حسام عيد – محلل اقتصادي
إمكانيات كبيرة لدفع النمو بوتيرة متسارعة يزخر بها قطاعا الزراعة والصناعة في موزمبيق، لكن بيئة الأعمال قد تبقى حجر عثرة وعقبة إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الجارية بشكل جيد وصحيح.
تحدي احتواء الاقتصاد غير الرسمي
إذا كانت التجارة هي شريان الحياة لاقتصاد ما، فإن الشوارع والأسواق غير الرسمية هي الشرايين التي تتدفق عبر موزمبيق.
الأكشاك المؤقتة على جوانب الطرق، والأحمال الثقيلة على ظهور بائعي الشوارع، وأسعار المساومة ونقص التوثيق هي السمات المميزة للتجارة الأفريقية، وموزمبيق ليست استثناء.
نسبة كبيرة من سكان الدولة الواقعة بجنوب شرق القارة، والبالغ عددهم 28 مليون نسمة لا يحملون وثائق، الأمر الذي يفسر إلى حد ما انتشار الاقتصاد غير الرسمي.
وتظهر دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية (ILO) أن 6% فقط من سكان موزمبيق النشطين اقتصاديًّا يدفعون مساهمات للمعهد الوطني للضمان الاجتماعي (INSS).
وهو أمر يعني أن التقدم نحو اقتصاد شامل وفعال كان يمضي بوتيرة بطيئة، ومع ذلك تكافح الحكومة اليوم لعلاج تلك المشكلات عبر الدفع بخطط للإصلاح والتغيير.
في 15 يناير، خلال خطابه الافتتاحي لولايته الثانية، تعهد رئيس موزمبيق فيليب نيوسي، بالارتقاء لمواكبة أكبر تحد تجاري يواجه القارة الأفريقية، قائلًا: “نحن نعد بتسهيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية من أجل دفع تطوير العلاقات التجارية”.
وقد حظيت العملية بالفعل بدعم غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، ويؤمل أن تؤدي إلى إنشاء أكبر سوق في العالم بحلول عام 2028.
ويعتقد البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank) أن الاتفاقية ستنعش وتزيد التجارة الإقليمية بمقدار 35 مليار دولار سنويًّا.
التركيز على الزراعة والصناعة
ومع ذلك، كانت الصناعة هي التي حصلت على 16 إفادة ووقوفًا خلال خطاب نيوسي الافتتاحي، سلط رئيس موزمبيق الضوء على إمكانات الصناعة الزراعية، وأساليب الكيمياء الزراعية الحديثة، فجميعها إمكانيات ضخمة يمتلكها قطاع الزراعة في موزمبيق، والتي لا يتم استغلالها على نطاق واسع إلى حد كبير بسبب بيئة الأعمال التجارية السيئة ونقص البنية التحتية.
ويقول الرئيس إن هذا التركيز على الزراعة والصناعة يهدف إلى تحقيق “انعدام الجوع” في البلاد، ومكافحة انعدام الأمن الغذائي وتشجيع الاكتفاء الذاتي.
كما تم تسليط الضوء على إمكانات المنسوجات والملابس والأشغال المعدنية ومواد البناء كمجالات ذات إمكانات كبيرة.
وشدد، قائلًا: “سيساعدنا هذا على خلق المزيد من فرص العمل وتقليل الفروق والتفاوتات في الميزان التجاري”، من خلال الإنتاج محليًّا بدلاً من الاستيراد.
وأوضح فيليب نيوسي أن التحديات التي تقف في طريق النمو الصناعي، تتمثل في نقص إمدادات الكهرباء.
وعلى هذا النحو، يعد الرئيس “بتعزيز مكانة موزمبيق كمحور للطاقة داخل منطقة مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC)” من أجل ضمان أن الطاقة هي “القوة الدافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتأمين الزراعة والتصنيع”.
وعلى مسار خطط الإصلاح لتلك الإشكالية، سيتم تقديم المساعدة من خلال المشاريع الضخمة للغاز الطبيعي في حوض روفوما، ومن المتوقع أن تستخدم الدولة جزءًا من الموارد لتمويل مرافق إنتاج الأسمدة والوقود السائل.
كما أعلن نيوسي عن تعهدات هيكلية أخرى خلال فترة الولاية الحالية، وهي؛ مشروع متكامل لإنتاج الحديد والصلب في مدينة تيتي، بالإضافة إلى مصنع قوالب الفحم في نفس المنطقة (حيث توجد أكبر احتياطيات الفحم)، إضافة لمشروع منجم الجرافيت الجديد في مونتيبويز -المدينة الأكبر في مقاطعة كابو ديلجادو- وكذلك تعزيز الإنتاج الحالي، وزيادة استخراج الرخام في نفس المنطقة.
بيئة الأعمال وآليات تحسينها وتحفيزها
تواجه التجارة والصناعة في موزمبيق بيئة عمل صعبة، على أقل تقدير، وفي آخر تقييم، تراجعت موزمبيق ثلاث مراتب لتحل بالمرتبة 138 من أصل 190 دولة على مؤشر ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2020.
ويقول التحليل الذي أجراه اتحاد جمعيات الأعمال في موزمبيق، وهي رابطة أصحاب العمل الرئيسية: “إن النقطة الرئيسية التي تثير القلق الشديد أيضًا، هي حقيقة أن موزمبيق هوت وتراجعت في جميع المؤشرات تقريبًا، وهو أمر غير مسبوق”.
وتقول إنه إذا كان على موزمبيق أن تنفذ بشكل صحيح ومتسق الأدوات والمعايير القانونية التي كانت تعتمدها “فإن هذا وحده سيمثل قفزة 22 مركزًا في التصنيف”.
إن الفشل في سداد ضريبة القيمة المضافة (VAT)، وانعدام المرونة فيما يتعلق بالتجارة الدولية، والتأخير في تبسيط القانون التجاري والإطار القانوني للإعسار هي بعض الأمثلة التي قدمها أصحاب العمل، وخلصت CTA إلى أن “تحسين بيئة الأعمال هي عملية لا تنتهي باعتماد القوانين، ولكنها ستكون عملية مستمرة، بالنظر إلى الحاجة إلى التنفيذ الفعال والصحيح”.
وتمثل شروط تمويل الأعمال التجارية تحديًا آخر في موزمبيق، حيث يبلغ سعر فائدة الإقراض الرئيسي “تكلفة فوائد القروض” بالنظام المصرفي 18%، والذي يضيف إليه كل بنك أيضًا فروقاته المرتبطة بظروف المخاطر. في غضون عامين ونصف، انخفض المعدل بنسبة 9.75%، لكن شكاوى ومخاوف رجال الأعمال من أنه لا يزال مرتفعًا جدًّا لا زالت متصاعدة.
ويقترح اتحاد جمعيات الأعمال في موزمبيقCTA ؛ ابتكار وتدشين خط ائتمان بديل يستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) من أجل التعامل مع ظروف السوق غير المواتية.
ويقترح أرباب الأعمال إنشاء مؤسسة للتنمية المالية بخطوط تمويل ميسرة، وفترات سماح مدتها 18 شهرًا، واستحقاق أكثر من خمس سنوات، وأسعار فائدة أقل من رقمين (أحادي).
وختامًا، يمكن القول: إن إمكانيات موزمبيق موثقة وثابتة منذ عقود، ويشهد عليها العالم، لكن حقيقة أن الصادرات في الميزان الخارجي تهيمن عليها الموارد الطبيعية تعكس إشكالية واقعية، وهي أن التجارة والصناعة لا يزال أمامهما طريق طويل.
ولا تزال الهند الوجهة الرئيسية لمنتجات موزمبيق (بحصة قدرها 27.32%) بفضل الفحم في المقام الأول، تليها هولندا (17.38%) التي تشتري الألومنيوم، وجنوب أفريقيا التي تستحوذ على صفقات ومشتريات الغاز الطبيعي والكهرباء.