كتبت – أماني ربيع
نجح الأسلوب الأفريقي في الموسيقى والأفلام والأزياء والفنون والمطبخ في إحداث تأثير متزايد حول العالم، لكن للأسف لم تحظ العمارة الأفريقية التقليدية وبخاصة في جنوب الصحراء بتأثير مماثل بعدما فقدت جاذبيتها حتى في القارة السمراء نفسها وفشلت في التطور فيما هو أكثر من الجدران الترابية والأسقف المصنوعة من القش، وبات الكثير من الأفارقة يربطونها بالفقر، وهو الأمر الذي أدى إلى إهمالها وندرة الحرفيين المهرة في صناعتها.
لا يوجد لدى القارة السمراء أسلوب معماري متجانس، فأساليبها المعمارية متنوعة بتنوع التأثيرات التي ألهمتها، وقبل الاستعمار كان لكل قبيلة تقليدية أسلوبها المعماري الفريد الذي عكس التراث الثقافي والهياكل الاجتماعية والقيم الدينية والعادات المحلية الخاصة بكل قبيلة، لكن الاستعمار أعاق بشكل كبير تطور العمارة الأفريقية التقليدية وسعى لتوحيد أنماط السكان الأصليين مع تجاهل الاختلافات الخاصة لكل مجموعة عرقية في القبائل التي شكلت الدول الأفريقية بعد ذلك.
العمارة الأفريقية منبوذة
لم يحدث تيار الاستقلال في القارة خلال أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات أي تحسن من هذه الناحية، وبعد استعادة الحرية لجأ المناضلون للعيش في قصور الإداريين الاستعماريين، في الوقت الذي كانوا يتحدثون فيه بخطاب معاد للغرب، وكانت حقبة ما بعد الاستقلال فترة ازدهار للعمارة الاستعمارية التي أصبحت أساسًا لطموح الأثرياء الجدد في القارة، وهو ما دق ناقوس موت العمارة الأصلية التي تم التخلي عنها تمامًا.
في الوقت الحاضر أصبحت العمارة الأفريقية التقليدية تُدرس كخطاب عابر ضمن التاريخ الأفريقي، وكل مدارس التصميم والهندسة في القارة تعلم الطلاب تاريخ ونظريات وأنماط العمارة الأوروبية الكلاسيكية مثل العمارة القوطية وأسلوب الباروك وحتى الأساليب الحديثة مثل باوهاوس.
وتركز برامج التعليم على أعمال المهندسين المعماريين الغربيين مثل والتر جروبيوس ولو كوربوزييه وفرانك لويد رايت، ولا أحد يذكر المصممين المحليين مثل ديماس نووكو، أو حتى المصممين الأفارقة المعاصرين مثل فرانسيس كيري الذي يحاول بدأب إحياء العمارة الأفريقية التقليدية عبر الجمع بين الحرف اليدوية التقليدية والمواد المحلية وتقنيات التصميم الحديثة من أجل خلق أسلوب معماري أفريقي معاصر.
أسلوب تقليدي يحتاج لتطوير
يعتقد الكثيرون أنه حان الوقت لإعادة إحياء العمارة التقليدية في أفريقيا لأن تكاليفها الرخيصة وسهولة بناءها يجعلها الأسلوب المعماري الأنسب لذوي الدخل المنخفض وكذلك في المباني المجتمعية مثل المدارس والمستشفيات والأسواق، لكن عادة ما يواجه المهندسون والمصممون صعوبة في استخراج تصاريح بناء لهذه الأنواع لأنها غير مدرجة في أقسام تخطيط المدن.
ويعتقد آخرون أنه أسلوب العمارة الأفريقي التقليدي بحاجة إلى تطوير في أساليب ومواد البناء من أجل تشجيع المصممين وأصحاب المنازل على استخدامها، كما يجب على الجامعات تدريسها من أجل تحسين أجواتها وجعلها أكثر قبولًا من الناحية الجمالية والوظيفية، وهو أمر يحتاج لإدخال العمارة التقليدية إلزاميًا في مناهج مدارس الهندسة المعمارية، وبدأ بعض المصممين والمهندسين الأفارقة المعاصرين، بالفعل، في إظهار الإمكانات الهائلة للعمارة الأفريقية التقليدية عندما تقترن بالأساليب الحديثة في التصميم والمواد وتقنيات البناء.
مشكلات العمارة الأفريقية التقليدية
قديمًا، استخدمت معظم الشعوب الريفية في أفريقيا المواد الطبيعية المتوفرة محليًا لمبانيها، في الأراضي العشبية، عادة ما استخدم الناس الحشائش لتغطية الجدران والأسقف، وفي مناطق الغابات بنى الناس منازلهم بالأخشاب الصلبة وكذلك من الخيزران والنخيل، وكان الطين من مواد البناء الأساسية، بينما في المناطق ذات الموارد الطبيعية القليلة، غالبًا ما عاش الناس كبدو رحل ، ينتقلون من مكان إلى آخر، وبدلًا من بناء منازل دائمة، استخدموا عادة خيامًا محمولة مصنوعة من جلود الحيوانات.
غالبًا ما تكون المنازل الأفريقية أسطوانية الشكل أو دائرية، يبني شعب الهوسا في جنوب أفريقيا منازل مستديرة من غرفة واحدة تسمى روندفيل – rondavels، وعادة ما يتم صنع الروندفيل من حلقة من الأعمدة الخشبية مملوءة بالطين ويعلوها سقف مخروطي من القش. في المناطق شبه الصحراوية في السودان وغرب أفريقيا، غالبًا ما يتم بناء المنازل الدائرية من الطين المجفف بالشمس.
لكن المشكلة أن العديد من المواد الطبيعية المستخدمة في العمارة الأفريقية معرضة للمطر أو العفن أو النمل الأبيض، وبالتالي المباني المصنوعة من هذه المواد، بغض النظر عن مدى جودة بنائها، تستمر لفترة محدودة فقط، لذا فإن العديد من المباني التقليدية الموجودة اليوم في أفريقيا ليست قديمة جدًا على الرغم من أنها مبنية فقًا لأساليب تعود إلى قرون عديدة.
على النقيض من ذلك، لا يزال لدى أفريقيا بعض الهياكل القديمة المصنوعة من الحجر، وهي الأكثر دوامًا، وأقدم الأمثلة على العمارة الحجرية في أفريقيا هي أهرامات مصر التي تم بناؤها منذ أكثر من 4500 عام، وفي أفريقيا جنوب الصحراء، لا تزال الآثار الحجرية لزيمبابوي العظمى في ما يعرف الآن ببلد زيمبابوي، شاهدة على أسلوب فريد في العمارة في وقت كانت هذه المدينة مركزًا لإمبراطورية تجارية أفريقية من القرن الأول حتى القرن الخامس عشر.
تأثير الإسلام على العمارة في أفريقيا
لأكثر من ألف عام ، أثر الدين الإسلامي على العمارة في عدة مناطق من أفريقيا، مثل الممالك الإسلامية في غرب السودان وكومبي عاصمة مملكة غانا التي تعرف الآن بمالي شاهدة على تأثير الإسلام على العمارة التقليدية وتوجد عشرات المساجد في مدن غرب أفريقيا المبنية من الطين وتمثل أسلوبًا بديعًا في العمارة.
في مملكتي مالي وسونغاي ، قدم البناة المسلمون نوعًا جديدًا من المنازل، بنيت بأسقف مستوية وفي الغالب ارتفاع من طابقين أو أكثر، وكانت مصنوعة من طوب اللبن المجفف بالشمس أو من الطين والحجر، وبحلول القرن السادس عشر انتشر هذا النموذج حتى شمال نيجيريا، ولا يزال بالإمكان العثور على أمثلة لهذه المنازل في كانو وسوكوتو ومدن نيجيرية أخرى.
في شرق أفريقيا،جاء النفوذ الإسلامي من الخليج العربي وموانئ البحر الأحمر، ومدن مثل دار السلام ومومباسا ومدن أخرى على طول سواحل تنزانيا وكينيا، تم بناء أغلبها بالحجر من قبل التجار الناطقين باللغة السواحيلية والعربية، وفي أواخر القرن الرابع عشر، تم نهب هذه المدن وحرقها من قبل البرتغاليين، فقط ميناء جزيرة لامو في كينيا حافظ على طابع المدينة السواحيلية، والمنازل هناك مبنية من الحجر المرجاني ولها أسقف من أعمدة أشجار المنجروف.
قبل أواخر القرن التاسع عشر، كان تأثير المسيحية على العمارة الأفريقية يقتصر في الغالب على إثيوبيا، وخلال القرن الثالث عشر الميلادي، تم نحت 11 كنيسة رائعة من الصخور تحت الأرض في مدينة لاليبيلا الإثيوبية، ويوجد في شمال إثيوبيا العديد من الكنائس الأخرى المنحوتة في الصخور والكهوف.
العمارة الأوروبية تدخل القارة
جاءت العمارة الأوروبية إلى جنوب أفريقيا في النصف الثاني من القرن السابع عشر، بدأت مع تطوير الهولنديين لمدينة كيب تاون كمركز تجاري، ولا تزال قلعة هولندية اكتمل بناءها عام 1679، تسمى قلعة الرجاء الصالح قائمة إلى الآن، وتم بناء العديد من المباني العامة الكبيرة والكنائس والمنازل الخاصة في المدينة على طراز Cape Dutch، وكان لأنماط البناء الهولندية الشرقية الهندية أيضًا تأثير على الهندسة المعمارية الهولندية في كيب تاون، حيث تم صنع العديد من القطع الخشبية في مباني كيب القديمة من قبل الحرفيين الملايو الذين تم جلبهم إلى أفريقيا كرقيق من جزر الهند الشرقية الهولندية.
في عام 1806، سيطرت الحكومة البريطانية على كيب تاون، ومنذ ذلك الحين، أثرت العمارة الاستعمارية لبريطانيا على العمارة المحلية، وكان للعديد من المنازل المبنية في بريطانيا أسقف معدنية مزخرفة وأعمدة ضيقة، ولا تزال توجد أنماط مماثلة في جنوب أفريقيا، وجلب التجار والإداريون البريطانيون أيضًا بعض أنماط البناء من الهند التي كانت تحت الحكم البريطاني.
ظهر تأثير العمارة الاستعمارية الأوروبية بشكل كبير على السواحل، وبنى البرتغاليون حصونًا وقلاعًا على الطراز الأوروبي على طول السواحل الغربية والجنوبية الغربية، بينما جلب الفرنسيون شوارع واسعة على الطراز الباريسي إلى المدن الأفريقية مثل الدار البيضاء في المغرب وداكار في السنغال، والقاهرة في مصر، بينما يمكن رؤية تأثير العمارة على الطراز الألماني في الكاميرون وتوجو وناميبيا وتنزانيا.