كتب – حسام عيد
بطموحات تعزيز التنمية المستدامة وتجاوز تداعيات جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19″، دشنت كينيا أول صندوق استثماري مرخص لمواطنيها في الخارج، الذين يساهمون بالنسبة الأكبر في تدفقات العملة الصعبة إلى البلاد.
قناة جديدة على مسار الإصلاحات التي لا تنفك كينيا عن اتخاذها، ستعمل على جذب أموال المغتربين، ومن ثم إعادة توجيهها لتدفق في مشاريع التنمية في كافة أنحاء البلاد، وبالتالي تواصل نهضتها التي تعد بمثابة نموذج يحتذى في شرق أفريقيا.
أول صندوق استثماري لـ”الشتات الكيني”
في عام 2019 أرسل ما يقارب من ثلاثة ملايين كيني يعيشون في أمريكا الشمالية وأوروبا تحويلات تقدر بنحو 3 مليارات دولار إلى كينيا، وهو ما يمثل أكبر مصدر للنقد الأجنبي للاقتصاد الأضخم في شرق القارة.
وفي حين أن التحويلات ترسل عادة إلى العائلات، فإن الاستثمار المباشر شائع أيضًا. على الرغم من أن الدراسات أظهرت أن الإجراءات الصعبة، ونقص المعلومات والقنوات غير الرسمية غالبًا ما تؤدي إلى مشاريع غير ناجحة.
ويمكن للشتات الكيني الآن إجراء استثمارات من خلال مديري أصول المغتربين الأفارقة African Diaspora Asset Managers (ADAM)، وهي شركة استثمارية تم منحها أول ترخيص من نوعه لصندوق المغتربين من قبل هيئة أسواق رأس المال الكينية، وفق ما أفادت مجلة “أفريكان بيزنس”.
ومن المتوقع أن يوفر الصندوق هيئة استثمار آمنة ومنظمة للكينيين الذين يعيشون في الخارج.
كما يسمح أيضًا بإجراء التحويلات والمدفوعات باستخدام منصة الأموال عبر الهاتف المحمول الشهيرة في كينيا M-Pesa “، مما يمكّن الكينيين من إجراء استثمارات بأقل من خمسة دولارات.
وتقول سوزان مويجاي، رئيسة تطوير الأعمال العالمية بصندوق “مديري أصول المغتربين الأفارقة ADAM”: “سيكون استخدام التكنولوجيا هو السمة المميزة لصناديق الشتات الخمسة، المتاحة للمستثمرين من جميع أنحاء العالم وكذلك الكينيين”.
باستخدام تطبيق ADAM للجوّال، يمكنهم الاستثمار والتحقق من أرصدة استثماراتهم وحتى بيع وحداتهم في الوقت الفعلي باستخدام بطاقات “فيزا كارد”، والحسابات المصرفية، ومنصة M-Pesa.
ويضيف أبوبكر حسن، مدير عمليات السوق في هيئة أسوال المال الكينية: “يرسل الكينيون الذين يعيشون في الشتات المليارات إلى الوطن كل عام، ولكن في الغالب من أجل الاستهلاك والدعم الاجتماعي. لقد جرب عدد قليل منهم الاستثمار في العقارات والزراعة، ولكن بدون وسيلة لإثبات ما يحدث على أرض الواقع، فقد انتهى بهم الأمر في العديد من الحالات إلى خسارة أموالهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس. نحن سعداء بهذا التطور، حيث أن كل هذا سيكون الآن شيئًا من الماضي، وأولئك الذين يستثمرون من خلال صناديق المغتربين المرخصة سوف يتمتعون بحق اللجوء والحماية من هيئة أسواق المال بصفتها منظمًا”.
فرص استثمارية فريدة ورائجة
في السنوات الأخيرة، شهدت كينيا نموًا مطردًا بفضل الاستثمارات الهائلة في البنية التحتية والوظائف، والخطوات التي تتخذها الدولة لتحسين مناخ الأعمال وزيادة الصادرات.
وقد سمحت السياسة المالية التوسعية التي تنتهجها كينيا بتمويل مشروعات البنية التحتية دون الضغط على الأسواق المالية المحلية، ما مكّنها من الحفاظ على حجم الدين العام في حدود 50%.
وهناك العديد من الفرص المتاحة للمستثمرين في العديد من القطاعات:
– التكنولوجيا؛ تدعم السياسات الحكومية في كينيا قطاع التكنولوجيا، إذ يُقدَّر حجم سوق الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بما يفوق 500 مليون دولار.
وتهدف الخطة الرئيسية لكينيا في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى تعزيز القدرة التنافسية للدولة من خلال الاستفادة من مواردها في التعهيد الخارجي لعمليات الأعمال، وتعزيز قدراتها لمواجهة التحديات التكنولوجية في المستقبل.
وتتسم كينيا بأن لديها أكبر نسبة من السكان تستفيد من الخدمات المالية في أفريقيا جنوب الصحراء (أكثر من 70% من السكان)، ويرجع الفضل في ذلك إلى خدمة “M-Pesa” لتحويل الأموال عبر الهاتف.
– الزراعة؛ يعتمد الناتج المحلي الإجمالي لكينيا بشكل كبير على الزراعة، إذ يمثل قطاع الزراعة 26% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للدولة، كما يمثل هذا القطاع 65% من صادرات كينيا، ويوفر أكثر من 70% من الوظائف في قطاع العمل غير الرسمي في المناطق الريفية.
وتشمل الفرص المتاحة في هذا القطاع تصنيع الأغذية والزهور والشاي والفاكهة والري والبني ة التحتية التكنولوجية والنقل.
– البنية التحتية؛ تقوم كينيا حاليًا بمشروعات بنية تحتية ضخمة عابرة للحدود مع جنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا.
– السياحة؛ تُعد كينيا من الوجهات الرئيسية لرحلات السفاري، ولذلك تُعتبر السياحة بها مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية، كما أنها ثالث أكبر قطاع مساهم في الناتج المحلي الإجمالي للدولة بعد السياحة والصناعة، وقد خصّصت الحكومة الكينية عدة مناطق جديدة يمكن الاستثمار بها، بما في ذلك المدن السياحية والفنادق الدولية.
– التصنيع؛ يلعب هذا القطاع دورًا هامًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي لكينيا، وهناك توجه نحو التصنيع المخصص للتصدير، حيث تهدف الدولة إلى زيادة نسبة منتجاتها في السوق الإقليمية من 7% إلى 15%.وتشجع كينيا إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة والحدائق والمجمعات الصناعية، والترويج لشركات التصنيع الصغيرة والمتوسطة، وتسويق نتائج البحث والتطوير.
وتشمل الفرص الاستثمارية في هذا القطاع تصنيع الملابس والأسمدة والآلات والتصنيع الزراعي والمنتجات الهندسية للأسواق المحلية وللتصدير.
آفاق اقتصادية إيجابية
وفي 9 سبتمبر الجاري، أعلن صندوق النقد الدولي عن تعديل توقعاته صعودًا إزاء آفاق الاقتصاد الكيني، بعد أن كانت تضررت الصناعات الرئيسية في الدولة الواقعة بشرق القارة من جائحة “كوفيد-19”.
وقال توبياس راسموسن، الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في كينيا، إن التغيير في التوقعات مدعوم بتحسن في العديد من المؤشرات الاقتصادية، بعدما كان توقع صندوق النقد في يونيو الماضي انكماش الاقتصاد الكيني بنسبة 0.3% في عام 2020.
وخلال مؤتمر المستثمر الافتراضي الذي نظمه بنك الاستثمار “رينيسانس كابيتال” الرائد في الأسواق الناشئة والنامية، أعلن توبياس أن صندوق النقد الدولي سيصدر في شهر أكتوبر المقبل تقريرًا إيجابيًا محدثًا فاق كافة التوقعات لمؤشرات الأنشطة المختلفة والأرقام الاقتصادية لكينيا.
ووفقًا لبيانات صادرة عن وكالة الإحصاءات الكينية، فقد شهدت صناعة الزهور في كينيا -أكبر مصدر للأزهار إلى أوروبا- زيادة في أرباح الصادرات في الفترة حتى يوليو، كما زادت عائدات الشاي والفاكهة مقارنة بالعام الماضي.
فيما قام مكتب الميزانية في البرلمان أيضًا بمراجعة توقعاته للنمو لتتراوح بين 1-2% ارتفاعًا من توقع سابق عند 1% وانكماش بـ1.5% في أبريل 2020، مشيرًا إلى صادرات زراعية أفضل من المتوقع.
ويتوقع بنك الاستثمار “رينيسانس كابيتال” أن ينمو الاقتصاد الكيني بنسبة 1.5% في عام 2020 مدفوعًا بالعوائد الزراعية الفائقة بسبب الأمطار الغزيرة. كما يتمتع الاقتصاد الكيني بميزة تنافسية تفتقدها اقتصادات أخرى، فهو لا يزال مرنًا بسبب تنوعه وانخفاض اعتماده على الموارد الطبيعية للتصدير.