حسام عيد – محلل اقتصادي
أدى إغلاق الحدود وتراجع الطلب إلى الضغط على قطاعات التصدير الرئيسية في كينيا، لكن رغم ذلك الحياة تأبى التوقف في البراعم الخضراء لـ”الشاي”، فتلك الصناعة الضخمة في البلاد لم تشهد سوى القليل من الاضطراب الذي تسبب فيه فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” بقطاعات أخرى.
ويختبر”كوفيد-19″ الاقتصاد الكيني، والتوقعات تبدو قاتمة، فقد خفض البنك المركزي الكيني (CBK) توقعات النمو لهذا العام من 6.2٪ إلى 3.4٪، بينما توقع صندوق النقد الدولي نموًّا بنسبة 1٪ فقط، يعني حظر التجوال على الصعيد الوطني من الفجر حتى الغسق وحظر الحركة داخل وخارج نيروبي ومومباسا وكوالي وكيليفي -المناطق الأربع الأكثر تضررًا من فيروس كورونا- كما أن العديد من الشركات في البلاد تعمل بأقل من طاقتها المثلى وبعضها في خطر الإفلاس.
وأدى إغلاق الحدود وتراجع الطلب إلى الضغط على قطاعات التصدير الرئيسية، مما يهدد احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد إذا استمرت عمليات الإغلاق العالمية، قام البنك المركزي الكيني بتخفيف اللوائح المصرفية لتشجيع المقرضين المحليين على دعم القطاعات المتعثرة، إلا أن الصناعة تكافح تحت وطأة التخلف عن سداد القروض ومعظم البنوك تتوخى الحذر خلال هذه الفترة الصعبة.
حوافز وقروض
وتعد حزمة الحوافز الاقتصادية الحكومية التي تشتمل على الإعفاء الضريبي وتخفيضات ضريبة القيمة المضافة بمثابة تخفيف مرحب به للكثيرين في القطاع الخاص، ولكن البعض الآخر يرغب في دعم الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير.
فيما تفتقر السلطات الكينية إلى القوة النارية لدعم الاقتصاد بشكل شامل، وتسعى للحصول على دعم مشترك بأكثر من مليار دولار من جهات إقراض متعددة الأطراف.
وقد وافق البنك الدولي على مبلغ مبدئي قدره 50 مليون دولار لدعم استجابة البلاد لـCovid-19 في مارس، حيث قال باتريك نجوروج، محافظ البنك المركزي، في مؤتمر صحفي: إن الحكومة تسعى للحصول على 750 مليون دولار إضافي و350 مليون دولار من صندوق النقد الدولي.
وإذا استمر تفشي الفيروس التاجي في كينيا كما هو متوقع، فقد تسعى الحكومة للحصول على مزيد من الدعم من مقرضي الملاذ الأخير.
القطاع الخاص يتحمل العبء الأكبر
تقول كارول كاروجا، الرئيس التنفيذي لتحالف القطاع الخاص الكيني (KEPSA) ، إن القطاعات الثلاثة الأكثر تأثرًا بـ Covid-19 هي الطيران والبساتين والسياحة.
وتعاني الخطوط الجوية الكينية (KQ)، التي عادت إلى ملكية الحكومة في مواجهة الديون المتزايدة، من توقف الرحلات بسبب حظر السفر الواسع الذي يهدف إلى وقف انتشار الفيروس القاتل.
لقد قامت “الخطوط الكينية” بالفعل بخفض جميع الرواتب بنسبة تصل إلى 80٪ واقتربت من الحكومة للحصول على مساعدة مالية لم يتم الكشف عنها، فيما أدى انقطاع الشحن الجوي إلى تدمير قطاع الزهور الكيني الذي يقود الصادرات، والذي شكل في عام 2017، ما يقارب من 11٪ من جميع الصادرات بقيمة 688 مليون دولار.
ووسط مشاهد البائعين البريطانيين والهولنديين الذين يرمون الزهور في سلال القمامة، شهدت بداية الوباء انخفاض الطلبات إلى النصف، ولكن الطلب بدأ في التعافي حيث تدرس الدول الأوروبية تخفيف قيود الإغلاق، كما أن احتفال هولندا بـ”عيد الأم” في 13 مايو الجاري إلى إنعاش شحنات كبيرة من الطلب على الزهور الكينية.
وأوضح مجلس الزهور الكيني أن الطلب على المنتجات البستانية يبلغ الآن 3500 طن في الأسبوع، لكن سعة الشحن المتاحة هي 1300 طن فقط بسبب الكتلة اللوجستية. ويناشد العديد من المنتجين، الخطوط الجوية الكينية، لخفض أسعار شحن البضائع من أجل تلبية الطلب المتزايد.
ويقول كاروجا: “نحن نبحث في كيفية التأكد من عدم فقدان أسواقنا الرئيسية للمنتجات الطازجة وزراعة الزهور لأن أسعار الشحن مرتفعة”.
تأثر التصنيع، الذي يمثل حوالي 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بقضايا سلسلة التوريد. وفقًا لمسح أجرته الجمعية الكينية للمصنعين، فإن هناك 87٪ من المنتجين المحليين يتعرضون لنقص في المواد الخام بسبب انخفاض المعروض من الصين، و23٪ قد تم تقليصها بالفعل.
ومن المحتمل أن تقل قدرة الشركات التي تعتمد على مدخلات من الخارج لإنشاء منتجات تامة الصنع خلال الفترة الحالية، بما في ذلك المواد الغذائية والمشروبات والمنسوجات والملابس والبلاستيك والمطاط ومواد البناء.
وتقول الرئيسة التنفيذية للجمعية فيليس واكياغا: “نتيجة لذلك، تواجه الصناعة زيادة في الطاقة الخاملة للإنتاج”.
وتضيف: “إن الحكومة تكبدت خسائر فادحة من حيث الضرائب مع انخفاض الطاقة الإنتاجية”.
البراعم الخضراء
ومع ذلك، لم تتأثر جميع مجالات الاقتصاد بشكل سلبي، فصناعة الشاي الكبيرة في كينيا لم تشهد سوى القليل من الاضطراب الذي تسبب فيه Covid-19 لقطاعات أخرى.
وكينيا هي ثاني أكبر مصدر للشاي في العالم بعد الصين. ويتم شحن معظم منتجاتها إلى باكستان ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة.
وتصدر كينيا أكثر من 62 ألف طن من الشاي سنويا إلى المملكة المتحدة، وما زالت الشحنات تغادر من ميناء مومباسا، ولكن المخاوف متعلقة بحال تأثر إرسال الشحنات.
ومن مقاطعات المرتفعات الغربية في كيريشو وبوميت، يتم نقل الشاي بالشاحنة إلى ميناء مومباسا حيث يتم بيعه وتحميله في حاويات شحن متجهة إلى بحر العرب.
ونظرًا لتصنيفها كخدمة أساسية، فإن صناعة الشاي مستثناة من حظر التجوال من الفجر حتى الغسق على الصعيد الوطني والحظر المفروض على جميع التحركات في المناطق الأربعة الأكثر تضررًا من الفيروس التاجي.
التغيير الوحيد كان للشركات لإرسال عدد أقل من الممثلين إلى بيوت المزادات في مومباسا، كما يقول فيليكس أدارا، المخطط اللوجستي في “كورارا هايلاندز تي”، التي أقيمت في أبريل الماضي للاستفادة من السوق المزدهر. ويقول: إن الصادرات لم تتغير نسبيًّا في الفترة من يناير إلى فبراير، ومن المتوقع أن تستمر على هذا النحو في مارس وأبريل.
ومن غير المحتمل انخفاض الطلب من الأسواق الرئيسية في كينيا، فالتداعيات على الشحن البحري أقل من الشحن الجوي. على الرغم من أن الفيروس لم ينتشر بعد في مرتفعات كينيا، فإن أي تأثير للمرض على قدرة جامعي الشاي على العمل قد يعوق الحصاد.
قطاع آخر ارتفع على ظهر “كورونا” هو الاتصالات، حيث أفادت Safaricom ، أكبر مشغل للشبكات في كينيا، عن زيادة بنسبة 40٪ في حركة الوصول للشبكة العنكبوتية، حيث يتحول العملاء الأثرياء إلى الأفلام عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لتحمل الإغلاق.
ويقول بيتر نديجوا، الرئيس التنفيذي الجديد: “لقد سجلنا نموًا مزدوجًا في حجم البيانات، مما يدل على أن المزيد من الكينيين يعملون ويدرسون ويتواصلون مع أحبائهم من المنزل”.
منطقة عازلة
وضعت الحكومة الكينية حزمة تحفيزية لدعم القطاعات والشركات المتعثرة؛ تشتمل على إعفاء ضريبي بنسبة 100٪ للأشخاص الذين يكسبون أقل من 240 دولارًا أمريكيًّا في الشهر، وتخفيض ضريبة القيمة المضافة من 16٪ إلى 14٪ وتخفيض ضريبة الشركات من 30٪ إلى 25٪.
ومع ذلك، في حين أن الشركات الكبرى لديها القدرة على تحمل العاصفة، إلا أن الحزمة لا توفر الإغاثة الشاملة للمواطنين والشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر ضعفًا.
إن العديد من أفقر مواطني كينيا الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة ويعملون في القطاع غير الرسمي، لا يدفعون الضرائب ولن يستفيدوا من الإغاثة. معظمها لديه مدخرات محدودة ويعتمد على الدخل اليومي لشراء الطعام.
وفي الوقت الذي تدخلت فيه المنظمات غير الحكومية لتقديم الغذاء والصرف الصحي، كانت الحكومة بطيئة في تقديم التحويلات النقدية المباشرة أو مكملات الدخل.
وتخاطر العديد من الشركات الصغيرة -وخاصة المطاعم- بالإفلاس دون دعم أو تخفيف القيود. وقام البنك المركزي بتخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي من 5.25٪ إلى 4.25٪ لمنح المقرضين التجاريين سيولة إضافية للإقراض في السوق. ولكن على غرار أنماط الإقراض قبل الأزمة، يمكن للبنوك أن تتبع استثمارات أقل مخاطرة مثل السندات الحكومية.
ويقول جورج بودو، محلل مصرفي ومدير في allstreet Research and Analytics: “أعتقد أنهم سيقرضون ولكن بطريقة أكثر حذراً وليس بالطريقة التي يريدها البنك المركزي”.
ويتوقع بودو أن تزيد القروض المتعثرة بنسبة تصل إلى 2٪. إن أكبر بنكين تجاريين في كينيا، وهما Equity Bank وKCB، معرضان بشكل كبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم “وسيتعرضون لضغوط كبيرة”، بينما على مستوى الشركات، تتعرض البنوك من الدرجة الأولى للزراعة والسياحة والطيران.
وختاما يمكن القول: إن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” يسبب مشاكل خطيرة لاقتصاد كينيا، ولكنه يقتصر في الغالب على قطاعات محددة وشرائح ضعيفة من المجتمع.
وحتى تتجنب كينيا حدوث تداعيات اقتصادية سلبية، يجب اتباع نهج صحي واحترازي صارم حتى لا تضطر السلطات على سبيل المثال إلى فرض تعليق مؤقت لأحد أكبر مزادات الشاي في مومباسا، وتجنب تأثيرات مدمرة على الاقتصادات المحلية والوطنية والإقليمية إذا طال أمد الوضع.