كتب – حسام عيد
وضع جديد يلقي بظلاله على شركات الطيران في أفريقيا، والتي لا تزال تعاني تداعيات إجراءات وتدابير مكافحة جائحة كورونا الوبائية. فاليوم، تتشكل حقائق اقتصادية جديدة لعالم ما بعد “كوفيد-19” ولا بديل عن مواكبتها لضمان البقاء والمنافسة.
في التاريخ الحديث للطيران، حدث واحد فقط غير صناعة الطيران بقدر ما يفعله فيروس كورونا اليوم. فبعد أن اصطدمت طائرتين مختطفتين من قبل إرهابيين، ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وواحدة ثالثة اصطدمت بمبنى البنتاجون، ورابعة سقطت في حقل في بنسلفانيا في 11 سبتمبر 2001، تم تغيير المعايير الأمنية بشكل لا رجعة فيه لمواجهة التهديد المتزايد.
قبل الحادي عشر من سبتمبر، كان صعود الطائرة بسيطًا نسبيًا مع عدد قليل من الفحوصات التي يتم تطبيقها على الركاب. في حين أن الوباء لا يظهر أي علامة على انحسار التحولات الأساسية في الأفق مرة أخرى، هذه المرة تتعلق بالصحة والسلامة.
لذلك، يفرض التساؤل الملح نفسه بالنسبة لشركات الطيران الأفريقية، وهو؛ كيف يمكن لهذه التغييرات أن تؤثر على الجدوى الاقتصادية لشركات الطيران غير المربحة بالفعل ومدى السرعة التي يمكنها بها التكيف مع العالم الجديد؟!.
مقاييس وتدابير جديدة
الخبر السار لمديري الطيران هو أن التوصيات الخاصة بإعادة تشغيل الصناعة من قبل منظمة الطيران المدني الدولي التابعة للأمم المتحدة – إيكاو (ICAO) لا تتطلب من شركات الطيران تقليص عدد الركاب.
تتضمن معظم إرشادات منظمة الطيران المدني الدولي -التي تغطي المطارات والطائرات- تدابير بسيطة نسبيًا مثل معدات الحماية الشخصية للموظفين وتنظيف كبائن الطائرات وتغيير عملية الصعود إلى الطائرة والحد من الوصول إلى المراحيض وتقليل التفاعل بين الموظفين والركاب.
لكن تظل النصيحة حول التباعد الجسدي على متن الطائرة غامضة، حيث تنص فقط على أنه يجب على شركات الطيران تخصيص مقاعد للمسافة الجسدية الكافية بين الركاب.
ويقول ليندن بيرنز، المتخصص في الطيران المدني، ومدير الاتصالات بإحدى شركات الطيران الأفريقية، “نحن لا نتحدث عن ضخ مليارات الدولارات في البحث والتطوير”.
ويضيف، “إنها الممارسة اليومية للنظافة الجيدة. اغسل يديك بالمطهر، وشجع الأشخاص غير الراغبين في السفر بالفترة الراهنة. ستكون فترة أولية من الإزعاج حيث نعتاد على ذلك، ولكن قريبًا ستصبح بعض هذه الأشياء جزءًا من روتيننا اليومي”.
وعلى الرغم من أن الركاب قد يشعرون بعدم الارتياح بسبب عدم وجود تباعد اجتماعي، إلا أن فقدان المقعد الأوسط قد يكون له آثار مدمرة على الربحية، الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد الضغوط بصناعة الطيران، لعل في مقدمتها كيفية الوصول إلى أكثر سعة ممكنة للطائرات وسط الجائحة.
وبصرف النظر عن تجديد المطارات بالبنية التحتية الصحية مثل محطات غسل اليدين، قد لا تتغير التكاليف التشغيلية بشكل كبير؛ إذا أصبحت توصيات منظمة الطيران المدني الدولي هي المعيار الصناعي. ومع ذلك، قد تنشأ المضاعفات إذا لم تكن التدابير الصحية موحدة.
ويوضح ليندن بيرنز، مدير الاتصالات بشركة خدمات الطيران الجنوب أفريقية ” Plane Talking” أن أحد المخاوف التي عبر عنها الاتحاد الدولي للنقل الجوي – إياتا (IATA)؛ هو أنه بعد 11 سبتمبر لم يكن هناك نهج واحد يمكن تطبيقه في جميع أنحاء العالم.
كان لدى كل سلطة محلية، وكل سلطة وطنية، وفي بعض الحالات كانت مطارات تحلم بإجراءات السلامة الخاصة بها وبفرضها. وبعد 19 عامًا، أصبح هناك مجموعة كاملة من الإجراءات الأمنية.
ومع ذلك، في نهاية المطاف، ستقرر كل إدارة ما إذا كان ينبغي اعتماد توصيات الإيكاو (ICAO) أم لا. إذا اُعتبرت القواعد غير قوية بما فيه الكفاية، أو إذا أدى استئناف الطيران إلى زيادة طفيفة في حالات الإصابة بالفيروس المستجد، فقد تتغير الأمور.
فيما يمكن أن يؤدي اتخاذ خط أكثر صرامة تجاه التباعد الاجتماعي على متن الطائرة أو التوصية بإلزام كافة الركاب بعمل الاختبارات الشاملة التي تثبت وتؤكد سلامته، إلى تغيير حسابات شركات الطيران العالمية.
وقد حددت المبادئ التوجيهية الصادرة عن وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي في مايو، المسافة بـ 1.5 متر وتحث على التباعد الجسدي على متن الطائرات حيثما أمكن ذلك.
فقاعات السفر
قد يؤدي الارتباك حول القواعد الجديدة إلى حدوث مشاكل لشركات الطيران الأفريقية التي تكافح من أجل الحصول على حقوق الهبوط في العديد من الوجهات الدولية.
على الرغم من أن المشغلين الأفارقة يمكنهم تلبية متطلبات منظمة الطيران المدني الدولي، إلا أن احتمال فرض قيود أحادية الجانب قد يعقد وصولهم إلى الدول والمدن الأخرى. وينطبق هذا أيضًا على ظاهرة الصناعة المتنامية المتمثلة في “فقاعات السفر” أو “الممرات الجوية”، وهي اتفاقيات ثنائية تسهل السفر الجوي بين دولتين والتي بدأت تتشكل في جميع أنحاء العالم.
على سبيل المثال، من المتوقع أن تُبرم المملكة المتحدة والبرتغال اتفاقية من هذا القبيل، تسمح للمصطافين البريطانيين بزيارة الشواطئ البرتغالية خلال أشهر الصيف. وناقشت نيوزيلندا وأستراليا، اللتان يُعتقد على نطاق واسع أنهما نجحتا في احتواء “كوفيد-19” ، فقاعة السفر في المراحل الأولى من الوباء، لكنها لم تتحقق رسميًا بعد.
يكمن القلق في أن المنظمين الأجانب سيكونون بطيئين في إعطاء الأولوية للاتفاقيات الثنائية مع البلدان الأفريقية وأن الصور النمطية المنتشرة -أو الافتقار إلى الثقة في قدرة الحكومات على إجراء اختبار الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا أو استجابة الرعاية الصحية- ستثني صانعي السياسات عن السماح للمواطنين بزيارة القارة.
قد يكون لهذا تأثير مدمر على البلدان التي تعتمد على السياحة كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي، مما يعزز حاجة الحكومات الأفريقية للسيطرة على الفيروس.
حتى إذا سُمح باستئناف الرحلات الجوية، سيتعين على الركاب الوثوق في استجابة الدولة قبل ركوبهم. بعد إعلان أن تنزانيا خالية من الفيروسات على الرغم من التقارير الموثوقة التي تشير إلى عكس ذلك، فتح الرئيس جون ماجوفولي المجال الجوي لبلاده أمام الرحلات الجوية الدولية. لكن وسط تقارير عن آلاف الحالات غير المشخصة، قرر عدد قليل جدًا من السياح الزيارة. وبدون زيادة كبيرة في أعداد الركاب، تواجه شركة طيران تنزانيا، التي تشهد انتعاشًا منذ وصول ماجوفولي إلى السلطة في عام 2015، مستقبلًا قاتمًا.
وتقول إنديجو إليس، المسؤولة عن الشأن الأفريقي في شركة Verisk Maplecroft –شركة عالمية للمخاطر والاستشارات الاستراتيجية- “حتى إذا رفعت الحكومات الفردية قيود السفر، فإن هذا لا يعني أن الشهية أو اللوائح على الجانب الآخر ستلحق بالركب”.
السفر الإقليمي أولا
نظرًا لأن السفر لمسافات طويلة يبدو أنه سيحمل في طياته العبء الأكبر من الوباء، فمن المحتمل أن يتعافى المشغلون الإقليميون الأقل تعرضًا للسوق الدولية بشكل أسرع من نظرائهم الأكبر.
ومثال على ذلك، ما تسعى إليه الحكومة الأوغندية اليوم لتفعيل خطة استثمارية تقدر بـ777 مليون دولار في الخطوط الجوية الوطنية من أجل إعادة إحياء وإنعاش الناقل الجوي الرسمي للبلاد والإبقاء على تواجده في سوق الطيران الأفريقي، بشكل تنافسي.
وقد استقبلت الخطوط الأوغندية 4 طائرات من طراز بومباردييه سي اره جيه 900، وقد تقدمت بطلب لشراء طائرتين أخريين من شركة إيرباص، من المقرر أن يصلا في ديسمبر المقبل.
وجدير بالذكر، في يناير 2020، قامت الخطوط الجوية الأوغندية بتشغيل رحلات إلى ست دول في جميع أنحاء منطقة شرق أفريقيا ولكن بعد وقت قصير من إيقاف أسطولها بعد ظهور كورونا. ما يعني عدم التعرض للسوق بشكل كلي، كما أن حداثة الأسطول جعلها تفقد إيرادات أقل ، ومن ثم دفع نفقات عامة أقل للحفاظ على طائراتها. كما أكملت الحكومة تخصيص رأس مال وفير لشركة الطيران قبل تفشي الوباء وهو مكافأة.
واليوم، بدلاً من استخدام هذه الطائرات الحديثة لمسافات طويلة للرحلات إلى لندن ودبي والصين -كما كان مقصودًا- من المرجح إعادة توجيهها إلى غرب أفريقيا وجنوب أفريقيا، حيث يوجد طلبًا أكبر على المدى المتوسط.
وختامًا، ربما يكون الاندماج داخل السوق الأفريقية الضخمة غير المستغلة؛ هو الميزة الوحيدة لشركات النقل المحلية وسط جائحة كورونا الوبائية. يجب أن يكونوا قادرين على الحصول على حصة في السوق من المنافسين الأجانب مثل الخطوط الجوية التركية التي تعاني من ضغوط مالية كبيرة.