حسام عيد – محلل اقتصادي
على مدى السنوات الماضية رأت دول أفريقية في مواردها الطبيعية كنزًا كامنًا يقودها لازدهار ورخاء وسلام مجتمعاتها وأجيالها القادمة، وهذا بالفعل ما حمله النفط الأفريقي؛ لما يمتلكه من أهمية اقتصادية بالغة، وتأثير واسع وهادف ليس في محيط القارة السمراء فحسب ولكن في كافة أنحاء العالم.
غانا؛ إحدى النماذج الناجحة والتي يحتذى بها في الاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية، فهي تعرف كمنتج كبير ومصدر للنفط الخام على مستوى القارة السمراء، وهذا ما حولها إلى ثاني أكبر اقتصاد في غرب أفريقيا، والذي يصنف من بين الأقوى والأسرع نموًّا في قارة أفريقيا خلال عام 2019، بملامسته لمعدل الـ7%.
والتوقعات على مدى الــ5 سنوات المقبلة إيجابية؛ فمعدل النمو في المتوسط سيدور في محيط الـ5% ولن يقل عنه، وذلك بدعم من اكتشافات جديدة محتملة في النفط والتعدين، والتي كان آخرها في الأسبوع الثاني من ديسمبر 2019.
اكتشاف نفطي جيد لغانا وأفريقيا
في الحادي عشر من ديسمبر 2019، أعلنت المجموعة الغانية “سبرينج فيلد للاستكشاف والإنتاج” عن اكتشاف بئر للنفط والغاز يصل حجمها إلى 1.5 مليار برميل من النفط و0.7 مليار متر مكعب من الغاز، وذلك قبالة سواحل غرب أفريقيا.
الاكتشاف الجديد الذي تحقق بالتعاون مع الشركة الوطنية الغانية للبترول، جاء في أعقاب حملة حفر آبار Afina-1 الأولى في المنطقة الغربية لغانا على المحيط الأطلسي.
وأوضحت المجموعة -في بيان صادر عنها- أن قدرة البئر المكتشفة بعمق المياه الإقليمية الغانية، قد تصل إلى 3 مليارات برميل، واصفة الاكتشاف بـ”الجيد” بالنسبة لها و”لغانا ولأفريقيا”.
وأصبحت المجموعة الغانية أول شركة نفط مستقلة بالبلاد تقوم بحفر بئر نفطي في أعماق المياه، وتمكنت من استخراج النفط والغاز.
وبدوره، أعرب المدير العام لـ”سبرينج فيلد”، كيفن أوكيير، عن حماسه الشديد لهذا الاكتشاف؛ لأنه يرتبط برؤية المجموعة النفطية الغانية في أن تصبح لاعبًا أفريقيًّا رائدًا في مجال التنقيب مع التركيز على البعد العالمي.
ووفقا لمحللين؛ سيحتاج هذا الاكتشاف النفطي الهائل إلى شركاء أجانب في تطويره، وذلك لامتلاكهم الخبرة الكافية في مجال الاستثمار النفطي بالمياه العميقة.
تعزيز الاستدامة
فيما أبدى الرئيس التنفيذي لمجموعة النفط الوطنية الغانية، فخره الكبير بهذا العمل، واصفًا إياه بـ”الإنجاز الفذ”، مشيرًا إلى أنه يتلاءم مع الركائز الاستراتيجية للمجموعة، وهي “استبدال وتنمية الاحتياطيات”، بالإضافة إلى تعزيز الاستدامة من خلال تطوير المحتوى المحلي.
ومرة أخرى، يوضح هذا الاكتشاف الجديد الإمكانيات الكبيرة لأحواض غانا المترسبة والقدرة الغانية على تسطير الإنجاز، مع توافر الفرصة.
ومن أجل تعزيز الاستثمارات في صناعتها النفطية، تخطط غانا اليوم لإعطاء شركات النفط المزيد من الخيارات فيما يتعلق بأماكن التنقيب عن النفط والغاز.
ووفقًا لنائب وزير البترول، محمد أمين آدم، تسعى غانا إلى تغيير استراتيجيتها لجذب الاستثمارات؛ لأن المنافسة على الاستثمارات الأفريقية في مجال النفط والغاز أصبحت أكثر ضراوة.
ومن المقرر أن تساعد اكتشافات النفط والغاز والاستثمارات اللاحقة في مشاريع البنية التحتية في مساعدة صناعة النفط والغاز في أفريقيا على النمو، مثلما ساعدت على تحسين الحوكمة والتنظيم.
وتنتج غانا حاليًا حوالي 200 ألف برميل من النفط يوميًّا، نصفها تقريبًا ينتج من حقل “جيبيلي” من طرف الشركة البريطانية “تيوللو”، كما تتراوح احتياطاتها اليوم ما بين 5 و7 مليارات برميل.
ومع الاكتشاف الجديد، بالإضافة إلى الاكتشافات المحتملة على المدى القريب، فمن المتوقع أن يتضاعف إنتاج غانا من النفط في السنوات الخمس المقبلة.
مستقبل أفريقيا النفطي.. مشرق
وفي الوقت الراهن، عاد التفاؤل المتجدد إلى صناعة النفط والغاز في أفريقيا، وذلك على خلفية انتعاش الأسعار وزيادة اهتمام المستثمرين.
وتشرف القارة السمراء الآن على انتعاشة متدفقة في صناعة النفط منذ انهيار الأسعار العالمية في عام 2014، حيث أعادت الصناعة هيكلة نفسها وأصبحت في وضع تنافسي أكبر من حيث الكفاءة والأداء التشغيلي.
وأصبح مستقبل صناعة القارة مشرقًا أيضًا، حيث تستهدف شركات النفط والغاز “نموًّا حذرًا “في المناطق الأقل عرضة للمخاطر والصدمات الخارجية، مع الحفاظ على كلفتها وأهدافها التشغيلية.
فيما اعتبر بوريس إيفانوف، المؤسس والمدير العام للشركة العالمية لاستكشاف النفط وإنتاجه، أن الجودة العالية لموارد أفريقيا وموقعها الاستراتيجي وضعها هدفًا تنافسيًّا بجميع أسواق استيراد الطاقة العالمية الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، الأمر الذي يجعل القارة السمراء رائدة في الاستكشاف والإنتاج.
وأضاف، “لقد جذب هذا -بالفعل- الشركات الكبرى إلى الشواطئ والسواحل الأفريقية، بدأت شركة بريتيش بتروليوم “بي بي” عمليات التنقيب قبالة سواحل كوت ديفوار، حيث مُنحت تيوللو أيضًا ترخيصًا، بينما دخلت إكسون موبيل غانا وناميبيا، وأنشأت موقعًا خارجيًّا في موريتانيا”.
ورأى إيفانوف أنه إذا ظهرت أزمة في الإمدادات وظلت الأسعار مرتفعة، فسوف تحتاج شركات النفط العالمية إلى زيادة الاستثمار في الإنتاج الجديد، مما يجعل من الاستثمار في التنقيب والإنتاج في أفريقيا فرصة مثلى لا تعوض.
وختامًا، يمكن القول: إن تحول غانا إلى قوة نفطية ضخمة في أفريقيا يبقى متوقفًا على إدارة البلاد لموارد القطاع النفطي، واستغلالها بطريقة مثلى في تنويع الاقتصاد، وتوظيف الطفرة الحالية في تعزيز أهداف النمو المستدام، من خلال إيصال عائدات النفط إلى التعليم والزراعة والتصنيع، وهو الأمر الذي سيعطي قطاعات الأعمال الأخرى الفرصة للتوسع، وكذلك ستكون فرص دخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد أكبر ودائرتها أوسع.