كتبت – أسماء حمدي
كانت الأرض تهتز تحت أقدامها، لكن هذه الأفيال العملاقة أصبحت جيفًا نتنةً تحت أشعة شمس أفريقيا الحارقة، ليس لأسباب طبيعية، بل بفعل فاعل، وانتزعت أنيابها وتركت للديدان، هذه آفة الصيد الجائر للحيوانات البرية في القارة السمراء.
وتهدد عمليات الصيد الجائر الحيوانات والطيور في القارة الأفريقية، كما تضر بالتوازن البيئي بشكل كبير، وتأتي عملية صيد الأفيال في المقدمة، حيث يتعرض مئات الأفيال للقتل سنويًّا على أيدي الصيادين الساعين للحصول على العاج أو المعروف بـ”ناب الفيل” والمحظور عالميا، ما يتسبب في انقراض الفيل الأفريقي.
ورغم حظر تجارة العاج إلا أنه قتل أكثر من 100 ألف فيل أفريقي بين عامي “2010 -2012″، وفي 2013 قتل أكثر من 20 ألف ما أدى لانخفاض أعدادها في العالم بنسبة 62%.
خلال القرنين الماضيين كان عدد الفيلة الأفريقية 26 مليونًا، ولكنه أخذ في التناقص بفعل القوى الاستعمارية الغربية، وتراجعت أعداد الفيلة لتصل إلى أقل من نصف مليون.
مأساة حقيقية تتعرض لها الأفيال الأفريقية على أيدي قراصنة الصيد، الذين لا يعترفون بأنهم يجرمون في حق البيئة، مدافعون عن ذلك بالفوائد التي يحصل عليها الجميع من خلال “العاج”، والذي يصنع منه، كرة البلياردو والتحف الفنية، ومفاتيح البيانو الفاخرة.
تتواجد مادة العاج وهي مادة صلبة وثمينة جدًّا، والتي تعادل ثمن الذهب لندرتها، في الأفيال وحيوانات أخرى كفرس النهر والفظ، وليس له بدائل، ويمكن حفره ونقشه، كما أنه استخدم على مر العصور، لكن استعماله في القرن العشرين فاق كل ما سبق.
يستخدم الصيادون في عمليات الصيد أسلحة الحرب والبنادق وكواتم الصوت وأجهزة الرؤية الليلية والمروحيات وغير ذلك من المعدات، وتتم في أوقات يكون التواجد الأمني غائبًا.
حديقة غارامبا بالكونغو
يكثر صيد الأفيال بطريقة غير شرعية في شمال شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية من متمردين وجنود ومربي مواشي رُحَّل يسهمون جميعا في الفوضى المنتشرة في هذه المنطقة المضطربة عند ملتقى الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى الواقعة في أزمة، وجنوب السودان الذي تمزقه الحرب الأهلية.
وفي منتزه غارامبا الوطني، والذي تم إنشاؤه كموقع للتراث العالمي في عام 1980، كان يوجد حيوان وحيد القرن، و22000 من الأفيال في ذلك الوقت، وكان الحراس يقومون بلا ملل بدوريات بعد نقلهم بمروحيات إلى المناطق النائية من الحديقة، وما إن يتم إنزالهم في الغابة يباشرون دوريات يراقبون خلالها الفيلة، ويرصدون إطلاق النار ويطاردون الصيادين غير الشرعيين.
يقول إريك مارارف 30 عامًا، مدير المتنزه المنتدب من المنظمة الجنوب أفريقية “أفريكان باركس” التي تدير المنتزه بالاشتراك مع المعهد الكونغولي لحفظ الطبيعة “لقد تم صيد الحيوانات في هذه الحديقة إلى حد كبير من قبل جماعات مسلحة، وأنا أعتبر جنوب السودان بمجمله مجموعة مسلحة”، وأشار إلى أن الصيد الجائر قضى على 95٪ من الأفيال بالحديقة، وما زال القتل مستمر أسبوعًا بعد أسبوع”، بحسب “بي بي سي”.
ويضيف مارارف “طوال سنوات عديدة قام جيش الرب للمقاومة بمشاركة الميليشيا الأوغندية المسؤولة عن سلسلة من المجازر وعمليات الخطف الجماعية منذ 30 عامًا، في صيد الفيلة، وأصبحت هذه الميليشيا تقتصر على نحو 150 مسلحًا ينشطون خصوصًا في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهم ينشطون أيضًا في الصيد غير الشرعي إذ يبيعون العاج مقابل الأسلحة”.
سهم سام
في عمليات الصيد الغير مشروع، يفضل الصيادون الصيد بالسهام على البنادق؛ لأنها أرخص وأسهل في الحصول عليها وأكثر هدوءًا، يقول أليكس -أحد الصيادين في حديثه لـ”بي بي سي”- “نفضل الصيد بالسهام السامة، ونصنع السم من عشب محلي، فعال للغاية، وعادة نختار الأفيال بالنظر إلى الحجم ونقتل أكبر واحد”.
دائمًا ما تكون الرغبة في الحصول على المال، هي السبب الأكبر للجرائم في العالم، يقول أليكس: “أنا لست نادمًا على ذلك؛ لأنهم يرهبوننا، ويغزون مزارعنا، ونحن لا نحصل على أي تعويض، وينتهي بنا المطاف دون طعام ولا مال، فقلة العمل والمال دفعتنا إلى هذا العمل؛ فالبنسبة لنا هناك قيمة أكبر في الفيل الميت أكثر من الفيل الحي الذي قد يدفع السياح لرؤيته”.
كل الطرق تؤدي إلى آسيا
أدى تفاقم تلك التجارة الدموية، إلى قيام 182 دولة بتوقيع اتفاقية “سايتس” لحظر تجارة العاج عام 1989، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1990.
تشير تقديرات موقع “شير أمريكا” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، أن كل صياد يقتل فيلًا كل 15 دقيقة طمعًا في نابيه، لتغذية الطلب على العاج.
وتتم معظم تلك العمليات، في الكاميرون والكونغو والغابون، وفي منطقة شرق أفريقيا وخصوصًا تنزانيا، ثم ينقل ما يجمع من عاج ليصل في النهاية إلى الصين واليابان، ليصنع هناك.
يصل حجم تجارة العاج السنوية إلى 3 مليارات دولار، حيث يباع الكيلوجرام الواحد من هذه المادة الثمينة في شرق آسيا بعد نقلها من أفريقيا بأكثر من 1000 دولار.
يقول توم ميليكين -خبير في شبكة مراقبة تجارة الحياة البرية Traffic- “حب العاج يعود لآلاف السنين، لقد منحه جماله النقي والشفاف والسهولة التي يمكن بها حفر التماثيل في منحوتات معقدة قيمة دائمة على مر العصور، ويمكنك العثور على قطع أثرية عاجية في قبور يبلغ عمرها عشرات الآلاف ومئات الآلاف من السنين”.
يبدو أن الفيلة تتعرض للتطفل دائمًا في التاريخ الحديث في كل مرة يكون لديك توسع سريع للطبقة الوسطى، فعند النظر إلى إنجلترا في العصر الفيكتوري، استوردت بريطانيا المستعمرة المزيد من العاج أكثر من أي بلد في العالم، وهو نفسه الوقت الذي حدث فيه أكبر توسع للطبقة الوسطى في المملكة المتحدة، بحسب ميليكين .
كانت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مأساة بالنسبة للأفيال، وربما تم إبادة نصف السكان بسبب تجارة العاج لآسيا، التي كانت مرتبطة بقوة بالنمو الاقتصادي لأماكن مثل اليابان.
الآن، أصبح الأمر مدمرًا بنفس القدر، لكن عدد الأفيال أقل، نحن في أزمة وهذه المرة مدفوعة بالتنمية الاقتصادية في الصين، يقول ميليكين: “علينا معالجة الشبكات الإجرامية الصينية التي اخترقت سلاسل التوريد هنا في أفريقيا”.
وجاءت تجارة العاج غير المشروعة في المرتبة الرابعة في قائمة أنشطة التجارة غير المشروعة بعد المخدرات والسلاح وتهريب البشر، بحسب تقرير للصندوق الدولي لحماية الحيوانات، صدر في سبتمبر 2013.
وذكر التقرير الدولي أن تجارة العاج غير الشرعية توفر نحو 19 مليار دولار للشبكات الإجرامية العالمية سنويًّا، حيث يتم يوميًّا الاتجار بالمئات من منتجات العاج بصورة غير قانونية في أوروبا عبر شبكة الإنترنت، وإضافة إلى استفادة الشبكات الإجرامية من تجارة العاج فإن المنظمات الإرهابية تحصد أرباحًا هائلة منها، خاصة تلك الموجودة في أفريقيا.