كتب – حسام عيد
الوضع الراهن يبدو عصيبًا لشركات الأعمال التجارية الأفريقية عبر الإنترنت جراء تداعيات الجائحة الوبائية، لكن على المدى الطويل، ربما تصبح حقبة فيروس كورونا المستجد، حافزًا داعمًا لتلك الأعمال في استشراف وريادة أنشطة أخرى تعزز تواجدهم بالسوق الأفريقي.
أزمة “كوفيد-19” جلبت العديد من التحديات في أوغندا، لعل أبرزها؛ أنشطة أعمال اللحوم التي يقوم بها “توني أيباري”، لكنها أتت أيضًا بدرس وفرصة رائجة، وهي؛ “تعلم كيفية التكيف”، وتحويل الأزمات لقصص نجاح، وهذا ما فعله أيباري حينما قرر تجاوز تحدي كورونا حتى ولو إلكترونيًا، فقد يصبح ذلك سمة رئيسية لمن أراد المنافسة والتواجد والعبور لمستقبل مزدهر.
وفي رواندا وكينيا ونيجيريا وتوجد أصبحت الحاجة ملحة للتكنولوجيا المالية وتقليل التعامل بالنقود الورقية، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تسارعت وتيرة المدفوعات الإلكترونية عبر الهاتف المحمول
جزارة إلكترونية في أوغندا
في عام 2018، أسس رائد الأعمال الأوغندي توني أيباري “متجر جزارة إلكترونية” Online Butchery، وهو موقع إلكتروني يبيع اللحوم عالية الجودة للفنادق والمطاعم والمدارس. لكن في مارس 2020 أغلقت تلك المؤسسات أبوابها وجفت وسط الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية الصارمة للحد من انتشار فيروس كورونا.
ويقول أيباري: “لقد اضطررنا إلى قلب رؤوسنا والبدء في النظر إلى السوق الاستهلاكية الفردية”. عندما ناقش فريقه هذا الخيار في الماضي، قدروا أن الأمر سيستغرق ستة أشهر لوضع أنظمة التوصيل في مكانها. الآن، “كان علينا أن نكتشف ذلك في غضون أيام قليلة”.
اشتروا بعض الدراجات النارية ووضعوا خطة وجبات مسبقة الدفع، على الرغم من أن خسارة الطلبيات الضخمة كانت ضربة -انخفضت المبيعات من طن واحد في الأسبوع إلى حوالي 300-400 كجم أثناء الإغلاق- إلا أن مشتريات الأسر خففت من التداعيات السلبية.
انتشار واسع للتكنولوجيا المالية
أحد الأمثلة على ذلك هو استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول. في رواندا، ارتفع الحجم الأسبوعي للتحويلات المالية عبر الهاتف المحمول خمسة أضعاف خلال فترة الإغلاق، وفقًا للبيانات التي تم جمعها في أبريل من قبل منظم الاتصالات وحللها مركز التنظيم والدمج المالي في جنوب أفريقيا Cenfri.
في كينيا، رصد البنك المركزي ارتفاع بنسبة 10% في عدد التحويلات. وقد أمر واضعو السياسات في كلا البلدين بتخفيض مؤقت لرسوم المعاملات لتعزيز التحويلات النقدية المادية. كانت السياسة أيضًا استباقية في توجو، حيث استخدمت الحكومة التحويلات الإلكترونية لدعم أكثر من 500 ألف شخص خلال الأزمة.
يقول تايو أوفيوسو من منصة “باجا Paga” النيجيرية للمدفوعات والتحويلات، إن عمليات الإغلاق ساعدت على “فتح عقول الناس” أمام المدفوعات غير النقدية.
وقد ارتفع عدد الاشتراكات الجديدة في محفظة “باجا” الإلكترونية بنسبة 330% خلال الربع السابق، ومعظمها من خلال تكنولوجيا USSD الأفضل لتقديم الخدمات المالية المتنقلة للعملاء ذوي الدخل المنخفض، ويمكن استخدامها على الهواتف الأساسية.
وتسارعت “باجا” أيضًا في إدخال مدفوعات QR، وهي طريقة دفع بدون تلامس حيث يتم الدفع عن طريق مسح رمز من تطبيق محمول، أو ما يعرف بعملية الدفع عبر رمز الاستجابة السريعة، حيث يفتح المستخدم تطبيق الدفع QR بمجرد تعيين إجمالي مبلغ المعاملة في نظام POS الخاص ببائع التجزئة.
ويضيف أوفيوسو: “كنا نخطط بالفعل للقيام بذلك”، ولكن الحاجة أصبحت “أكثر حدة، حيث توجد فقط مشاكل صحية حقيقية باستخدام النقود”.
رقمنة الشاحنات والدراجات والتسوق
الشركات التي تكيفت بشكل أفضل هي تلك التي لديها آثار وتداعيات أخف. قامت Showmax، وهي خدمة تلفزيونية مدفوعة مسبقًا عبر الإنترنت -تقدم فيديوهات مخصصة حسب الطلب مع التركيز على المحتوى المحلي والشراكات مع شركات الهاتف المحمول، ومملوكة لمجموعة MultiChoice، وهي مجموعة جنوب أفريقية- بتقديم أخبار مباشرة في بداية الإغلاق وخفضت الحد الأدنى المطلوب لعرض النطاق الترددي.
في الأسابيع الأولى من الأزمة، سجلت زيادة بنسبة 50% في المستخدمين النشطين ومضاعفة الاستخدام. وظلت أرقام المشاهدة مرتفعة حتى مع تخفيف عمليات الإغلاق.
ويقول نيكلاس إيكدال، رئيس قسم الفيديو المتصل في Multichoice: “نأمل أن يلتزم الناس ويروا فوائد الاستهلاك عند الطلب”.
لكن معظم الأعمال الرقمية مبنية على البنية التحتية المادية، من جحافل من وكلاء الأموال المتنقلة إلى أساطيل مركبات التسليم. لقد أثرت تداعيات “كوفيد-19” عليهم في عدة اتجاهات بوقت واحد.
في التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، يتم تعيين الطلب المتزايد من المتسوقين المتواجدين بالمنازل مقابل التحديات اللوجستية للوصول إليهم خلال حظر التجول وإغلاق وسائل النقل.
وقد أفادت مجموعة جوميا، أكبر تاجر تجزئة عبر الإنترنت في أفريقيا، بارتفاع المبيعات خلال شهري مارس وأبريل في تونس والمغرب، ولكن الانخفاضات الحادة كانت في نيجيريا وجنوب إفريقيا، حيث تم حظر التجارة الإلكترونية في البداية.
وتقول جولييت أناما، المديرة التنفيذية لفرع جوميا في نيجيريا، ورئيسة الشؤون المؤسسية للمجموعة، إن “الأشهر الأولى كانت صخرية للغاية”.
وعلى الرغم من التحديات، كانت مبيعات جوميا للأساسيات، مثل سلع ومنتجات البقالة، أعلى بأربع مرات في آخر 15 يومًا من مارس عما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي.
وقد تستمر عادات التسوق الجديدة، وهذا ما أكدته جولييت أناما: “لقد انخرط الجميع وقرروا تجربتها، ثم قالوا هذا الشيء يعمل بالفعل!”.
أكثر الشركات تأثراً في المشهد الرقمي لأفريقيا كانت منصات اللوجستيات والتنقل. فقدت “سيف بودا” SafeBoda -وهو تطبيق مخصص للدراجات النارية الأجرة “تاكسي” في العاصمة كمبالا- معظم أعمالها منذ أن منعت الحكومة الأوغندية الدراجات النارية من نقل الركاب في مارس.
ويقول ماكسيم دودونيه، الشريك المؤسس للشركة: “نعلم أن 40% من سائقينا عادوا إلى القرية لأنه من السهل البقاء على قيد الحياة حيث يمكنك الحصول على الطعام”.
ورغم ذلك دفعت الأزمة “سيف بودا” للابتكار، فلا يزال يُسمح للدراجات النارية بحمل البضائع، وقد قامت بتسريع خطط إضافة توصيلات البقالة إلى منصتها.
ويقول دودونيه: “في غضون أسبوعين قمنا ببناء منتج جديد. خلال شهر نيسان (أبريل) من كل يوم نتلقى مكالمة من شركات مختلفة لإضافة متجرهم. وقد تم تسجيل أكثر من 150 متجرًا حتى الآن”.
فيما تسببت قيود الحركة أيضًا في حدوث صداع لشركة “كوبو 360” Kobo360، وهو تطبيق مشابه لأوبر، ولكن مخصص للشاحنات فقط، ويعمل في خمس دول بشرق وغرب أفريقيا، حيث توقف آلاف السائقين في سوقها المحلية في نيجيريا عن العمل في بداية الإغلاق لأن الارتباك والخلط فيما يتعلق بالقواعد يعني استمرار تعرضهم للمضايقة من قبل الشرطة، لكنهم عادوا لاستئناف القيادة منذ ذلك الحين بعدما أصدرت الحكومة توجيهات أكثر وضوحًا.
وفي شرق إفريقيا، تسبب فحص الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا بالمراكز الحدودية في “تأخيرات هائلة”، كما يقول كاجوري وامونيو، كبير مسؤولي الاستراتيجية في الشركة.
ومع ذلك ، شهد تطبيق “كوبو 360” Kobo360 زيادة بنسبة 25% في تسجيلات السائقين. ويقول وامونيو: “حقيقة أن لدينا وصول أكبر يعني أنهم قادرون على الحصول على المزيد من البضائع”. مع السوق غير المنتظم في الوقت الحالي، لدينا المزيد والمزيد من الناس يأتون إلينا، ويروننا كشريك موثوق به”.
استشراف مستقبل مزدهر
وجد تحليل المؤسسة الفكرية غير الربحية والداعمة لتطوير القطاع المالي في أفريقيا، مركز التنظيم والشمول المالي Cenfri، زيادة بنسبة 14% في التسوق عبر الإنترنت وزيادة بنسبة 10% في استخدام المنصات اللوجستية، وانخفاض بنسبة 17% في الإقبال الإلكتروني على تطبيقات وسائل النقل في الشهر الأول من الأزمة، وذلك في 8 أسواق أفريقية.
وتقول تشيرني جونسون من Cenfri: “أجبرت بيئة كوفيد-19 كثيرًا من الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك أصحاب المشاريع الصغيرة في أفريقيا على التحول إلى رقمنة سريعة”.
بشكل أكثر إيجابية، يمكن للأزمة أن تغير اللوائح، كما تقول لاسينا كوني، المدير العام لـ Smart Africa، وهو تحالف من البلدان الأفريقية والمنظمات التي تعزز التحول الرقمي.
وتضف، “تساعد المنصات على الإنترنت في الحفاظ على البعد الاجتماعي بطبيعتها”. وعلى المدى الطويل، سنشهد قيام العديد من الحكومات بإصدار العديد من القوانين واللوائح المواتية لتبني المنصات الرقمية كخدمات أساسية”.
والسؤال هو ما إذا كان فيروس كورونا المستجد سيجعل من التحول الرقمي لأفريقيا فرصًا رائجة ودائمة لأنشطة وأعمال واستثمارات مدرة؟!.
وختامًا، يمكن القول، أن شركات وأعمال تجارية أفريقية تمكنت من امتصاص الصدمة الأولية لجائحة “كوفيد-19″، وعبر مجموعة من الأدوات الرقمية، نجحت في التطوير وتبنت ابتكارات جديدة للتوسع ودعم أنشطتها، بل وتعمل اليوم على رسم إعادة تصور لعملياتها لتقليل التكاليف، وتقديم منتجات وخدمات تنافسية.
الجائحة الوبائية جاءت كدعوة للاستيقاظ والتفكير في كيفية بناء غد أفضل، وقد تكون البنية التحتية الرقمية وتحسينها عبر توسيع الوصول إلى الإنترنت وخفض تكلفة البيانات وتعميم التكنولوجيا المالية، وسيلة لذلك.