كتب – أحمد عادل
باحث متخصص في دراسات الأمن والدفاع
شهدت الأسابيع الماضية تصاعدًا سريعًا للغاية للتوتر بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وأستراليا من جهة وروسيا من جهة أخرى، وذلك عقب قيام روسيا بتنفيذ عملية عسكرية موسعة داخل الأراضي الأوكرانية، ما دعا دول أوروبا وحلفاءها إلى فرض حزم عقوبات موسعة شملت المجال الاقتصادي والتجاري والصناعي والتقني بل وحتى الفردي لكل من يحمل الجنسية الروسية داخل الدول الأوروبية[1].
وحتى الآن لم يظهر الأثر الواسع لتداعيات تلك العقوبات باستثناء ارتفاع أسعار مصادر الطاقة والمعادن بكافة أنواعها، إلا أن الخبراء يؤكدون أن هذه الإجراءات العقابية لن تضر المصالح الروسية فقط، ولكنها ستطال الجميع الأوروبيون وغيرهم من دول العالم المنخرطة بأي شكل من الأشكال بالعالم الحديث المتداخل فيما بينه صناعيًّا وخدميًّا وتجاريًّا وحتى غذائيًّا[2].
سوق المشتريات العسكرية الأفريقية:
إن خصائص سوق التسليح الأفريقية تجذب إليه فئات معينةً من المجتمع الصناعي الدفاعي في العالم، وذلك ارتباطًا بعاملين رئيسيين هما حجم النفقات العسكرية من جهة، ومستوى التهديدات لكل دولة وما تتطلبه من تسليح مناسب لمجابهته من جهة أخرى.
وتبلغ النفقات العسكرية الرئيسية للقارة الأفريقية نحو 41 مليار دولار، وهو رقم متواضع للغاية لـ54 دولة[4]، ولكنه مؤشر على القوة الشرائية العسكرية من حيث الأعداد والمستوى التقني للمعدات والتسليح التي تقتنيها القارة، وهو يعكس بوضوح أسباب كون روسيا وتليها الصين من أولى الموردين لجيوش القارة بشكل عام، على الرغم من التواجد والنفوذ القوي لبعض المصنعين العسكريين الآخرين مثل فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص، حيث تمتاز معدات وتسليح الدول الغربية بتقنيات عالية للغاية ولكنها مكلفة جدًّا نسبة لميزانيات أغلب الدول الأفريقية، وفي الشكل التالي سيوضح عدد الجيوش المستخدمة لفئات التسليح لأهم المصنعين العسكريين بالقارة الأفريقية.
الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا
تعتبر الصناعات العسكرية الروسية أحد أهم عناصر القوة للدولة الروسية، ويعتبر التصدير العسكري الروسي مقومًا رئيسيًّا لعلاقات روسيا الخارجية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلى جانب كونها المصدر الثاني على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرين عامًا الماضية بنسبة 21% من صادرات الأسلحة العالمية، وتستحوذ القارة الأفريقية خلال الأعوام الخمس الماضية على 34.7% من حجم الصادرات العسكرية الروسية، موزعة على 23 دولة أفريقية بتباين كبير في حجم المشتريات ونوعياتها، حيث تصل نسبة المشتريات العسكرية الجزائرية من إجمالي مبيعات روسيا العالمية إلى 14% وبذلك تعد الأولى أفريقيًّا، مع العلم أن هناك 75 دولة مستوردة للأسلحة الروسية خلال الفترة من 2010 إلى 2020 منتشرة في كافة قارات العالم[5].
وبسبب ضعف الميزانيات العسكرية لأغلب الدول الأفريقية فإن أغلب مشترياتها تتميز بكونها أسلحة تقليدية لا تحتوي على تكنولوجيات حديثة، ويستثنى من هذه الدول كل من الجزائر ومصر اللتين تقتنيان أحدث الأسلحة والمعدات الروسية خاصة الأخيرة في الأعوام الخمس الماضية، أما باقي الدول الأفريقية فإن الحصة الأكبر لمشترياتها تتراوح ما بين مدرعات تقليدية وقطع غيارها وطائرات هليكوبتر خدمات عامة تستخدم للأغراض القتالية والمدنية واللوجستية.
ومن الملاحظ أن دبابات القتال الرئيسية لـ20 دولة أفريقية روسية المنشأ (من الحقبة السوفيتية) باستثناء مصر والمغرب وتونس، ومع هذا فإن أغلب هذه الدول لا ترتقي أعداد دباباتها لتُكوّن تشكيلًا قتاليًّا بالتنظيم الشرقي سواء على المستوى التعبوي أو حتى التكتيكي، وهناك 7 دول تمتلك في تسليحها البري معدات غير روسية (أمريكية – فرنسية – ألمانية – صينية – جنوب أفريقية – قطرية – مصرية) وهي إما مدرعات ذات عجل 4*4 – 6*6 أو جنزير، وأيضًا 7 دول أخرى بها معدات روسية وغير روسية (أغلبها صينية).
وبرؤية شاملة على السوق الأفريقية للمعدات البرية، نجد أن أغلب الدول التي تمتلك القوات الأقوى مجهزة بمعدات روسية المنشأ (من الحقبة السوفيتية) ما عدا مصر والمغرب، والدول التي كانت خلال فترات الاحتلال الأجنبي مجهزة بمعدات غربية بالأساس (فرنسي – ألماني – أمريكي) نتيجة لتواجد قوات تلك الدول في الفترات السابقة للمشاركة في مهام مكافحة الإرهاب، ولكنها الأقل عددًا من حيث الدول والأدنى في مستوى الكفاءة القتالية، إلى جانب نقطة أخرى؛ ألا وهي التسليح الصيني في القارة الأفريقية، فمن الملاحظ وجود معدات صينية في نفس الدول التي يتواجد بها معدات روسية قديمة، إلى جانب قرب تصميمات تلك المعدات من شبيهاتها الروسية، ما يوفر فرص انتقال سلس من المعدة الروسية إلى الصينية وعنصر السعر المنخفض.
أما القوات الجوية فتتسلح القوات الجوية لـ14 من إجمالي 25 دولة أفريقية تمتلك أسس قوى جوية بطائرات روسية أو سوفيتية المنشأ، في حين تتسلح 11 دولة أخرى بطائرات غير روسية (أمريكية – فرنسية – صينية/باكستانية)، ويلاحظ أن هناك بعض الدول الأفريقية قد اقتنت مقاتلات روسية حديثة مثل الـSU-30 ولكنها بأعداد ضعيفة (عدا الجزائر) لا ترتقي إلى تشكيل سرب قتالي، وتتدنى نسبة الطائرات الغير روسية في تلك الدول في الطائرات الهليكوبتر[6].
أما فيما يخص التسليح الخاص بالدفاع الجوي، فإن النسبة الروسية فيه طاغية، إذ تعد دول القارة الأفريقية التي تمتلك جيوشًا نظامية مثل مصر – الجزائر – السودان بشكل أساسي مغطاة بمنظومات روسية/ سوفيتية المنشأ، ويرجع ذلك بشكل رئيسي لفترة الحرب الباردة حيث الاستقطاب والتأسيس لجيوش الدول المحررة حديثًا من الاستعمار الأجنبي، والدخول السوفيتي القوي لتسليح هذه الجيوش بدرجة كبيرة خلال فترة الستينيات والسبعينيات، وتجدر الإشارة إلى أن أنظمة الدفاع الجوي تعتبر هي العنصر الأثقل من حيث تغيير وجهة التسليح، وذلك لمتطلبات البنية التحتية الكبيرة وخطوط الإمداد اللوجستية الموسعة والتكاليف المالية الطائلة، لذا فإن بعض الدول تلجأ إلى دمج منظومات متعددة المصادر مثل مصر بشكل كثيف، والبعض الأخر يعتمد على التطعيم بوحدات مختلفة قليلة لمنظومته الرئيسية مثل إثيوبيا.
آثار العقوبات على الصادرات الروسية العسكرية لأفريقيا
رغم الحجم غير المسبوق من العقوبات التي تم إقرارها على روسيا، ورغم أن القطاع الصناعي العسكري يمثل عاملًا حيويًّا في الصناعات الروسية، إلا أن التأثير المتوقع حدوثه على السوق الأفريقية المعتمدة على الصناعات العسكرية الروسية قد لا يكون كبيرًا، إذ إن العقوبات قد طالت التكنولوجيات الغربية الحديثة التي تستعين بها الصناعات المدنية/العسكرية الروسية، وبالنظر إلى أنواع الفئات التي قامت روسيا بتصديرها خلال الأعوام الخمس الماضية للقارة الأفريقية نجدها ترتكز على الآتي:
- الطائرات الهليكوبتر MI – 8\17\24\35
- المدرعات BMB – 1\2
- المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات
- الطائرات المقاتلة SU-30 \ 34 \ MIG-29M2
- طائرات التدريب YAK-130
- دبابات القتال الرئيسية T-90
- معدات الدفاع الجوي BUK – TOR M – S300 – Pantsyr[7]
وهنا سنجد بأن الفئات التي لا تعتمد في قدرتها القتالية على تكنولوجيا عالية التقدم مثل الطائرات الهليكوبتر والدبابات والمدرعات والصواريخ الموجهة المضاد للدبابات قد لا تتأثر بهذه العقوبات خلال الأعوام القادمة، ولكن هناك فئات قد تتأثر بشكل كبير وأهمها منظومات الدفاع الجوي، لاعتمادها على التكنولوجيات الحديثة التي تواكب التطور السريع في قدرات العدائيات الجوية (طائرات قتال – صواريخ جوالة – ذخائر موجهة – طائرات بدون طيار) والتي من المرجح أن تتأثر بها الحصة السوقية الروسية خاصة في مصر والجزائر، أما ما يتعلق بالطائرات المقاتلة أو طائرات التدريب، فإن متطلبات السوق الأفريقية لا تتطلب طرازات طائرات مقاتلة تنافس نظيرتها الغربية (عدا مصر والجزائر) لذلك فمن المتوقع أن تحافظ الحصة السوقية الروسية في الفئة على مكانتها.
مستقبل التنافس الدولي لمصدري السلاح لأفريقيا
رغم كل ما سبق إلا أن هناك مؤشر على أن تتأثر الصناعات العسكرية الروسية ببعض الانكماشات، نتيجة لاحتمالية حدوث عجز في تمويل المشروعات وخطوط الإنتاج إضافة إلى البحوث والتطوير، وهذا ما قد يسمح للصين بأن تقتطع جزءًا من الحصة السوقية الروسية في أفريقيا، خاصة في بعض القطاعات التي من المتوقع أن تنمو طلباتها مثل الطائرات المقاتلة، وذلك من خلال أسواق تسعى لبناء مقومات حقيقة لسلاح جو حديث مثل إثيوبيا والسودان وكينيا، إلى جانب سوق المعدات البرية، خاصة المدرعات والمدفعية ذاتية الحركة والتي لدى الصين بعض أقدام لها في 5 دول حتى الآن، وتتحرك الصين بقوة مدفوعة بمستوى جودة منتجات عسكرية تلبي الاحتياجات الخاصة للقارة الأفريقية مع تكلفة مالية في إطار ميزانيات الدفاع لتلك الدول، والأهم هو تقديم هذه المعدات دون شروط استخدام كما هو الحال مع بعض المصنعين الآخرين.
[1] الحرب الاقتصادية على روسيا.. هل يكتوي الغرب أيضًا بنيرانها؟ – SKY NEWS ARABIA – 2 مارس 2022- https://bit.ly/3pG8v63 .
[2] ما آثار العقوبات الغربية المفروضة على روسيا؟ – 27فبراير 2022 – https://cnn.it/3sLNI35 .
[3] التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي – الكتاب السنوي 2020 – معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي.
[4] المرجع السابق.
[5] The Military Balsnce 2021 – International Institute for Strategic Studies.
[6] مرجع سابق.
[7] قاعدة بيانات Sipri المحدثة – https://bit.ly/3vImZWH .