كتب – حسام عيد
في دورتها الـ18، سيطر الوضع الاقتصادي والأمن الغذائي والطاقوي على القمة الفرانكفونية والتي استضافتها مدينة جربة التونسية على مدار يومي 19 و20 نوفمبر 2022، بمشاركة أكثر من 31 رئيس دولة وحكومة من بينهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الكندي، و80 وفدًا ممثلًا لدول ومنظمات دولية وإقليمية، وأكثر من20 وزير خارجية، علاوة على دول غير منضوية في الفرانكفونية، مثل مصر ومولدوفا والإمارات العربية المتحدة وصربيا.
وتعول تونس، التي تعيش أزمة متشعبة على الصعيد السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، على هذا الملتقى لتعزيز جاذبيتها كموقع للاستثمارات الخارجية، وتجاوز حقبة الأزمات التي تعيشها البلاد منذ فترة.
التكنولوجيا الرقمية رافد تنموي
وجاءت هذه القمة التي تحتضنها تونس لأول مرة تحت شعار (التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرانكفوني).
وقد أشار الرئيس التونسي، قيس سعيد، إلى أن موضوع الرقمنة في هذه القمة «هو اختيار وجيه، وهو يعود إلى اعتبارها عنصر تنمية وتضامن في الفضاء الفرانكفوني».
وبدورها، اقترحت رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، اعتماد القمة الفرانكفونية المنعقدة بجربة توصية بإنشاء صندوق استثماري فرانكفوني لدعم الرقمنة في الفضاء المشترك، يمكن أن تسهم في تمويله الشركات متعددة الجنسيات الناشطة في المجال الرقمي، كما أورد موقع “شمس إف إم” التونسي.
وأبرزت بودن لدى إشرافها على جلسة النقاش الأولى رفيعة المستوى تحت عنوان “الرقمنة، أداة ذات أولوية للفرانكفونية، في إطار أعمال القمة الفرانكفونية بجزيرة جربة، أهمية اعتماد مقاربة شاملة في مواجهة تحدّي تقليص الفجوة الرقمية بين الدول المتقدّمة والدول النامية، تأخذ بعين الاعتبار مسائل التمويل وبناء القدرات البشرية ودعم الشراكات بين القطاعين العمومي والخاص والنفاذ إلى الفضاء الإلكتروني والتكنولوجيا الرقمية، وفق ما أورده بيان نشرته رئاسة الحكومة التونسية.
وأكدت ضرورة تيسير النفاذ إلى التكنولوجيا الرقمية دون تمييز، وتعميمها على الجميع، تكريسًا لمبدأ التضامن بين الدول الفرانكفونية، بما يسهم في تنمية مجتمعاتها ويدعم دور الشباب كفاعل رئيسي داخل الفضاء الفرانكفوني.
واستعرضت رئيسة الحكومة خلال النقاش عددا من التجارب الوطنية في المجال الرقمي، وفي مقدمتها الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها رئيس الجمهورية قيس سعيد بين شهري يناير ومارس 2022، مبيّنة “مساهمتها في تعزيز مشاركة الشباب والمرأة بشكل خاص في رسم التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد”.
وأبرزت أيضًا ما توليه تونس من أهمية لتطوير برامج العمل والتعليم عن بعد، خاصة في ظلّ الدروس المستخلصة من جائحة كوفيد-19، ودعم تشغيل الشباب عبر تحفيز المبادرة الخاصة في مجالات الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة.
وشهدت الجلسة تبادلا للآراء والمقترحات بين رؤساء عدد من الوفود المشاركة حول سبل دفع التعاون في المجال الرقمي في الفضاء الفرانكفوني وتعزيز دور المنظمة الدولية للفرانكفونية في ربط الشراكات ذات الصلة بين مختلف الفاعلين في هذا الفضاء المشترك، بما من شأنه أن يساعد على تقليص الفجوة الرقمية وتحقيق تطلعات الشعوب الفرانكفونية للتنمية المتكافئة.
استقطاب الاستثمارات الأجنبية
فيما قال مراقبون: إن هذه القمة فرصة يجب على الرئيس، سعيد، استغلالها بحثًا عن استثمارات جديدة تساعد بلده على الخروج من أزمتها الاقتصادية، فنجاح القمة هو نجاح لتونس وليس للرئيس سعيّد، فهي بمثابة فرصة استثنائية لترويج صورة تونس خارجيًّا.
وتمتلك تونس الكثير من المقوّمات على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يجعلها قادرة على الاستفادة من فرص التعاون داخل الفضاء الفرانكفوني، وضمن التعاون الثلاثي في مختلف القطاعات، خاصة الاستثمار والمبادلات التجارية، وكذلك في المجالات الثقافية والعلمية والتكنولوجية.
وتسعى تونس لإبرام شراكة دولية لإقامة مشاريع استثمارية بقيمة 10 مليارات دينار تونسي (3.2 مليار دولار)، وفقًا لوزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد في قمة زعماء الدول الناطقة بالفرنسية التي استضافتها تونس.
ووقّع سعيد على هامش القمة الفرانكفونية اتفاقية تمويل مع فرنسا بقيمة 200 مليون يورو (207 ملايين دولار) ستخصص لدعم الميزانية، حسبما ذكرت وزارته عبر حسابها على فيسبوك.
تعزيز العلاقات الاقتصادية الخارجية
ومن مخرجات القمة، التوقيع على اتفاقية شراكة بين غرفة التجارة والصناعة لتونس ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي واتحاد غرف التجارة بكيبك (كندا)، تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بين تونس ومقاطعة الكيبيك بكندا. وبمقتضى هذا الاتفاق تعمل الأطراف الثلاثة الموقعة على تشجيع التقارب بين أوساط الأعمال بتونس والكيبيك ودفع المبادلات الاقتصادية والتجارية الثنائية والبحث عن الفرص المتاحة التي تساهم في التواصل والتفاعل بين المؤسسات الأعضاء في الهياكل الاقتصادية الثلاثة.
وأفاد المدير العام بالنيابة لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، حاتم السوسي، أن التوقيع على هذه الاتفاقية يندرج ضمن استراتيجية الوكالة التي تهدف إلى تنويع الشركاء الاقتصاديين الاستراتيجيين لتونس وجلب الاستثمارات من البلدان الآسيوية ودول أمريكا الشمالية ومن بينها كندا.
واعتبر رئيس غرفة التجارة والصناعة بتونس، منير الموخر، أن هذه الاتفاقية ستساهم في استقطاب الاستثمارات من الكيبيك وتطوير التصدير نحو هذه السوق، إلى جانب ربط علاقات متينة مع هذه المقاطعة، وخاصة في مجال نقل المعلومات والخبرات لا سيما في القطاع الرقمي.
وقال الرئيس المدير العام لاتحاد غرف التجارة بالكيبيك، شارل ميليار، إن هذه الاتفاقية ستمنح الاتحاد فرصة التعرف على إمكانات التصدير في الدول الأفريقية ضمن الفضاء الفرانكفوني. وبين أن اتحاد غرف التجارة الذي يضم 425 غرفة تجارية على كامل تراب مقاطعة الكيبيك الكندية، يبرم لأول مرة شراكة تهدف إلى التنمية الاقتصادية في أفريقيا.
تحرك عجلة النمو.. وإصلاحات صعبة بالأفق
وتواجه تونس منذ ثورة 2011 أزمة اقتصادية زادت حدتها بتداعيات وباء كوفيد-19، وغياب الاستقرار السياسي في البلاد، كما فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية الأزمة في بلد يعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب والوقود، وهما قطاعان يشهدان ارتفاعًا في الأسعار.
نما الاقتصاد التونسي بـ2.9% في الربع الثالث من العام الجاري، مقابل 1.7% في الفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعًا بنمو قطاع الخدمات الذي يتضمن الفنادق والمطاعم وخدمات النقل.
وأرجع المعهد الوطني للإحصاء التونسي النمو الاقتصادي إلى ارتفاع نمو قطاع الخدمات الذي بلغ 4.3% على أساس سنوي.
وأظهرت التقديرات الأولية للمعهد تطورًا إيجابيًّا في أنشطة قطاع الخدمات، بما في ذلك نمو قطاع الفنادق والمطاعم والمقاهي بــ16.7%، وقطاع خدمات النقل بــ17.7% في الربع الثالث من العام.
وستبدأ تونس قريبًا إصلاحات اقتصادية صعبة تأجلت لسنوات، حسبما قال محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، الشهر الماضي، مضيفًا أن السلطات المالية تحاول المحافظة على استقرار الدينار.
وتحتاج تونس بشدة إلى مساعدة دولية منذ شهور، في الوقت الذي تكافح فيه أزمة في المالية العامة، أثارت مخاوف من احتمال تخلفها عن سداد ديونها، وأسهمت في نقص الغذاء والوقود.
وتوصلت تونس، في أكتوبر 2022، إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار، يمكن إتمامه في ديسمبر المقبل.
ومن المتوقع أن تشمل الإصلاحات خفض دعم المواد الغذائية والطاقة، بالإضافة إلى إصلاح الشركات العامة، وخفض نسبة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة.
ويشمل الاتفاق مع الصندوق موافقة تونس على عدة إصلاحات اقتصادية، أبرزها تعزيز الشمول المالي لضم الاقتصاد غير الرسمي للمظلة الضريبية، وإصلاح الشركات المملوكة للدولة، ودعم الشفافية والحوكمة في القطاع العام، وفق بيان للمؤسسة الدولية.
وكانت نسبة التضخم السنوي في تونس قد ارتفعت خلال شهر أكتوبر الماضي إلى 9.2% من 9.1% مسجلة في سبتمبر 2022، وفق بيانات المعهد التونسي للإحصاء، وزادت أسعار المواد الغذائية 12.9%، كما ارتفعت أسعار المواد المصنعة 9.6%، وزادت أسعار الخدمات 2.6%..