د. أماني الطويل:
مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
يعد توجه إثيوبيا لبناء قاعدة بحرية في البحر الأحمر مؤشرًا جديدًا على تصاعد أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية على المستوى الأفريقي، وهو أمر ما زالت لا تنتبه إليه الدراسات الحالية، ذلك أن التيار الرئيسي للدراسات الاستراتيجية في الفترة الأخيرة، اهتم بتصاعد أهمية البحر الأحمر على الصعيد الدولي والإقليمي، خصوصًا على المستوى الخليجي، وذلك في ضوء المجهود السعودي لبلورة منظومة أمنية للبحر الأحمر أنجزت بالفعل عددًا من المناورات العسكرية، وأيضًا التوجهات الإماراتية التي بلورت استراتيجية “التحول إلى الأحمر” مؤخرًا، وذلك على اعتبار أنه معطى أساسي من معطيات الأمن القومي الخليجي، فضلًا عما يمثله البحر الأحمر من أهمية على صعيد التجارة الدولية، وحساسيته البالغة بالنسبة لمصر، للاعتبارات الاقتصادية المرتبطة بقناة السويس.
وفي هذا السياق نرى أنه من الأهمية بمكان، التعرف على أبعاد التوجه الأفريقي في البحر الأحمر، وأيضا استراتيجياته المستقبلية، وذلك في دول الأهمية الحيوية للبحر الأحمر لكل الدول المشاطئة عليه.
أولًا: الأبعاد الأمنية:
لعله من أهم الإشكاليات التي تواجه مسألة الأمن في البحر الأحمر، هو أنه لا يوجد تعريف واحد مقبول بشأن معني الأمن البحري، كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 لم تقدم تعريفًا للمفهوم، ولكنها تضمنت إشارات إلى الاتجار بالعبيد والقرصنة وتهريب المخدرات ووقف البث الإذاعي غير المرخص من أعالي البحار وحق التتبع من أعالي البحار إلى السواحل الإقليمية للدولة. وفي هذا السياق يمكن تقسيم الاستجابات الأفريقية للتهديدات في البحر الأحمر على مستويين الأول سابق على مقاربة الاتحاد الأفريقي كمنظمة قارية، والثاني هي الأطر القانونية التي وضعها الاتحاد الأفريقي.
أ- مدونة جيبوتي ٢٠٠٩
شكل انتشار ظاهرة القرصنة البحرية في القرن الأفريقي في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، دافعًا مناسبًا لبلورة مدونة جيبوتي بين دول الاتحاد الأفريقي واليمن عام ٢٠٠٩، وذلك في محاولة لمواجهة ظاهرة القرصنة البحرية التي انتشرت وقت ذاك في كل من خليج عدن وغرب المحيط الهندي، وبدأت بدول القرن الأفريقي، وانضم إليها كل الدول المشاطئة للبحر الأحمر إضافة إلى دول خارج نطاق التشاطئ؛ هي سلطنة عمان وجنوب أفريقيا وموريشيوس وموزمبيق، وقد ارتكز هذا الإطار التعاوني على سياقين؛ الأول التعاون العسكري البحري بعمليات مشتركة، وأيضًا التعاون الاستخباري فيما يتعلق بمواجهة القرصنة، وقد نصت المدونة على جواز التعاون مع دول خارج إقليم البحر الأحمر، كما دشنت عددًا من منصات الاتصال وتبادل المعلومات في كل من صنعاء ومومباسا بكينيا، فضلًا عن دار السلام بتنزانيا.
أما سياق العمل الثاني لمدونة جيبوتي فهو المجهود الإغاثي لمن تعرضوا لعمليات القرصنة فعلًا، ومنها إنقاذ السفن والأشخاص والممتلكات الخاضعة للقرصنة، وتوفير الرعاية الصحية لهؤلاء الأفراد، فضلًا عن حماية الصيادين، وإعادة من تعرض للسطو منهم إلى أماكنهم الأصلية، وبطبيعة الحال يتوج هذه المجهودات العمل على الحيلولة دون حدوث عمليات القرصنة أصلًا أو تحجيمها قدر المستطاع، وذلك عبر التعاون الأمني في السياقين الإقليمي والدولي[1].
ومع ارتفاع مستوى التهديدات، وتطور عمل الجريمة غير المنظمة إلى الحد الذي أصبحت معه تمول الجماعات الإرهابية، وتؤثر على ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، وترفع مستويات تهريب المخدرات عبر البحار، فقد توافقت دول مدونة سلوك جيبوتي على تطوير هذه المدونة، وذلك بعقد اجتماع جدة تحت مظلة المنظمة البحرية الدولية، في مطلع ٢٠١٧، حيث توسع نطاق عمل المنظمة ليمتد إلى الجريمة غير المنظمة العابرة للحدود الوطنية عن طريق البحار، حيث تم إضافة مركز تدريب بحري في جيبوتي، ووحدة ارتباط مع المنظمة الدولية البحرية في لندن، وذلك فضلًا عن الإجراءات المتفق عليها سابقًا بوجود جهات اتصال وطنية مع كل دولة عضو في المنظومة[2].
ب- مقاربات الاتحاد الأفريقي
على وتيرة القصور الدولي في مسألة تأطير مفهوم الأمن البحري ومحدداته، لا توجد أيضًا أي إشارة للبحر أو المياه الداخلية في أفريقيا في أي من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية 1963 أو القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي عام 2002, ونظرًا لطبيعة التهديدات البحرية المستحدثة في أفريقيا فقد ضمن الاتحاد الأفريقي استراتيجية متكاملة للسلم البحري تم إعلانها عام ٢٠١٤ باسم استراتيجية السلامة البحرية ٢٠٥٠.
وفي إطار هذه الاستراتيجية عُقد في لومي عاصمة توجو مؤتمر في أكتوبر ٢٠١٦ صدر عنه ميثاق بشأن الأمن البحري، وقّعت عليه الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي[3]، وهو الميثاق الذي نظم العلاقات بين الدول الأعضاء بشأن الأمن البحري، وحثهم على مكافحة الجريمة والتهريب وتبادل قواعد المعلومات حتى الاستخبارية منها؛ حيث لم يهمل الميثاق الأبعاد الاقتصادية للبحار، فيما أسماه دعم الاقتصاد الأزرق.
ثانيًا: الأبعاد الاقتصادية:
أ- النفط
تصاعدت الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر لعاملين؛ الأول : تصاعد احتمالات اكتشافات النفط والغاز فيه، وفي هذا السياق طرحت مصر ١٠ مناطق في البحر الأحمر للمناقصات العالمية للتنقيب عن البترول في ربيع ٢٠١٩، بينما أعلنت اتفاقية ترسيم حدود بحرية بينها وبين السعودية عام ٢٠١٨ للبحر الأحمر، وإلى جانب ذلك فقد اهتمت الدول المتاخمة للدول المشاطئة للبحر الأحمر، بالتفاعل مع الجهود الحالية بشأن تكوين منظومة إقليمية لأمن البحر الأحمر، وذلك لاعتبارات متعلقة بنقل الخامات الهيدروكربونية؛ إذ إن أحد أسباب اهتمام إثيوبيا بتكوين قوة بحرية هي تأمين نقل النفط، خصوصًا وأنها قد اكتشفت وجودًا للنفط الخام في منطقة الأوغادين، وأعلنت عن بدء إنتاج تجريبي في يونيو ٢٠١٨، كما أنها شرعت في تصدير الغاز عبر الموانئ الجيبوتية عام ٢٠١٧، وهو المكتشف في شرق إثيوبيا، وقد فتح إنتاج النفط في جنوب السودان الذي اكتشف عام 1978، شهية دول شرق أفريقيا للتنقيب خصوصًا مع وصول الإنتاجية النفطية قبل الحرب الأهلية الجنوب سودانية عام ٢٠١٣ حوالي52700 برميل في اليوم، فضلا عن وجود احتياطي يقدر بــ٣، ٥ مليار برميل، طبقًا لوزير الطاقة والتعدين في جنوب السودان إزكيل لول جاتكوث
في هذا السياق أصدرت حكومة بورتلاند الصومالية أول رخصة تنقيب في عام 2012 لكتلة نفط دارور، كما رخصت كينيا في مايو 2014 لحوالي سبع شركات عالمية للتنقيب على النفط؛ بعضها في منطقة بحيرة تنجانيقا، أما في تنزانيا فقد أقدمت شركتا شل وبيرتش بيترليوم على حفر ٧٠ بئرًا للتنقيب عن النفط.
وفيما يتعلق بدولة السودان الشمالي، فإن هناك عددًا من المؤشرات الإيجابية بشأن احتياطاته النفطية، خصوصًا بعد طرح مربعات للتنقيب في البحر الأحمر، واختبار بئر الراوت الموجود على الحدود بين دولتي السودان، فضلًا عن إمكانات غازية بمنطقة سنار.
وطبقًا لهذه المعطيات فإنه من المتوقع أن يتم الاهتمام من جانب شركات النفط العالمية بكل من مصر ودول الأفريقي؛ حيث ستزيد من تواجداها، وتؤطر تحالفاتها.
ب- المخططات الإثيوبية لجذب الاستثمارات العربية والصينية
تهتم كل من إثيوبيا والسودان وغيرها من دول القرن الأفريقي بالاستثمارات الخليجية خصوصًا في ظل الاهتمامات الخليجية بالاستزراع في هذه الدول تلبية لاحتياجاتها الغذائية، وكذلك توجهات شركة موانئ دبي لتوظيف الموانئ الأفريقية في خططها الاقتصادية الشاملة، وربما يكون هذا هو المدخل الذي استطاعت به أن تؤمن إثيوبيا بعض التمويلات الخليجية لمشروع سد النهضة مثلا، وهي تطلب من المملكة السعودية حاليًا تمويل إنشاء إنبوب نفط من إثيوبيا إلى الموانئ الإرتيرية على البحر الأحمر، كما تفتح السودان أبوابها للاستثمار الخليجي تقليديًّا، على أن هذا الاتجاه زاد في الفترة الأخيرة بعد نجاح الثورة السودانية واحتياج الحكومة الانتقالية الحالية لمزيد من الدعم الخليجي.
وفيما يتعلق بمصر فإن ثمة دعم كبير من دولة الإمارات للاقتصاد المصري عبر بلورة نوع من الشراكة في إطار الصندوق السيادي المصري، ويبدو أن هذا الاتجاه الأفريقي الشامل قد وجد استجابة من الجانب الخليجي، كما وضح في مؤتمر مركز دبي للسياسات، حيث يتجه مجلس التعاون الخليجي GCC إلى خلق منظومات إقليمية مشتركة على جانبي البحر الأحمر, وهي المنظومات التي تتخذ أبعادًا أمنية واقتصادية وسياسية، وتسعي إلى تكوين هوية مشتركة تحت عنوان ”التحول إلى الأحمر”[4].
جـ- تصاعد أهمية الجزر
تزايدت الأهمية العسكرية والاقتصادية لجزر البحر الأحمر خلال الخمس عقود ماضية؛ ذلك أنها قد استعملت كنقاط تمركز عسكري أثناء حرب ١٩٧٣ وضمن إغلاق باب المندب، كما برزت أهميتها الاقتصادية مع سعي شركات الموانئ خاصة الخليجية والصينية للسيطرة عليها، كمصدر للأرباح خصوصًا تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وفي هذا السياق، برزت جزر البحر الأحمر كأحد إشكالياته الأمنية، ذلك أنه في أعقاب حرب ١٩٧٣ سعت إسرائيل للتواجد في الجزر القريبة من باب المندب عسكريًّا حتى تضمن عدم إغلاقه مرة أخرى، وقد تطور استعمال مسألة الجزر لتعزيز النفوذ الإقليمي على النحو الذي جرى بين السودان وتركيا باتفاق على تواجد تركي في جزيرة سواكن؛ حيث لم يُعرف على وجه الدقة طبيعة هذا التواجد، وتباينت المعلومات ما بين اتفاق بشأن وجود عسكري تركي، تحت مظلة توتر العلاقات السودانية بمصر وقتذاك، أو مجرد مساعدة لوجستية تركية للسودان لإحياء جزيرة كانت إحدى نقاط الحج في وقت العثمانيين.
ولكن هذا الوجود التركي رأته كل من والمملكة السعودية مهددًا لأمنها البحري والقومي، وعلى الرغم من أن الدول العربية تمتلك 66.8٪ من جزر البحر الأحمر[5] فقد نجحت إسرائيل في تأسيس قواعد في جزر “رواجيات” و”مكهلاوي” على حدود السودان، كما تمتلك قواعد جوية في جزر حالب وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة “دهلك” حيث أقامت قاعدة بحرية هناك، ولعل هذه المناداة المتعددة لاستخدام جزر البحر الأحمر تطرح إشكالية مسألة الجزر ومدى تأثيرها على رفع مستوى التهديدات للدول، وفي هذا السياق لا يمكن إغفال الأهمية المتصاعدة لجزر البحر الأحمر التي باتت أحد أدوات التغلغل الإقليمي، ولعل الاتفاق السوداني التركي في ٢٠١٨ الذي جرى بشأن جزيرة سواكن، وشكل تهديدًا لكل من المملكة السعودية ومصر يؤشر لهذه الأهمية؛ حيث يوجد في البحر الأحمر ما يزيد عن أربعمائة جزيرة متفاوتة الأهمية الاستراتيجية
ثالثًا: الدور الإثيوبي في توظيف موانئ القرن الأفريقي:
تباينت سياسات دول القرن الأفريقي بشأن موانيها على البحر الأحمر، فنشطت جيبوتي في هذا المجال وذلك لسببين الأول الاحتياج الإثيوبي إلى موانيها في وقت شهد فيه اقتصاد أديس أبابا قدرًا من الازدهار في مطلع الألفية، أما السبب الثاني فهو الاتجاه لعسكرة شواطئها، بقواعد عسكرية من معظم القوى الإقليمية والدولية، وأصبح ذلك من مصادر دخلها القومي.
وعلى العكس من جيبوتي فإن كلًّا من إرتيريا والسودان لم تهتما بهذا البعد، فلم تنشئ البلدان موانئ جديدة، أما في الجانب الصومالي فقد تحوّلت الشواطئ إلى مرتع للقرصنة مما عطّل فرص استحداث موانئ على الشاطئ الصومالي الطويل أو حتى تحديث الموجودة بالفعل.
أ- مشروع الحزام والطريق
تصاعدت الأهمية الاستراتيجية لأمن موانئ البحر الأحمر لأسباب اقتصادية مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي أعلنتها الصين، حيث يعد البحر الأحمر مكونًا أساسيًّا لها، وذلك لطبيعة الأنشطة الاقتصادية للمبادرة في الموانئ من ناحية، ولكون البحر الأحمر ممرًّا للبحر المتوسط الواصل إلى أوروبا أحد النقاط الهامة للمبادرة الصينية من ناحية أخرى، وربما هذه الأهمية تفسر لنا إقدام الصين على دفع تعويضات مالية نيابة عن الصومال، وذلك في أعقاب الخلافات بين شركة موانئ دبي والصومال، كما تخوض كل من شركة موانئ دبي التي تدير 78 ميناءً في 40 دولة[6] حول العالم والصين حربًا ضروسًا بعد أن ساهمت الصين في إلغاء جيبوتي اتفاقًا مع الشركة، كان يؤمّن لها حقوق امتياز لمدة ٥٠ عامًا ولكن تم إلغاؤه بعد أقل من ثلث المدة بسبب ضعف عوائده من ناحية، والتدخل الصيني من ناحية أخرى[7].
مبادرة الحزام والطريق الصينية بست طرق باللون الأسود، واللون الأزرق للطريق البحري المار بالبحر الأحمر
ويبدو أن المشروع الصيني أصبح ورقة يمكن توظيفها في الصراعات أو التضاغطات السياسية، ذلك أن التناقض الثانوي الذي ظهر بين حكومة الرئيس هادي في اليمن ودولة الإمارات على خلفية أداء شركة موانئ دبي في كل من مينائي الحديدة وعدن، قد دفع الرئيس هادي إلى أن يطلب من الحكومة الصينية تفعيل الاتفاقية المبرمة بين البلدين عام 2013، لتطوير ميناء عدن في مشروع تبلغ تكلفته 507 ملايين دولار بتمويل صيني[8].
وعلى صعيد آخر ساهم الانقسام الخليجي في بروز نوع من التضاغطات في البحر الأحمر بين كل من دولة الإمارات وقطر، حيث تتواجد مجموعة موانئ دبي العالمية في شرق أفريقيا، وتتطلع إلى زيادة دورها في مجال الملاحة البحرية عالميًّا بشكل عامّ، وفي البحر الأحمر بشكل خاص، وذلك في حين تعمل قطر على تطوير موانئ معاكسة على الجهة الأخرى من البحر الأحمر في السودان في وقت الرئيس البشير، وذلك في إطار المنافسة لتوسيع النفوذ وحشد مزيد من الحلفاء خاصة في مناطق المصالح الحيوية للسعودية أيضًا[9]، على أن النجاح القطري في السودان يواجه صعوبات حاليًا بعد إزاحة البشير في ١١ أبريل ٢٠١٩.
في هذا السياق تسعى القاهرة لتطوير موانئها خاصة في محور قناة السويس، وذلك لتكون جاهزة للتفاعل مع مبادرة الحزام والطريق، وهو توجه أصبح شبه عام للدول المشاطئة للبحر الأحمر في ضوء أهمية الموانئ في عمليات التبادل التجاري التقليدية أيضًا، حيث تلعب دورًا أساسيًّا مؤثرًا على اقتصادات الدول المشاطئة على البحر الأحمر، ونشير هنا إلى أهم سبع موانئ تملك أهمية استراتيجية.
وفي هذا السياق تلعب شركة ميتريشن الصينية -التي تتخذ من هونج كونج مقرًّا لها- دورًا أساسيًّا في تمويل البنى التحتية في موانئ دول القرن الأفريقي، وذلك في إطار المشروع الصيني المعروف باسم الحزام والطريق، والذي يعد البحر الأحمر هو أحد الممرات البحرية في هذا المشروع العالمي الضخم.
وتمتلك شركة ميتريشن ميناء دوراليه جزئيًّا، كما تمتلك نسبة 23.5% من حصص منطقة التجارة الحرة بميناء جيبوتي، وقد اشترت في أوائل 2017 حصّة أقليّة في خطوط النقل البحري الإثيوبي، والذي تعتبر جيبوتي منفذه الأساسي[10].
ومن الجدير الإشارة إلى أن جيبوتي أصبحت مركز التقاء الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتعتبر نقطة التقاء أجهزة كابلات الألياف البصرية العابرة للقارات. ثانيًا، منذ 2017، تعتبر جيبوتي مقرًّا لأول قاعدة بحرية دائمة للصين في الخارج، والتي تقع على بعد 12 كيلومترًا تقريبًا من قاعدة أفريكوم الأمريكية في معسكر ليمونير.
إضافة إلى ما سبق، تمتلك الشركات الصينية حصصًا كبيرة في حقول النفط والغاز الإثيوبية في منطقة أوغادين، وقد توصل البلدان عام 2017 إلى مد خط أنابيب النفط من إقليم أوغادين إلى جيبوتي، كما اقترحا بناء مصفاة للغاز الطبيعي المسال في منطقة دامرجوج.
وفي الوقت الذي تواجه حكومة جيبوتي صعوبة في بيع أسهم متحفظ عليها بشكل قانوني، من جانب شركة موانئ دبي بسبب إخلال جيبوتي بتعاقدات معها فإنه من المحتمل أن تدخل إثيوبيا في المشهد وتحصل على حصة أقلية في “محطة حاويات ميناء “دوراليه”، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار مقترح آبي أحمد المفاجئ، الذي طرح فيه فكرة امتلاك كل من إثيوبيا وجيبوتي حصصًا في موانئ وهيئات الاتصال السلكية واللاسلكية في البلدين. وبالطبع يمكن أن يحدث هذا ضمن صفقة تدخل فيها قروض صينية، وإذا تم ذلك فستنال شركة ميرتشن الصينية نصيبًا أكبر من أسهم هيئة الموانئ والمناطق الحرة الجيبوتية.
ب- هندسة التنافس
على المستوى الإثيوبي يظهر اهتمام رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ببعد موانئ القرن الأفريقي لدعم قدرات بلاده الاقتصادية وضمان منافذ لها على البحر، وربما يكون ذلك أحد أسباب شروعه في هندسة المصالحات الإقليمية عام ٢٠١٨ بينه وبين إرتيريا من ناحية، وبين الأخيرة وكل من الصومال وجيبوتي من ناحية أخرى، فخلال رحلاته إلى دول الجوار كالصومال والسودان وجيبوتي شدّد في تصريحاته على أهمية موضوع تطوير الموانئ بالنسبة لبلاده. ففي زيارته لجيبوتي دعا إلى القيام باستثمارات مشتركة في موانئ البلاد، وحصل الأمر نفسه في زيارته للسودان، حيث ناقش مع الرئيس عمر البشير خططًا لتحديث ميناء بورتسودان، أما في الصومال فقد أعلن آبي أحمد أن بلاده ستعمل مع مقديشو في مسار تحديث أربعة موانئ صومالية[11]، حيث تسعى إثيوبيا إلى تنويع سبل وصولها إلى البحر، وبالتالي خفض تكاليف الشحن البحري من خلال زيادة روح التنافسية بين موانئ دول القرن الأفريقي.
ويستند التوجه الإثيوبي إلى طبيعة الاستثمارات الصينية الكثيفة، بهدف تحديث وتعزيز القدرات المتعلقة بالبنية التحتية في جميع الممرات المائية بجيبوتي؛ حيث إن محور هذه الاستراتيجية يقوم على مشروع سكة حديد يربط أديس أبابا بجيبوتي، يبلغ طوله 750 كيلومترًا، وصلت تكلفته إلى نحو 3.4 مليار دولار، وتقوم الصين بتمويله وبنائه وإدارته، وقد دخل المشروع حيز التنفيذ بشكل كامل في وقت سابق خلال عام ٢٠١٩.
وقد خفض خط السكة الحديد بين إثيوبيا وجيبوتي قيمة التكلفة والوقت المبذولين في نقل الحاويات بين العاصمة الإثيوبية ومناطق الصناعات الناشئة في البلاد وبين جيبوتي التي سيتم من خلالها تصدير تلك المنتجات، إضافة إلى ذلك فمشاريع النفط والغاز المتوقعة في إقليم أوغادين في إثيوبيا وفي الأقاليم الصومالية المجاورة والتي سيتم تصدير إنتاجها أيضًا عبر جيبوتي، تؤكد من جديد مركزية هذه الدولة في مسألتي النمو والتكامل الإقليميين.
وفي المقابل، استثمرت جيبوتي بشكل كبير في تطوير البنى التحتية، حيث أُنشئت مرافق جديدة للحاويات والشحن في هيئة ميناء متعدد الأغراض في دوراليه، كلّف بناؤه نحو 590 مليون دولار. وفي ذات السياق، قامت جيبوتي ببناء وتطوير الموانئ الصغيرة مثل ميناء تاجوراه، الذي سيكون مجهّزًا بمنشآت تتوفر فيها مرافق تصدير المواشي والغاز الطبيعي.
وفي هذا السياق تطرح جيبوتي خطة طموحة للتنمية الوطنية تُعرف بـ”رؤية 2030″، والتي ترى الموانئ مركزًا أساسيًّا يوفّر الخدمات للمنطقة بأكملها بما في ذلك خدمات الشحن المتعلقة بقارة آسيا، وذلك بما يؤهلها لتكون المنصة المناسبة لتحسين آفاق التكامل الاقتصادي في الإقليم، حيث تسعى جيبوتي للمحافظة على قدرتها التنافسية، خاصّة مع ممرّ “لابيست” الكيني، الذي يهدف إلى ربط سواحل كينيا في منطقة “لامو”، مع جنوب السودان وإثيوبيا.
جـ- التوجهات الخليجية
أما على صعيد شركة موانئ دبي فقد قامت قامت بتوسيع نطاق وجودها في الموانئ المجاورة بدول القرن الأفريقي، ففي مايو/ أيار 2016، وقعت الشركة صفقة لمدة 30 عامًا بقيمة 440 مليون دولار من أجل تطوير ميناء بربرة في “أرض الصومال/ صومالي لاند”، الإقليم الذي أعلن عن استقلاله الذاتي عن الصومال. غير أن شركة موانئ دبي عادت وخفضت سقف استثماراتها وأعلنت في مارس/ آذار 2018 بأن إثيوبيا ستحصل على نسبة 19% من المشروع إلى جانب حصتها التي تبلغ 51%، وحصة حكومة أرض الصومال التي تبلغ 30%. في ذات الوقت، تستثمر الشركة نفسها في مشروع بناء طريق سريع يربط ميناء بربرة بالحدود الإثيوبية. وبموجب ذلك، أتاح الاتفاق لدولة الإمارات, فرصة تطوير قاعدة بحرية قريبة من ميناء بربرة، كما أنه من المنتظر أن يتم تمويل مشاريع بنية تحتية تربط ميناء عصب بأديس أبابا، وأيضًا ربط ميناء مصوع بمدينة ميقلي، عاصمة إقليم التيجراي في إثيوبيا، ذلك أنه من المؤكد أن إثيوبيا لديها خطط بنية تحتية طموحة طويلة المدى ومحددة التكاليف تشمل تطوير خطوط السكك الحديد وتطوير الطرق بمختلف أنواعها، البرية والجوية والبحرية، وإن كان الأمر كذلك، فمسألة تشجيع المستثمرين العرب والصينين على التنافس من أجل الحصول على نصيبهم من الأرباح المتوقع كسبها من ربط موانئ إريتريا ودمجها ضمن خطط أديس أبابا المعنية بتطوير البنية التحتية على المدى الطويل تبدو مسألة ممكنة.
إجمالًا يبدو أن الاهتمام
الأفريقي بالبحر
الأحمر يأخذ أبعادًا اقتصادية، ويعد الطموح الإثيوبي فيه هو رأس
الحربة، خصوصًا في ضوء الدعم الدولي التقليدي الذي تجده
إثيوبيا من الغرب تاريخيًّا.
[1]– نص مدونة جيبوتي، وتطوراتها انظر:
REVISED CODE OF CONDUCT CONCERNING THE REPRESSION OF PIRACY, ARMED ROBBERY AGAINST SHIPS, AND ILLICIT MARITIME ACTIVITY IN THE WESTERN INDIAN OCEAN AND THE GULF OF ADEN AREA,available on:
[2]– Ibed
[3]– نص ميثاق لومي متاح على:
[4]– ندوة دول الخليج في عالم متعدد الأقطاب، البحر الأحمر مسرحا، متاح على:
https:\\www.albyan.ae\one-world\arabs\2019-11-28-1.3712916
[5]– الأمن والصراع والتعاون في البحر الأحمر، الهيئة العامة للاستعلامات، وزارة الإعلام ١٩٩٦ ص ٨.
[6]– https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D8%AE%D9%8A
[7]– خيارات الإمارات أمام تحالف الصين جيبوتي، متاح على:
[8]– عصام الزيات، طوق الصين حول عنق العالم، متاح على:
[9]– صهيب عبدالرحمن، الإمارات وقطر القصة الكاملة, متاح على:
[10] – David Styan, Peace&Red Sea rivalries, The politics in the Horn,avialble on https:\.africaarguments.org\2018\7\18\politics-ports-horn-war-peace-red-sea-rivalries.
[11]– مصطفى شفيق علام، استراتيجية الموانئ إثيوبيا ومحاولات الخروج من أسر الدولة الحبيسة متاح على:
https:www.qiraatafrican.com