كتبت – أسماء حمدي
داخل مطعم للوجبات السريعة في لاجوس، تجلس فافور أوبي -الفتاة البالغة من العمر 27 عامًا- في شرود خلال استراحة عملها، قبل أن تحكي كيف تركت طموحاتها وآمالها تنحرف تدريجيا، تقول: “كنت أعلم أنه سيكون من الصعب العثور على وظيفة، لكن في نفس الوقت كنت مصممة على الوصول إلى هدفي، كنت لا أزال متفائلة”.
على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، تقاضت أوبي التي تخرجت عام 2016 بدرجة أولى في العلوم الطبية الحيوية، من وظيفتها نحو35000 نايرا آي (60 جنيهًا إسترلينيًا) شهريًا، وهو أعلى بقليل من الحد الأدنى للأجور في نيجيريا وبالكاد يكفي للعيش، تقول أوبي: “كان من المفترض في البداية أن تكون هذه الوظيفة مؤقتة”.
تضيف: “لكن مرت سنوات حتى الآن وما زلت هنا، هناك الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم في وضع مماثل، كما أن أصدقاء في نفس عمري، ممن كانوا مؤهلين جيدًا، إلا أنهم ما زالوا يكافحون للبقاء على قيد الحياة”.
تقول أوبي: إن الحصول على درجة جامعية كان دائمًا موضع تقدير في عائلتها، ومع ذلك كانت حياتها بعد الجامعة صراعًا شاقًا، مثل العديد من أبناء جيلها، اضطرت إلى تعلم المهن والسعي في مسارات وظيفية أخرى، مضيفة: “لقد نشأنا ونحن يقال لنا أن الذهاب إلى الجامعة سيساعدك على أن تصبح ناجحًا، كوننا مؤهلين يجعلنا فخورين، آباؤنا فخورون، لكن بالنسبة للكثيرين منا، لم يغير ذلك حياتنا للأفضل لأننا نفتقر إلى الوظائف.”
بؤس طويل الأمد
يبلغ عدد سكان نيجيريا الهائل والمتزايد بسرعة 200 مليون نسمة، ويبلغ متوسط العمر 18 عامًا، ويقول العديد من شبابها أن آفاقهم تتضاءل بسرعة في السنوات الأخيرة.
منذ عام 2015، عانت نيجيريا من أسوأ ركود اقتصادي لها، ومنذ عام 2016 تسبب ركودان مدفوعان بمزيج من السياسات الاقتصادية للحكومة، وانهيار أسعار النفط، ووباء كورونا في إحداث “بؤس طويل الأمد”.
وأصبحت التحديات الاقتصادية صارخة وتؤثر على الناس عبر الطيف العمري، لكن ارتفاع بطالة الشباب كان من بين أكثر العوامل إثارة للقلق.
تضاعف معدل البطالة أربع مرات منذ عام 2015، ليصبح الأسوأ على مستوى العالم، وفي نهاية العام الماضي، تم تسجيل 23 مليون شخص أو 33٪ من الأشخاص في سن العمل أوالباحثين عن عمل كعاطلين، وفقًا لمكتب الإحصاء النيجيري (NBS)، وكان الشباب هم الأكثر تضررًا.
وبحسب تقرير لمكتب الإحصاء النيجيري صدر في مارس، يشير إلى أن ما يقرب من نصف النيجيريين في سن العمل الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا إما عاطلون عن العمل أو عاطلون جزئيًا، فيما يعمل بعضهم بدوام جزئي، مما يعزز الشعور بأن المراعي الأكثر خضرة تكمن في مكان آخر.
وأوضح التقرير أن هناك 23.2 مليون شخص بلا عمل، لافتًا أن معدل البطالة في البلاد وصل مع نهاية العام الماضي إلى 20.6% بسبب فيروس كورونا المستجد، في حين أن هذه النسبة كانت 13.22% خلال الربع الأول من العام نفسه.
ووفق المعطيات يعمل 46.49 مليون شخص بوظائف منتظمة في البلاد، و30.57 مليونًا يعملون بدوام كامل، و15.92 مليونًا يعملون بدوام جزئي.
ويوضح التقرير أن النيجيريين في سن العمل الذين تقل أعمارهم عن 35 هم الأكثر تضررا من البطالة، تقول أوبي: “يريد الكثير من الناس الآن مغادرة البلاد، الكثير من الناس الذين أعرفهم لا يرون نيجيريا كمكان يمكنهم الازدهار فيه حقًا.”
وظائف للبقاء على قيد الحياة
طوال الصباح، يتدفق العشرات من الشباب بشكل يومي داخل وخارج الردهة المعتمة في مبنى قديم في منطقة لاجوس آيلاند في العاصمة النيجيرية، ويلتقون بوكلاء عمل يربطونهم بأصحاب العمل.
وفي حديث لصحيفة “الجادريان” البريطانية، يقول جوليوس أوشي، وكيل الوظائف البالغ من العمر 46 عامًا، والذي يعمل بهذه الوظيفة على مدى السنوات الخمس الماضية: “إن عدد الوظائف يتقلص وعدد الأشخاص الذين يتطلعون إليها في تزايد كل يوم”، موضحا أن سوق العمل تغير بشكل كبير.
لافتا إلى أن المشكلة الأخرى هي أن نوع الوظائف المتاحة ليس ما يراه الكثير من الشباب مفيدًا لهم، إنها “وظائف يأخذونها للبقاء على قيد الحياة”، مضيفا: “من بين هذه الوظائف وظائف التنظيف، وظائف البار، والمساعدة في المنزل “الخادمات”، ولا يقتصر الأمر على الشباب الفقير فقط التي تتولى هذه الوظائف، وقال إن الطبقات المتوسطة هي الأكثر تعليما، مضيفا: “لقد كان الأمر على هذا النحو منذ فترة طويلة، فقط يمكنك القول أن الأمور تزداد سوءًا”.
أشار أوشي إلى كومة من السير الذاتية في نهاية مكتبه، قائلا: “لديّ أشخاص حاصلون على درجات علمية عالية في موضوعات تقنية ومثيرة للإعجاب كالفيزياء، والإحصاء وهم يأتون إلى هنا بعد سنوات بدون عمل في مجالهم، سيذهبون إلى وظائف منخفضة الدخل، ويتقاضون أقل من 30 ألف نايرا شهريًا”.
قال أوشي إنه في بعض الحالات، كانت وظائف ذوي الياقات البيضاء أقل جاذبية، بسبب قيام الشركات بخفض الأجور المعروضة في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد، وكان من الشائع أيضًا أن يشتكي أصحاب العمل من أن الوظائف لم يتم شغلها بسبب نقص المهارات.
يعد الحصول على شهادة جامعية طموحًا مهيمنًا في الثقافة النيجيرية، والذي يكرس الإنجاز الأكاديمي والتميز، يقول توكونبو أفيكويومي -رئيس تحرير شركة Stears Business، وهي شركة تحليل اقتصادي مقرها لاجوس- إن الكثير من الناس يرون في التعليم العالي طريقًا للخروج من الفقر، لكن المؤهلات الجامعية عمليًا لا تعمل مع العديد من الشباب.
يضيف: “لدينا وضع حيث تكافح فيه الطبقة المتوسطة والطبقة المتعلمة للعثور على عمل، كما أن معدل البطالة لمن تركوا الدراسة الثانوية أقل من معدل البطالة لمن تركوا الجامعة”.
فشل حكومي
يلقي العديد من النيجيريين باللوم على حكومة الرئيس محمد بخاري في تفاقم أزمتي النفط وكوفيد من خلال إغلاق الحدود البرية لفترات طويلة، وفرض حظر على الاستيراد والفشل في التعامل مع انعدام الأمن المتزايد.
استجابةً لارتفاع معدلات البطالة، تبنت حكومة بخاري عددًا من برامج الوظائف، بما في ذلك بعض البرامج الموجهة للشباب والخريجين الذين يوفرون وظائف قصيرة الأجل، والتوظيف والتدريب، وتقول الحكومة إن العديد من البرامج ساعدت في تعزيز فرص العمل لمئات الآلاف من الشباب.
من المتوقع، على سبيل المثال، أن توفر برامج الوظائف الجماعية مثل مخطط الأشغال العامة الخاصة، وهو أكبر برنامج من نوعه في تاريخ البلاد ، 750 ألف وظيفة لمدة ثلاثة أشهر للخريجين العاطلين عن العمل هذا العام.
لكن أفيكيومي قال: إن مزايا البرنامج محدودة، مضيفا: “الوظائف، لا يمكن خلقها بالقوة، وإذا كنت لا تبني عددًا كافيًا من المنازل، أو البنية التحتية، فستحصل على برنامجًا للوظائف يوفر للناس وظائف لفترة محددة، ثم يصبحون عاطلين عن العمل مرة أخرى”.